مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد والقهر الجزء الخامس الخطوط الجوية السودانية .. بقلم: سعيد محمد عدنان – لندن
نشر في سودانيل يوم 07 - 09 - 2014


: معاركته عمراً كاملاً
في دولة الولادة المتعسرة
بقلم: سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
لقد ألحقت في مقالي السابق بالإستدراك التالي "لم تكن تشتري طائرتي إيرباص من الكويت عام 1991، فقد صححني صديق عزيز بأنها كانت تنوي شراء الطائرتين من شركة إيرباص مباشرةً، وذلك في عام 1990، ولكن زيارة الوفد الكويتي المزمعة للسودان في يوليو 1991 للتوقيع النهائي يبدو أنه التوقيع لقرض، فمعطيات الأحداث التي سردت بعدها كان دافعها هو تعطيل شراء الطائرات"
ك ذلك تجدر الإشارة إلى أن الباشمهندس مختار عثمان لم يعد مع بقية المدراء الموقوفين، ولم يشأ دكتور يسٍ أن يبين لماذا، ولكن ما كان واضحاً لدينا أنه لم تتم عودته لأنه من كادر التجمع الوطني، فقط يتساءل الفرد لماذا يتم إيقافه مع الآخرين، علماً بأنه لم يكن موجوداً في السودان وقت الإيقاف؟ وإذا كان الإيقاف بسبب أنه مدير الشركة لما حدث ذلك التلاعب من بقية المسئولين، وتم إعادة المسئولين المتهمين إلى عملهم، فما الحكمة من إيقافه وهو ليس متهم ولا مسئول عن متهمين؟ إنه تلاعب الأخوان في تشويه سمعة الآخرين أو كل من لا يلين لهم
كان عام 1991 هو عام إعلان الشريعة الإسلامية، وهو العام الذي كشف فيه النظام وجهه السياسي، والذي تجرأ فيه زبانيته على الإنقلاب على الوطنيين الذين انتظموا معهم في جدهم، والإنسلاخ من روايتهم في محاربة الفساد والتوجه الوطني
في ذلك الوقت كانت حرب العراق والتي طغت على الحرب الأهلية في الصومال تدور رحاها
في الإجتماع لاختيار ورقات لمؤتمر نهضة الخطوط الجوية السودانية وتعيين لجان لكل منها لكتابتها وتقديمها، أشارت لجنة التسيير إلى ورقة أساسية يجب أن تقدم، وهي ورقة "التنسيق الفعال وإنشاء النظم"، وأوكلت لي تلك المهمة
سعدت بتلك الفرصة فعكفت على فض كل مآخذي على الأنظمة المعمول بها وأساس النظام الوظيفي الهرمي المتعثر، عكفت على فضها في الورق وتقديم تحليلاتي ومقترحاتي وكونت لجنة التنسيق من الذين أنسوا في أنفسهم الحمية تجاه ذاك الأمر
تناولت الورقة التعطيل الذي تتسبب فيه عُنُق الزجاجة المتعددة في التنسيق بين الأقسام عن طريق الهيكل الهرمي، فلا يمكن لقسمٍ التنسيق مع قسم في إدارةٍ أخرى مالم يسير الإتصال السير السلحفائي من رئيس القسم لرئيسه لمدير إدارته للمدير العام لمدير إدارة القطاع الثاني متابعاً تسلسل أقسامه ووحداتهم، كذلك تفعيل الأنظمة الحديثة وهي الولوج للحاسوب (والذي لم يكن وسيلة متيسرة للإتصال حينئذٍ) وعليه تعويض ذلك بنظام جهاز الإشعار للمهندسين والموظفين تحت الإستدعاء والقباطنة، وأنظمة التدقيق والقيد بأنظمة تفتيش الأداء إضافةً لتفتيش الصلاحية المعمول به وقيد للإجراءات المتخذة والأداء كتأريخ للأداء والحالة
