المتفائلون يرون أن السعادة الحقيقية، هي التي تنبع من من أعماق الشخص، وهي الإحساس بالرضا والقبول، هي القناعة والتسليم لله، هي التأقلم مع الأوضاع وتقبل الواقع، والعمل على تحسينه، وهي العيش بتناغم مع الحياة، وعدم تعقيدها بالمستحيلات غير الممكنة، هي تجاوز الحزن، والنظر الى الجانب المشرق من الحياة والاستمتاع به، هذا بالنسبة للفرد؛ ولكن كيف تقاس سعادة الشعوب؟ الكثير من التقارير الدولية والأممية دائماً ما تصنف السودان من أقل الدول سعادة وأكثرها فشلاً، فالتقرير الأممي، الذي صدر الخميس الماضي حول تصنيف الدول، الأكثر سعادة جاء ترتيب السودان (124) من مجموع (156) دولة بمعنى أنها من الدول التعيسة. مرّ على استقلالنا 58 عاماً، والنتيجة؛ ترتيب دولتنا من بين الدول الأربع الأقل نمواً، أي من الدول المتخلفة، كان من الممكن أن نتقبل هذا الأمر، لو كانت لدينا أسباب جوهرية تقود لهذه النتيجة، مثل انعدام الموارد والكفاءات والعلم، لكن عندما نصنف من بين الدول، التي تمتلك كل ما هو مطلوب لأن تصبح دولة متكاملة وقوية اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، لا تقل عن مصر وجنوب افريقيا والهند وماليزيا وكوريا الجنوبية، وها هي دول العالم تحتفل ب"اليوم العالمي للسعادة"، حيث اعتمدت الأممالمتحدة في دورتها ال 66 خلال شهر يونيو، من عام 2012، هذا اليوم من كل عام يوماً دولياً للسعادة، اعترافاً منها بأهمية السعي إلى السعادة. السودان اليوم، يعد من الدول الأقل سعادة، ولعل ما يؤخذ على السودان تفشي النزاعا ت المسلحة في أطرافه، هذا ما يزيد الأمور سوءاً ويزيد الحكومة عجزاً، هذه العبارات أطلقها الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة في وقت سابق، بجانب انعدام التنمية المستدامة، وتوفر أسلحة في غير أجهزة الدولة. ويقول الخبير الاستراتيجي الرشيد ابو شامة ل(الخرطوم)، إن هذه التقارير لايمكن أن ننكرها، وأن السودان دائماً في ذيل الدول السعيدة ، لاسيما وأنه السودان ومنذ الاستقلال، يشهد تراجعا، في كل أوجه الحياة، وكل حكومة تأتي تكون الأسوأ من سابقتها، حتى جاءت الإنقاذ التي أتت على كل شيء، من تعليم وصحة واقتصاد وانتشار الفساد ، واستمرار الحروب، وأردف قائلاً: إن المسألة تحتاج لبحث كبير من العلماء والخبراء، لمعرفة أسباب التدني، باعتبار أن هذه المسألة متعلقة بالإنسان السوداني نفسه. وضرب مثلاً باعفاء المنظمات الإسلامية من الجمارك ، ومحاربة ذلك من داخل البرلمان، حينما رفض ذلك وزير المالية الأسبق الراحل عبد الوهاب عثمان، بالرغم من أن هنالك بعض الدول تتربص بالسودان وتحاول تقسيمه والحط من تقدمه، إلا أننا لا يمكن إنكار هذه التقارير باعتبارها حقيقة، ولا يمكن أن ندس رؤوسنا في الرمال، ويجب الانتباه لتراجع السودان في كل وجه، وتغيير ما بأنفسنا حتى نغير من أوضاع بلادنا. ويقول التقرير إن الدول العربية التي شهدت الربيع العربي، هي أقل الدول سعادة في الشرق الأوسط والعالم، كما سيطرت دول الخليج العربي على المراتب الأولى في العالم العربي، إلا أن مصادر مطلعة أبلغت (الخرطوم) أمس، بأنه بانعدام الرقابة يكثر الفساد والرشوة، مشيرين الى أن معظم الأنظمة بالدول العربية استبدادية وغير ديمقراطية، لذا تنعدم فيها الرقابة والمحاسبة من قبل الأجهزة الرقابية والصحافة، ويكثر بها الفساد،. وأضافت أن الشعب العربي معروف بحبه للحرية، وأي نظام استبدادي يكون وجوده مؤقتاً، لذلك تنتهز قيادات هذه الأنظمة الفرصة للثراء بالاختلاس من الأموال العامة ، قبل ان يهب الشعب ضدهم، وبهذا يكثر الفساد في هذه الأنظمة، والفساد يعوق التنمية التي هي أساس السعادة، وتضيف "نظام الحزب الواحد ايضا نظام استبدادي"، كما أن الأنظمة التي تأتي بعد ثورات أيضاً تكون قابلة للفساد. ويرى التقرير؛ أن اليابان التي تعتبر من أكثر الدول تقدماً وتطوراً الا أن شعبها ليس سعيداً، وقد بررت الأممالمتحدة السبب بالمخاطر الطبيعية التي تشهدها اليابان، والتي تؤثر على شعبها سلباً، أما الدول السياحية الكبرى، كأسبانيا وإيطاليا وفرنسا، ليست ضمن المراتب الأولى. حسب تقرير الأممالمتحدة، الذي يقيس مؤشرات السعادة بالبلدان، فإن المغرب يوجد في مراتب متأخرة، عن دول نامية كزامبيا وغانا وأنغولا، التي احتلت مراتب متقدمة بالمقارنة مع المغرب. ذلك أن التقرير الأممي الذي يقيس السعادة في دول العالم، لا يستند في تصنيفه إلى مؤشر تقدم الدول أو تخلفها أو إلى البنية التحتية أو الاقتصاد، وإنما هناك عوامل أخرى تتحكم فيه، وتتعلق أساساً بمعدل الدخل الفردي للمواطن، وغياب الرشوة والفساد في المجتمع، وكذلك اتساع حجم الأمل في الحياة والإحساس بالحرية، وكذلك تبرع المواطنين للأعمال الخيرية. وقد حلت دولة الإمارات الدول العربية في المرتبة الأولى عربياً، على قائمة تقرير الأممالمتحدة حول مستوى سعادة ورفاهية شعوب العالم. ويقول التقرير إن العوامل المجتمعية هي الأكثر أهمية بالنسبة إلى السعادة، مثل قوة الدعم المجتمعي، ومستوى الفساد، والحرية التي يتمتع بها الفرد، أما المحاور الرئيسية فتتضمن محور التعليم والصحة والتنوع البيئي والثقافي والمستوى المعيشي، موضحاً أن الثروة المالية ليست هي التي تجعل الناس سعداء، كما يعتقد البعض، بل الحرية السياسية وغياب الفساد والشبكات الاجتماعية القوية، وهي عوامل أكثر فاعلية من العامل المادي.