(1) فيتوقف مصير السودان على قصة حب مفقود. بين رئيس الجمهورية عمر البشير، من جهة، والسيدة فاتو بنسودة، المدعية في المحكمة الجنائية الدولية، من جهة أخرى. حب مفقود سرعان ما تحول إلى كراهية متبادلة. ثم إلى استحواذ عمر البشير بخوف مريع. من فطومة المتمسكة بالرئيس. وما بتقدر تخليهو. بتحبو، بطريقتها.حب الناس مذاهب. موضوع شخصي بحت. لا علاقة له بالشأن العام. ولا بالسياسة. هكذا يجب أن ننظر فيه، وإليه. (2) فبالرغم من أنها "علاقة شخصية"، إلا أن هذه قصة الحب من طرف واحد، حب فطومة لعمر البشير،ظلت تتحكم في قرارات رئيس الجمهورية وفي سلوكيات سلالة الإنقاذ. إزاء جميع القضايا السياسية الكبرى:الحوار، الانتخابات، ترشيح الرئيس لفترة إضافية، الحكومة الانتقالية، تفكيك نظام الإنقاذ، والحرب. ولن تتغير المواقف السياسية بشأن هذه القضايا الكبرى إلى الأفضل إلا بتغيير في الموضوع الشخصي. موضوع الحب المتوتر عبر الحدود الدولية، بين عمر وفطومة. (3) يفهم الرئيس وسلالة الإنقاذ عبارة "تفكيك دولة الإنقاذ" بأنها تعني بالدرجة الأولى زف الرئيس إلى فطومة. ويدركون أن هذه الفعلة المحتملة ستكون بداية النهاية. وصولا إلى تجريد سلالة الإنقاذ من الأرصدة المالية والعقارية التي تحصلوا عليها بالفساد والنهب. ذلك بالرغم من أن المعارضة لا تتحدث بصوت موحد عن هذا الزفاف، ولا عن التجريد من الأرصدة. وباستثناء الجبهة الثورية، نجد أن المعارضة بما فيها الحزب الشيوعي تظل مترددة ومتلعثمة بشأن تسفير الرئيس في طرد إلى هولندا. (4) علينا جميعا أن لا نستسهل المِحنة التجريبية في ماديتها التي يعيشها السيد رئيس الجمهورية، عمر البشير. وبالرغم من استعراضه ومن تصريحه أن المحكمة الجنائية "تحت جزمتي"، ندرك بالعقل أن عمر البشير يتصبب عرقا. وقلبو مقطوع. تعذبه وتحميه من النوم فطومة.المرأة اللعينة من دويلة غامبيا.تغمز له"عندي ولع فيك". تعال زورني مرة. في لاهاي. ون نايت أونلي. أسأل أوهورو كينياتا! لكن السيد الرئيس لا يطمئن لفطومة. متأكد إنها عايزة تغشو. وبعدين توديهو بيت الأشباح ورا المحكمة. فيجب أن نأخذ خوف عمر البشير من فطومة مأخذ الجد. وأن نضعه على رأس الأجندة. ليتم التفكر فيه والنقاش حوله بموضوعية، وبالسياسة. للمصلحة العامة. لأجل الفقراء. في معسكرات النازحين. ولأجل أولئك الذين يعيشون في مناطق العمليات العسكرية في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور. وفي معسكرات اللاجئين في تشاد. (5) كثرهم الذين يطالبون بإرسال عمر البشير إلى فطومة في المحكمة الجنائية. في جميع الأحوال، ومهما كانت الأحوال. وكنت مؤيدا لهذا الاتجاه، في البداية. لكن المدة طالت. ونحن لا نعيش منذ بداية حرب دارفور مع المنزحين واللاجئين في المعسكرات. ولا تحت القصف بالأنتينوف في مناطق العمليات. بل نجلس هنا في أمريكا والسويد وانجلترا ودول الخليج وفي الخرطوم. فإذا كانت قضية عمر البشير في المحكمة الجنائية ستعرقل جهود إحلال السلام،وتسبب مزيد عذاب للفقراء، لا يجوز أن نظل نعتمد ذات الموقف. أو أن نكون مرتاحين للانتظار سنين إضافية في الفترة الرئاسية الجديدة. لأجل تقديم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية. نردد القول المكرر عن "حكم القانون"، وعن "العدالة". نعم، القانون مهم. والأمر مبدئي يتصل بالعدالة والمحاسبية على الجرائم الخطيرة. لكن الموضوع، في ماديته