مما لا ريب فيه، أنّ الحوار الوطني الذي جاء كبارقةِ أملٍ في معالجةِ الوضعِ السّياسي والاقتصاديّ الرّاهن المأزوم، واستبشر الكثيرون - ساسةً وغير ساسةٍ - من أنّ دعوة الأخ الرئيس عمر البشير لكافة الأحزاب والقوى السياسية، إلى الحوار الوطني، في خطابه الرئاسي الذي عُرف ب"الوثبة" في يوم الاثنين 27 يناير 2014، والذي تضمن أربعة مرتكزات، وهي السلام والحُريات والاقتصاد والهوية، وأتبعه بتوجيهات رئاسية يوم الأحد 6 أبريل الماضي، متعلقة بإطلاقِ حريةِ المُمارسةِ السياسيةِ الحزبيةِ، وحريّةِ التّعبير وحرية الصّحافة، ثم انداحت تباشير هذه الحُريات في سلسلةٍ من الندوات والمُلتقيات الحزبية في بعض الميادين بالعاصمة، وبعض مُدن الولايات المختلفة، بالإضافة إلى أن الكثيرين فهموا إن هذه الدعوة الرئاسية للحوار الوطني، لا تقتصر على الأحزاب والقوى السياسية، بل تمتد إلى الشرائح المجتمعية كافة. ولم تتوانَ الوسائط الصّحافية في الاستفادة القُصوى من انفراجات الحُريات الصّحافية، إلى الدرجة التي شكلت قلقاً غيرَ مسبوقٍ لبعض المُتنفذين في الحكومة، فحدثت منهم مُضاغطاتٌ لتضييق هذه الانفراجات، خشية تشكيل رأيٍّ عامٍ حول بعض قضايا الفساد وغيرها، وضُيق على الصحافة بحظر النشر، التي كانت تترى بين الحين والآخر. وفي رأيي الخاص، أنّ اعتقال السيد الصّادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في سجن كوبر، شكَّل مُضاغطةً أُخرى على الخُطى المتباطئة للحوار الوطني، حتى حَسِبَ البعضُ أنّ الحوار الوطني انفضَّ سامرُه قبل أن يُعقد أُولى جلساته، إضافةً إلى أنّ المزيد من تضييق الخِنَاقِ على الوسائط الصّحافية من خلال إصدار 5 حظر نشر خلال أسبوعٍ واحدٍ. فظنّ بعضُهم – وليس كلُّ الظنِّ إثماً - أنّ هنالك قُوىً داخل المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، ووسط الحكومة نفسها، تعمل جاهدةً على وضع المُعيقات والعراقيل في سبيل تعطيل مسارات الحوار الوطني. وأحسبُ أنّ اليأس دبّ في نفوسِ كثيرٍ من الذين ينظرون إلى الحوار الوطني - حكومةً ومعارضةً - مخرجاً مأموناً، ومعالجة مضمونة، لكثيرٍ من قضايا البلاد والعباد. ولا يُنكر أحدٌ أن اعتقال السيد الصادق المهدي أحدث هِزةً في ثقةِ المؤيدين والرافضين – معاً - للحوار الوطني. وبات يجاهر هؤلاء الرافضون بسلامة موقفهم من الحوار الوطني كان سليماً، إذ أنهم يعلمون أنه غير واردٍ انعقاده دون تهيئة أجواء ملائمة، وصولاً إلى مُخرجات ومآلات مُرتقبة لمعالجة أجنداته الوطنية، بعد توافقٍ بين أعضائه، واتفاقٍ على ضمان إنفاذ مُخرجاته. أخلصُ إلى أنّ إطلاق سراح السيد الصادق المهدي من سجن كوبر بعد 29 يوماً من الاعتقال، أوقد شمعةً في النَّفقِ المُظلمِ، بل أحسب أنّ إطلاق سراحه أول من أمس (الأحد)، يمكن أن يُوصف بأنّه بمثابةِ عودةَ الرُّوحِ إلى جسد الحوار الوطني، باعتباره من أبرز المؤيدين لمبادرة الحوار الوطني، التي أطلقها الأخ الرئيس عمر البشير يوم الاثنين 27 يناير الماضي. ولمَّا كُنَّا من دُعاةِ الحوار الوطني، نأملُ أن يتسامى السيد الصادق المهدي فوق مرارات الاعتقال، ويحتسب ما حدث له من أنه تضحية وطنية، وابتلاء يتطلب قدراً من الصبر والاصطبار، ويُفكِّر ملياً في الحاضر والمستقبل دون الركون إلى الماضي ومراراته، ليبذل قُصارى جهده مع المؤيدين للحوار الوطني، في تسريع خُطاه، وتحقيق مُبتغاه. ولا ينبغي أن نتجاهل اعتقال الأخ إبراهيم الشيخ رئيس المؤتمر السوداني، والذي اعتقل مؤخراً بالنهود في ولاية غرب كردفان، على الرُّغم من أنه من معارضي الحوار الوطني، في ضرورة المطالبة بالإفراج عنه، لذا أننا نناشد الأخ الرئيس البشير، بالإسراع إلى إطلاق سراحه حتى تتكامل أسباب ومسببات تسريع خُطى الحوار الوطني، مع بذلِ جُهدٍ مُقدرٍ للعمل على إقناع المعارضين للمشاركة فيه، ومن بينهم الأخ إبراهيم الشيخ؛ لأنّ جمهور الفقهاء أجمعوا على أن "لا رأي لأسيرٍ". فلذلك نُطالب بفك أسره ليعمل المؤيدون للحوار الوطني في إقناعه وصحبه من الرافضين. ومن الضَّروريّ – أيضاً - أن تعمل الجهات المختصة في إنفاذ التوجيهات الرئاسية الصادرة في السادس من أبريل الماضي، والمتعلقة بإطلاق حرية التعبير وحرية الصّحافة، لتقوم الأوساط الصحافية بمهامها الوطنية في تشكيلِ رأيٍّ عامٍ، مؤيدٍ وداعمٍ للحوار الوطني، وتجاهد في تقريب شُقة الخلاف بين المؤيدن والرافضين، وتُسهم في تقديم أُطروحات تقنع الحركات المسلحة بعد تأكيد الضّمانات الرئاسية لمشاركتهم في الحوار الوطني، وإنفاذ أولى مرتكزات خطاب "الوثبة"، ألا وهو تحقيق السلام في السودان، ليعمل الجميع من أجل رفعة البلاد ونهضتها من خلال استقرار دائم، وتنمية مستدامة. ولنستذكر في هذا الخصوص، قولَ الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول الشّاعر العربيّ أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