وعقد دكتور يس الحاج عابدين، المدير بالإنابة، مؤتمراً تجريبياً لتقديم الأوراق على أن يتولى نقدها، ولم تسلم أي ورقة من نقده الحاد، ماعدا ورقة التنسيق الفعال التي قدمتها وبدأ مخاطبته اللجان الحاضرة بقوله "إني سعيد إذ استمعت لسعيد"، وهنّأني الجميع على هذا الإطراء وتشجعت لتنقيحها أكثر وأكثر
في المؤتمر، والذي كان بإشراف العميد صلاح كرار، والذي أمه جمعٌ غفير، على رأسهم الجامعات والمؤسسات التجارية والبحثية وشركات الطيران المختلفة، تم التصويت على أفضل الأوراق وفازت ورقة دكتور شمبول عدلان عن التخطيط بالمرتبة الأولى، وكانت ورقة التنسيق الفعال الفائزة بالمرتبة الثانية. تقدمت بمقترحٍ ليرشح المؤتمر دكتور يس مديراً عاماً لسودانير، وتقدم آخرون بمقترحٍ أن يتم تعيين لجنة متابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، وأقتراح بأن تكون لجنة المتابعة هي نفس لجنة التسيير، وفعلاً تبنى المؤتمرون التوصية وأجازها العميد صلاح كرار وتم تعيين دكتور يس مديراً عاماً، وتولت لجنة التسيير مهام متابعة تنفيذ قرارات المجتمع. لم يجد ترشيح دكتور يس ليكون مديراً عاماً للشركة، لم يجد قبولاً لدى عدد من العاملين بسودانير وقام أحد المهندسين ويدعى "عكير" بالإعتراض عليه، وكتب منشوراً يندد بذلك وبقيامي باقتراح أن ينصّب دكتور يس مديراً عاماً، ولم أكن أعلم عندها أن ذلك المهندس كان على حق، فأنا كنت فعلاً أعلم أن دكتور يس من الجبهة الإسلامية، ولكن لم أجد ما يجعلني أشك فيه وأصنفه على أنه متطرف، بل كان إتاحته فرصة المؤتمر قد أخذت بصري وبصيرتي ودرجته في الكادر المثقف علمياً ودينياً ليتناسب والعقلانية الليبرالية، علماً بان الحكومة كانت قد خدّرتنا بحميتها لمحاربة الفساد والتسيب.
فماذا فعل دكتور يس بالمؤتمر؟ قام الدكتور بجمع كل ورقات المؤتمر وحيثيات المؤتمر وأغلقها كلها في مكتبٍ ملاصقٍ لمكتبه، وحلّ لجنة المتابعة قائلاً "ليس المؤتمر ملكاً للجنة و- مادايرهم يقيفوا لي في نفسي-" هه
قام اتحاد العاملين بالخطوط الجوية السودانية بالإشادة بإنجازات اللجنة وقرر منح أعضاءها ميداليات، فرفض دكتور يس، كما وتقدموا بإقتراح لعمل لوحة تنصب في هانقر الطائرات تسجل فيها أسماء لجنة التسيير، واعترض عليها دكنور يس أيضاً
ومضت شهور تم فيها خمد كل رياح وشعلات المؤتمر حتى صار نسياً منسياً، ثم تقدم دكتور يس بنظام جديد لهيكل الشركة الوظيفي وأسماه "الفلطحة" – وهي التعريب الحرفي للكلمة الإنجليزية "فلاتنينق" – وهي التسطيح أو الدحي، ويعني بذلك التخلص من أعناق الزجاجة في الإتصال بين الأقسام وما تتبعه من أنظمة مكملة: نفس مقترحات الورقة التي قدمتها – التنسيق الفعال وإنشاء النظم
إنه من دواعي سروري أن يؤخذ تخطيطي إلى حيز التنفيذ وأنا لا زلت عامل يومية، ولكن ما الذي يدعوه لعدم تسمية الأشياء بمسمياتها، أو بالأحرى كقوله تعالى "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، فمقترح الفلطحة "الرقيق" هذا كان أولى أن يدعوه بإسم والده، وهو أنا، فما الغضاضة؟ ولماذا يتجنب هؤلاء أخلاق الشرع بدلاً من تمكينها وهم يقفون ممثلين للشرع؟ (وهي في القانون الوضعي تدعى الملكية الفكرية)
