طوّى المؤتمر الوطني قبل أيام آخر مؤتمراته الوظيفية باقامة مؤتمر القطاع السياسي الذي صعَّد للمؤتمر العام كلاً من الرئيس عمر البشير والشيخ علي عثمان والدكتور نافع علي نافع، وقد صدرت عن مؤتمر القطاع جملة من التوصيات والموجهات التي من شأنها رفع الوعي والسلوك العام لدى الحزب في الممارسة وحركة انتقال المهام والتكاليف بين عضويته، ولكن هناك حالات غياب سيما الولاة ومعاونيهم بالولايات، وكذلك بعض الوجوه السياسية المعروفة. والبعض عزا حالات الغياب لتتابع مؤتمرات القطاعات الوظيفية وكذلك مؤتمرات الولايات، وأن كثيراً من القيادات السياسية كانت مشاركة بفعالية في المؤتمرات السابقة وكذلك التي يجري الترتيب لها بالولايات. الحراك الكثيف الذي أظهره المؤتمر الوطني من خلال مؤتمراته المتوالية فيه عدة مؤشرات، أبرزها فتح النوافد والأبواب للجميع للتداول والنقاش في القضايا الوطنية والحزبية بلا حجر لأجل مستقبل استقرار البلاد، وبحسب حديث البروفيسور غندور في غرب كردفان إذا صلح المؤتمر الوطني وانتهج المسار الرشيد في الممارسة سيقود ذلك الي صلاح البلاد. وفي تقديري أن غندور أراد ان يقول ان المؤتمر الوطني حزب تمدد وغرس جذوره في كل تفاصيل المجتمع ومشاش عظام الناس، فالتالي رشده وصلاحه هو رشد وصلاح للمجتمع كله، كما أن من أبرز رسائل «الوطني» من خلال مؤتمراته تلك التي تتعلق بالقوى السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار لحثها على اتباع منهج الشورى والانتقال السلس للسلطة والقيادة من جيل الى جيل دون عراك بل حراك من أجل الوطن ورفعته وإرساء قيم الديمقراطية والعدالة والحرية، وأن يتقدم الصفوف الأصلح الذي يكسب الرهان وليس على طريقة كسر رقبة الحقيقة والواقع، ووضع الخيار غير المناسب في الموقع المناسب!! ومهما تحدث الناس عن تجارب المؤتمر الوطني في الممارسة الاّ انها تعتبر نقلة نوعية في طريق التجويد وضبط الحركة السياسية داخل البيوت الحزبية التي تعاني من التصدعات والتمزق والصراعات.. والذي ينظر لشكل الأحزاب التاريخية في البلاد وعلى رأسها حزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي يرى انها مازالت متأخرة جداً عن ركب الديمقراطية، فهذه الأحزاب عجزت عن أن تضع خريطة داخلية لتطبيق الديمقراطية، وفشلت في أن تتعايش مع الأصوات الناقدة من الداخل التي تدعو للإصلاح، وأي شخص ينتقد «السيد» أو «مولانا» يجد نفسه خارج الحلبة غير مأسوف عليه. أما المؤتمر الوطني فيحمد له أنه لم يطرد احداً ولم يفصل عضواً او يجمد نشاطه الاّ اذا خرج العضو بنفسه ونأى بجانبه، وبعد ذلك يمنح فترة سماح للمراجعة، وهذا يحسب حرصاً من الحزب على عضويته مهما علا او قل شأنها وتأثيرها!! إن الذي سلف لا ينفي حقيقة ان المؤتمر العام «للوطني» المنتظر انعقاده في اكتوبر المقبل يواجه تحديات او تعثرات، فأهمها هي القضايا المؤجلة، وهذا الفصل في المرشحين لموقع «الوالي» خاصة بعد الممارسات الخاطئة لكثير من الولاة والتي أجلستهم على رأس القوائم، كما أن مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية اذا لم يكن قد حسم حتى الآن وترك أمره للمؤتمر العام وقتها، سوف يثير كثيراً من المشكلات والربكة وسط القواعد، اما اذا استخدم الوطني ذكاءه وافرد لهذا الأمر المهم لجنة مختصة للبت فيه وان تجهز قائمة تشمل المرشحين يتم تقديمها للمؤتمر العام للفصل فيها، يصبح هذا أمراً منشوداً ومطلوباً، سيما أن المؤتمر الوطني بات حزباً جماهيرياً متوسع القيادات والقواعد التي هي الأخرى لديها هموم وتقاطعات متنوعة في التنمية والخدمات وتوزيع السلطة بعضها مركزي وبعضها الآخر فدرالي، وبالتالي هي بحاجة الى ان تكون في الصورة، كما أن قطار الحوار الوطني يجب أن يتحرك من المحطة التي هو فيها الآن، فهو تأخر كثيراًً للمماحكات والمماطلات التي تقوم بها بعض الأحزاب التي تقدم رجلاً وتأخر اخرى، وبالضروري أن يُعلى سقف الوطن على أية سقوفات أخرى، والمؤتمر الوطني معني بعملية الحوار الوطني وانجاحه قبل غيره، لأنه هو الذي اقترع عملية الحوار الداخلي مع قواعده والحوار الخارجي مع الأحزاب والقوى المعارضة مدنية وعسكرية. ونأمل أن تمضي الأوضاع نحو المؤتمر العام بهذه الوتيرة والعمل الجماعي اختلف الناس او اتفقوا في تقييمهم له، الاّ انها ممارسة جديرة بالتقدير والاحترام على الأقل في شكل الترتيب والمحتوى الذي يُقدم.