فلسفة الحكم والتغيير السلمى هى ألأكثر حظا والأوفر شيوعا بين الفلاسفة والمفكرين فى الماضى التليد او الحاضر الآنى او مستقبل ألأيام وكان هيجل أكثرهم انتشار وتاثيرا بافكاره ذائعة الصيت.,ولم يذهب غاندى فيما ذهب اليه هيجل فأتخذ لنفسه مدرسة سماها Saravodya اى منهج اللاعنف فى المجتمع ليحقق لهند استقلالها دون اراقة دماء وملهم افريقيا نسلون مانديلا فهو الآخر امتداد فكرى للمدرسة الغاندية فى منهج اللاعنف لسبب ان غاندى استلهم فكرته فى مناضة الستعمار من خلال معايشته للتفرقة العنصرية فى جنوب افريقيا ليعود لونه قائدا ملهما للأمة الهندية,وهكذا جاء من بعدهم منهج جين شارب للتغيير ومناهضة الدكتاتوريات سلما وهو منهج حداثوى طور فكر المقاوة سلما للدكتاتوريات عبر آليات ووسائل سهلة, ولقد تأثرت الحركة الوطنية السودانية بمشروع غاندى وحزب المؤتمر الهندى ونشأ مؤتمر الخريجين ولكن كان لحزب ألأمة حظا اوفر فى مشروع التغيير السلمى ومؤسسسه الأمام عبدالرحمن المهدى الذى اختار طريق التطور الدستورى السلمى لاستقلال السودان ,ولم يكن غيره بدا الا الكفاح المسلح وهكذا عبر مشروع اللاعنف تحقق أستقلال السودان بما يدلل على امتلاك حزب الأمة لمنهج اللاعنف فى المقاومة السياسية السودانية بوسائل سودانية تمثلت فى التظاهر السلمى فى مارس 1953. الأنقاذ وحزب الأمة: رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدى ليس بعيدا عن المدرسة الغاندوية ويجمع بينهما التعليم البريطانى ودراسة الفلسفة واخذ غاندى دراسة القانون ايضا,لكن ما يهمنا هنا أن السيد الصادق المهدى ارسى منهجا جديدا فى قيادته لتيار ثورى مصادم ذو ارث جهادى موغل فى الثورية.وكانت آخر تحدياته مواجهة نظام مايو فى الجزيرة ابا مارس 1970 مواجهة غير متكافئة غير أن دور الصادق المهدى ايضا كان سلميا حتى لحظة اعتقاله, استبسال الانصار بقيادة امامهم الشهيد الهادى المهدى يؤكد الروح الثورية التى تسيطر على الانصار وهى اكبر التحديات فى كيفية تحويل الطاقة الثورية المصادمة لقوة سلمية فاعلة وهو التحدى الذى واجهه الصادق المهدى فى مرحلة مابعد الجزيرة ابا1970. حزب ألأمة بعد 1970:وهى المرحلة الممتدة حتى تاريخنا وهى مرحلة الصادق المهدى بكل تجلياتها السياسية والفكرية جديرة بالتأمل والوقوف على المستوى الفكرى وهى القضية المحورية التى ظلت تسيطر على تفكير الصادق المهدى فى قيادته للحزب والكيان وبالعودة للوراء قليلا نجد اسهامات الصادق المهدى الفكرية بزغت مبكرا بعد عودته من لندن حيث نهل من الفكر الغربى الليبرالى ليحاول انتاج مزج بين وستمنستر وفوضى الممارسة السياسية فى السودان فى حزب تسيطر عليه الفكر العقدى وجماهيره فى اصقاع السودان يصعب عليهم تفكيك مصطلحات مثل السندكالية والريدكالية وهى جماهير تقليدية تقلت تعليم اهليا تقليديا, لكن هذه الجرعات الفكرية ارست دعائم فكر ومنهج مستقبلى لحزب الأمة,ولحقت بها كتابات الغربة وأحاديثها,والتى كانت مزجا بين تطوير الفكر الاممى والقومى ووضعه فى قالب سودانوى يتسق مع النهج الاسلامى,ولم تكن هذه