بذاءات الإعلام المصرى وإساءات الدولة المصرية تجاه السودان ليست عفوية يعتقد كثير من السودانيين ان بذاءة وانحطاط الإعلام المصرى تجاه بلادهم هى انعكاس للطبيعة المصرية وللمجتمع المصرى الذى تشيع فيه البذاءة واللغة الفاحشة والإيماءات المنحطة، بالإضافة الى إدمان الإساءة للآخرين والحط من قدرهم والسخرية منهم بالقول والفعل. بهذا يكون الإعلام المصرى، فى ظن السودانيين، عفوى فى بذاءته ومنسجم مع بيئته قليلة الحياء والادب اصلاً. صحيح ان الإعلاميين المصريين هم ابناء شرعيين لبيئتهم التى انجبتهم، متطبعين بطبيعتها ومخلصين لخصائصها، لكن هذا كله لا يعنى ان نهج الإعلام المصرى فى الفحش والفجور والإساءة، على الأقل فيما يتعلق بالسودان، هو منهج عفوى او ساذج. ابتداءاً يجب ان نعلم ان مصر دولة شديدة المركزية لا يقال فيها شئ او يقرأ، ليس فقط الا بإذن من الدولة، بل بإيعاز مباشر منها، فلا يظن احد ان ما يكتب او يذاع فى مصر بعيد عن اجهزة الدولة فيها، مهما حاول القائمون عليها بإعطاء انطباع مغاير، كتوسل السيسى للإعلاميين بتوخى الحذر واللياقة فيما يكتبون او يقولون!! ان مركزية الدولة المصرية وهيمنتها امر قديم تطبع به المجتمع المصرى لقرون طويلة، فقدس الدولة ومؤسساتها وانصاع لها وخضع. هذا يفسر خنوع المصريين لحكامهم ولكل صاحب سلطة او مصلحة، من جهة، و استبدادهم واستعلائهم على من دونهم من مرؤوسين ومن فى حكمهم من جهة اخرى. كل هذا مشاهد ومعروف عند المصريين يعرفه عنهم كل من عاشرهم او عرفهم. اما السودانيون فهم قوم حديثو عهد بالدول، كانوا الى حد قريب (ولا يزال الكثير منهم) طلقاء فى بواديهم وقراهم لا يخضعون لسلطة ولا يثقون بدولة، بدو فى حقيقتهم وخصالهم. ولما كانت تلك حالهم، فقد اسقطوا هذه الصفات على الناس جميعاً، بما فيهم المصريين، وتوهموها فيهم وظنوا ان الشتائم وفحش القول والإساءة لهم فى الإعلام المصرى هو خيار حر وطبيعة فجة. الواقع ان الإساءة للسودانيين بشتائم مباشرة او بتصويرهم ك"برابرة" والسخرية من اسمائهم والوانهم ومهنهم ولكناتهم وطباعهم فى السينما والإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات وحتى تعمد الخطأ فى اسمائهم هو جزء اصيل من سياسة مصرية قديمة وثابتة هدفها الإقرار فى الوعى السودانى بتفوق وقوة وامتياز مصر على السودان و بالتالى الرضا باستغلالها له وتفضيل مصلحتها على مصلحته والإستكانة لذلك وانه لايمكنه مخالفتها او الوقوف بوجهها. فى ذات السياق، ولذات الغرض، يصب سوء معاملة السودانيين فى مصر. والذين سافروا لمصر فى تسعينات القرن الماضى واوائل القرن الحالى يذكرون كيف كان المصريون "يلطعون" السودانيين فى المطارات والمنافذ لساعات طويلة، ثم لا يخلو الأمر بعد ذلك من القاء جوازات سفرهم على الارض بقصد تحقيرهم وإذلالهم. بالطبع لا ننسى مجزرة ميدان مصطفى محمود التى قتل فيها جنود الامن المركزى المصرى بالعصى العشرات من النساء والاطفال والرجال من اللاجئين السودانيين فى مشهد لو حدث من اى دولة تجاه اى دولة اخرى لقامت الدنيا ولم تقعد!! ولم تكلف مصر خاطرها ان تعتذر للسودان او لأسر قتلاه!! المؤسف فى كل هذا ان هذه السياسة افلحت فى تحقيق اغراضها، والا فقل لى بالله عليك كيف يرضى السودان بإغراق وارضه وتهجير شعبه وتخزين الماء لمصر فى ارضه (واعطائها 150 كم مربع و التنازل عن نتوء حلفا لذلك الغرض) و يرضى بقسمة ضيزى فى مياه النيل (تقضى بأخذ الربع من المياه ثم تحمل النصف من التبخر فى بحيرة السد) ويرضى بذل ان تراقب مصر مشاريعه المائية وان يسأذنها فيها، فإن شاءت وإلا اوقفها ولم يشرع فيها!!! ويرضى باحتلال ارضه فى حلايب ويستجدى تفعيل الحريات الاربعة (الملعونة) بعد ان بادر هو بتفعيلها منذ سنين. وكيف يرضى بإهانة رئيسه فى زيارنه الأخيرة لمصر، ثم يستقبل بالأحضان رئيس حزب الوفد الذى نشرت جريدته كاريكاتيراً فى غاية الانحطاط والفحش عن رئيسه!! ولا يكتفى بذلك بل يمنح (نعم يمنح) مصر مليون فدان (خمس مساحة حلايب وشلاتين) لتزرعها بمائه !!! خلاصة القول، ان سوء الادب والبذاءة وقلة الحياء والفحش، رغم انها صفات طبيعية واصيلة فى المجتمع المصرى، وفى إعلامييه بالضرورة، فإنها، فيما يتعلق بالسودان سياسة ثابتة وقديمة وذات اهداف ومرامى خبيثة ولكنها ايضاً، وللاسف، ناجحة. يبقى السؤال: ماذا نحن فاعلون؟ [email protected]