عبد المجيد إمام الفارس الركزة القوية " أنا عبد المجيد إمام قاضي محكمة الاستئناف العليا آمر بالآتيك عدم استخدام القوة وانصراف قوات الشرطة وعودتها إلى مراكزها فورا الآن" وفي الحال رتب ضابط الشرطة المسؤول قواته المتأهبة للانقضاض على الأفندية الكبار تربص الذئاب الجائعة المجلحة الأسنان بخراف وديعة ومبغبغة وكأنه كان يتوقع ذلك أو بالأحرى يرتب أمرا متفقا عليه من قبل ، فلقوات الشرطة دورها الوطني المشهود من قبل طلائع شتى موجودة في كادر وزارة الداخلية. صوت فخم ووقور وصادح في البرية بالتحدي، تمليه شجاعة لا تأبه: " ألقى بين عينيه همه ونكب عن ذكر العواقب جانبا" وهنا تجمع المحامون والقضاة وأساتذة الجامعة والنقابيون والطلاب وناس الأعمال الحرة في السوق والطلاب، ألرواب والنظارات والبدل، وحمل الموكب المهيب مذكرته في مسيرة إلى القصر الجمهوري، ربما لا تساوي ميلا واحدا سيرا على الأقدام ولكنها قفزة - تفادينا استعمال كلمة وثبة لما يعروها من شبهة اليوم- تمثل نقلة نوعية من الكم إلى الكيف، مرحلة غليان الماء في لحظة تحوله إلى بخار حارق. في الساعة 2 ظهرا أذاعت هنا أم درمان قرار مجلس حكومة عبود بفصل القاضي عبد المجيد إمام والقاضي الأكبر منزلة وظيفيا بابكر عوض الله، وعلمت البلد كلها بالململة وسمعت دوي السيل القادم من شارع الجامعة وتولت القطارات المتحركة صباح مساء وأجهزة التلغراف والتلفون نقل ما يحدث من استجابة ورد فعل في كل مكان، وعلم القضاة وضباط الشرطة بالمظاهرات في كل مكان يعملون فيه، النار مشتعلة في عطبرة وبورتسودان والأبيض ومدني وكسلا، وقاد طلاب المرحلة الثانوية الاحتجاج الداوي في شوارع مدنهم. كلمة عبد المجيد إمام كانت لحظة تاريخية مثل النقطة الهندسية عديمة الأطراف أزالت أي معوق لتجمع المذكرة في مركزه برئاسة القضاء ( القضائية) وحالت دون أي تعويق لها، وأدى قار فصل الرجلين إلى شيوع المعرفة والفهم، وبروز الوعي الرافض للحكم العسكري الجثة التي فاحت رائحتها وآن لها أن تدفن وأن يعود الحكم الديمقراطي واستقبال عهد جديد يحقق تطلعات البلد إلى السلام والحرية والعدالة الاجتماعية أو التنمية على وجه الاختصار! المذكرة التي أدت إلى ولادة حكومة جبهة الهيئات، متمخضة عن الاجماع على التعاون وتجاوز الظرف الطارئ التزاما بميثاق! عاد عبد المجيد إمام إلى عمله بعد ذهاب من أصدروا قرار فصله، مات تاريخيا ووظيفيا من كتب شهادة وفاة الرجل القاضي. ولكن في حين عرضت رئاسة الوزراء على مبارك شداد ورفضها لأن عبود موجود رأسا للدولة وردها بابكر عوض الله وحلس على رئاسة القضاء وهو وظيفيا أعلى مرتبا من رئيس الوزراء. لكنها لم تسند إلى من هو أجدر بها " لم تك تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها" الفارس صوت الثورة التاريخي والماجد، والتاريخ الحافل بالأمانة والنزاهة، الأفندي في أحسن حالاته الإيجابية، حجبت عنه وأسندت إلى سر الختم الخليفة الذي لم يكن سمع بالثورة فضلا عن المشاركة