الاجتهادات سهلة الوصول فى حزب يستند على البعد الدينى والطائفى فى حسم قضايا الصراعات السياسية كما ان هذه النهج الجديد سوف يطيح بآمال الكثيين من قيادات الوراثة وما اكثرهم فى اطار اسرى او طائفى او حتى قبلى وكان طبيعيا ان تواجه ثورة الحداثة التى يقودها السيد الصادق المهدى بثورة رفض مضادة من الحرس القديم الجديد وهى ثورة غير موضوعية فى رفضها للحداثة التى قادها الصادق المهدى فى اطارها الفكرى وهى قضية السياسة والقداسة والتى لازلت محل صراع وقد سبق ان حاورنا السيد الصادق المهدى حول الموقف القديم من رئاسة الحزب وامامة الأنصار حيث تمسك بموقفه القديم وذكر انه سام الأمامة ولم يجد من يأخذها.ودفع الصادق المهدى فى ذلك ثمنا باهظا لكنه استمر فى مشروعه الحداثوى وهو آخر مشروع يشهده حزب ألأمة منذ تأسيسه ,وقد افرز هذا المشروع انقساما فى حزب ألأمة واستمر حتى بعد استشهاد الامام الهادى المهدى,وخلال الفترة من 1970 حتى 1985 سكب الصادق المهدى عصارة فكره وجهده فى اطار التحديث والتطوير السياسى فى ظل مواجهات سياسية وفكرية مابين اليسار والذى كان فى قمة صعوده الفكرى والسياسى فى ظل تنامى الفكر الشيوعى و القومى وبروز الناصرية والبعث وكذلك بروز تيار الاخوان المسلمون ومدارسهم المختلفة ووسط كل هذا الموساييك الفكرى يسارا ويمينا ظل حزب الأمة هدفا لهم هجوما ونقدا ولم تكن لحزب الأمة منابره الفكرية التى تصادم وتدافع عنه وهو الذى يحمل ارث فكرى وحمل تاريخى كبير شمل مجاهدات المهدية بكل ما فيها من صراعات ومواجهات,واجتهادات السيد الصادق المهدى الفكرية وفرت مصدرا فكريا لمنابر حزب الامة الطلابية منها والسياسية وكانت اكبر محاولة فكرية نقدية جادة مارسها الصادق المهدى هو كتابه (يسألونك عن المهدية) فى منتصف سبعينات القرن الماضى ولم يكن يسيرا على قائد حزب موصوف بالغلو الطائفى ان يقدم اطروحة فكرية نقدية متقدمة وهى فريضة لايمارسها اليسار ولا يؤمن بها اليمين بعدها كانت العقوبات الشرعية وغيرها من الكتيبات والمحاضرات والماسجلات الفكرية التى غيرت من صورة حزب الامة وشكلته حزبا عصريا فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى وتقدم الطلاب الانصار المنابر الجامعية والاتحادات الطلابية فى الجامعات والمعاهد العليا بل برزت قيادات قدرات سياسية وفكرية اعتمد عليها الحزب فى منابره يتحدثون لغة واحدة مفهومة وبرزت مدرسة Sadgism وانضم كثيرون لحزب الأمة ايمانا بفكر الصادق المهدى وبرزت شعارات جديدة مثل عاش الصادق أمل الأمة ولا نصادق غير الصادق بل برزت عصبية صادقية كادت ان تتحول لعصبة طائفية تنحرف بالمسار الفكرى للحزب توجه سهاما لكل من يتخذ موقفا نقديا للصادق المهدى وهى مرحلة لاحقة ولدت مرارات وما تجرات سوف نعود اليها فى مقال منفصل,وهنا اختفى العصا(حزب الأمة) وحل محله الفكر والحوار المستنير, والى الذين يجهلون التاريخ عليهم مراجعة الذاكرة لمعرفة هذا المسمى لعصا غليظة لمواجهة التهم والهجوم سوى كان فكريا او نقدا سياسيا . مشروع المفكر الأوحد: ربما يورد سؤال واحد اذن حزب