شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون المزيرة .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 11 - 03 - 2014

تُنطق كلمة مزيرة هكذا بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الياء والراء. أقرب لهذا (ماز-يره) . وتعني مكان في البيت توضع فيه الجرار (الازيار) لحفظ وتبريد الماء، بصورة طبيعية. كما تعني نقطة أو مركز لتوفير الماء في المرافق العامة (مساجد، مدارس، أو في الطرقات أمام بعض المنازل) وتسمى السبيل (اي في سبيل الله).
أولاً قبل أن أكتب تخيلت ردة الفعل، قل أو الدهشة..وفرك العيون لقراء هذا العنوان.. تخيلت أن رجلاً يقول ها زول .. ها .. إنت راسك ما حلو ليك؟ .. تخيلت إمرأة من القراء تكتفي بالقول .. أجي؟.. وتخيلت بعض الشباب الذين طالما اصطحبتهم معي في الفيس يقولون لي :عمو إنت جاد؟ ويقول لي قائل يا خي الناس في شنو وإنت في شنو؟.. يا خي الناس في الدستوووور!!! لأقول أنا في المزيرة.. كما قد يقول لي قائل أن المزيرة من التاريخ.. من زمن الشلوخ.. يا خي قول حاجة تانية.. اقول سأقول المزيرة حتى تظهر حاجة تانية تحل محل المزيرة، تماماً .. وحتى يستطيع كافة الناس أن يشربوا الماء بشكل كاف من غير المزيرة..
طبعاً هذه الدهشة،المتخيلة من طرفي، سببها الرئيس أن كثير ممن يقرأ هذا هم الذين يتوفر لهم مبرد الماء على بعد خطوات قليلة منهم، هذا إن لم يكن إلى الجوار على اطراف اصابعهم. والذي يستطيعون أن يدخلو أيديهم في جيوبهم ويدفعون ثمن قارورة الماء وهم لا يكترثون.وأن المزيرة سيتذكرها تذكراً بعض من مرّ بها في بعض حياته.. لكن هناك أناس لا يزالون خارج الشبكة.. الشبكة العنكبوتية.. وشبكة مياه الشرب.. سمعت واحد منهم يقول للمذيع .. ياسيد نحن ما دايرين سلطة ولا ثروة.. نحن دايرين نروا.. دايرين شنو ؟ نروا .. نرووووااااا. ورأيت بعيني في برنامج دنيا الذي كان يقدمه المبدع كمال سويكت في تلفزيون السودان، طفلة صغيرة تجر الماء من بئر بحمار أعجف.. والمشهد في قرية بين النيلين الكبيرين بعد مطلع الالفية، بل في نهاية عقدها الأول!!!.
التقط يراعي (او سمه مؤشر فارة الكومبيوتر هيلي) تقرير صغير باسم مزيرة القسيمة في منتدى قرية العوضاب ، جاء فيه:
حصلت طفره كبيره بقرية العوضاب بدخول كهرباء الشبكه القوميه،فانتشرت الثلاجات فى المنازل بصورة لم تكن متصورة. رغم ذلك لم ولن يلغى الدور الكبيرالذى لعبته المزيره، خاصة فى رمضان بتوفير الماء البارد. ليشير التقرير إلى مزيرة الخالة القسيمة التى تتميز بالماء النظيف النقى البارد. وقد تم بناؤها فى اتجاه الهواء الذى يمر عبرها شمالا وجنوبا و حسن اختيار نوع الازيار المستخدمة ، ثم الاهتمام بالنظافه الدوريه لها ...سقى الله خالتنا القسيمه من انهار الجنه (آمين).
