هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية الاغتصاب الجماعي ... قد تكون مختلقة! .. بقلم: عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 15 - 11 - 2014


(1)
فبعد كل ما قيل وكتب عن وقوع اغتصاب جماعي في قرية تابت بدارفور في يوم 31 أكتوبر، لم نجد أي دليل يعتد به يثبت صحة الادعاءات. بل توجد بينات نصية قوية في الأقوال وفي الكتابات ذاتها تشكك مباشرة في مصداقيتها.
وحتى هذا اليوم، عجزت إذاعة راديو دبنقا، والحركات المسلحة في دارفور (مناوي وعبد الواحد، وجبريل، والسبعة أو الستة الآخرين)، ولجنة محاميي دارفور، ومجلس شورى الفور،والمنظمات الأهلية، والحركيون، والمؤيدون، وجميع من كتب أو صرح أو حاضر، عجزوا عن تقديم أي شيء على سبيل الحد الأدنى من الإثبات. بعد مرور وقت كاف من ظهور الادعاء عن الاغتصاب الجماعي قبل أكثر من أسبوعين.
والذي ظل ثابتا هو موقف نظام الإنقاذ. كما عبر عنه في البداية الصوارمي، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة. أن على المدعين أن "يقيموا الحجة والدليل". وبالنداء لم يأت أحد.
ندرك أن في تحدي الصوارمي كلمة حق أريد بها باطل. فهو بوق المؤسسة العسكرية المعروف سجلها الإجرامي في دارفور. وفي مناطق العمليات في مساحات وجود من تعتمدهم القوات المسلحة تِحت تحِت على أنهم الزرقة والعبيد، عقيدتها المغلفة في عبارة "المتمردين" وعبارة "حركات دارفور".
والصوارمي لابد يضحك كثيرا الآن. على الهرجلة الدائرة في معسكر الأعداء. وسيأتي دور الأزرق في وزارة الخارجية ليضحك كثيرا أيضا.
ولا أستبعد أن يكون راديو دبنقا خدعنا أصلا، وخدع أهل دارفور، بفبركته للحكاية من الألف إلى الياء. يحسب أن بإمكانه منافسة نظام الإنقاذ في صنعة الخداع.
وإلا فإن يد نظام الإنقاذ في عودها نتن وراء هذه الخدعة باللحمة المفرومة أرسلتها إلى راديو دبنقا. لتضليل الحركات المسلحة التي ابتلعت الطعم وستتعرض إلى حرج شديد. مما سآتي إليه.
(2)
روايات راديو دبنقا
كانت البداية في راديو دبنقا. حين أذاعوا صوت امرأة وصفوها بأنها "ضحية". قالت إن الاعتداء الجنسي وقع على بناتها الثلاثة، "خسَّروهن"، ووقع على أخريات في القرية.
لم يكن التقرير الصوتي مقنعا. ولم يقدم أية تفاصيل تثبت الرواية ولو بصورة أولية. مجرد كلام. دون أن نسمع المذيع يناقش المتكلمة. لكي نستشف من ردودها درجة مصداقيتها. فمناقشة المتحدث تحاصره ليُركِّب الواقعة التي يدعيها ببعد آخر لها. فتظهر تناقضاته مثلا أو تلعثمه أو خروجه من النص أو مغالطاته. أو صحة كلامه. هذا التساؤل للضحية، وهو ضروري، لم يحدث.
وأضاف راديو دبنقا أن "أحد الشيوخ في القرية"، لم نسمع صوته، أكد وقائع الاغتصاب.وقدموا لنا التفاصيل المعروفة في الخبر الغريب غير القابل للتصديق. أن قائد الحامية العسكرية القريبة من القرية كان جاء واعتذر لأهالي تابت عن سوء سلوك جنوده يوم أمس!
ومن ثم، استنتج المصدقون للخبر الغريب أن رواية الاغتصاب حقيقية.