بل مادام لم يُكافئ أو يقرّ بفضلٍ في ذلك المقترح، لماذا يقف بكل قواه ضد تسكيني في الدرجة التي توصلت إليها لجنة التسكين، والكمبيوتر وتوصية مدير الإدارة الشركة مالم أقدم استقالتي، كما سيرد هنا لاحقاً؟
تم طلبي في رئاسة الشركة للقيام بتقديم دراسة تطوير المعدات الأرضية والتي كنت قد قدمتها قبلاً، على أن أعدلها لتمكن شراكة بين شركة الراجحي السعودية والخطوط الجوية السودانية، بحيث تمكّن المتشاركين من تحديد إحتياجات سودانير للنظر في ما لدى سودانير على انه رصيد سودانير، وماتحاجه الشركة لتقدمه أو تقدم منه شركة الراجحي ما يتفق عليه الطرفان بشراكة في كلا المجالين للشركة: الطيران/ الخدمات الأرضية
أكملت الدراسة ورفعتها لمدير إدارتي إبراهيم الخليل والذي صادف أن انتدب لديه في مكتبه المرحوم الباشمهندس الهادي محجوب وعلق له إبراهيم الخليل نفس تعليقه السابق عند طلبي التخلص من البوكس المهلهل، وذلك إثر قراءته دراستي والتي فيها اوصي بالتخلص من المولد الكهربائي بعد انتهاء عمره الإفتراضي، وهو 5000 ساعة تشغيل، قائلاً للمرحوم الهادي "أصله سعيد بيرى أن تجدد الآلات كلما استعملت ولا داعيى لصيانتها، فقلت لابراهيم: سودانير – شركة الطيران – يجب أن تسخر طاقاتها واهتماما بتجارة الطيران وهندسة الطيران، بدلاً من الغرق في مصائب الصيانة الميكانيكية لمعدات أرضية، ولن يكون التخلص من الآلات وهي شبه جديدة عبارة عن خسارة، فلايمكن أن تقوم الشركة بتجفيف فرص الكسب للقطاعات الأخرى باحتكار كل مابيدها من فرص تجارة متخصصة فيها أو غير متخصصة
أما لو لابد من الإستثمار في عائد المعدات الأرضية، فحسب مقترحي الذي قدمته للمدير مختار عثمان، هو أن نقيم شركة هندسية تتخصص في الصيانة تنشأ محازية لقسم الترحيلات عند سور المطار، ويفتح لها باب للخارج لمزاولة تجارتها وتقدم خدماتها في السوق المفتوح خارج المطار، ويفتح لها باب داخل المطار لاستقبال معدات سودانير كجزء من نشاطها في صيانة وإعداد وتعديل المعدات الأرضية، ولكن الأهم من ذلك أننا لوقمنا بالصيانة المذكورة في الكتالوج بنفس الدقة وبدلنا المستهلك من قطع الغيار بقطع غيار جديدة، فستعمل المعدات بضمان كفاءة عالي جداً يجنبنا خسائر الحوداث الباهظة عند الطائرة، ويجنبنا التسبب في تأخير الطائرة وهو ذو تكلفة باهظة، بينما يكون العائد من 5000 ساعة (بسعر الساعة 200 دولار) هو مليون دولار، تستحمل خصم كل التكاليف التشغيلية والإدارية الرأسية، وتسمح بهامش واسع للمبيعات الفاشلة والتشغيل في غير عائد نقدي، ومع ذلك تدر ربحاً عالياً جداً