كذلك وجدت المزيرة طريقها للشعر السوداني. وهذا ما يؤكد وجودها وأهميتها. الابيات التالية التقطها (بتصرف) من موقع قرية العريجا، بناها أحد الكرام صدقة جارية لأخية :
عجيبة المزيرة الفي حيطة ما متضارية
يوت نسَّاما طالق، لا بعوض لا ملاريا
على مر السنين، عدد النجوم السارية
تقعد ليك أثر باقي، وصدقتن جارية
أخوانك رجال.. رايهم سليم وسديد
غلَّقوا ساسا في جوار مسجد التوحيد
متل مطر العُطاش تروي القريب وبعيد
إتْ من خير المزيرة في قبرك دوام في عيد
أزيارك ظُراف، صافي الزلال نقَّاعِن
ومويتك سلسبيل تروي المقيم والظاعن
سبيل مُقنع بنات أهلو البقش دمَّاعن
مهذب خلقة، ما بعرف يسب ويطاعن
طرقت الفكرة رأسي أكثر من مرة.. مرة عندما قرأت في مختارات علي المك من الأدب السوداني (الكتاب اشتريته في يوليو 1998) وفيه كتب الاستاذ أبو بكر خالد (1924-1976) قصتة المسماة كلاب القرية.. التي تدور أحداثها في قرية بها ندرة للماء.. وفيها قصص للبعاتي إذ يقول، فيما يقول عندما اشار له التلاميذ في الظلام أن شئياً ما يحدث : (تقدمتهم لمكان الماء، يقصد تلاميذه. أخذت طريقي وأنا أحمل عصاً، وأعلم أني سأجد بقرة أو عنزةً. وقبل أن اضع رجلي داخل الحجرة، مرق في سرعة كلب هائل. هبط الأمان على قلبي. وتنفست الصعداء.والتفت في سخرية لعمال المدرسة الذين تبعوني (في الظلام) ،ورفعت الفانوس الصغير ، فلمحت عنزة ، قد رفعت أرجلها الأمامية وأدخلت رأسها في الزير وهي تشرب آمنة.. وعندما اقتربت من العنزة وقفت فجأة وأنا أبصر فتاة قد تجمعت في ركن وهي تحاول أن تخفي جرتها التي ملأتها بالماء .. وعندما تحركت واقتربت منّي تراجعت خائفاً، وقلبي يوشك أن يفلت منّي).. لقد اختار الأديب البروفسير على المك، تلك القصة كإحدى أروع القصص السودانية..
كما تذكرت ما أورده المفكر مالك بن نبي عن الموضوع تحت عنوان بائع الحضارة..يقصد فيه ذلك الرجل في المغرب العربي الذي يحمل جرة و أمزاباً يوزع الماء على الناس ، ويرشد السائلين إلى مبتغاهم داخل الأسواق. .. يشير فيها أن قيمة بذل الماء قيمة حضارية كبرى، ولا بد أن ينظر لها هكذا.
لفت انتباهي أحد الزملاء الأفارقة عندما قدمتُ للخرطوم في صحبتة مع آخرين، وله ذكريات في الخرطوم في أيام شبابه، وقد كان مناضلاً ضد نظام بلاده القائم وقتها، مقيماً بالخرطوم. لتنتصرمجموعته، ليعمل وزيراً ونائباً برلمانيا . ثم نزل للمعاش. فأثناء عبورنا في بعض طرقات الخرطوم لفت انتباهي بقوله: انظر كنّا نشرب الماء من هذه الجرار، يا إلهي.. كم كانت أيام .. تخيل أن السودانيين يقيمونها مجاناً !!.. لكني أراها الآن وقد تلاشت كثيراً لدرجة الاندثار!! (انتهى) . فكرت حينها في الموضوع وخشيت بأن تدرج المزيرة في قوائم الدعم اللوجستي (خدمات الإمداد) الذي يقدم لفصائل متمردة عن أنظمتها، فتوقع اتفاقيات تتضمن التخلص الآمن من المزيرات.. مثلها مثل نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج..
وتذكرت أنه من إرث المنطقة شمالي مدينة سنجة كانت قرية اسمها حلة الظابط في مكان محطة السكة حديد المعروفة بمحطة عنيكليبة. والظابط ، أحسبه من الظباط السودانيين الذين شاركوا في الحرب العالمية ، ثم نزل إلى المعاش ، ليقيم سبيلاً. اسمه البشاري الحاشي، تقيم ذريته في سنجة. وقد قام بتدريسنا ابنه الناظر سيد البشاري، الذي كان ناظراً لمدرسة دريبو، نحو نهاية الستينيات من القرن الماضي. . لقد اقام الظابط البشاري يوماً في قريته سبيلاً ، مزيرة من جرار ضخمة على بعد ما يقارب العشرة كيلومترات من النيل الأزرق، في وقت لم يكن فيه هناك بئر ولا حفير ولا سكة حديد ولا طريق أسفلت ولا أعمدة كهرباء . فلقد ذكر أنه كان ينقل إليها الماء بالجمال ويرعاها. يغشاه الناس العابرون من و إلى سنجة والرعاة فيأخذون كفايتهم من الماء. حتى عندما بني خزان سنار وارتفع الماء إلى قرب ذلك المكان انتهت مهمة الظابط رحمه الله وأحسن إليه. إنظروا من منّا يجروء أن يعود إلى اهله بمشروع يغير به شظف الحياة الراتب عند الناس .
