تضاربت الأنباء الواردة من نيجيريا الأسبوع الماضي بشأن اتفاق يقال أنه قد تم توقيعه بين الحكومة وحركة جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد والتي تعرف في لغة الهوسا باسم "بوكو حرام" وهي الحركة التي شغلت الرأي العام العالمي منذ أبريل الماضي بعد أن قامت باختطاف أكثر من مائتي تلميذة من مدرسة تشيبوك الواقعة في جنوب ولاية بورنو بشمال نيجيريا. أشارت الأنباء إلى أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد وساطة من جانب الحكومة التشادية ، وأن الرئيس إدريس دبي لعب دوراً كبيراً في إقناع الطرفين بضرورة التوقيع عليه. كانت حادثة اختطاف تلميذات مدرسة تشيبوك في أبريل من هذا العام وما تبع ذلك من أنباء حول إجبارهن على اعتناق الدين الإسلامي واغتصابهن أو تزويجهن القسري لجنود الحركة سبباً في العديد من ردود الأفعال العنيفة من جانب مختلف الجهات على المستويين المحلي والعالمي ، وقد أبدت الكثير من الشخصيات العالمية المعروفة وعلى رأسها السيدة ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأمريكي تعاطفها مع قضية الفتيات المختطفات وسعت جاهدة لدعم الحملة العالمية المطالبة بعودتهن سالمات لعائلاتهن. جاء الإعلان عن التوقيع على الاتفاق من جانب الحكومة في 17 أكتوبر الماضي ، كما أشار المتحدث باسمها إلى أنهم حصلوا على وعد من جانب قيادة الحركة بإطلاق سراح طالبات تشيبوك المختطفات. وفي تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية عبر وزير الخارجية النيجيري عن تفاؤله بأن الاتفاق مع الحركة سيقود حتماً لإطلاق سراح طالبات مدرسة تشيبوك وغيرهن من المختطفين ، غير أنه أشار إلى أنه لا بد من الحذر فالأوضاع لا زالت غير واضحة. ويبدو أن الوزير يشير إلى حقيقة أنه بالرغم من التوصل لوقف إطلاق النار إلا أن الحركة ظلت ولأسبوعين بعد توقيع الاتفاق المزمع في حالة صمت تام فيما يتعلق بموعد أو كيفية إطلاق سراح الطالبات المختطفات ، كما أن بعض الأنباء ظلت تشير إلى أن المحادثات بين الطرفين لا زالت مستمرة في العاصمة التشادية. من جانبه ، تحدث مدير مكتب الرئيس النيجيري في مقابلة تلفزيونية مشيراً إلى أن الطرفين لم يبحثا بعد في التفاصيل وأن الاتفاق كان يتعلق فقط بوقف إطلاق النار لتهيئة الأجواء لمباحثات مثمرة من المتوقع أن تبدأ هذا الأسبوع لذلك فإن الحركة لم تتقدم بأي مطالب محددة. كما أكد أن الجانب الحكومي قد وعد ممثلي حركة بوكو حرام بطرح كل القضايا على مائدة التفاوض والنظر عندئذٍ في مطالب الحركة. جاءت المفاجأة التي يبدو أنها قد عقدت ألسنة الأوساط الإعلامية والسياسية عندما خرج رئيس حركة بوكو حرام أبوبكر شيكاو في مطلع هذا الشهر بتصريحات نفى فيها أن الحركة قد وقعت أي اتفاق مع الحكومة ، قائلاً أن الطالبات المختطفات اعتنقن الاسلام وتم زواجهن وأنه لا مكان للحديث عن عودتهن إلى عائلاتهن من جديد. ولعل تصريح رئيس الحركة يفسر الغارات العديدة التي قامت بها عناصر من الحركة على عدد من المدن في شمال نيجيريا بعد الحديث المتواتر عن توقيع الاتفاق وهي الغارات التي تم خلالها اختطاف المزيد من الفتيات والسيدات. أكدت تصريحات زعيم الحركة توقعات بعض المراقبين الذين كانوا يرون أن الحكومتين التشادية والنيجيرية ربما وقعتا في فخ نصبه لهما بعض المحتالين ، أو أن التوقيع قد تم فعلاً من جانب قيادة لحركة إلا أنها تراجعت عن ذلك بعد الضغوط التي مورست عليها من جانب المتطرفين داخلها ، والتي كانت الهجمات في شمال البلاد جزءاً منها. كما أن هناك احتمال ثالث وهو أن الحركة حاولت خداع الحكومة ولفت أنظارها بعيداً عن العمليات التي كانت تخطط لها في شمال البلاد ، وهي العمليات التي احتلت خلالها مدينة "موبي" وأعادت تسميتها باسم "مدينة الاسلام". ومن المؤكد أن تداعيات هذا الحدث ستظل تتواتر في