التجريبية بالنسبة للفقراء في المعسكرات وفي مناطق العمليات، لا علاقة له بالقانون أو بالمبادئ. ذلك، بالرغم من أنه ثابت موضوعا، إن لم يكن قضائيا، أن رئيس الجمهورية ارتكب جرائم الحرب والجريمة ضد الإنسانية في دارفور. وكذا في جنوب السودان. وفي جنوب كردفان. وفي منطقة النيل الأزرق. بالإضافة إلى رئاسته لنظام إجرامي، ابتداء. (6) وعلى مستوى آخر، فإن الإصرار من قبل الجبهة الثورية على زفاف عمر البشير إلى فطومة، يظل يعرقل الوصول إلى الهدف الجوهري،إنهاء عذاب الفقراء في المعسكرات وفي مناطق العمليات. بإيقاف الحرب، وفتح الطريق لتغيير في السودان. ليست هذه الحجة التي أقدمها جديدة. معروفة في الجدل عن المحكمة الجنائية. وظلت قائمة تتعارض مع حجة العدالة والقصاص والسلام الدائم. وأرى أن الحل يكمن في تكييف الوقائع وفي خصوصية الوضع في الزمان وفي المكان. في حالة السودان، اليوم. فما دامت فطومة موجودة تتربص بعمر البشير. وتريده بكل جوارحها. لن يكون عمر البشير المستقوي بالعصابات والمليشيات، بما فيها مليشيا الجيش ذاته، لن يكون راغبا في مجرد التفكير في التعامل الجاد مع المعارضة بأشكالها. خاصة وهو يعد نفسه لرئاسة جديدة فيما يبدو (د. الطيب زين العابدين في سودانايل). تحديدا ليتجنب فطومة. .. بالإضافة إلى أن عمر البشير لديه البندقية الأكبر. ولديه التنظيم الإجرامي في المؤتمر الوطني. ولديه الربائب في سلالة الإنقاذ من السَّرَقة ولصوص المال العام والمحاسيب بأشكالهم. يخافون التجريد من الأرصدة المالية والعقارية أكثر من خوفهم الموت بطلقة رصاص. جميعهم سيستميتون في منع إرسال عمر البشير إلى فطومة. لأنهم عارفين حيحصل ليهم شنو. (7) لا يكترث الرئيس للمعارضة الفشنك بقيادة أمثال الصادق المهدي، الحالم بالتوريث لأولاده. وهنالك فاروق أبو عيسى، وبقية المكنكشين. يريدون السلطة يأتي بها الشباب المحاربون في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. ولا بأس عندهم من أن يندفع الشباب المدنيون إلى المظاهرات ليقتلهم قناصة جهاز الأمن. ولو نجحوا في إسقاط النظام، ما بطال مع المكنكشين حيظهروا يجوا عايزين يحكموا. وكذا لا يخشىرئيس الجمهورية من احتمالية انتصار للجبهة الثورية على مليشيا الجيش. إلا إذا عرفت الجبهة سر الحوثيين وسر داعش. (8) أما فطومة، فليست "احتمالا"، بالنسبة لعمر البشير. قصتها مؤكدة. عندها ورقة من مجلس الأمن. ومن المحكمة.وهي تتربص برئيس الجمهورية منتظراهو. ومتابعاهو محل ما يسافر بالدس وباللَّفة. كلمتو عديل إنها عايزاهو شديد. ومتمسكة بيهو. ما حتخليهو يضيع منها. محرشنها الأمريكان. عملوا ما متذكرين أفضال عمر البشير عليهم. لما كان رسل ليهم صلاح قوش بالشنطة مليانة وثائق عن المجموعات "الإرهابية".(طبعا، صلاح قوش نكر). وعمر البشير في لاهاي حيكون سينما. حفلة للصباح عن الانتصار على الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة الإبادة.