وذات يومٍ أختير المرحوم الهادي ليمثل المدير العام خارج ساعات العمل، وهو نظام أدخله دكتور يس ليكلف روءساء الأقسام بمهامه خارج ساعات العمل. و حدث أن طائرات الحج تعطلت لتعطل مولداتنا، فأرسل المرحوم الهادي عربة لأحضاري للمطار، أرسلت عربة لأستدعاء كهربائي الآليات العم حمزة، ولما قابلته كانت فرصة أشهدته فيها أن المولدين اللذين تعطلا كانا قد تم شراؤهما حديثاً وأن ساعات عمل كلٍ منهما ما تعدت ال3000 ساعة، فسألته: أنت كمهندس، قد كسبت من هذ المولد 3000 ساعة تشغيل قيمتها الفعلية 600 ألف دولار، وثمن هذا المولد 40 ألف دولار – فبغض النظر عن أين استعملت ساعات إنتاج ذلك المولد، هل تعتقد أن هناك ربح غير كافي لتدخل فيما دخلت أنت فيه الآن من حرج بتأخير الطائرات؟ وإذا كان الربح غير كافي لأن أغلبه راح في تشغيل غير نقدي، هل ترى أن قضيتك ستكون الصيانة أم استنزاف المولدات في غير دخل نقدي؟ (فإذا كانت خدمات إنتاج للشركة، يتوجب حسابها في حسابات الدخل للمعدات)
كان رأي المهندس الهادي قطعاً متفقاً مع رأيي وعبر عن دهشته باكتشاف تلك الحقيقة في تلك التجربة الوجيزة
رغم تلك الحرب التي شنّها إبراهيم الخليل عليّ في دراساتي تلك وتهميشه لمجهوداتي، فقد وجدت دراستي استحساناً من كثيرين بما فيهم شركة الراجحي، والتي طلبت مني الذهاب لمكتبها في شارع الجمهورية حيث تحدث معي رئيس الشركة من السعودية عبر الهاتف وطلب مني عمل الدراسة لتضع إحتمال فصل الشركتين، وقمت بذلك وقدمتها لإدارتي
أثناء وجودي في الرئاسة اجهز تلك الدراسة، جاء لزيارة الدكتور يس بعض أعضاء الجبهة الإسلامية ومن ضمنهم من كان رئيساً لقسم ضبط الجودة في شركة النشا والجلكوز، أحد ثلاثة رؤساء أقسام من الجبهة الإسلامية كانوا قد تآمروا علىً وفشل مخططهم وفصلوا من العمل، فرآني وتبادلنا التحية في حضور دكتور يس، وبدون تفاصيل، كانت تلك هي اللحظة التي انقلب عليّ فيها دكتور يس الحاج
وفي مارس عام 1992 وصلنا خبر سقوط طائرة النجم الذهبي التي كان يقودها الكابتن المرحوم السر أبو اسكندر في سفح جبال خارج مدينة أثينا راح ضحيتها هو وستة آخرين
لم أجد أي حركة للتحري عن ظروف سقوط تلك الطائرة، ولا تكوين لجنة لفحص وإذاعة ما سجلته مسجلات الصندوق الأسود، ولم يتحر السياسيون أوالمواطنون، كما هو الحال في كل سقوطٍ لطائرة، والذي كثر في عهد الإنقاذ، للتفرس في أسبابه
ورغم أن كابتن أبو اسكندر قد غادر وقتها سودانير والتحق بشركة النجم الذهبي، إلا أن طائرته قبيل رحلتها المشئومة تلك كانت قد دخلت الصيانة في سودانير، أليس ذلك سببٌ يتطلب التحقيق وليس فقط التحري، في محتويات الصندوق الأسود؟ (لاحقاً، وبعد لجوئي لبريطانيا استطعت أن أحصل على محتويات الصندوق الأسود وكان أهم ما توصل إليه المحققون هو أن الطائرة كانت تتجه صوب سفح الجبل، وأن عدة رسالات أرسلت للطائرة لتنبيهها بخطورة موقفها، وأن الكابتن لم يعدل الخطأ، فقط حاول في محاولة يائسة إلغاء الهبوط والإرتفاع إلا أنه لم يستطع إنقاذ الطائرة"
مثل ذلك التقرير يقف عند ذلك الحد، فكاتبه لايعرف شيئاً عن الكابتن ولا يريد أن يدخل في مصيبة الطائرة، فقط عليه قراءة الصندوق
أليس واضحاً أن الطائرة كانت خارج الضبط؟ أوليس واضحاً أن الكابتن عند استدراكه ذاك حاول إجهاض النزول، بدون جدوى؟ هل يعقل أن يترك الأمر على أنه ليس هناك احتمال "تلاعب" أو آثار جريمة؟