هذا وقد استعرض الموضوع بصورة علمية دقيقة استاذنا الجليل البروفسير حامد درار، الذي ارتقى كرسي الاستاذية في وقت مبكر وبجدارة . وله كتاب عن حياته الشخصية باسم حجاب الحاج محمد . يحكي فيه كيف أنه جاء من البدو إلى المدرسة، وكيف سلك مدارج السالكين في العلم.... كيف لا تلتقط شاشاتنا العديدة هذا البروفسير العالم الاديب الموسوعي . فكتابه عن الجراثيم، الذي سماه (ميكروب .. ثقافة عامة عن الميكروبات) وحده وبدون أي درجات علمية أخرى سيضعه في كرسي الاستاذية. الكتاب جدير أن يكون من متطلبات كل الجامعات السودانية (علمي وأدبي بدون فرز)، لكي يتعرف الأبناء والبنات على العلم بلغة أدبية رصينة.
تعرض بروفسير درار لموضوع السبيل (المزيرة) ضمن مواضيع كثيرة قدم فيها الجراثيم في أطباق من ذهب ، ذاكراً فيها مظان التلوث بالميكروبات.. معرفاً السبائلجمع سبيل، وهي تعني نقاط الماء المنتشرة على الطريق التي يتزود المارة منها بمياه شربهم.. ويحفظ الماء في السبائل في أواني فخارية (أزيار)، وتوجد هذه الأزيار في المدراس والمستشفيات والأسواق .. وقد عرض بروفسير درار نتائج البحوث وتحديد مظان التلوث ، مفيداً أن هناك مزيرات أو سبائل محسنة تمنع تلوث الماء فيها ومن ثم تقل قابلية الإصابة بالجراثيم.. وأضيف أن توطين نتائج مثل هذه البحوث المنقذة للحياة لا بد أن تبني بمنظومة قوانين ، تحفها سياسات داعمة للسلوك الراقي، كابحة للسلوكيات والتقاليد الضارة..
لكن الحقيقة دفعني شعوري وبعض العلم بأنه في الجو الحار الجاف، لا بد أن تكون المزيرة ضمن الأدوات الداعمة للحياة في القرى والبوادي وأطراف المدن والمدن، والمدارس والمستشفيات والمساجد والأحياء الراقية (الراقية مفردة مستخدمة لتعني أحياء الأغنياء).والأحياء نصف الراقية والأحياء ربع الراقية، وليس بعد ذلك إلا الترحال والنزوح، الذي ستتحول فيه المزيرة غلى سعن وقربة وجركانة للماء تحمل على العاتق.
لعمري، إن أكثر الناس لا يستطيعون شراء ماء القوارير، التي قد ينصرف لها الذهن كبديل عن هذه الخزعبلات التي أكتب عنها!!! رجعي مش كدة. . لأؤكد أنه حتى الماء المتاح في المزيرات غير كاف وبل وأحياناً كثيرة، بطريقته المعهودة غير صحي. وأن أكثر السابلة من الناس يقل شربهم للماء عن المعدلات الصحية المطلوبة، خاصة أطفال المدارس، لسبب رئيس هو عدم وجود الماء الصحي النظيف في المتناول.وذلك مما يتسبب في أمراض منها حصوات الكلى والصداع وغير ذلك إلى درجة نقص الذكاء لاطفال المدراس. والفحص المعلوم لعدم ارتواء الجسم هو خروج البول اصفر اللون.. أما إذا كان البول مثل الماء صافٍ، فذلك مؤشر ارتواء وعنوان لحياة كاملة وغنية.