فهل حدث في تاريخ مؤسسة القوات المسلحة أن اعتذر الجيش عن جرائمه في مناطق العمليات العسكرية، أو في السودان بصورة عامة؟ وكمان تاني يوم؟
خذ مثالا رئيس الجمهورية عمر البشير. ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين. المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بجرائم الحرب والجريمة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية. ولا يعتد بالإقرار بدون إفصاح كاف من الأول.
فأرى أن راديو دبنقا إن لم يكن انخدع هو ذاته، فهو يلعب علينا وعلى أهل دارفور.
فقد جاء لاحقا الحديث الأكثر تفصيلا من راديو دبنقا.حبة حبة في الغش. عن ما أسماه "التحقيق" الذي أجرته "اللجنة الخماسية"، من ثلاثة نساء ورجلين. ابتعثتهم جهة أطلق عليها راديو دبنقا"منسقية النازحين واللاجئين". وقال الراديو إن يعقوب محمد عبدالله المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين أصدر بيانا بإسم المنسقية حمل توقيعه طالب فيه بتكوين لجنة تحقيق مستقلة. ولم نر البيان.
https://www.youtube.com/watch?v=lbWqB-vmFrk
وقال متحدث من "اللجنة الخماسية" التي أجرت التحقيق في تابت إنهم "لجنة سرية".
وذلك يشكك مباشرة في وجود هذه اللجنة أصلا. وتزداد الشكوك في وجودها بسبب محتوى تقريرها المسموع في راديو دبنقا. وهو تقرير تنعدم فيها أية بينات أو وقائع يعتد بها.
قالت "اللجنة"، هكذا، إنهم التقوا بستين ضحية اغتصاب. وإنهم تحدثوا مع ضحايا الاغتصاب "خشم إلى خشم". وإن الضحايا قلن إن عمليات الاغتصاب دارت منذ الثامنة صباحا حتى الخامسة صباح اليوم التالي.
وأضافت إن "الحديث معهن أثناء التحقيق كان صعب الوقع على الضحايا وعلي أعضاء اللجنة الذين اجهشوا بالبكاء أثناء سماعهم لروايات كثير من الحالات المغتصبة".
وهذا من ضروب الكلام الفارغ الذي يقدح في مصداقية التقرير من لجنة قالت لنا إنها تم ابتعاثها سرا لتدخل إلى قرية تابت، لتحقق.صدقنا البكاء. فاين الوقائع؟
وأضاف تقرير راديو دبنقا:
"ومن مكان الحدث أكدت شاهدة من سكان تابت لراديو دبنقا بانها رأت بأم عينها حوالي 50 فتاة تم اغتصابها من قبل القوات الحكومية التي اقتحمت القرية يوم الجمعة قبل الماضية
"وأرجعت الشاهدة صمت الضحايا وعدم الحديث حول ما حدث لهن إلى الخوف من بطش السلطات والجيش الذي يسيطر على البلدة".
وهذه العبارة الأخيرة عن الصمت بسبب الخوف من بطش السلطات واحدة من الخرافات. فالمرأة التي تخاف من مغتصبيها هي أحيانا الضحية الوحيدة. أما مائتا ضحية، فيتناصرن. ولابد منهن ضحايا متمكنات. لن يسكتن. وسبب ضعف هذه العبارات متضافر مع أسباب الضعف الأخرى في مجمل كلام أعضاء اللجنة.
بالإضافة إلى أني أجد صعوبة بالغة في تصديق أن جميع آباء الطفلات الثمانية والفتيات القاصرات السبعين والمائة فتاة متزوجة كما قيل في التقسيم، آثروا الصمت أمام موظفي اليوناميد، خوفا من التقتيل ببنادق قوات الجيش الحاضرة!
وإلا نكون أمام ظاهرة أنثروبولوجية غريبة يختص بها "أب البنت" في تلك القرية المسماة تابت.
وندرك بالعقل وبالتجارب الإنسانية أن أب البنت لا يسكت على الاعتداء الجنسي على ابنته. حتى وإن علقوه في المشنقة ليقدم وعده بالصمت.