في نفس تلك الأيام أتاني ضابط برتبة مقدّم من القوات المسلحة، يطلب مني تقديم خدمات أرضية لطائرة القوات المسلحة لنقل سلاح وذخيرة للجنوب، وأن يتم اختيار أفضل العالمين الموثوق بهم وأن يكون الأمر سراً، وستحضر الطائرة المذكورة من القاعدة العسكرية المجاورة للمطار المدني لمطار الخرطوم ولكن قرب القاعدة العسكرية
قمت بعمل الإستعدادات اللازمة وجهزت البنزين اللازم للمعدات التي تحتاج لبنزين، وأرسلت البنزين بمذكرة لأمن سودانير للإشراف على تصريفه ومراقبة تسجيله في دفتر يوميات المعدات، ثم ذهبت لمتابعة عملية الشحن، ولكن لدهشتي لم أجد سلاحاً ولا ذخيرة: فقط جوالات ذرة عادية
سألت المقدم، فشرح لي أنها سلاح وذخيرة مخفية في جوالات ذرة! هه
قمت بكتابة مذكرة لأمن سودانير بالعملية وتركت العمل يستمر
وقبل أن أغادر المطار، جاء المهندس مختار عثمان على عجالة وقابل وردية الأمن ثم استدعاني يسألني ويرفض تعليقي بأن تلك العملية تم طلبها بغرض أنها سلاح، وأن هذه فقط عملية ترحيل ذرة لمنطقة العمليات وأن الطائرة ليست عسكرية إنما تجارية وملك لضباط من القوات المسلحة، واتهمني بالتآمر في مواضيع خطيرة وحساسة وأمر أمن سودانير بالتحقيق معي
لم يكن يعلم المهندس فيصل ولا أمن سودانير أن المقدم كان قد سلّمني خطاباً بأمر العملية وذكر فيه أن القوات المسلحة تطلب أن يكون الأمر سرياً للغاية وأنها لن تصدر خطاباً بإسمها في ذاك الصدد
وبعد عدة أيام من التحقيق أبرزت الخطاب المذكور، كما وكشفت لهم توقيع أمن سودانير على رقابة البنزين للمعدات قبيل موعد خدمة الطائرة بوقتٍ كافٍ، واسقط في يدهم حول أي إدانة ضدي
بعدها بفترة قصيرة أرسلت في مأمورية لجوبا، وكان كابتن الطائرة المقرر سفرها هو كابتن كوكو، إلا أنه عند وصول المطار كان كابتن الطائرة هو حجازي، وكنت أمانع في السفر معه لكثرة حوادثه، ولكن إلحاح مهندسي الوردية عليً أحرجني ووافقت السفر معه
عندما حان وقت رجوعي بعد أيامٍ قليلة، أخذني مدير جوبا لبرج المراقبة للتحدث مع موظفي المراقبة، وعندها جاء عقيد من الجيش لمقابلة المدير وموظفي برج المراقبة عمن يكون كابتن الطائرة القادمة، فأجابه المدير إنه كابتن شيخ الدين، فقال في كل الأحوال يجب أن يخطروه أن يلتزم بالهبوط الحلزوني في مطار جوبا في حدود الجبال المحيطة بجوبا إذ انها مؤمّنة بواسطة الجيش، أما خارجها فهو عرضة لنيران المتمردين، فقيل له انهم يعلمون ذلك، فسأل: لماذا إذن حلّق قبطان الطائرة – وذكر يوم هبوطها، وكانت نفس طائرة حجازي التي سافرت فيها – قال لماذا إذن حلق قبطان الطائرة لمدة طويلة خارج الحلزون؟ إنها ضربة حظ ضخمة أنه لم يتم إنزال طائرته بواسطة المتمردين! وأصابتني دهشة ورعشة، ما هذا؟
في متابعاتي مع مدير إدارتي لتسكيني الوظيفي بعد أن تم تسكين أغلب العاملين، كان يخطرني أن المدير العام يصر على أن يتم تسكيني في وظيفة مهندس أول ولا أسكّن في وظيفة مهندس قائد كما جاءت التوصيات مالم أقدم إستقالتي. كما ورفض تسكيني إبتداءاً من عام 1988 وهو تأريخ إلتحاقي بسودانير، بدلاً من الأول من فبراير 1991، إذ أن موضوع تسكيني كان متوجباً منذ ذلك التأريخ (إلا في حالة عدم اجتيازي فترة التجربة وعندها يتوجب فصلي) وليس إعادة التسكين الذي قرره مجلس الإدارة لكل العاملين المسكنين لتصحيح تسكينهم السابق