فيها، رجل تربية عظيم من الدرجة الأولى عميد المعهد الفني الدمث المهذب ولكن ليس في ذلك الموقع، ولو قيل : لا لأن الرجل معروف ومحترم عند الجنوبيين، سنقول لهم : إسنادها إلى الرجل القاضي كان يعني أن حل مشكلة الجنوب قاب قوسين أو أدنى، لقد وضعت على الطريق اللاحب ولو وضعت في يد رجل مثله لما انفصل الجنوب ولما امتدت الحرب في مساحة زمنية بالطول الذي بلغته زمانيا، ولم تكن الماسونية السودانية وأولاد الإنجليز والعناصر الجوفاء العنصرية التي أصفها بالفاشستية، تريد التعامل مع رجل بقامة القاضي، كانوا يريدون التعامل مع عناصر من جنوب السودان تريد أن تحقق مصالح ذاتية واطية باسم الجنوب يتشبهون فيها بأفندية الخرطوم وتلك عقدتهم ومنتهى تطلعهم : الحصول على بيت في امتداد الخرطوم وتعليم ألذرية في مدارس خاصة تابعة للكنيسة والسكنى في بيوت الوزراء وامتيازاتهم، وأول حسنات الانفصال هو اختفاء هذا النوع المتهافت باسم الجنوب من المستهبيلين المقيمين في صالة فندق الشرق ما أقام عسيب، ينتظرون التصديقات إن فاتتهم الوزارارت. مثل بونا ملوال وأبيل اللير، ممن لم يهتموا يوما بقضية سودانية عامة، أو ما يسمى المصلحة العامة ولو نظريا، كانوا يتسيدون باسم الجنوب على أن تصب المواسير في جيوبهم، ولما انفصل الجنوب أقاموا في منازلهم بالخرطوم بعيدا عن جوباوالجنوب الموبوء بالموت والمرض: غادي غادي المرض يعادي ويا أبا البدوي لا تزرنا ولا مرة. نسوا الجنوب الذي كان حلوى يتمززونها بألسنتهم. إنها ليست المرة الأولى التي يمسك فيها القاضي بمفصل التاريخ، ففي عام 1954 زار رث الشلك الخرطوم وأقام له أبناء الشلك في الخرطوم حفل تكريم وهم من أعرق سكان أمدرمان والخرطوم ولإي أعلى مكانة أجتماعية وتعليمية، وبينهم أعظم المثقفين والكتاب السودانيين وحضر الحفل إسماعيل الأزهري وآخرون، هنا يكتب عبد الله عشري الصديق، الشلكاوي الربيئة في جريدة الصراحة عام 1954، عن الحفل وقيام القاضي عبد المجيد بمخاطبة الحاضرين باسم منطمي الحفل والعاصميين ذوي الأصول الجنوبية، هنا يعرض عشري القضية الشائكة التي تعترض السودنة وتنذر بالخطر: أن حرمان الجنوبيين من وظائف قيادية لأنهم غير مؤهلين أكاديميا، لا مبر له لأن الجنوبيين اتفقوا على أن تمنح هذه الوظائف لذوي الأصول الجنوبية المقيمين المتعلمين في الشمال في حدود نصيب الجنوب المقرر ولكن المافيا من أولاد الإنجليز والماسونية أصروا على أن الوظائف تقسم حسب الترتيب الذي كانت عليه في أيام الإنجليز وبالتالي تكون السودنة عملية ترقية جماعية يستفيد منها من كان مرضيا عنهم ويحرم منها المجاهدون الذين فصلوا أو أدينوا أو حرموا من الترقي ومن بينهم عبد الله عشري الصديق أعظم كتاب الفجر حسب رأي عبد الله الطيب في كتابه عن النثر الفني في السودان ومنهم شقيقه محمد عشري الصديق المتصوف، أكثر السودانيين نشرا لأشعارهم ومقالاتهم في المجلات الثقافية في مصر ورئيس تحرير جريدة : صوت السودان ومؤسسها الذي قدم عبد الله الطيب