ولذا كان ملائما تكثر الحديث عن التهديدات. وهي لابد ستكون حدثت. لأن منطقة الحرب فيها أسرار غير الاغتصاب الجماعي المدعى به. والإنقاذ مشغولة دائما بالسيطرة على التعبير الحر.
ثم واصل راديو دبنقا القول إن المتحدثة نيابة عن "لجنة التحقيق"قالت إنهم رفعوا تقريرهم، لابد المكتوب، إلى تلك "منسقية اللاجئين والنازحين".
فلأن التقرير "المكتوب"، أو في محضر، يظل حتى هذه اللحظة "سريا"، يمكن أن نقرر الآن أنه تقرير لا قيمة له، على فرض وجوده أصلا. مثله مثل كل تقرير سري. نعتبره وكأنه لم يكن.
لأن الذي يقنعنا بصحة البيانات من عدمهاهو النص العلني للتقرير عن التحقيق. فقط من قراءة التقرير، نعرف الكثير. لأنه بالإمكان التحقق من مدى صحة البينات الجوهرية فيه.
فإن صحَّت، سنعتمد التقرير بأنه صادق. وكل تقرير ذي شأن لابد يحمل بين طياته إمكان دحضه. كأن يعطينا معلومات دقيقة عن الوقائع الجوهرية يمكن لنا أن نتحقق منها، على استقلال. وكل دليل لا يكون متاحا لتفكيكه لا قيمة له.
فأخلص إلى أن كل الذي قاله راديو دبنقا لا يثبت أي شيء. وعلينا أن نهمله. وأن نضع راديو دبنقا تحت المراقبة.
(3)
حركة مناوي وحركة عبد الواحد
نعرف الذي حدث بعد الأخبار التي أذاعها راديو دبنقا في البداية. مثلرد فعل الحركتين المسلحتين اللتين اعتمدتا رواية الاغتصاب الجماعي على أنها حقيقة ثابتة. وكان أكثر ما أحزنني الخطاب المشحون بالمغالطات من قبل الحركتين المسلحتين (مناوي وعبد الواحد).
قال خطاب الحركتين المسلحتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة إن الاغتصاب حدث. هكذا القول، بدول أي دليل، بالقوة! وأشار رئيسا الحركتين إلى واقعة الاغتصاب كحقيقة ثابتة. ثم، مضيا في "الإشارة" إليها كمقدمات وقائعية لدعم مفاصلة تالية!
وكذا جاءت محاجتهما في الخطاب إلى بان كي مون ضعيفة. حين سنداها بالتخليط بين رواية الاغتصاب الجماعي غير المؤكدة، من جهة، والعمل التحقيقي الحرفي الموثق الذي كانت جاءت به الدكتورة عائشة البصري، من جهة أخرى.
فهذا التخليط حمل في ذاته الأمارة الدالة على أن قائدي الحركتين كانا بدون أي دليل. لا يعرفان أي شيء عن الواقعة غير ما كان أذاعه راديو دبنقا. وأنه ليست لديهما أية معلومات استخباراتية دقيقة عن الذي حدث أو لم يحدث. لأنهما لم يقولا أي شيء ذي بال عن الوقائع، في خطابهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة!
وحين تخاطب الأمين العام للأمم المتحدة تطلب تدخله، فأنت ترفق مع خطابك وثائق في مئات الصفحات وفي الأشرطة المسجلة وبالفيديو تثَبِّت فيها الحيثيات الأولية التي تدعم ما تقول. وفي العادة، أنت تطلب من الأمين العام أن يدعم بصوت المنظمة الدولية التحقيق في ادعاءاتك الثابتة أصلا. والأمين العام لا يحقق في أي "كلام" في "خطاب".
(4)
اليوناميد (بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدارفور)
لا يختلف عاقلان أمينان في أن اليوناميد كيان فاسد. وثابتة أقوال عائشة البصري عن فساد هذا الكيان.
لكن ذلك لا يعني أن كل بيان من اليوناميد كاذب. مثلهم مثل القضاة الفاسدين. يكتبون قرارات قضائية صحيحة وصادقة في بعض الأحيان. لموازنة أفعالهم الشريرة ذات النسق. ولبث انطباع زائف أنهم يصدقون في جميع الأحوال.