يقول عنه دليل منظمة أكسفام للتنمية والاغاثة: أن الماء احتياج مطلقAbsolute need . فتوفير ماء الشرب النظيف الكافي أمر حيوي لصحة الناس وبقائهم. وعندما ينهار نظام الماء فالصحة العامة تصبح في (كف عفريت). ويحتاج الشخص الواحد ما متوسطه في اليوم نحو ثمانية عشر لتراً (جركانة كبيرة أم اربعة جالون)، لاغراض الشرب والطبخ والغسيل والعناية الشخصية . ويسرد الدليل الحديث عن الماء في اربعة صفحات تصل إلى ألف وخمسمائة كلمة.
دفعني الاعتقاد بأن بذل ماء الشرب للسابلة من الأنشطة ذات المردود العالي من الأجر.. من ذلك الحديث الشريف أن الملائكة تقول: لو كنّا بشراّ لكنّا نسقى الماء. وكذلك الحديث الشريف الذي يوفر فيه الرجل الماء للكلب وبموجب ذلك يغفر الله له ويدخله الجنة. وأن التعريف الحديث للأمن الغذائي يشمل أيضاً ماء الشرب . ومن ثم فالحديث عن الوجبة المدرسية لابد أن يشمل ماء الشرب النظيف أيضاً.. والحديث عن الدعم الغذائي لا بد أن يشمل الماء النظيف الكافي.. وكذلك اليوم العالمي لغسل الأيدي يعني استخدام الماء وتقليل التلوث. علماً بأن الماء الملوث هو من أكبر مسببات المرض..
ولقد جال الموضوع في رأسي مرة أخرى عندما شرعت في اقامة مزيرة ، أهب أجرها لمن هم أحق بحسن الصحبة (لوالديّ) .. ولو تمكنت من عشر مزيرات لفعلت.. وقد رأيت بعيني كيف يرتاد الناس هذه المزيرة حديثة النشأة، أصحاب كوارو وركشات ومشاة وباعة متجولون ونساء في طريقهن لعزاء. ثم تلاميذ المدارس في النهار، وبعد رياضتهم في العصر.. وكثيرون آخرون.. تذكرت كيف كنًا في مدارسنا الريفية نعتمد على المزيرات في ماء شربنا.. عادة استعرض الموضوع بطرح بعض الاسئلة. هل كانت المزيرات ضمن المسوحات والبحوث من أي نوع؟ كم يا ترى عدد المزيرات في ولاية الخرطوم، مثلاً . بل كم هي في كل ولاية ومدينة وحي؟ من يصنعها؟.. وما هي مواصفات المزيرة المثالية؟.. هل فعلاً يحتاج الناس للمزيرات؟..ماذا يحدث لو انعدمت كل المزيرات ؟ هناك بنك الطعام، وهناك مجهود للكساء وغير ذلك.فهل توجد جمعية طوعية تعني بالمزيرات كنشاط طوعي مطلوب؟ وماذا لو أن في كل شارع مزيرة،..