ومحمد المهدي المجذوب في أول خطواتهمت على الطريق، مما كتبه عبد الله الطيب في كتابه: ذكرى صديقين! ولم يسمع أحد وفي العام التالي حدث التمرد في الجنوب ولم يف أحد بوعد قطعه للجنوبيين إن سندوا قضية الاستقلال، وبعدها تحول الجرح الدامي إلى نزيف لم يستفد منه إلا أغنياء الحرب في الشمال من الأفندية والعسكريين الذين خلفوا من ورائهم جماجم ومآثم وأرضا محروقة كانت نضيرة وكان سجل الشماليون العاديون أفضل منهم وأشرف في الجنوب. والمؤسف حقا أن الشلك هم المكون الرئيس في دولة سنار، وهي دولة مسلمين شيدها البرنو على أساس محلي شلكاوي فونجي، كان الملك الجديد في سنار يعينه 4 مناجلات: مانجل الشلك من فاشودة و الثاني: مانجل الغدسات من كردفان، من الأبيض جبل الباقر مقر عرشهم وعاصمتهم التاريخية: الثواني على مشارف الرهد ثم نقلت إلى الدويمة وتفرع منها بيت آل الدلندوك في علوبة و الثالث:مانجل العرب من قري وهم العبدلاب وهم أصلا: برقو صليحاب وهؤلاء غير صليحاب المحس في توتي وبحري وأمدرمان، الذين يمثلون بيت العلم بالقرآن ومن أهل الفضل في السودان والرابع: مانجل الفونج من فازوغلي، وكان الشلك يقيمون على مشارف جبل أولياء في أول أيام العهد التركي بعد عام 1820، مما ورد في مخطوطات الشيخ محمد عبد الرحيم ولكن مذكرة القاضي عربي تؤكد وجودهم هم مع الدنكا في منطقة شندي الحالية. الغريب فعلا أن الجنوب اليوم يضم مناطق لم تكن أصلا من الجنوب قطعا والشلك أوضح مثال وهم أصحاب مملكة سابقة في الوجود لبلاط وستمنستر في لندن بل إن المعتقلين السياسيين بعد معركة كرري 1998، يضمون في أول القائمة 3 أشخاص: محمود ود أحمد وعثمان دقنة وهما عسكريان ورث الشلك وهو سياسي وجريمته مد أم درمان بالمؤن : العيش! وقضى سنوات في سجن حلفا ودمياط. من بعد، ظهر القاضي عبد المجيد محاميا عن بكار في قضية قتل، وفي الجلسة الأولى أثناء ترافعه أمام القاضي قال له أحد الحاضرين المتفرجين من مناصري الضحايا رحمهم الله: اسكت يا عب وأوقف القاضي سير القضية ورفع الجلسة وأخرج كل الحاضرين وأبقى على الشاتم ليحاكمه بجرمه الفاضح! هنا تدخل عبد المجيد بالعفو عن الشاتم والتسامح مع الشتيمة وبرفض أي عقوبة لأنه في عبارته لا يأبه بمثل هذه الأشياء ولا تؤثر فيه وخرج الشاتم بعد توبيخ من القاضي. هذا هو عبد المجيد إمام القائد الفعلي لثورة أكتوبر وهو نموذج لقادتها ومثل حي لهم من عرفوا ومن لم يعرفوا إلا مؤخرا وبعد رحيلهم مثل محمود حاج الشيخ المحامي الذي نقل الاجتماعات الأساسية للثورة والحكم الانتقالي والميثاق والمحادثات مع العسكريين نقلها إلى بيته، وكان أحد المساهمين في سير الثورة، ومثل شوقي ملاسي الذي رحل قبل أشهر من الذكرى ال50 للثورة التي شارك فيها أي مشاركة! وقد عرفت الان بنشر مقال له في النت عن الثورة تضمن شهادة عن أن الترابي طلب من المتجمهرين الانصراف بعد الصلاة على جثمان القرشي! وشوقي زميل الترابي في المرحلة الثانوية بل جلسا في درج واحد متجاورين!