عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دماء على بلاط صاحبة الجلالة: الاعتداء من قبل ملثمين مسلحين على عثمان ميرغني بمكتبه يمثل تحولاً جديداً في معركة الصحافة .. تيار التضامن يغمر شارع السيد عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 20 - 07 - 2014

حادثة الاعتداء على عثمان ميرغني أعادت إلى الأذهان حادثة مكي الناس في النصف الثاني من القرن الماضي، وحادثة اغتيال رئيس تحرير صحيفة (الوفاق)، محمد طه محمد أحمد، الأخير كان يُعد في حياته أكثر الصحافيين إثارة للجدل في السودان، حيث اختلف مع الكثير من الجهات وهاجم العديد من الأفراد وتعرض للاعتداء عدة مرات حتى اغتياله في عام 2006م. وكان محمد طه قد نشرت صحيفته مقالاً لكاتب مجهول فيه مساس بشخص الرسول محمد عليه السلام، وتعرض حينها لضغوط واحتجاجات شديدة من الجماعات السلفية، وخضع لجلسات محاكمة تابعها الرأي العام باهتمام، غير أن المحكمة برأته في نهاية الأمر، وحكمت بالغرامة على الصحيفة قبل أن تعاود صدورها بعد إيقاف دام ثلاثة أشهر.
كما تعرض طه لاعتداء في مكتبه، وجرت محاولة لإحراق مكاتب الصحيفة على خلفية نشر صحيفته لمقال مسيء لإحدى القبائل. وأصدر طه صحيفة الوفاق في العام 1996م بعد السماح بصدور الصحف المملوكة لشركات، وكانت لفترة إحدى أكثر الصحف انتشاراً وخاض رئيس تحريرها العديد من المعارك مع الحكومة والمعارضة على حد سواء.
في خاتمة المطاف اختطفت الرجل سيارة مجهولة من منزله يوم الثلاثاء 5 سبتمبر 2006م، واصطحبوه في سيارة مظللة بدون لوحات، وعثر على جثمانه بحي القادسية بمنطقة الكلاكلات.
ما بعد الحادثة: في قلب الخرطوم لا موصل داعش: لم يكن الاعتداء الأول على صحفي.. لكن الأسلوب المسلح غير مسبوق داخل مقر صحيفة سودانيّة
اليوم التالي: الخرطوم – محمد الخاتم
على مهل وإهمال، يقتحم ملثمون مقرا ما في ناحية من نواحي الأرض، يعتدون على أهله بالهراوات و"دبشك" بنادقهم ويجردونهم من مقتنياتهم الخاصة مع توزيع الشتائم، يسألون بأصوات زاجرة عن رجل بعينه ليخصونه بالضرب ثم يتركونه طريحا على دمائه مغشيا عليه ويلوذون بالفرار. ربما يصعب على أي أحد تصور أن هذا الأمر شهدته قلب العاصمة الخرطوم وليس موصل داعش، وتحديدا مقر صحيفة (التيار) الذي كان رئيسها عثمان ميرغني هو ذلك الرجل المغمى عليه، ليس بسبب ضربه بقدر الهول الذي اعتراه مما رأت عيناه وهو في خلاصته "انفلات أمني"، كما يقول أحد الصحفيين.
لم تكن المرة الأولى التي يتم الاعتداء فيها على صحفي، لكنها كانت الأولى التي يتم فيها مثل هذا الاعتداء على صحفيين داخل مقر صحيفتهم بمثل هذا الأسلوب المسلح. فحتى الشهيد محمد طه محمد أحمد اغتيل غدرا وغيلة بعد خطفه ليلا من منزله، لكن مع (التيار) لم يتورع الجناة من اقتحامها جهارا نهارا وهم يستقلون سيارتي دفع رباعي "تاتشر" مجردة من أية لوحات تدل على هوية أصحابها، تماما كما كانت وجوههم الملثمة.
وما يزيد من الريبة أن الدوافع حتى هذه اللحظة تخضع لعدة احتمالات أي منها لا يسنده المنطق. فالاستيلاء على أجهزة الحاسوب والهواتف النقالة الخاصة بالصحفيين يشي بأن دافع الاعتداء هو السرقة، لكن هذا الاحتمال يسقط عندما تعرف أن قيمة المسروقات مجتمعة أقل بكثير من إطار واحد من الإطارات الثمانية للسيارتين اللتين تقارب قيمتهما 2 مليار دع عنك قيمة الأسلحة!