فكرتُ قانوناً ماذا لو تسببت هذه المزيرة في جلب ضرر ما؟.. وماذا عن عدم التعامل السليم مع المزيرة؟.. هل ياتي يوماً يقدم المتطوع بالمزيرة فيه خدمة اضافية لرعاية المزيرة؟. طبعاً نحن نريد الأجر، ونريد أن نكون نظيفي الاجسام ملسائها، في حالة ما لا منه بد يمسك الواحد منّا بالخرطوش بيد، جلابيته البيضاء بيد أخرى مبتعدة أن يصيبها رزاز الماء والطين، هذا إذإ حدث أن تطوع وقام بذاته الكريمة؟ لعمري لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (وعلى رأس ما نحب هذه الأجسام الفانية، هذه البيضا المكوية).. كم مرة في الأسبوع يا ترى تغسل الأزيار، وما هي الأدوات المكملة لها من أواني الشرب؟.. للأسف أني أضفت للمزيرة جنازير لربط أواني الشرب (أكواز من النيكل)، رغم ذلك نُزعت وفُقد منها البعض. لكن ما دمنا نبتغي الأجر، لا أحسب أن ذلك يتطلب أن نصخب أونسيء إلى أحد . هل نحتاج لعلب الصلصة؟.. وهل نحتاج أن نخرمها؟
الحصول على الماء لا بد أن يكون حقاً دستورياً، لا أحد من الحكومة أو المعارضة سيعترض. وأقترح أن يبدأ الحوار بقانون المزيرة ، عملاً بالحكمة أن الحوار يبدا بالمواضيع المحايدة التي لا خلاف عليها . ولا بد أن يكون الماء نظيفاً .. وممارسة بذل الماء واقامة المزيرات أن يكون سلوكاً راقياً يعزز الممارسات الصحية السليمة من كافة الأطراف في اتفاقية المزيرة.. وبعد ذلك تكون اللوائح الموجهة للسلوك في إنشاء واستدامة نقاط للماء ذات مواصفات عالية، لتوفر ماءاً نظيفاً في كل الأماكن والمرافق العامة. وتكون تلك النقاط محمية بالقانون، قانون المزيرة إن شئتم.فالقانون شأنه أن يحدد الحقوق ويحدد الواجبات لكل طرف في الاتفاقية بما فيها من حقوق مجاورة.. كما يحدد الحقوق والواجبات المشتركة بينها. فالمزيرة فيها أطراف ربما ما ينشأ فيها نزاع أو ضرر.وأول وضع قانوني للمزيرة أنها تستخدم الطريق العام (الحق العام)، وقد تتسبب في توالد البعوض، ووقد تتسبب في وحل الطريق، بل وقد تتسبب في الإصابة بالمرض أيضاً.. حتى لا تتدغمس الأمور ويقال: لقد سكت هنا المشرِّع ، والأمر متروك للتقدير .. وقد يطرح سؤال: طيب لماذا القانون.. ربما يكفى التوجيه والتنوير فقط؟.. لكن الإجابة يا صديقي: لماذ نخاف من القانون، والقانون بدءا لا يجرم، لكنه ينظم، ثم بعد ذلك يجرم من يتجاوز الحقوق ويأمر بإعادتها لاصحابها. أن عدم الوضوح هو الذي يربك الحسابات الدولة (الناس والحكومة) الراقية تدير شأنها بالقانون ويحترمه الناس وتحترمه الحكومة، و لا يبحثون عن طريقة يخرقونه بها.. وربما يقول أحد أن القانون مجرد حمار.. لماذ يا سيد تركبنا الحمير.. يا أخي أقول لك تقنين الحياة يقلل العشوائية ويضبط السلوك ويضع توازن الحق والواجب.. ونحن وحدنا نعتبر القانون حماراً وغيرنا يعتبر أن القانون هو العهد المنظم للحياة .والقانون المنظم لحق الماء على راس القوانين.
ولأضرب هذا المثل لقوة واحترام قوانين الماء (سمه النموذج). أشار أحد الذين تدربوا مؤخراً في إحدى عواصم دول التنمية العالية ليذكر أن أثناء إقامته في أحد أحيائها ورد لديهم إشعار من الشركة التي تدير شأن الماء يفيد بأن ثمة صيانة تجرى على خط المياه المغذي لمسكنهم. وأنه بسبب الصيانة سيقطع إمداد المياه لنحو ساعتين. وفي حالة تأخر وصول المياه لأكثر من ساعتين يمكنهم التوجه لأحد الفنادق المجاورة والمكوث فيه على حساب شركة المياه ، ريثما يرجع إمداد الماء لوضعه الطبيعي. وقد عاد إمداد الماء في ظرف ساعة ونصف بدلاً عن ساعتين. هنا مستهلك الماء محمي بالقانون و لا يمكن أن تتراخى الشركة في أداء واجبها.. تقول لي شنو؟فانون المزيرة هو أحد أهم القوانين المنقذة للحياة. سمه لاغراض اللياقة أواللباقة أوالايتيكيت أوالدبلوماسية ومفردات اثنوغرافيا ما بعد الحداثة وعصر التنوير : هو قانون نقاط المياه. هذا استجابة للنداء الرؤية (ما دايرين سلطة لا ثروة.. دايرين نروا).. وقد قيل أن مهمة الحكومة أن يكون الناس سعداء.
الصادق عبدالله عبدالله غفر الله له.
[email protected]
11مارس 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.