بسم الله الرحمن الرحيم حتي بدايات القرن العشرين لم يخطر علي بال العالم بأن التاج البريطاني يمكن أن يصبح رمزا لسكان جزيرة علي أطراف أوروبا الغربية وحسب و فالإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس تمددت لتحتل ربع مساحة الارض من اقصي آسيا مرورا بافريقيا وحتي الاراضي الجديدة غرب الاطلنطي . والمملكة المتحدة تتكون في الاصل من عدة كيانا هي انجلترا وويلز واسكتلندا وشمال ايرلندا وقد التحقت الاقاليم الثلاثة الاخيرة بفعل الانجلوساكسون القادمين من الاراضي الجيرمانيا خارج الجزيرة . جري استفتاء اسكتلندا والعالم يكتم انفاسه يراقب تحولات التاريخ ويخشي من انتشار الداء في القارة العجوز وقلب الحضارة الغربية فالحدث لأهميته يتجاوز حدود المملكة الى ما وراء القنال الانجليزي وما وراء البحار , ففي اوروبا وحدها اكثر من عشرون حزب وحركة انفصالية تطالب بتقرير المصير فإقليم كاتلونيا بأسبانيا احد أهم هذه الاقاليم بعدد سكان يقارب الثمانية ملايين قرابة نصفهم يطالب بالانفصال واقليم الباسك صاحب الثلاثة ملايين نسمة والذي نشطت فيه حركة إيتا والتى صنفت كحركة ارهابية من قبل اوروبا قبل ان تتراجع وتتبني الخيارات السياسية مع احزاب احري سعيا للانفصال . اما في ايطاليا فخمس من اقاليمها العشرين تطالب بالانفصال او الانضمام الى بلدان جارة مثل النمسا وعلي رأس المطالبين بالانفصال جزر مثل صقليا و ساردينيا اكبر جزر البحر الابيض واقليم فينيتو الذي يحتضن مدنية البندقية وقد نظم الاقليم الاخير استفتاء غير رسمي تجاوز المطالبون بالانفصال فيه ال 88% . كما ان فرنسا لم تنجو من دعاوي الانفصال خاصة الجزر مثل جزيرة كورسكا علي المتوسط , وكذلك مطالبة سكان جزيرة غرينلاند الغنية بالنفط عن الدينمارك . واقليم فلامند في بلجيكا والذي يحتضن 60% من سكان البلاد ومعظم ثرواتها يطالب بالانفصال عن المملكة بنسبة مقدرة تتجاوز ال40% من السكان. ويمكن ان نقول بان اكبر موجه للانفصال كانت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي بنهاية الحرب الباردة حيث تشظت اجزاء واسعة منه وولدت حينها 30 دولة جديدة مطلع التسعينات وجانب من هذه الدول تشكل الان هاجس لاوروبا خاصة منطقة البلقان بتداخلاتها الدينية والاثنية وبارث عميق من الصراعات الدامية التى تسببت بحروب اوروبا التى حمل وزرها العالم . وقدد جددت روسيا مؤخرا الجدل حول حق تقرير المصير في اوكرانيا والتى انفصلت عنها شبه جزيرة القرم وقد ساندت عشر دول فقط التوجه الروسي منها السودان . وقد حافظت اسيا الى حد كبير علي تماسك دولها باستثناء شبه الجزيرة الهندية وشبه الجزيرة الكورية وارخبيل الملايو فالاولى شهدت انقسامات بسبب الدين والثانية بسبب الايدلوجيا , والثالث بسبب العرق , والمصالح واطماع النخب هي اساس ما حدث هناك وما يحدث في كثير من الأماكن . في العالم العربي قضايا الانفصال ارتبطت بالاقاليات الاثنية والطائفية في العراق واليمن والمغرب والسودان الا اننا نسمع كل يوم عن حدود جديدة فيما يعرف بتقسيم المقسم وتجزئي المجزء وصناعة سايكس بيكو جديدة ,وقد نشرت خرط لدويلات باليمن لتعيده كما كان