شغلت قضايا الفساد وقضية الطبيبة المرتدة، واتهام جهاز الأمن والمخابرات الوطني للسيد الصادق المهدي، مساحات واسعةً ودوائر متعددة في الرأي العام. وباتت هذه القضايا تشكل قضايا رأي عام لا تقبل المُزاحمة من قضايا أخرى. ومن المؤكد أن قضايا الفساد وقضية الطبيبة المرتدة، وقضية الصادق المهدي، بالإضافة إلى قضية أيلولة المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة الصحة الاتحادية، تصدرت أولويات المهتمين بالشأن العام السوداني داخل السودان وخارجه، كما أنه وجد سوانح مهمة لتنداح في دوائر واهتمامات وهموم المواطن السوداني، وفي بعض الأحايين أنسته هذه القضايا المُثارة في الوسائط الصّحافية والإعلامية آناء الليل وأطراف النهار، المُضاغطات الاقتصادية التي يعاني منها في حياته اليومية. وأحسبُ أن الحوار الوطني بدأت تتقلص مساحاته في أولويات الرأي العام، ناهيك عن أولويات الحكومة والأحزاب والقوى السياسية الراغبة في المشاركة فيه، بعد تلقيها دعوة صريحة من الأخ الرئيس عمر البشير في خطاب "الوثبة" في يوم الاثنين 27 يناير 2014. ولا يخفى عن الكثيرين أن تراجع أولويات الحوار الوطني، نجم عن سوء تقديرات لبعض مؤسسات الدولة، وكان التناغم بين هذه المؤسسات مفقود، فإذا بنا نلحظ انتقادات واسعة واتهامات متباينة توجه إلى السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي من بعض أنصار حزبه، إضافةً إلى الكثيرين خارج إطار حزبه وطائفته، بدعوة أن حماسته للمشارك في الحوار الوطني دفعته إلى تقديم حيثيات متتالية دفاعاً عن المشاركة، ومن ثم العمل جاهداً مع آخرين لإقناع الأحزاب والقوى السياسية الرافضة للحوار الوطني، بحيث أنه تنازل عن كثير من مواقف حزبه تجاه حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم). مع كل هذا، نفاجأ بتوجيه جهاز الأمن والمخابرات الوطني جملة تهم ضده، تجعله يمثل أمام نيابة أمن الدولة، لمواجهة الاتهامات الموجهة إليه. قس على ذلك اتهامت أخرى تصدر من المجلس الوطني (البرلمان)، بدعوى أن هجومه ضد قوات الدعم السريع يدخل في إطار "الخيانة العظمى"، مستقلين في ذلك الحصانة البرلمانية التي تنأى بهم عن النيابات والمحاكم. أخلصُ إلى أن هذه القضايا التي ذكرتُها آنفاً في هذه العُجالة، تُؤكد بلا أدنى ريب، أن الحوار الوطني فقد بريقه، وخفض حِراكه، بعد أن كان تصدر أولويات الشرائح المجتمعية كافة، وكأن هناك أيديَ خفية تعمل على إبطائه، ولما شعرت بأنه أحدث حِراكاً سياسياً مجتمعياً، تزاحم السودانيون إليه، بحُجية أن مُخرجاته ومآلات معالجة الوضع السياسي الراهن المأزوم. وأظنُّ – وإن بعضَ الظنِّ إثمٌ - هذه القوى التي تعمل على إبطاء الحوار الوطني أو تعطيله، تسعى جاهدةً إلى صرف الرأي العام عنه بالانشغال بقضايا أكثر إثارةً وضوضاء منه، لتلكم القضايا التي أشرنا إليها آنفاً. وعليه المرتجى من الحادبين على الحوار الوطني ألا ييأسوا ويقنطوا وينشغلوا عن غيره من قضايا. كما أن من المخاطر المُحدقة بالحوار الوطني التهديد الذي أصدره حزب الأمة القومي بالانسحاب منه، ويقيني إذا انسحب حزب الأمة القومي من هذا الحوار الوطني، ستكتب بذلك نهايته، ويتأكد للجميع بأنه انتهى قبل أن يبدأ كما ذكرتُ في مقالي بالأمس (الجمعة). ولنستذكر في هذا الصدد، قولَ الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". وقول الشّاعر العربي عمرو بن سنان بن خالد المنقري التميمي: وَكُلُّ كَرِيْمٍ يَتَّقِي الذَّمَّ بِالْقِرَى وَلِلْخَيْرِ بَيْنَ الصَّالِحِيْنَ طَرِيْقُ لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلاَدٌ بِأهْلِهَا وَلَكِنَّ أَخْلاَقَ الرِّجَالِ تَضِيْقُ نَمَتْنِيْ عُرُوْقٌ مِنْ زُرَارَةَ لِلْعُلَى وَمِنْ فَدَكِيٍّ وَالأَشَدِّ عُرُوْقُ مَكَارِمُ يَجْعَلْنَ الْفَتَى في أَرُوْمَةٍ يَفَاعٍ ، وَبَعْضُ الْوَالِدِيْنَ دَقِيْقُ