يبدو أن الحديث عن الحوار الوطني يضيق به البعض ذرعاً، بحُجية أنّه ما عاد يتصدر فقه أولويات الخارطة السياسية السودانية، بعد أن تزاحمت عليه قضايا الفساد، وقضية الطبيبة المرتدة، ودعوى جهاز الأمن والمخابرات الوطني ضد السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، واعتقاله أمس (السبت). وقالت لي الدكتورة مريم الصادق المهدي في اتصالٍ هاتفي، إن اعتقال الصادق المهدي، جعل الحزب يفكر جدياً بشأن موقفه من الحوار الوطني، بعد اعتقال رئيسه مساء أمس، إضافةً إلى إجراء المزيد من المشاورات بين قيادات الحزب حول التعبئة وسط أعضائه وأنصاره. واستوقفني في أمر الحوار الوطني، انتقاد أحد أصدقائي الخُلَّص بأنّ طول إقامتي في بريطانيا قرابة الثلاثة عقود، جعلتني بعيداً عن دهاليز الساسة وتضاريس السياسة في السودان. ولما رأى تفاؤلي المتزايد حول حتمية انعقاد الحوار الوطني، استجابةً لدعوة الأخ الرئيس عمر البشير إلى الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة في الحوار الوطنيّ المزمع انعقاده لإحداث توافق وطني، وفق أجندات وطنية يحدد أطرها، ويرسم معالمها المشاركون، مع استصحاب أجندة رئاسية عامة يمكن أن يبنى عليها أجندات وطنية يتفق عليها، بعد قراءة المرتكزات الأربعة التي تضمنها الخطاب الرئاسي في يوم الاثنين 27 يناير 2014 بقاعة الصداقة في الخرطوم. وفي تطورٍ لاحقٍ، أُضيفت إلى هذه المرتكزات الأربعة مرتكز خامس هو العلاقات الخارجية الذي أعلن عنه الأخ الرئيس عمر البشير في الجلسة الطارئة لمجلس الوزراء في يوم الأحد 23 مارس الماضي. وفي خضّم الانتظار الذي عِيل معه صبرُ الكثير من قيادات الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، إضافةً إلى شرائح مجتمعية واسعة، فاجأ الأخ الرئيس عمر البشير في لقاء تنويري بقيادات الأحزاب والقوى السياسية، بتوجيهات رئاسية تُعلن عن إطلاق حريات تهيء البيئة والمُناخ للحوار الوطني، وهي في مجملها حُريات داعمة للممارسة السياسية الحزبية، ومؤكدةً ضرورات حرية التعبير وحرية الصّحافة. وفي رأيي الخاص، أنّه من الضّروري أن نتفاءل بالحوار الوطني، من باب تفاءلوا خيراً تجدوه، وأن نجاهدَ في سبيل انعقاده مهما كانت العوائق والعراقيل، واعتقال بعض قادة المعارضة، إذا كنا نعتقد جازمين أنّه سيقي هذه البلاد شروراً كثيرة ومصائب شتى. ولكن من الضّروري - أيضاً - أن نعي جيداً أن هناك أياديَ خفية تعبث بهذا التفاؤل الذي ينتشر بين جنبات الكثير من السودانيين داخل السودان وخارجه، على الرغم من النصال التي توجه إليه لترديه قتيلاً. فالمطلوبُ من الذين يؤمنون به أن يجاهدوا في سبيله بالكلمة الناصعة، والعبارة الساطعة، آناء الليل وأطراف النهار، حتى يزداد أولئك الذين يُفرطون في تفاؤلهم بالحوار الوطني. أخلصُ إلى أنّه من الضّروري أن نعمل جاهدين مخلصين، في ألا يُطفأ بصيص الأمل الذي أوقدته الدعوة الرئاسية إلى الحوار الوطني لمعالجة قضايا السودان السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن الضّروري أن نراعي الغضب الساطع وسط أعضاء حزب الأمة القومي، وطائفة الأنصار، بعد اعتقال السيد الصادق المهدي، وترحيله إلى سجن كوبر مساء أمس (السبت)، الذي قد يدفعهم إلى الانسحاب من المشاركة في الحوار الوطني، ومن ثمّ التأثير على غيرهم من الأحزاب التي أبدت موافقةً، وأن تظل الرافضة في ممانعتها، بحُجية أن هنالك أعضاء في المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، غير جادة في دعوة الحوار الوطني، فأرادت أن تُنهيه قبل أن يبدأ. ونناشد حزب الأمة القومي، أن يتحلى بالصبر والاصطبار، ولا يقنط من الحوار الوطني، فينفذ تهديده بالانسجاب مهما كانت تطورات الأحداث، فيهدم البنيان على رؤوس الأشهاد، والمتفائلين من أمثالي، فليتحملوا مضايقات الذات، المتمثلة في اعتقال زعيمهم من أجل إحداث فرج مُرتقب سيُحققه الحوار الوطني – المأمول - إذا ما انعقدت أركانه، وكانوا ركناً ركيناً من هذه الأركان التي يقوم عليها بُنيان الحوار الوطني. كما أنّه لزاماً علينا أن نُناشد مؤسسة الرئاسة في بذل كثيرِ جهدٍ لكي تتحقق مقاصد الدعوة الرئاسية إلى الحوار الوطني، الذي شهدنا بعضاً من أوجه وفاقٍ وطني، كنا نأمل أن تتسعَ دائرته، ولكن ما حدث من اعتقال للسيد الصادق المهدي بالأمس، لا يبشر بكثيرِ تفاؤلٍ، أو قرب توافقٍ وطني. فعليه ندعو إلى الاستجابة لضرورة الاعتصام بحبل الله والوطن، بُغية تحقيق أهدافٍ كليةٍ، تُعنى برفع الرَّهق عن المواطن، وتحقيق السلام والاستقرار، وصولاً إلى الغايات المنشودة، والأهداف المرجوة، في سبيل رفعة هذا الوطن العزيز، وازدهار بنيه. من أجل ذلك علينا جميعاً أن نُفرط في التفاؤل بالحوار الوطني المأمول، رغم المحن والإحن، ومستجدات الأحداث التي تذكي نيران الفرقة، وتجعل الحوار مستعصياً. ولنستذكر في هذا الصدد، قولَ الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي وهفا بالفؤاد في سلسبيل ظمأ للسواد من عين شمس //////////////