ثم أمر يسٍ بفصلي من العمل، إلا أن الأمر تم تحويله للسيد المدير الإداري (سيرد لاحقاً كيف أنني علمت أن المستشار القانوني السيد السباعي كان قد اعترض) وكوّن المدير الإداري لجنة توصلت إلى أنه يتوجب أن يتم تعييني حسب التوصية، في وظيفة مهندس قائد، ولكن دكتور يس اعترض على ان خبراتي المختلفة قليل منه يرتبط بنوع عملي كمدير تشغيل وأدائي غير مقبول
وقابلت فيصل مختار نائب المدير فاخطرت مهندس فيصل أن خبراتي كلها في صيانة وتصميم الماكينات، ولم يعترض ولكنه نادى إبراهيم الخليل الذي واجهني بأنني متسيّب، فقلت له أمام فيصل، فليذكر لي اما متى بالضبط كنت متسيباً أو في أي حدث ضبطت متسيباً، ولماذا لم أحاسب وقتها، فقال إنه أغلب الوقت انا متسيب، وأنه رأف عليّ فلم يحاسبني
قلت لفيصل أن لدي أسلوب اواظب عليه لأهميته، وهو أنني أسجل في دفتر خاص كل حدث أمر به أو أقوم به خلال ال24 ساعة كل يوم، وسأحضر الدفتر وأتحدى إبراهيم ليذكرلي أي حدث أو يختبر تسجيلي في الدفتر بأي أمرٍ يتذكره، وأحضرت الدفتر، وطلب فيصل أن يرى الدفتر ولما تمانعت قال مداعباً "حأفتح عين واغمض عين"، فأعطيته الدفتر وتصفحه، وبانت القناعة في وجهه، وقام إبراهيم وخرج، ثم قال لي فيصل أنه سيتحدث مع يس
ذات يومٍ بعدها التقاني فيصل في المطار وقال لي لابد أن تقدم استقالتك حتى تمنح درجتك كمهندس قائد، فأخطرته أن المدير قرر ألا أمنح تلك الدرجة حتى لو استقلت، وقلت له "أخي فيصل – قال تعالى (ما أصابكم من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما أتاكم والله لايحب كل مختالٍ فخور) صدق الله العظيم – إنني قد قمت بواجبي كاملاً وانا رضيان به، ولن يؤسيني عدم إعطائي حقوقي، كما ولن يفرحني إعطائي إياها، أنا راضٍ بكل مشيئة الله والحمدلله – الكرة في ملعبكم فشدوا حيلكم"
تم نقل مدير أمن سودانير، كمال مدني، من المطار وتم تعيين مدير أمن جديد إسمه "المرضي"
ناداني المرضي في مكتبه وسألني ماذا تحدثت مع المهندس أمين أحمد إبراهيم، ثم حذرني وذكر لي بالكلمة كلامي معه
إحترت، فالباشمهندس أمين رجل أمين ولا أشك في نزاهته، فكيف وصلهم حديثي معه، مع أن حديثنا كان في التارماك في الهواء الطلق ولا يوجد شخص بالقرب منا لسماع ذلك الكلام، وكان الحديث عن رأيي في نظام الإستعانة بالفاسدين للسيطرة على الخدمة المدنية التي هجرتهم منها كل الكفاءات
ثم واجهني المرضي بتهمة إضافية وهي أنني اتعاون مع المتمردين وأن تعييني لأندرو لخدمة طائرات المجهود الحربي يؤكد لهم ذلك، وطلب مني الحديث الصريح وإلا – ثم أخرج مسدساً محشو وقال "عارف مستعد أفرّغ المسدس ده في راسك؟" فقلت "أعرف" فقال " مالا تعرفه أنه يمكنني أن أفرغه في رأس والضبان الأزرق ما يعرف حاجة" قلت له "أي أدري" فقال "طيب اتكلم" فقلت "كما قلت لك هذه خيالات فقط، فأنا لست سياسياُ ولا تهمني السياسة، ولكن أخلاقيات الدولة تهمني"
