كان من المفترض أن يطالع القارئ الكريم هذه العُجالة يوم الثلاثاء الماضي، أي عقب جلسة يوم الاثنين الماضي، ولكن ظروفاً طارئةً حالت دون ذلك، بسبب الاحتجاب القسري لصحيفة "التغيير"، لبضعة أيامٍ. فرأينا من الضروري بسط القول في تلكم الجلسة التاريخية. فبدعوة كريمة من الأخ الدكتور الفاتح عز الدين رئيس المجلس الوطني (البرلمان)، لحضور مناقشة البرلمان لتعديلات قانون الانتخابات من قبل 156 حزباً وجهةً سياسيةً ومدنيةً، دعاها رئيس البرلمان إلى المشاركة في الجلسة المخصصة لمناقشة التعديلات على قانون الانتخابات السودانية يوم الاثنين الماضي، وبدا الدكتور الفاتح عز الدين حريصاً على مناقشة الأحزاب والقوى السياسية للتعديلات المقترحة على قانون الانتخابات. وقال إن التعديلات تصب في مصلحة الأحزاب، وتمكن القوى السياسية من دخول البرلمان، مشيراً إلى أن الغرض من دعوة الأحزاب توسيع دائرة التداول. ولم يكتفِ رئيس البرلمان بهذا، بل أشار إلى ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي، وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في عملية صنع القرار، داعياً إلى أن التوافق حول التعديلات المطروحة على قانون الانتخابات مسألة مُلحة، والالتزام بالاستحقاق الدستوري في إجراء الانتخابات أكثر إلحاحاً، مؤكداً أنهم أحرص على التواصل والدخول في تفاهمات مع الأحزاب والقوى السياسية. وهيأنا أنفسنا لمناقشة جادة في صلب الموضوع من قبل هؤلاء المدعوين للنقاش. فقدم محمد بشارة دوسة وزير العدل ملامح التعديلات على قانون الانتخابات لعام 2014، مبيناً أن هنالك 16 مادةً في هذا القانون جرت عليها تعديلات لا تخالف نصوص الدستور. وبيّن دوسة أن هذه التعديلات كانت نتاجاً لمناقشات في ورشة عمل نفذتها المفوضية القومية للانتخابات في 12 ديسمبر عام 2012، وشاركت فيها الأحزاب بفعالية، بجانب منظمات المجتمع المدني. وأوضح أن التعديلات شملت زيادة نسبة التمثيل النسبي إلى 50 في المائة، موزعة على 30 في المائة للمرأة، و20 في المائة من القوائم الحزبية التي كانت في السابق 15 بالمائة فقط. أما مناقشات الأحزاب والقوى السياسية في الغالب الأعم جرت في كل شيء إلا في التعديلات المطروحة على قانون الانتخابات، إذ أن معظم المتحدثين استغلوا السوانح التي مُنحت لهم في استعراض بعض قضايا مناطقهم أو بعض القضايا الأخرى التي لا تدخل في صميم أجندة الجلسة المخصصة للتداول حول التعديلات على مشروع قانون الانتخابات، إلا من عدد قليل أو كما نسميه إلا من رحم ربي، حتى أن الأخ البروفسور إبراهيم غندور نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية، وجد نفسه مضطراً للدفاع عن بعض ما أُثير حول المؤتمرات القاعدية لحزبه، وكيفية تمويل تلكم المؤتمرات، دفعاً عن تهمة أُثيرت حول استغلال المال العام في أعمال حزب المؤتمر الوطني. ولما كانت المضاغطات الاقتصادية والرهق المالي من أكثر الأمور والهموم التي تشغل بال قيادات الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في التداول حول التعديلات في قانون الانتخابات، ظهر ذلك جلياً في مطالبة العديد من قيادات هذه الأحزاب والقوى السياسية بضرورة تمويل الدولة للأحزاب، حتى تتمكن من خوض الانتخابات المقبلة، بحُجية عدم تساوي قدراتها المالية مع حزب المؤتمر الوطني، فضلاً عن إغلاق الباب أمام أي تمويل خارجي للأحزاب. والهم الثاني الذي أدركناه لقيادات هذه الأحزاب من خلال المداولات، تخوفهم من حدوث تزوير في الانتخابات المقبلة. أخلص إلى أن جلسة البرلمان يوم الاثنين الماضي المخصصة للتداول حول التعديلات على مشروع قانون الانتخابات، بمشاركة عدد من قيادات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لم تناقش بإسهاب مطلوب، وتفصيل مرغوب، في البند المخصص لهذه الجلسة، فيمكن أن نقول إنه لولا نفر قليل اجتمع الأمس عن أي شيء إلا التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات. وأحسب أن رئاسة المجلس مدت في حبائل الصبر، فلم تتدخل بالمنع أو التصويب أو التذكير بأهمية مناقشة الموضوع، فلذلك أرى من الضروري البحث الجاد عن أسلوب آخر، لتوسيع مشاركة الأحزاب والقوى السياسية في مناقشة مشروع التعديلات على قانون الانتخابات المقبلة. وأعتقد أن تجديد الدعوة وضخ دماء جديدة في الدعوة الرئاسية لكافة الأحزاب والقوى السياسية التي أطلقها الأخ الرئيس عمر البشير يوم الاثنين 30 يناير 2014، وأُطر لهذه الدعوة الرئاسية بملتقى للأحزاب والقوى السياسية يوم الأحد 6 أبريل الماضي، تأكيداً لأهمية دعوته في خطاب "الوثبة" ذي المرتكزات الأربعة، إلى الحوار الوطني، ولكن مرت مياه غزيرة تحت الجسر، أحسب أنها تحتاج إلى مصارف أخرى، ومن أهمها تأكيد رئاسي بأن دعوة الحوار الوطني قائمة، وأن مؤسسة الرئاسة ملتزمة بتهيئة الأجواء لتسريع خطى الحوار الوطني، بُغية معالجة الوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم. وقد جرت مياه تحت الجسر منذ ذلك التاريخ، منها طرد الدكتور إسماعيل الحسين زعيم المعارضة، وإجازة التعديلات المقترحة لقانون الانتخابات دون كثير عناء. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: ".. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