من منا نحن السودانيين من لم يشاهد يشاهد المسرحية الكوميدية المصرية : شاهد ما شافش حاجة .. بطولة عادل امام و عمر الحريرى و التى كانت تعرض على شاشة التلفزيون السودانى فى السبعينيات و الثمانينيات فى كل عيد .. بل و فى كل مناسبة بها عطلة حتى حفظناها عن ظهر غيب من كثرة تكرارها و متعتها.. حيث تعاقبنا على الاستماع اليها جيل بعد جيل..؟؟ المسرحية المصرية عبارة عن مشاهد كوميدية متعددة الفصول تتحدث عن مواطن اسمه سرحان عبد البصير .. مواطن بسيط يقحم فى قضية لا يد له فيها و لا رجل و لا لسان ( لن نقول ناقة لان الناقة سعرها غالى جدا ) .. و يؤتى بذلك المواطن كشاهد فيها و هو لا يعرف من هو القاتل و لا من هو المقتول .. و تمضى المسرحية تنتقد اوضاع المجتمع العربى عموما و المصرى خصوصا بالنقد تارة بالتلميح و اخرى بالتصريح المباشر و كل ذلك فى اسلوب كوميدى ساخر .. و تتعدد مشاهد المسرحية و اماكنها بين حديقة الحيوانات و الى البيت ثم الى المحكمة .. فقد كانت بدايتها مسرحية و نهايتها مسرحية لها ممثلون و مخرج و مؤلف و خشبة مسرح و لها جمهور كبير .. جمهور اتحد لاول مرة باكيا من الضحك على ما ال اليه حاله..؟؟ مسرحية شاهد ما شافش حاجة التى قدمت على خشبة المسرح المصرى فى زمن غابر فى هذا الوطن العربى .. نجدها الان تمثل فى كل مسارح وطننا السودان و فى كل ميادينه و ساحاته.. و موضوع المسرحية نفسه نجده على ارض الواقع السودانى .. بل و الاماكن التى مثلت فيها المسرحية هى نفسها نراها راى العين ابتداءا من حديقة الحيوان التى نراها غابة ياكل القوى فيها الضعيف .. و نرى تلك الراقصة التى غيبتها المسرحية و تكلمت عنها بضمير الغائب لانها قتلت نراها اليوم فى المشهد السودانى حية تسعى .. نراها حاضرة و راقصة فى كل تفاصيل حياتنا اليومية .. نراها هو و اخواتها يرقصن فى الساحات و الميادين و يكتبن حضورهن فى مظاهر الفساد .. و فى غابات الاسمنت فى بلد بعد من الافقر عالميا حيث لا ماء نقى و كفى ..؟؟ الجمهور السودانى هنا يعتلى خشبة المسرح ليشهد و يشاهد كل حاجة .. و ينقسم علي خشبة المسرح و هو يتقاسم ادوار الممثلين حقيقة لا تمثيلا .. و يقحم البعض ليكون قاتلا او قتيلا او شاهدا و البعض يقال عنه شهيدا .. ؟؟ و هناك المحكمة و نجدها محاكم تحقيق و تحريم و تجريم ..؟؟ اختلط الحابل بالنابل .. لم تعد هناك تاثير للمؤثرات الصوتية فالكل يتكلم و الكل يصرخ و الاصوات تاتى طبيعية بكاء و نواح و عويل و احيانا تكبير و تهليل .. اللون الاحمر ( لون الدم ) اصدق الالوان تعبيرا للمشهد السودانى .. ضاع الطيب و اختلط مع الخبيث .. و ضاع الاصيل مع صاحب الفصيل .. اختلت المعايير فصار الخائن امينا و الامين خائنا .. ( اختلال المعايير نراه فى الاحتفال بذلك الراعى الامين فبدلا من ان تكون الامانة شيئا طبيعيا فى دولة المشروع الحضارى صارت الامانة شيئا غريبا عنا تقام له الاحتفالات و التكريم بواسطة الوزراء الذين يتكبدون مشاق السفر و قطع البحر للاحتفال بذلك الرجل الذى لطمهم و مشروعهم الحضارى على وجوههم و اقفيتهم و قام بتعريهم و لا ندرى هل نحن نعيش المرحلة التى ترفع فيها الامانة و يصير الامناء غرباء.. بعد ان تحولت الامانة الى مغنم؟؟ ) فى المسرحية السودانية لا تعرف من الطاهر و من غير ذلك .. ؟؟ لا تعرف من رئيس المحكمة و من المراسل .. رئيس المحكمة يخاف من رئيسه الاعلى ..؟؟ ما اكثر الرؤساء و الزعماء فى هذا الوطن المسمى بالسودان ..؟؟ فالكل يريد ان يكون رئيسا لا تفرق بين رئيس دائرة او مؤسسة و رئيس محكمة و رئيس دولة.. و رئيس حزب فالكل يامر و الكل سلطان.. ؟؟ هى المسرحية نفسها و قد صار كل شئ فيها الى تغيير .. المؤلف الواحد صاروا عندنا مؤلفين عدة وغير مؤتلفين .. و تعدد المخرجون و اختلفوا .. و خرج كل الممثلين عن النص .. لكن سرحان عبد البصير ذلك المصرى البسيط تحول الى محمد احمد السودانى و هو ايضا بسيط .. لكن الفرق ان محمد احمد السودانى ( سرحان عبد البسيط المصرى ) ان محمد احمد السودانى يقف اليوم شاهدا و مشاهدا و مشدوها و هو يشوف و يعاين كل حاجة .. و يخاف من كل حاجة .. و يسير سارحا على غير هدى و لا بصيرة .. فقد سلبت ارادته و اهدرت كرامته و تم تهميش دوره .. و لم يعد له صوت امام سوط جلاديه .. ؟؟ لم تعد المسرحية كوميدية بل صارت تراجيدية سودانية .. و من التراجيديا السوداء جدا .. لا يصدقها عقل و لا خيال .. فهنا تشاهد القاتل يطلق الرصاص و القتيل مضرجا بالدماء فى بث مباشر .. ثم ترى القاتل يعزى اهل القتيل بعد ان قام بقتله .. ؟؟ انهكتنا البراءة السودانية عن السؤال ذات يوم .. و اليوم تهلكنا بكل الاسئلة.. ؟؟ صارت المسرحية المصرية التى اضحكتنا و كنا ننتظرها كل عيد يوما ما .. تحولت الى مسرحية سودانية تقهرنا كل يوم فهنا قد تحولت من هزلية الى هزيلة و مخزية و مبكية للسودانيين جميعا.. ؟؟ فلم يعد السودان هو الوطن الحانى و المسالم الذى كنا نعرفه و يسمع عنه البعيد و يضرب به الامثال فى الالفة و المحبة و السلم الاجتماعى .. بل تحول الى وطن القتلى .. وطن اليتامى .. وطن الثكالى .. وطن الجرحى و المعوقين بسبب الحروب الانقاذية. المتعددة..؟؟ وطن صار يحتفل بالامين ( بكرة سنسمع بالاحتفال باليوم السودانى الخالى من الفساد ) .. اصبحنا كل يوم نرى مشهد مفجع و موجع .. و الوطن يئن و ينزف دما من الالم .. و من جحود الابناء ..؟؟ كنا سابقا ننتظر و نبحث عن عادل امام ليضحكنا و يدخل البهجة الى قلوبنا و قلوب اطفالنا.. لكننا اليوم صرنا نبحث عن امام عادل ليعيد الامور الى نصابها .. امام يعدل بين الناس على اساس من المواطنة المتساوية بعيدا عن الحزبية و الولاء الحزبى البغيض .. امام يكون قدوة فى اسلوب معيشته للرعية .. ياكل مما ياكلون و يشرب مما يشربون و يعانى من نقص للعلاج و الدواء كما يعانون .. امام يكون العدل بين الرعية اساس حكمه .. امام يقف امام الرعية و يخاطبهم ان احد منتسبى حزبى قد سرق و فسد و غدا سنقيم الحد عليه.. امام يكون شعاره السودان اولا ثم الحزب اخيرا .. ؟؟ صرنا نبحث عن امام عادل يساوى بين الجميع فى كل شئ لا امام يسمح لحسين خوجلى بان يقول عبر قناته الفضائية ما يشاء و وقت ما يشاء .. بينما يتم توقيف صحيفة الجريدة من الصدور لاكثر من اسبوعين لنشرها تقريرا حكوميا او مقالا لم يعجب الرقيب العتيد .. ؟؟ فنحن هنا امام مسرحية حكومية بطلها حسين خوجلى كشاهد شاف و مسموح له ان يتحدث فى كل حاجة .. يتحدث عن فساد حكومى يزكم الانفاس .. يتحدث عن سرقات تحدث يوميا امامنا.. ؟؟ و اخرى حدثت و تم سترها بذلك الفقه المسمى باسمها..؟؟ يتحدث خوجلى يوميا كشاهد عن اناس صاروا يملكون القصور و الشركات بعد ان كانوا لا يملكون شيئا قبل الانقاذ..؟؟ يتحدث عن مشاريع تم تدميرها و مؤسسات بيعت بسعر التراب..؟؟ يتحدث خوجلى عن اختلاسات فى البنوك و الوزارات و المؤسسات الحكومية..؟؟ المضحك و المبكى فى المسرحية السودانية ( شاهد شاف كل حاجة ) ان يختفى رئيس المجكمة او المدعى العام ( و هنا فى السودان هو وزير العدل ) من المسرح .. برغم من افادة الشاهد خوجلى و اقواله .. الا انه هنا اختفى من المشهد و لم يجرؤ احد على استدعاء حسين خوجلى و التحقيق معه مما قاله و مما كاله من اتهامات و حديث يومى عن فساد و افساد .. ؟؟ بينما يتم مصادرة و معاقبة الصحف اليومية التى انحازت لمصلحة الوطن الجريح و لمصلحة المواطن المقهور حزنا مما يرى لمجرد بضعة كلمات لم تعجب الرقيب القابع امامها .. ؟؟ فاجهزة الرقابة القبلية و البعدية تغض الطرف عما يقوله ابن الحكومة المدلل حسين خوجلى فى قناته الفضائية و عاملة مشغولة بالجريدة ( مع الاعتذار لود الامين للاستعارة )..؟؟ ميزان العدالة هنا فى السودان مختل .. ؟؟ فويل للمطففين .. و الويل كما تقول كتب التفاسير وادى فى جهنم اعاذنا الله من جهنم و حرها..؟؟ الم نقل اننا لسنا بحاجة الى عادل امام لينشر الفرح بين الجميع .. بل بحاجة الى امام عادل يبسط العدل بين الجميع.. ؟؟