وعلى الإرهاب كمان، بدل "العدوان". كل هذه الصور تدور يوميا في دماغ عمر البشير. سببها فطومة. وهو يعرف أن الحل الوحيد يكمن في فترة رئاسية جديدة في انتخابات مزورة. أو في صفقة مع عبد الرحيم محمد حسين. يترشح بدلو ويفوز بالتزوير. عبد الرحيم حيوافق طوالي. لأنو برضو عندو قصة حب طويلة مع فطومة. (9) أما بشأن العقبات أمام زفاف عمر البشير لفطومة، فانظر في رد الفعل الذي سجله جهاز الأمن في الوثيقة المصطنعة المسربة. وانظر في الذي قاله عمر البشير للشرق الأوسط. رد الفعل على أية محاولة لتفكيك دولة الإنقاذ. التفكيك الذي يفهمه الرئيس على أنه الزفاف لفطومة. وتفهم العصابات أن الزفاف سيقود إلى تجريدها من الأرصدة المالية والعقارية المنهوبة. عليه، كان رد الفعل واضحا، ومتوقعا: (1) تخريب الحوار الوطني. برشوة الترابي. وباستغلال الغواصتين المزدوجتين ابني الصادق المهدي. وبفركشة أحزاب المعارضة. وبالتلاعب وتضييع الوقت. (2) إجراء انتخابات، قوام قوام. [مزورة، يفوز فيها عمر البشير أو صاحبو عبد الرحيم محمد حسين البرضو خايف من فطومة. انتخابات لتثبيت حكومة العصابات بديلا لحكومة انتقالية]. (3) إضعاف الجبهة الثورية وحركاتها المسلحة. [لأن الجبهة هي التحدي الأكبر والأشد خطرا على حكم الإنقاذ. تحديدا بسبب السلاح، اللغة الوحيدة التي يفهمها الطاغية. لا بسبب فكرة السودان الجديد، التي يعجز عمر البشير عن استيعابها أصلا. فهي خارج إطار تفكيره]. وقد حدد جهاز الأمن في الوثيقة المصطنعة المسربة أن إضعاف الجبهة الثورية سيكون بتدابير محددة معروفة: (أ) تصعيد الأعمال العسكرية ضد المواطنين المدنيين الذين يدعمون الحركات المسلحة في دارفور ومنطقة جبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق. (ب) تجنيد المواطنين المحليين في المليشيات العرقية [بما في ذلك تجنيد الأطفال]. (ج) تلميع دانييل كودي، وأمثاله. (د) زرع الغواصات والجواسيس في هذه الحركات. (ه) استخدام "بنات" سلالة الإنقاذ [على طريقة الإسرائيلية تسيبي ليفني مع صائب عريقات]لجمع المعلومات عن قادة الحركات المسلحة. مما جاء بيانه بالتفصيل في الوثيقة المصطنعة المسربة. (10) فنقطتي الأساسية هي أن يتم طرح موضوع إرسال عمر البشير لفطومة للنقاش المفتوح. لأن الرئيس خايف. شعور معروف. ومفهوم. لأنه سيواجه السجن مدى الحياة، في البرد بتاع هولندا. عليه، سيتشبث بالسلطة. وما حيسمع كلام د. الطيب زين العابدين في سودانايل، إنو يتنحى.بلا أسباب قانونية بلا ك .....! وفي جميع الأحوال، عمرو سبعين سنة. وهذه واحدة من المعطيات المهمة عند التفكير بشأن التعامل مع خوف عمر البشير من فطومة في المحكمة الجنائية. فكلها عشرة سنين حيكون عمرو تمانين سنة. وممكن سنة ما يعديها. الأعمار بيد الله. ولا يكون الموت لأسباب طبيعية بعيدا بالنسبة لكل من تجاوز الستين، مثلي، ومثل عمر البشير. ولنتذكر أن هذا الخوف المسيطر على عمر البشير من فطومة يشل تفكيره المشوش أصلا. ويتحكم في جميع قراراته بشأن القضايا الأساسية في السودان. (11) ضحايا دارفور، في المعسكرات. لا أنساهم.أدرك أنهم يريدون العدالة والقصاص من عمر البشير. عن استحقاق. وقد سمعتهم في راديو دبنقا يعبرون عن تأييدهم لمذكرة فطومة للقبض على عبد الرحيم محمد حسين، صديق العريس. أقول لهم، هنالك مشكلة. سأعرض لها. وإنه توجد طرق أخرى للاستحقاقات. تتعلق بالتعويض الكافي وبغيره من تدابير العدالة الانتقالية. (12) فإما أنت القارئ تصر على زفاف عمر البشير لفطومة في لاهاي. فدونك مشكلات صعبة. ما حيمشي بأخوي وأخوك. ولا بالقوة. بيكره فطومة، قال ليكم ألف مرة."تحت جزمتي". وحتى بعد الانتخابات، حيكون قاعد. يا "رئيس" بالتزوير. أو "فلول"، على الطريقة المصرية. أو "سَدَنة"، على الطريقة السودانية الكانت جابت سوار الدهب وجنرالات الجبهة الإسلامية. وحيكون شغال تِحِت تِحت مع العصابات بتاعت السلالة. ومع السلطة القضائية الفاسدة. حتديهو براءة. بدون يدفع رشوة. الرئيس ما عايز أي حب مع فطومة. وإما أنت مثلي.