حسنا، لم يكن الدافع السرقة، بل ربما كان معاقبة عثمان ميرغني على ما كتبه في زاويته اليومية قبل أيام منتقدا استراتيجية الدول العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية وتنبيهه، لأن قوة إسرائيل تأتي من كونها دولة مؤسسات وعدالة، بينما بلداننا يحتلها الفساد. وما يعزز هذا الاحتمال أن المعتدين حذروا صحفيي (التيار) من الكتابة بشكل سلبي عن حركة حماس والهجوم الذي يتعرض له قطاع غزة، كما تناثرت روايات بعضهم.
وبالطبع لا يمكن إغفال أن ما قاله ميرغني سبقه إليه كتاب في مختلف البلدان العربية بمن فيهم الفلسطينيون، ولا يحمل أي قدر من الاستفزاز لجماعات إسلامية متشددة يدفعها لارتكاب فعلتها هذه. لكن الأهم أن التلويح بالقضية الفلسطينية ربما يكون مجرد تغطية للدافع الحقيقي، تماما كما كانت سرقة الهواتف النقالة مجرد تغطية.
وبغض النظر عن الاحتمالين، سواء السرقة أو نصرة غزة بالطريقة التي يفهمها المعتدون، فإن الخلاصة واحدة هي أن الأمن لم يكن مستتبا، ليس للصحف وصحفييها فحسب، فمثل هذا الهجوم ربما كان يمكن أن يكون من نصيب أحد البنوك أو الشركات أو السفارات التي يعج بها شارع البلدية المحاذي لمقر الصحيفة، دعك من بقية شوارع العاصمة.
وبالتأكيد سيكون الضغط كبيرا على الأجهزة الأمنية لإثبات أن العاصمة مؤمنة، ليس بإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة وتنفيذ حد الحرابة الذي تتطابق شروطه مع فعلهم، بل بوضع خطط أمنية جديدة تراعي مثل هذه السابقة طالما أنه لم يعد مأمونا ممارسة أي شخص لعمله بشكل طبيعي في المكان الطبيعي.
ضد مجهول: عند الساعة الثامنة والربع مساء تقريبا بدا المشهد أكثر حزنا أمام بوابة مستشفى الزيتونة المطل على شارع السيد عبدالرحمن بوسط الخرطوم .. ما لم يكن في البال
اليوم التالي: الخرطوم – عبدالرحمن العاجب
في الوقت الذي كان ينهمك فيه محررو الصحيفة في العمل ومتابعة التكاليف الموكلة لهم هاجم مجهولون مقر صحيفتهم، وتحت وطأة التهديد ضربوا عددا من المحررين.. ليس سيناريو من الخيال، بل في قلب الخرطوم. من بين المعتدى عليهم أمس الصحفي بالتيار عبدالله إسحق والمهندس عثمان ميرغني رئيس تحرير الصحيفة وقام المعتدون بنهب عدد من أجهزة (اللابتوب) والتلفونات التي تخص المحررين، في مشهد وصفه الزملاء بصحيفة التيار بأنه أكثر ما يشبه أفلام الحركة الأمريكية.
بعد أن أنجز المهاجمون المهمة وقبل دقائق من الإفطار عم الخبر مواقع التواصل الاجتماعي وعم القرى والبوادي والحضر بفضل وسائل الاتصال والتلفونات الحديثة وأصبح الزملاء الصحفيون في قلق متواصل بعد أن كتب الزميل بصحيفة السوداني (حافظ انقابو) خبرا في صفحته الشخصية على الفيسبوك مفاده (مجهولون مسلحون يقتحمون مبنى صحيفة التيار وينهبون أجهزة الصحفيين ويضربون عثمان ميرغني رئيس التحرير).
عقب الإفطار تدافع عدد من الزملاء الى مبنى صحيفة (التيار) وعلامات الغضب والاستياء تبدو واضحة على وجوههم بعد أن تجمهروا أمام مبنى الصحيفة وأصبحوا يتناقشون ويوجهون أصابع الاتهام لبعض الجهات وانهمكوا في التحليلات، ولكن أكثر ما أثار دهشة الزملاء أن مسرح الجريمة ليس في منطقة نائية، وإنما كان مسرحها لا يبعد من القصر الجمهوري إلا بضعة أمتار.
