أثار قرارُ تبعية المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة الصّحة الاتحادية، ردود أفعال متباينة، لم تقتصر على المُجتمعات الطبية داخل السودان فحسب، بل أنّها انداحت في دوائرِ كثيرِ من المهتمين بقضايا الطِبابة والأطباء من مواقع مختلفة، تحرص على المحافظة على المستويات والمعايير المهنية الطبية للطبيب السوداني، سواء كان داخل البلاد أو خارجها. من هذا المنطلق اهتممتُ شخصياً بأمر نقل المجالس الطبية المتخصصة - لا سيما مجلس التخصصات الطبية - من وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل، إلى وزارة الصحة الاتحادية؛ لأن هذه الوزارة في الأغلب هي الجهة المخدمة للأطباء، وأنها وزارة خدمية، وبالتالي قد تُغيِّب بعض المعايير المهنية لسد حاجتها من الأطباء، ومن ثمّ يُؤثر ذلك سلباً على الطبيب والطبابة في السودان. ولم يكن غريباً أن يجتمع الأطباء على رفض التوجيه الرئاسي بأيلولة المجالس الطبية إلى وزارة الصّحة الاتحادية، لأن بعضهم كان من الرافضين أساساً، لأيلولة المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل، عند تأسيسها، بعد نقلها من رئاسة مجلس الوزراء، أي جهة سيادية تمنح شهاداتهم قدراً من الاستقلالية والقبول الواسع، داخلياً وخارجياً. ولكنهم بعد لأيٍّ ولجاجةٍ، وافقوا على تلكم الأيلولة، باعتبار أنها فترة اختبارية لوزارة مُستحدثة آلت إليها إدارة التدريب المركزي، فلم يريدوا أن يرفضوا هذا الأمر دون اختباره، بينما يعلمون علم اليقين أنّ أيلولة المجالس الطبية المتخصصة، خاصّة مجلس التخصصات الطبية إلى وزارة الصحة الاتحادية، يُفقد هذا المجلس بعضَ مهامه الأساسية، المتعلقة بتحسين مستوى الخدمات الطبية، بالإشراف الكامل على تأهيل وتدريب الكوادر الطبية في كل التخصصات، إضافةً إلى تحديد أسس تقويم الشهادات التخصصية، بمستوياتها العلمية والفنية، بالتنسيق والاشتراك مع المؤسسات والجامعات. وبأيلولة مثل هذا المجلس إلى وزارة الصحة الاتحادية، يفقده استقلاليته التدريبية والأكاديمية، ويصبح جهازاً تابعاً لوزارة الصحة الاتحادية، ضمن إدارات متعددة، لا تتصدر أولوية التدريب، موازنةً وتنفيذاً، الخارطة الصحية للوزارة، ولا تُلبي احتياجات المجلس الضّرورية في الحفاظ على مستويات تأهيل وتدريب الأطباء، وفقاً لكل التخصصات، لأن الموازنة المخصصة لهذا الغرض محدودة، ولا تضمن لهذا المجلس استقلاليته المطلوبة، لضمان الاعتراف بشهاداته التخصصية والأكاديمية. وفي رأيي الخاص، أن تبعية المجلس الطبي السوداني، وهو جهاز رقابي منوط به مهام تنظيم ومراقبة ومحاسبة المرافق الصحية ومهنة الطب بالخصوص، إذا افتقد كامل الاستقلالية، لن نضمن سلامة الأداء المهني الطبي، فلذلك من الضروري مثل هذا المجلس أن يتبع لجهة سيادية، ليستمد منها قوته في الرقابة والإشراف على الأداء الطبي في البلاد؛ لأنه حينئذ يستمد سلطته الرقابية وصلاحيته الإشرافية من رئاسة الجمهورية، التي تكون مظلة إشرافية فقط. وفي ذلك لن يكون السودان شاذاً عن دولٍ، تتبع مجالسها الطبية لجهات سيادية، مثل بريطانيا وفرنسا وإيرلندا ..الخ. أخلصُ إلى أنّ مناشدتنا لمؤسسة الرئاسة، لمراجعة توجيهاتها بأيلولة المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة الصحة الاتحادية، لأنّ في ذلك مصلحة عامة، ورفع شيء من الغبن والتذمر لدى بعض كبار الأطباء الاختصاصيين. وجميل أن تشكل مؤسسة الرئاسة لجنة لمراجعة تداعيات هذه التوجيهات الرئاسية المتعلقة بتبعية المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة الصحة الاتحادية. وعلمتُ أن هذه اللجنة ستبدأ اتصالاتها بكبار الأطباء الاختصاصيين، لمعرفة مرئياتهم حول هذا الصّدد. وقد أُتيح لي أن التقى الأخ الدكتور الجزولي دفعُ اللهِ، أحد كبار الأطباء الاختصاصيين، ورئيس نقابة الأطباء السودانيين الأسبق، ورئيس الوزراء في حكومة الانتفاضة، صباح يوم الجمعة الماضي بمنزل أستاذنا الكبير دفعُ الله الحاج يوسف رئيس القضاء الأسبق، فقال لي، إنه من الضروري، حفاظاً على مهنة الطب في السوادن وترقيتها، أن تتبع المجالس الطبية المتخصصة إلى رئاسة الجهورية، باعتبارها أعلى جهة سيادية، يُمكن أن تحافظ على استقلالية هذه المجالس في أداء مهامها، لا سيما تلكم المتعلقة بتدريب الأطباء، وتقويم شهاداتهم الأكاديمية. ودعا الدكتور الجزولي دفعُ الله إلى تضافر جهود الأطباء، خاصةً كبار الأطباء الاختصاصيين، لتقديم حيثيات قوية تدفع مؤسسة الرئاسة لمراجعة توجيهاتها بتبعية هذه المجالس الطبية المتخصصة إلى وزارة الصحة الاتحادية، والتأكيد على أن رفضهم لتلكم الأيلولة، ناجم عن مراعاتهم للمصلحة العامة، وتفادي أيِّ تطورات تؤثر سلباً على الأداء المهني الطبي داخل السودان وخارجه. فلنُؤمن على ما جاء على لسان الأخ الدكتور الجزولي دفعُ اللهِ، وندعو معه إلى ضرورة الاستجابة السريعة لمؤسسة الرئاسة إلى رغبات الكثير من الأطباء الاختصاصيين الذين يحرصون على استقلالية هذه المجالس الطبية المتخصصة، حفاظاً على سمعة الطبابة والأطباء السودانيين، داخل البلاد وخارجها. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ". وقول الشاعر العربي عنترة بن شداد العبسي: إذا ما جس كفك والذراعا يقول لك الطبيب دواك عندي