بالإضافة إلى الضعف في المعرفة لدى موظفيها. وكل من شاهد الفيديو في اليوتيوب عن موظفة اليوناميد تستجوب الشيخ الكبير في الثمانين في قرية تابت يدرك أن تحقيقها كان مَسْخرة.
وكل شخص عمل في الأمم المتحدة يدرك الضعف المريع في قوات حفظ السلام. الذين يجدون أنفسهم أمام وضعيات لم يألفوها وتتطلب معرفة علمية وخبرة وتجارب في العمل الإنساني. تفتقره البعثة.
وكانت أهم عبارة تفضح احتيال البعثة هي حصرها للتحقيق في الوقائع التي دارت حصرا في يوم 31 أكتوبر. فقد جاء في بيانها بعد زيارة تابت:
"ولم يجد الفريق أي دليل ولم يتلقى أية معلومات متصلة بالمزاعم الاعلامية التي زعمت بوقوع هذه الحادثة في الزمان الذي أشارت إليه تلك التقارير."
أي، في يوم 31 أكتوبر. مما يقصيمن التحقيق كل انتهاكات بالاغتصاب وتسبيب الحمل بالإكراه للنساء والفتيات قد تكون حدثت قبل ذلك التاريخ. وهذا خبث مريع من قبل البعثة.
وقد اجتهد كاتب الإعلان الصحفي، وهم يحذقون الخداع والغش باللغة، في التدليس على تلك اللعبة أعلاه. حين قال:
"ومن ثم تنتوي البعثة القيام بإجراءات متابعة إضافية في هذا الصدد، وذلك من قبيل إمكانية إجراء المزيد من التحقيقات وتسيير دوريات ..."
والذي أراه هو أن بيان اليوناميد الأخير وفيه نفي "التقارير الصحفية" بشأن الاغتصاب الجماعي في قرية تابت قد يكون صادقا. من لغته، على بؤسها.
وقد يتأتى الصدق من معطيات السياق، أن اليوناميد تحت المراقبة الدولية لا يثق فيها أحد. بسبب ماضيها المعروف في التغطية على جرائم مليشيات نظام الإنقاذ، بما فيها مليشيا الجيش.
والمعروف أن موظف الأمم المتحدة لا يكذب في التقارير إلى الرئاسة إلا بسبب الرشوة يتلقاها من الجهة المفيدة من كذبه. ويعرف الموظفون في اليوناميد بعد عائشة البصري أن مزيد الكذب بوقاح في التقارير قد يفقدهم درارة السحت.
وبالرغم من ذلك، أرى في اقتضاب بيان اليوناميد عديم المعلومات الكافية ضربا من ضروب سوء أدب هذا الكيان الطفيلي المتحشر في السودان. يجب التنديد به دائما والمناداة بطرده من دارفور، والتعبير له عن احتقار مستحق له من الجميع. فالمؤسسة الفاسدة لا أمل في إصلاحها. بعد أن اتضح توطين ثقافة الفساد فيها.
وما على دارفور إلا أن تستمر تقاوم. لا تحتاج اليوناميد الفاسدة.
ففي هذه الوضعية ذات الخطر، كان يجب أن يكون بيان اليوناميد من أربعين صفحة على الأقل. دون أي تنقيح. بتقديم توصيف دقيق لكل ما حدث. منذ البداية. ثم تبيين خصائص الأشخاص الذين تم استجوابهم. بالإضافة إلى طبيعة الأسئلة. ونصوص الأجوبة عنها. وقدرات الأشخاص الذين أجروا المقابلات. وبأية لغة كانت كتابة أقوال الضحايا؟
وقد انفضحت اليوناميد بعد أن عتمت بالقصد الشرير على وجود قوات الجيش والأمن أثناء التحقيقات. قاصدة، لأنها أزلقت عبارة ماكرة لتغطية مؤخرتها. حيت قالت في إعلانها الصحفي إنها "استجوبت القائد العسكري للمنطقة". العبارة المزلقة ليوم الحساب. لتقول إنها بل ذكرت وجود القائد ذاته!