عند الساعة الثامنة والربع مساء تقريبا بدا المشهد أكثر حزنا أمام بوابة مستشفى الزيتونة المطل على شارع السيد عبدالرحمن بوسط الخرطوم.. بعد أن وصلت عربة الإسعاف التي تقل المهندس عثمان ميرغني إلى المستشفى.. وقتها تدافع الزملاء في مظهر حزين نحو سيارة الإسعاف ليلقوا نظرة الاطمئنان على صاحب عمود (حديث المدينة). اختلط لحظتها إحساس الغضب بالحزن العميق بعد أن نظروا لزمليهم وهو يحمل عبر النقالة إلى داخل المستشفى في منظر حزين للغاية.. لكنها مهنة المتاعب والبحث عن الحقيقة الضائعة كادت تودي بحياة صاحب القلم الحر.
وبعد أقل من ساعة تقريبا من وقوع الحادث تجمهر عشرات الصحفيين ورؤساء التحرير أمام مبنى مستشفى الزيتونة.. وبدأ المسؤولون الرسميون في الدولة في التوافد الى المستشفى وكان أول الذين حضروا الى المستشفى الفريق محمد أحمد علي مدير شرطة ولاية الخرطوم ليشهد ويطمئن على (عثمان ميرغني)، ولكن الاجابة التي ينتظرها المواطنون هي لسؤال: هل سيفلح مدير شرطة ولاية الخرطوم في فك طلاسم الجريمة وكشف الحقائق للرأي العام في أسرع وقت ممكن..؟
وبخلاف الزملاء الصحفيين توافد عدد من المسؤولين للاطمئنان على صحة صاحب عمود (حديث المدينة) ومن بين الذين حضروا في وقت مبكر ياسر يوسف أمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني ووزير الدولة بالإعلام.. إلى جانب البروفيسور إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية والذي أدان واستنكر الحادث واعتبر أنه لا يشبه أخلاق السودانيين.
الدكتور عبدالرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم هو الآخر حضر إلى المستشفى، وبعد أن اطمأن على صحته خرج ورفض الحديث للصحفيين الذين طلبوا منه أن يصرح لهم، ولكن في واقع الأمر يظل الجميع بانتظار حديثه باعتباره حاكما لولاية الخرطوم..
الحضور الرسمي للمسؤولين يفتح الباب أمام التساؤلات والتحليلات التي ستلاحقهم حتما في مقبل الأيام عن مسألة أمن العاصمة ومواطنيها الذين باتوا عرضة لمجموعة نهب مسلح مجهولة.
ثمن الكلمة: في مبنى القيادة العامة كان وزير الدفاع يحدق في وجوه ضيوفه ويسأل عن عثمان.. المخاطر تحيط ببلاط صاحبة الجلالة منذ مكي الناس حتى اليوم
اليوم التالي: الخرطوم - عزمي عبد الرازق
على مرمى عدسة من شارع القصر الجمهوري يقبع مبنى صحيفة (التيار)، الساعة تقترب من السابعة ليلاً إلا قليلا، الشمس توارت خلف أجساد العمارات الشاهقة، الخرطوم هادئة تماماً في مثل هذه الأوقات، المارة ينهبون الطرق نهباً ويلوذون ببيوتهم للحاق بموعد الإفطار، في مبنى القيادة العامة هنالك كان الفريق ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع يحدق في وجوه ضيوف إفطاره السنوي، فجأة يتفقد الرجل عثمان ميرغني ويسأل: مالي لا أراه؟ أم كان من الغائبين؟ يسحب وزير الدفاع هاتفه ويجري مكالمه برئيس التحرير، يرن الجرس مرة إثر مرة، الهاتف لا يرد! حالة من القلق تطوق المكان، يتدارك الوزير تفاصيل ما جرى، فيدين الحادثة في الحال ويثمن مواقف عثمان ميرغني الوطنية.
في مبنى صحيفة (التيار) كان الحارس المنزوع السلاح يتحرك ببطء ما بين (الريسبشن) وصالة التحرير، عربتا تاتشر بدون لوحات تحط رحالهما قبالة البوابة المطلة على الشارع، ثلة من الملثمين يقتحمون مبنى الصحيفة الضيق ويعيثون فيه دماراً ونهبا للموبايلات وأجهزة الحواسيب، مكتب رئيس التحرير لم يسلم هو الآخر، (بعكاز) أصيب الزميل عبد الله إسحق، وتم الاعتداء على عثمان في رأسه وجنبه الأيمن حتى أغمى عليه، كل من شاء حظه العاثر أن يكون موجوداً لحظة اقتحام المبنى نابه من الملثمين تهديد وضرب، في بضع دقائق أضحت صحيفة (التيار) تحت قبضتهم، أشهروا فيها هتافات مناصرة لغزة، وهي الدافع الرئيس فيما يبدو يبدو للاعتداء على الرجل الذي كتب مقالاً ولم يفهموا مقصده، لو صحت المقاربة فإن حالهم يشابه حال الشاب الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ بسبب رواياته دون أن يقرأ لصاحب نوبل ولا حرفا واحدا!