قبل الوحدة وتجعل من المملكة العربية ثلاث دويلات وتجعل من مصر ثلاث دويلا كما ليبيا والعراق الذي اصبح شبح التقسيم يطل برأسه علي الارض في كردستان وبين سنة وشيعة . في افريقيا ومع فسيفسائها العرقية والاثنية وكثرة صراعاتها الا ان حكمة القادة الاوائل حافظت علي جانب من المشهد بتبني خيار الحفاظ علي الحدود الموروثة من الاستعمار كواحدة من ثوابت منظمة الوحدة الافريقية خوفا من التشتت والتشرزم, فدعاوي الانفصال في نيجيرياوجنوبالسنغال وشرق الكنغو وزنجبار وغيرها كفيلة بأن تجعل القارة في حالة من الفوضي غير المتناهية وقد جاء انفصال ارتريا في العام 1993 كاول سابقة علما بأن ارتريا كانت دولة وضعت تحت الوصاية الاثيوبية بعد الحرب العالمية الثانية , اما عن الصومال فلا يمكن ان نقول بانه حدث انفصال لغياب الدولة كفاعل لسنوات طويلة ولان ارض الصومال كدولة ولدت علي جزء من تراب الصومال لم يعترف بها الاتحاد الافريقي ولم يعترف بها العالم . لذلك نعتبر اول دولة افريقية شهدت انقساما باستفتاء جنوب السودان وخسارة ثلث مساحة الدولة . استفتاء اسكتلندا يهمنا بشكل كبير لاسباب متعدده فبريطانيا المستعمرة هي واحدة من صناع ازمة جنوب السودان بقانون المناطق المغلقة وبتركها بزور الازمة بالسودان مع وجودها بالبلاد لاكثر من نصف قرن وذلك لا يعني اننا نبري الحكم الوطني من تبعات المشكل ولا الاطراف الداخلية والاقليمية والدولية الاخري . واسكتلندا تمثل ثلث اراضي المملكة المتحدة وهي النسبة التى يمثلها جنوب السودان من جملة مساحة الدولة . أما العامل الاهم فهو النفط فقد تعززت الروح الانفصالية بجنوب السودان لاعتقاد بان النفط المنساب من باطن ارض الجنوب حق لمواطنية ولا يحق لاهل الشمال التمتع بخيرات الجنوب خاصة اذا اخذنا في الحسبان اوضاع اهل الجنوب جراء الحرب والهجرة والنزوح وباعتقاد أن النفط سيغير اوضاعهم في زمن وجيز, فاسكتلندا تنتج نفط المملكة المتحدة والبالغ مليون ونصف المليون برميل باحتياطي يتجاوز الثلاثة مليارات برميل وكذلك الغاز كمنتج اول في اوروبا ومع ذلك فقد اصبحت المملكة المتحدة مستورد للنفط منذ العام 2010 وللغاز منذ العام 2004 وهو ما حاول دعاة الانفصال تسويقه لصالح خمس ملايين اسكتلندي . وعلي الرغم من وجود اسكتلندا علي اطراف الجزيرة الا ان بنية المواصلات تتمركزخارج الاقليم ففي حال انفصالها كان لابد ان تعتمد علي المملكة المتحده في حركة الصادرات والواردات وهو وضع شبية بوضع جنوب السودان مع افضلية للاولى مقارنة بدولة الجنوب الحبيسة , وهناك عامل اخر هو دور النخب في كلا الحالتين في تشجيع الانفصال فالوزير الاسكتلندي الاول وحزبه وحكومتة يتشابه دورهم ودور الحركة الشعبية وحكومة الجنوب في تجييش مشاعر الانفصال مع الفارق في مستويات التعليم ووعي الجماهير وهو ما بينته نتائج الاستفتاء في الحالتين فنسبة ال 45% المطالبين بالانفصال في اسكتلندا تقابلها نسبة ال98%في جنوب السودان ففي الحالة الثانية يتضح التجييش مقابل الحالة الاولى التى خضعت لحسابات الربح والخسارة والتى ناقشت التفاصيل (التى يسكنها الشيطان ) قبل الشروع في الاستفتاء فلم تكن ثمة