بالإضافة إلى أن الاقتضاب في البيان السخيف يسجل عقلية التعالي التي يستبطنها موظفو اليوناميد ويعبئونها ضد مواطني دارفور. وكأنهم يسخرون منا. مشينا وما لقينا حاجة حصلت. انتهى. ما تسألونا عن التفاصيل. دي حقتنا نحن بس. للرئاسة!
وكأن أصحاب الحق، أهل دارفور على أقل تقدير، لا يستحقون إلا هذا التعالي بالمكر وبالجهل.
(5)
الصحفي عبد اللطيف الدفينة
كان من أهم "المتأكدين" المؤكِّدين لوقوع حالات الاغتصاب الجماعي"الصحفي عبد اللطيف الدفينة". بين علامات تنصيص، لأنه قدم نفسه كأحد الصحفيين، بينما لم اسمع به من قبل.
لكني بالغوغلة تمكنت من أن أعرف كتاباته قبل أعوام عن الفساد في مستشفيات رفاعة، لا باس بها. وكتابته عن جمال الأثيوبيات، لا تعليق. وهنالك أقوال منشورة بشأنه في بعض صفحات في الانترنيت أنه تم القبض عليه من قبل جهاز الأمن. مما يعطيه شهادة في النضال ضد نظام الإنقاذ. لكنها شهادة تبقى تحت الاختبار بمغبة احتمالية الإلغاء. فالأخبار عنه غير مؤكدة. ويمكنه البيان.
تكمن أهمية تقرير الصحفي عبد اللطيف الدفينة المنشور في الراكوبة وحريات وغيرها في أنه يقول لنا إنه شخصيا، كصحفي، زار تابت ذاتها. وإنه كتب تقريره الصحفي من داخلها.
وقال إنه كان جاءها من مدينة الفاشر يبحث عن "الحقيقة الضائعة": "تحركنا من الفاشر حاضرة ش دارفور صوب تابت ..."
ثم جاء في مقاله عبارات مثل "مكثنا فيها [تابت] بحثا عن معلومة لكن الكل يخشى أن ينطق بحرف فعدد المنتشرين من العسكريين فيها أكبر من عدد المواطنين ..."
ومعناه أنه لم يتمكن من أداء واجبه الصحفي.
ثم حكى الدفينة قصة فريدة لم أقرأها في أي مكان آخر. عن حالات حمل غير شرعي لفتيات من طابت (17 حالة). وقال إن هذه حالات قديمة وردت الأحدث منها في شكوى من رب أسرة للضابط المسؤول. وربط هذه الحالة الأخيرة بالجندي الذي اختفى بسلاحه. وتسبب ذلك في تفتيش قوات الجيش للقرية، ثم الاغتصاب الجماعي المدعى به.
ثم كتب عبد اللطيف الدفينة:
"الإفادات حسب المعلومات التي تحصلنا عليها تفيد بأن قوات عسكرية مدججة بالأسلحة المختلفة دخلت القرية". بحثا عن الجندي المفقود.
وليس في ذلك جديد منه.
ثم خلص دون ذكر أية واقعة محددة إلى القول:
"في ذلك اليوم حدث ما حدث من انتهاكات سببها مشاعية القرية لكل من هب ودب ممن يحمل السلاح. وهو ما نفاه الصوارمي وأكدته العديد من المصادر التي أشارت إلى أن عدد المغتصبات وصل إلى المائتي امرأة وفتاة."
أيضا، لا شيء.
وقال الدفينة إن ما لم تعلمه اليوناميد [لكن يعلمه هو] أن اجتماعا للقرية دعا له [الرائد] سعد وترأسه حذر فيه المواطنين من الإدلاء بأية معلومة. وكان الاجتماع قبل ليلة واحدة من وصول البعثة".
سمعناه من قبل.