بعيد ذلك فر الجناة إلى المجهول، تم تدوين بلاغ في قسم الخرطوم شمال، الصحفيون وأسرة عثمان ميرغني هرعوا إلى مستشفى الزيتونة التي نقل إليها الرجل عبر الإسعاف، كانت الدماء تغطي وجهه وأسماله تماماً، وهو طريح على النقالة، بعض الدموع تحدرت من عيون الزملاء جراء هذا الاعتداء المؤسف، في دقائق انتشر الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح حديث الساعة.
ثمة حادثة مشابهة فيما يبدو وهي محاولة اقتحام مبنى صحيفة (الحرة) والاعتداء على رئيس تحريرها، فقبل أشهر اقتحمت مجموعة من الشباب صحيفة (الحرة) وهم في حالة غضب، كان عددهم أكبر من المجموعة التي هاجمت (التيار) بيد أنهم لم يكونوا ملثمين، سبب الهجوم خبر نشرته (الحرة) على صفحتها الأولى وأثار حنق تلك المجموعة المتشددة، الحادثة كانت أخف ومرت دون إصابات تذكر، وقد نجح رئيس تحرير الحرة ساعتها بكري المدني في امتصاص غضب المجموعة وتمكن من تهدئة خواطرهم.
قبل ذلك بسنوات اقتحمت مجموعة من المتشددين أيضاً صحيفة (الوفاق) إبان حياة الراحل محمد طه محمد أحمد، وقد خلف الاقتحام حرائق ودمارا حاق بالمبنى. حوادث الإعتداء على الصحف لم تتوقف، في بعضها تم الاعتداء على المقار، وفي كثير منها دفع الصحفيون أثمانا باهظة نتيجة مواقفهم، (ثمن الكلمة) ظل فادحاً طوال الحقب السابقة، لقد مضى محمد طه شهيداً للكلمة. واقعة أخرى دموية شهدها بلاط صاحبة الجلالة إبان فترة مايو، إنها حكاية محمد مكي محمد التي أعادت نشرها صحيفة (التيار) نفسها في حلقات مشوقة بقلم الأستاذة هويدا سر الختم، جريمة اغتيال مكي الشهير بمكي الناس ظلت لغزا غامضاً ومحيراً رغم تراكم السنوات عليها، مكي كان صيداً سهلاً لوجوده في بيروت، وتم اختطافه من قبل قوة مسلحة في شارع الحمراء وأجبرته على ركوب سيارة عبرت به الحدود إلى سوريا، الطائرة التي حملته قطعت به أجواء عدن إلى الخرطوم، بعيد ذلك تضاربت الروايات حول مصيره، ولكن أكثرها تداولاً يقول إن جنود استلموا الرجل صاحب القلم المناهض لنظام نميري ساعتها – وخفوا به إلى مزرعة في الباقير حيث تعرض لأبشع أنواع "التعذيب" لانتزاع معلومات منه عن المعارضة وتحركاتها ثم أُجهز عليه، وهناك رواية تقول إن جثمانه أُذيب في حامض كيميائي، حادثة مكي صاحب القبر المجهول وبعدها حادثة محمد طه هي الحوادث الأكثر بشاعة في بلاط صاحبة الجلالة، وأخيراً حجز صاحب التيار مقعده مكرها ضمن المعتدى عليهم، لكن الأخبار الجيدة تبقى: عثمان بخير.
فرق شرطية ذات مستوى رفيع تحقق في حادثة عثمان ميرغني
وأصدرت الشرطة بيانا أوضحت فيه أن الاعتداء على عثمان ميرغني وقع من ملثمين مجهولين قبيل الإفطار، وأن الشرطة تحركت إلى موقع الحادث فور تلقيها البلاغ، ولم تعثر على الجناة، ونقل شهود عيان بحسب بيان الشرطة: "أن الاعتداء وقع بعصي من شخصين ملثمين كانا يستقلان عربة لاندكروزر".