الأمة هو حزب المفكر الواحد, وربما يكون ذلك واردا فى مرحلة مابعد بروز الصادق المهدى والذى وصفه عبدالخالق محجوب بالظاهرة فى حزب الأمة وعادة الظاهرة غير قابلة للتكرار, ودون شك ان الكسب السياسى والتطور الفكرى هى من تضع صاحبه فى دائرة المفكريين غير ان القدرات العقلية ايضا تسهم اضافة ا للجهد الشخصى وفى ذلك ظل الصادق المهدى مثابرا وساعده فى ذلك انه تلقى تعليما فى الاقتصاد السياسى الذى يجعله يمتلك قدرة التفكير والتحليل فى مناهج ومدارس مختلفة اشتراكية ورأسمالية ورغم وجود عدد مقدر من حملات الدرجات العلمية العليا فى حزب الأمة الا ان مساهماتهم الفكرية ومشاركاتهم فى المنابر المحلية والعالمية مقارنة بالسيد الصادق المهدى ضئيلة للغاية,وعطفا على مواقف اليسار من اطروحات الصادق المهدى فقد انقسم الحزب السيوعى عليه خاصة التيار الذى قاده عمر مصطفى المكى فى كتابه الماركسية المفترى عليها حيث وجه نقدا لازعا على سكرتير الحزب الشيوعى الأستاذ نقد ووصفة بجناح الصادق كناية فى تبعيته للصادق المهدى وتأييد اطروحاته واتهمه بانه يقود طريق يهدف الى ترويض الحزب الشيوعى ثم افراغه من كل محتوى ثورى وتحويله الى مجرد زعامة سياسية تطبل لحزب الامة هكذا وصل الحال بالحزب الشيوعى السودانى ,ومهما يكن من تقييم وصدقية الموقف الفكرى, فأن آية الفكر تجلت فى قدرة التأثيير فى اطار المشروعات الفكرية الأخرى المطروحة بنما ينشد تيار الماركسية فى تمسكه الوثوقى بفكره دوونما ادنى اشارة لتوطينه وهو ما جمع نقد والصادق وباعد بين تيار المكى والحزب الشيوعى وهو نصر للفكر الوطنى السودانى,ويتواصل البعث الفكرى فى المقاومة السلمية فى مناهضة مشروع الأنقاذ الحضارى وهو مشروع عميق بكل تجلياته السياسية والفكرية متخذا من الدين سياجا منيعا ولم يجد غبر مدرسة الصحوة التى هى انتاج فكرى للصادق المهدى وبدأت المناطحة الفكرية فى المنابر الدعوية وظل مسجد ودنوباوى وقبله مسجد القبة يشكلان منبرا فكريا عصيا يرفد ساحة الفكر السياسى باطروحات متقدمة نقدا للمشروع الحضارى وصارت مساجد الأنصار ملاذا آمنا لكل اصحاب المواقف السياسية والفكرية الرافضة للمشروع الحضارى,وفى ذلك ظلت المساهمات الفكرية النقدية لمشروع الانقاذ مستمرا حتى برزت معالم المشروع فى كتابات نقدية من داخل الأنقاذ تمثلت فى عدد من مثقفى ومفكرى الانقاذ الطيب زين العابدين-الافندى-حسن مكى-محجوب عروة وغيرهم من وجهوا نقدا مماثلا للفكر السياسى والدينى الذى تينته الانقاذ فى مشروعها الحضارى وهو يأتى ضمن الكسب الفكرى للصادق المهدى الذى ظل يراهن على الحل السلمى ورغم كل سهام النقد التى ظلت توجه بشكل مستمر من بعض صغار الكتبة الا أن مسيرة التحول السياسى والفكرى لن تكتمل معالمها دون ان يرسم خارطتها حزب ألأمة القومى بما له من ارث سياسى وفكرى,وموقف حزب ألأمة من تفكيك النظام وكنس آثار فكره السياسى غير متعلقة بقضية السلطة والمشاركة فيها وهى قضية تؤرق مضاجع الكثير من المستوزرين الذين يزايدون على حزب الأمة فى مواقفه السياسية وأنى لهم . [email protected]