وبالرغم من أن الصحفي عبد اللطيف الدفينة كتب عدة عبارات تبين بوضوح أنه "معارضة"، إلا أن السلطات الأمنية والعسكرية سمحت له بالسفر من الفاشر ودخول طابت وحضور التحقيق من قبل اليوناميد! وهذه ليست حجة ضده، بالضرورة. فالمهم دائما هو نص تقريره الصحفي المنشور. القابل للتفكيك.
ثم قدم الصحفي الدفينة أقوالا يصف فيها أوضاع تحقيق اليوناميد. وخلص إلى أنه بسبب وجود الجيش "لم ينطق أي أحد بأي حرف".
لكني أختلف مع الدفينة. فقد وضعت الحكومة فيديو في اليوتيوب لشيخ كبير في تابت يتحدث بطلاقة وبصورة مقنعة أكثر من متحدثي راديو دبنقا عن الذي حدث. وفي وقت قصير قدم الشيخ الكبير معلومات جوهرية. بالإجابة عن الأسئلة الغبية من قبل موظفة اليوناميد ومترجمتها المتحمسة تريد أن تقوِّل الشيخ كلاما لم يقله.
ثم قال الدفينة إن بعثة اليوناميد "تجولت في القرية" وإنها "قابلت العمدة يعقوب". ثم قال "لكن الجميع ملتزمون الصمت".
وقال إن بعثة اليوناميد التقت بالرائد ووجهت إليه أسئلة "لا إجابات لها".
"لكن الرائد قال لليوناميد إن جنوده تم تخصيصهم لحماية البعثة ...".
ونلاحظ التناص المستقبلي بين هذه العبارة بمثيلتها في أقوال الأزرق في وزارة الخارجية في يوم 14 نوفمبر. فالحكومة أقرت بوجود الجيش وفسرته بالحماية للبعثة وتسهيل عملها. وهذا يحدث في عمليات حفظ السلام أن تذهب قوة البعثة مع بعثة الحكومة معا. خاصة حين يتعلق الأمر بمواطنين في حماية الحكومة.
وفجأة، انتهى المقال بعبارة: "لنرى ما الذي سيفعله المسلمون في السودان".
"علاء الدين الدفينة. تابت".
..
ذلك كان ملخصا مفصلا لمقال الدفينة الذي كان يتحدث بصفة الجمع "نحن كصحافيين"، و"تحركنا"، و"وصلنا"، و"تحصلنا على هذه المعلومات".
بينما لا توجد أية معلومة جديدة في المقال. ما عدا الكلام عن حالات الحمل غير الشرعي القديمة في قرية طابت.
علما أن الأستاذ علي محمود حسنين هو الذيكان زكى لنا عبد اللطيف الدفينة بالقول إنه حسنين يعتمد "إفادات الناشط الصحفي علاء الدين الدفينة الذي ذهب إلىتابت واستواجبه عدد كبير جدا من الناس والذين اعترفوا له بالجرائم كاملة".
ولا صحة لادعاءات الأستاذ على محمود حسنين. لأن عبد اللطيف الدفينة نفسه قال العكس. إن الجميع التزموا الصمت!
وأشجع القارئ على تفكيك هذا المقال لعبد اللطيف الدفينة.
..
(6)
في جميع الأحوال، تقع مسؤولية الخبر على راديو دبنقا.
هنالك احتمالان لا غير، بشأن راديو دبنقا:
فإما أن يكون الصحفيون في الإذاعة اتفقوا فيما بينهم، وربما مع آخرين، على فبركة القصة. بقصد الخداع والاحتيال على المستمعين. لغرض سياسي غير أخلاقي.
أو هم ذاتهم في راديو دبنقا كانوا في البداية ضحايا لخدعة من نوع خدع الإنقاذ باللحمة المفرومة.
أي،إن عصابة الإنقاذ ربما نجحت مجددا في تضليل حركات دارفور المسلحة. حين أرسلت إليها عبر راديو دبنقا اللحمة المفرومة، ومعها كَفتة، هذه المرة. في ذلك البلاغ الغريب من "أحد مشايخ" قرية تابت، بدون اسم،إلى راديو دبنقا. بوقوع حالات اغتصاب جماعي في قريته. وسمعنا القصة المرتبة من المرأة التي "قالت" حصل وحصل، أيضا في راديو دبنقا.