وكشف البيان عن تكوين فرق من الشرطة للبحث وجمع المعلومات والتحري بمستوى رفيع، وأنها شرعت في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لكشف ملابسات الحادث.
وحسب شهود عيان، فإن المسلحين أبلغوا رئيس التحرير عثمان ميرغني قبل أن يعتدوا عليه بأن موقفه من غزة "مخزٍ".
وكان يتحدث أفراد من المعتدين، أثناء، الإعتداء عن (... المعارك المسلحة في فلسطين.. والمُخذِّلين عن الجهاد)..
وكان عثمان ميرغني قد دخل في مساجلات بشأن التطبيع مع إسرائيل عبر برنامج تلفزيوني، وعلى زاويته المشهورة "حديث المدينة" في صحيفة "التيار".
ورد ميرغني على منتقديه بأن الحلقة التلفزيونية جرى تسجيلها قبل نحو ثلاثة أسابيع، لكنها بثت في توقيت وصفه بالغريب بالتزامن مع الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، مبدياً قناعته الشديدة بما طرحه.
ونبه الأمين العام لهيئة علماء السودان أ. د محمد عثمان صالح إلى خطورة الدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني في هذا التوقيت
حتى لا يطير الدخان: عوامل عدَّة قادت إلى أن يعتدي مجهولون يحملون السلاح على فريق من الصحافيين داخل صحيفتهم.. لصالح من يستهدف رأس عثمان ميرغني؟
اليم التالي: الخرطوم يوسف حمد
بالنسبة لمساعد رئيس الجمهورية، الدكتور إبراهيم غندور، فإن ما حدث من هجوم على صحيفة التيار في مبانيها، وإصابة رئيس تحريرها عثمان ميرغني في رأسه، أمر "لا يشبه أخلاق السودانيين". ربما كان غندور محقاً في عبارته وهو يدين الحادثة أمام زملاء ميرغني من الصحافيين ورؤساء التحرير الذين رابطوا مساء أمس (السبت) في واجهة مستشفى الزيتونة للاطمئنان على صحته وهو في الغيبوبة. لكن ما أثبته شهود العيان من الصحافيين أن الفاعلين كانوا سودانيين في ملامحهم، ولا تبدو عليهم غربة أو آثار من السفر الطويل.
في يوم (الأربعاء) الماضي شارك أكثر من (10) صحافيين في ورشة انعقدت للحديث عن الكيفية الذاتية التي تمكن الصحفي من أداء رسالته الصحفية وهو آمن. بالطبع، كانت المجموعة تستدعي أحداثا مشابهة من العقبات التي تكتنف الصحافة، لكن لم يكن من بين أجندة ورشتهم ما يشير إلى أنهم غير آمنين حتى داخل مكاتبهم. يقول الصحافي المعتدى عليه بصحيفة التيار، سامي عبد الرحمن: "لم أكن أتوقع أن توجه لي فوهة بندقية داخل مكتبي، لقد كان الأمر فوق توقعاتي وتوقعات زملائي".
وسواء كان المعتدون يشبهون أخلاق السودانيين أم لا، فإن الحادثة تشير إلى أن العاصمة الخرطوم تتحرك بخطى حثيثة وسريعة نحو الفوضى، وربما اكتنفتها عدوى ما يحدث في المدن الليبية من تفجيرات لمباني الصحف والمحطات التلفزيونية.
والأمر كهذا، لا يرى كثير من الصحافيين حكمة في الركون إلى أن الفعل قام به شذاذ شذوا عن الخلق السوداني، ومضوا ليحملوا السلطات مسؤولية اعتداء مسلحين مجهولين على صحيفة التيار، ويطالبوها بالإسراع في الوصول إلى الجناة وتقديمهم لمحاكمات علنية.
وفي كل الأحوال، لقد تجنَّدت عوامل سياسية عدَّة هي التي قادت إلى أن يعتدي مجهولون يحملون السلاح على فريق من الصحافيين داخل صحيفتهم، من بين هذه العوامل تطل نظرة الدونية التي يجدها الصحافيون من شخصيات سياسية ذات وزن، وظلت لعدة سنوات تقمع بغير القانون. والآن بالنسبة للصحافيين بات من الملح معرفة الجهة المستفيدة من الاعتداء على صحيفة التيار ورئيس تحريرها وصحفييها، ولمن ترسل رسائلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.