اشكالات في قضية الحدود وتم تداول قضايا مثل العملة والتى رفض النواب في بريطانيا بالسماح للدولة الجديدة ان قدر لها ان تكون بان تتداول جزء من شرف المملكة المتحدة وهو جنيهها الاسترليني وقد احتفظوا به في مسيرة تمايزهم عن الاتحاد الوروبي وتناولوا قضية الديون البريطانية والبالغة 175مليار جنيها استرلينيا نصيب اسكتلندا منها 62 مليارا علموا انهم يحتاجون لعشرين عاما لسدادها حال الانفصال ,مقارنة بديون لم نتوصل فيها الى حلول . أما المواقف الخارجية فهي التى جعلت الكثيرين من العالم الثالث ومن السودان يتمنوا انفصال اسكتلندا لازدواجها البائن فتصريحات قادة اوروبا والولايات المتحدة تتباين بشكل كبير في الحالتين فقد دعموا وحدة اسكتلندا بالاغراءات بقدر ما دعموا انفصال الجنوب , ويدركون في الحالتين اثر الاستفتاء علي بقية الاقاليم المجاورة فبعد اسكتلندا قطعا ستأتي ويلز وايرلندا الشمالية لتصبح الامبراطورية اثرا بعد عين . فإن كانت المملكة المتحدة تخشي من استفتاء اسكتلندا علي وحدة اراضيها وانتقال العدوي الي اقاليم تمثل المكون الرئيس للملكة وهي الدولة التى تمتلك سادس اقتصاد في العالم ورابع دولة في تراتبية الانفاق العسكري وعضوية مجلس الامن الدائمة والنادي النووي وحلف الناتو ويحظي سكانها بافضل نظم التعليم فمن الاولى ان تتضاعف خشيتنا في السودان علي بلاد انقسم ثلثها بالفعل وتمور اطرافها بالصراعات وتشكوا قلة السكان والتعليم وتمثل مهبط للاطماع الدولية والاقليمية . فقضية وحدة الاراضي السودانية لا بد ان تكون من اولويات تفكير الدولة والمجتمع , تقوي كل ما من شأنه تعزيز هذه الوحدة وتكافح كل ما يهدد تماسكها . فواحدة من اهم ممسكات الوحدة تتجلي في قوة الدولة وقوة مركزها فمن المستبعد مطالبة اقليم في دولة قوية بالانفصال وكل حالات التفكك كانت نتاج لضعف الدولة كسبب رئيس , وأهمية الحفاظ علي مساحات أكبر لمراعاة التباينات بين الاقاليم وتعزيز حقوق الهويات الفرعية مع بناء وتعزيز هوية مركزية تمثل جماع هذا التنوع , وتطوير تجربة الحكم الفدرالى لبسط المشاركة من خلال تبني مشروعات التنمية والخدمات والحرص علي تنقية أجواء الحكم المحلى من كثافة الاجندة السياسية و القبليات والجهويات مع الابتعاد عن دعاوى الحكم الاقليمي والذي كان سببا في مطالبة اسكتلندا بالانفصال بعد ان تأسست سلطتها الاقليمية في العام 1999 وللسودان اكثر من تجربة في الجنوب , إن قضية احلال السلام ومعالجة النزاعات وترسباتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحدة من أهم قضايا الحفاظ على الوحدة خاصة في مناطق ادخلناها بغير حق ضمن اتفاق السلام الذى افضي الي انقسام الجنوب مثل النيل الازرق وجنوب كردفان وابيي , ونحن نسعي لكتابة دستور جديد فمن الممكن إن لم يكن من الواجب أن يتضمن عدم السماح لأي دعاوى تتعلق باستفتاء علي ارض سودانية بغرض تقرير مصيرها علي غرار دساتير بعض الدول التى تستشعر تهديد وحدة اراضيها كأسبانيا وايطاليا وغيرها . وتعزيز الوعي بقضية الوحدة ومعرفة مهدداتها يبقي هو الدور الذي يقع في مكان الفرض للدولة وللنخب ووسائط الاعلام وكل مكونات المجتمع .