لم يتوقف رجال الأمن من محاصرتي ومضايقتي في حضوري وفي غيابي، يفتشون مكتبي ويستجوبون فنيي التشغيل والذين يخطروني بكل ما يفعلون، وكان أحد رجال الأمن هؤلاء يأتي لمنزلي بموتره ويقوم بتهديدي
كنت قد شهدت عدة أحداثٍ لمشاحناتٍ بين المكون العسكري للإنقاذ والمكون السياسي وهم الإخوان، وكما ذكرت سابقاً طفا على السطح في سودانير ملاسنات بين دكتور يس والعميد صلاح كرار بمنشوراتٍ توزع على العاملين، حتى جاء يوم حدث فيه أمرٌ خطير، وهو رحلة الطائرة الإيربص 310 إلى دمشق فارغةً من الركاب ماعدا ثلاثة، مهندسيْن أردنييْن منتدبيْن لسودانير، وثالثهما مواطن تم أختياره من مجموعة ثلاثة مسافرين لدمشق لعدم وجود مقاعد
وصل الأمر لوزير النقل والمواصلات، والذي اتصل بدكتور يس يطلب إيضاحاً ولم يرد عليه يس، فأتي بنفسه وأمر باجتماع مع مدراء ورؤساء الأقسام، وكنت أنا في مأمورية للصومال ولم أحضر الإجتماع، لكنني علمت أن الوزير تعجب كيف تقلع الطائرة الكبيرة تلك بثلاثة ركاب في حين أن قائمة الإنتظار لدمشق طولها شهرٌ كامل، ورد دكتور يس بأنه يقدم إستقالته ولكن الوزير سوى الموضوع وطلب فقط التحقيق
لما رجعت من الصومال، أرسلت لي العربة ليلاً لمشكلة في المعدات، وفي الطريق للمطار كان السائق يحكي لي تفاصيل القصة وقال لي "عارف ياباشمهندس تمت خدمة الطائرة المذكورة في ورديتنا وأنا كنت شغال في الهايلودر" وبعد قليل قلت له "هايلودر إيه، دي سافرت فارغة، حترفعوا عفش مين بالهايلودر"، فقال لي "أبداً، مارفعنا عفش، كنا بنشحن منقة، شحناها منقة تب"
كانت دهشتي بالغة، فليس كما شرح دكتور يس لوزير النقل أنه خطأ غير مقصود، يبدو أن الوزن المتوفر من عدم نقل الركاب صادف أن أدي خدمة في نقل المنقة
تذكرت أيضاً حدثاً مرتبطاً بذلك. كان العيد كان على الأبواب وكنت أبحث عن حلوى للعيد، فوجدت أمين مخزن تموين الطائرات لديه كرتونة حلوى كبيرة فسألت إن كان يمكن لي شراء بعضها، فقال لي يمكنك شراؤها، ولكن يجب أن تكون كلها، فقلت " طيب شوف لو صاحب الكرتونة يبيع لي نصفها ويمكنني إيجاد من يقتسمونها معي، ولكن الكرتونة كلها ضخمة وغير واقعية"، فاعتذر قائلاً أن الكرتونة لمدير محطة دمشق أرسلها لبيعها له، ولا يقبل تجزئتها
إذن كان مدير محطة دمشق يشحن بالطائرة الإيربص منقة لبيعها من سوريا، ويشحن راجعاً حلوى وبضائع أجنبية لبيعها في السودان، بطائرة سودانير خصماً على حمولة الركاب، وتهريباً بدون جمارك.... وعلمت أنه جبهجي
في اليوم التالي كتبت تقريراً بذلك لإدارتي لإبراهيم الخليل، وطبعاً لم يحدث غير أن الأمن أصبح يطاردني أكثر
ورجع المدراء الموقوفون محتفىً بهم: الكابتن شيخ الدين أصبح رئيساً لمجلس الإدارة، المهندس شمبول عدلان أصبح مديراً عاماً، المهندس فيصل مختار أصبح نائب المدير العام الوحيد وألغيت جميع مناصب نائب المدير العام التي كان يتمتع بها آخرون
والبقية في الحلقة القادمة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.