أيها القارئ. عارف إنو المشروع الحضاري فطيسة (من كلمات الترابي). ونظام الإنقاذ، انتهى كنظام. والوثيقة "ماسورة"، كما قال د. عبد الله علي إبراهيم. لكنبقيت العصابات، والمؤسسات الفاسدة، والمليشيات بما فيها الجيش. كلها متمسكة برئيسنا الخايف من فطومة. فلنتفكر في حل لمشكلته الشخصية مع فاتو. لينفتح المجال لإنشاء نظام جديد لن يرى السودانيون ملامحه الأولية إلا بعد عشر سنوات على أقل تقدير. ستكون مخصصة في ذات الوقت لتفكيك العصابات والمؤسسات الفاسدة. ولحل المؤسسة العسكرية التي أورثتنا عمر البشير وكانت تحت قيادته حين اقترفت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية موضوع فطومة. (13) من هو عمر البشير؟ فأخلص هنا إلى التذكير بأنا نتعامل مع عمر البشير. من سلالة الإنقاذ. المختلفة أنثروبولوجيا عن بقية البشر. عسكري. يحتقر المدنيين. لا يؤتمن. جاء بانقلاب عسكري. بدعوى إنهاء الحكم الدموي الفاسد تحت قيادة الصادق المهدي. ولإنشاء حكم صالح. لا بأس قلنا. فاكتشفنا سراعا أن عمر البشير خدعنا. هو والترابي. فثابت من هذه المقدمات الأولية أن عمر البشير شخص خَدَّاع غشاش. أنشأ مؤسسة بيوت الأشباح. لتعذيب خصومه السياسيين، ولإذلال المهنيين والمثقفين وإهانة كرامتهم. وتسبب في تعذيب أطفالهم وأسرهم. فثابت أنه شخص ذو عقلية إجرامية. مستحوذ بالرعب والفزع من الكتابة. ولا يفقه شيئا عن حرية التعبير. ... حكم بالاستبداد ربع قرن من الزمان.وزيادة. بدون خجلة. في سودان كان عرف الديمقراطية قبل أن تعرفها أكثر من مائة دولة في العالم تنعم بها اليوم. سودان كانت تقف فيه الشيوعية فاطمة أحمد إبراهيم في البرلمان في الستينات. تطالب بقوانين لحماية العمال الرجال والنساء ضد الفقر ولدعم مشاركتهم في تنمية بلادهم. يأتينا هذا العسكري اليوم. بعد خمسين عاما.بالسَّرَقة قطاع الطرق. وببرنامج ممنهج للإفساد. بالقانون، وبالإجراءات، وبالتمكين، وباستخدام الإسلام. هذا الطاغية الصغير ود العرب من حلة ود بانقا. نموذجه الوحيد للسودان هو حلة ود بانقا. المُطهَّرة من الزرقة ومن العبيد، في لغة السلالة. تخصص طيلة حياته العملية في حرفة تقتيل المدنيين في جنوب السودان. وفي منطقة جبال النوبة. وفي النيل الأزرق. ثم في دارفور التي أودت به إلى المحكمة الجنائية الدولية متهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وثابت أنه حتى بعد الأمر من المحكمة الجنائية بإلقاء القبض عليه، لم يرعو. وظل يهذي بخريطة السودان في صورة قريته. ود بانقا الخالية من الزرقة والعبيد. وكذا من الكفار والعلمانيين. (14) الخوف من فطومة فلنتذكر دائما أن حكاية هذا العمر البشير كلها، من الألف إلى الياء، موضوع شخصي. جارية وراهو واحدة اسمها فطومة. ساكنة في لاهاي في هولندا البعيدة. عايزاهو. بأي طريقة. لكن عمر البشير يخاف من فطومة كما يخاف العقربان من العقربونة ذات الشبق المذنَّب. يعرف أنها ستلتهمه في لحظة. إن هو أخطأ يوما لم يلزم مكانه في رئاسة الجمهورية المستديمة. أو إن هو حاول أن يفكر، مجرد تفكير، في ون نايت أونلي مع فطومة. على طريقة الكيني المحظوظ، أوهورو. فجميع قرارات عمر البشير اليوم مشدودة إلى الخوف من فطومة. عشاري أحمد محمود خليل [email protected]