ولابد أن راديو دبنقا أعجبته الرواية فنشرها دون التحقيق الكافي في صدقيتها..
لكني أرى أن رواية لجنة التحقيق الخماسية السرية كانت من ابداعات راديو دبنقا. وفيها جميع مكونات التلفيق. ابتداء من الاسم الكبير "منسقية اللاجئين والنازحين". دون أن يقول لنا راديو دبنقا في مقدماته إن اللجنة للتحقيق كانت "لجنة سرية". ودون أن يفسر بوضوح طبيعة "المنسقية".
ثم كان التلفيق بينا في نص الروايات عن الستين ضحية والخمسين ضحية. وأخيرا في الكلام عن التقرير السري.
فلو كان هنالك تقرير أصلا لكانت "منسقية اللاجئين والنازحين" أرسلته إلى راديو دبنقا ليذيعه حرفا حرفا عدة مرات في اليوم.
وليس الاصطناع أمرا سهلا. سيفضحك مباشرة. لأنك ستترك آثار التلفيق في النص رغما عن أنفك.
(7)
التحقيق من قبل الحركات المسلحة
إن المسلك السديد هو أن تعترف قيادات الحركات المسلحة في دارفور بأنها ربما انخدعت باللحمة المفرومة المبتعثة إليها من نظام الإنقاذ.
أو أن تقول صراحة إنها ضحية تلفيق من راديو دبنقا.
أو، على أقل تقدير، إنها الآن غير متأكدة من الروايات السارية وإن بدت الروايات أشبه بفعال نظام الإنقاذ.
ثم أن تجري الحركات تحقيقها الخاص في الأمر، من بدايته إلى نهايته.
فليس مقبولا من الحركات أن تهرول إلى المجتمع الدولي، في مثل هذه الحالة. فأنَّى للمجتمع الدولي أن يعرف عن الذي حدث في تابت؟ جميعهم في الاتحاد الأوربي وأمريكا"عبروا عن القلق"، وخلاس.
الحركات المسلحة هي المسؤولة عن إجراء التحقيق. لا الأمم المتحدة. ولا المجتمع الدولي لا نعرف ما هو.
وسنلاحق الحركات المسلحة لتنشر نتائج تحقيقها. التحقيق الذي قد يثبت عدم صحة المزاعم عن الاغتصاب الجماعي في تابت.
وفي هذه الحالة، حالة عدم صحة مزاعم الاغتصاب الجماعي، سنتوقع من الحركات المسلحة أن تعترف بذلك بوضوح.
وأن تبين لنا سبب انخداعها بالأخبار التي أذاعها راديو دبنقا. الذي قد يكون كان ضحية تضليل مقصود، أو لديه أفكار غريبة عن أن الأهداف النبيلة يمكن تحقيقها بوسائل الخداع..
..
أما إذا كانت الرواية صحيحة، وهو احتمال قد يكون واردا، لنقل، فلا يكون الكلام عن ذلك إلا بعد توثيق شهادات عدد قليل جدا لا يتجاوز الخمسة من الضحايا والحاضرين في تابت.
لم تدرك اليوناميد ولا لجنة منسقية اللاجئين والنازحين المزعومة أن الإثبات بوقوع الاغتصاب أصلا كان ممكنا باستجواب ثلاث أو أربع من النساء، وربما رجلين. على مدى ست ساعات مثلا. ومن بعد يأتي تحديد عدد الضحايا.فمصداقية التقرير تتمثل في نسق القصص القليلة وتماسكها وشمولها للتفاصيل الدقيقة لعمليات الاغتصاب.
وهو ما نريد أن نقرأه في تقرير التحقيق الذي تجريه الحركات المسلحة. لا في تقرير من اليوناميد الجاهلة الكذابة.
عشاري أحمد محمود خليل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.