الأوساط السياسية والإعلامية داخلياً وخارجياً مما يضع الرئيس جوناثان وحكومته في حرج بالغ إن لم يأت بتفسيرات مقنعة لهذا التضارب في الأقوال والتصريحات وخدعة حركة بوكو حرام التي انطلت عليه. كانت التقارير والتحليلات الصحفية قد أشارت خلال الأسبوع الماضي إلى أن الرئيس النيجيري وحكومته روجا لأخبار الاتفاق المزعوم وعيونهما على الانتخابات الرئاسية في العام القادم وأن الأمر كله لا يعدو كونه مناورة لإعداد المسرح للإعلان عن إعادة ترشيح الرئيس في فبراير القادم ، غير أن معظم وكالات الأنباء أكدت قيام المفاوضات بين الطرفين في انجمينا بعد الزيارة التي قام بها الرئيس جوناثات لتشاد في سبتمبر الماضي. يرى بعض المراقبين الأجانب أن هناك سوء تقدير واضح لمدى التعقيدات التي تكتنف الموقف ، وأن التحليلات الصحفية لم تكن دقيقة فيما أوردته بشأن فرص الرئيس الانتخابية. يقول جون كامبل السفير الأمريكي السابق لدى لاغوس أن إطلاق سراح الفتيات المختطفات لن يفيد الرئيس كثيراً ، فالقضية لا تنال اهتماماً كبيراً من جانب الناخب النيجيري وأن صداها بالخارج أكبر بكثير مما هو الحال داخل نيجيريا نفسها. ويؤكد ذلك الرأي ما قامت به الحكومة النيجيرية مؤخراً من تعاقد بمبلغ كبير مع شركة أمريكية للعلاقات العامة في محاولة لتحسين صورتها داخل الولاياتالمتحدة بعد أن تأثرت كثيراً بحادثة اختطاف الطالبات. وترى بعض التعليقات الصحفية داخل نيجيريا نفسها أن شعبية الرئيس جوناثان تشهد أصلاً تدهوراً مستمراً في شمال نيجيريا لأسباب عدة من بينها الإهمال والتخلف الاقتصادي الذي تعاني منه المنطقة بالمقارنة مع جنوبنيجيريا ، وعدم الاستقرار الذي تعيشه ولايات الشمال في شكل هجمات متواصلة حتى بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار المنهار ، ويرى هؤلاء أن التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار مع الحركة إن صدقت الأنباء لن يفيد الرئيس كثيراً. من جانب آخر ، يرى بعض المراقبين أن أى اتفاق مع الحكومة قد يقود لانشقاق داخل الحركة فتظهر للوجود حركة أو حركات أخرى أكثر تطرفاً ، فما يجري في الشمال يشير إلى بوادر خلاف داخل الحركة نفسها يتزعمه المتطرفون الذين يرون أن الحل يكمن فقط في قيام إمارة اسلامية مستقلة. وبالرغم من قلة المعلومات عن حجم المتفلتين في الوقت الحاضر إلا أن من الواضح أنهم يسببون قلقاً بالغاً للحكومة النيجيرية ، ولقيادة حركة بوكو حرام نفسها. وتشير لذلك تصريحات رئيس الحركة الأخيرة حول الاتفاق وما سبق أن أعلن عنه في أغسطس الماضي من اعتبار مدينة غوزا في ولاية بورنو بشمال نيجيريا جزءاً من دولة الخلافة الاسلامية بعد تحريرها ، وقد حاول بعض المحللين وقتئذٍ الربط بين بوكو حرام والدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" ، بينما يرى آخرون بوادر تنافس بين الطرفين. أما في داخل معسكر الحكومة نفسها فإن عدداً من القيادات العسكرية والسياسية ترى أن الوقت غير مناسب للحديث عن السلام مع الحركة ، ورغم أن احتمال قيام هذه العناصر بانقلاب على الرئيس جوناثان يبدو بعيداً في الوقت الحالي ، إلا أن أي تمرد داخل القوات المسلحة النيجيرية أو الحزب الحاكم قد يؤثر بصورة واضحة على حظوظ الرئيس في الانتخابات القادمة ، إن لم نقل على أمن واستقرار نيجيريا برمتها. من الواضح أن عملية الشد والجذب بين الحكومة والحركة ستستمر لوقت قد يطول وهو الأمر الذي لن يصب في صالح الرئيس جوناثان خلال الانتخابات العامة التي ستجرى في العام القادم ، ولا بد للرئيس إن أراد أن يحتفظ بمنصبه أن يبتكر من الحلول والأساليب الجريئة ما يمكنه من التعامل مع الأوضاع المتردية في شمال نيجيريا إذ أن الكثير من المراقبين يرون أن الظروف الاقتصادية والسياسة في الولايات الشمالية مهيأة للكثير من التفلت والتوتر. [email protected]