لم يتسنى لي الإطلاع على نسخة من نداء السودان الذي تم الاتفاق عليه بين قوى التحالف الوطني و حزب الأمة و الجهة الثورية ، و إن كنت قد اطلعت على مضمونه من وسائل الإعلام المختلفة . و مما اطلعت عليه ، لم أجد جديدا" مختلفا" عن مضمون إعلان باريس و لا عن إعلان أديس أبابا و لا الإعلانات التي سبقتهما ، فكلها جاءت تكرر بعضها البعض من حيث المبادىء المتوافق عليها التي ظلت حبرا" على ورق ، و لذلك حق لساسة الإنقاذ أن يسخروا منه و يقللون من تأثيره عليهم . إن النشاط الذي يقوم به قادة قوى المعارضة السياسية لن ينتج سوى المزيد من الإعلانات و البيانات التي ستظل حبرا" على ورق مالم تتم مراجعة جذريه لأساليب النضال و العمل الجماهيري و قبل ذلك مالم تراجع الأحزاب السياسية المكونة لتحالف المعارضة هياكلها الفكرية و التنظيمية لإعادة رص ما تبقى من عضويتها القديمة و استقطاب جماهير جديدة مشتته بين تنظيمات شبابية تفتقر للخبرة التنظيمية و للبرامج الواضحة المحددة ، و بين تنظيمات المجتمع المدني التي مهما زاد نفوذها لن تكون بديلا" عن الأحزاب السياسية . لقد أفلحت استراتيجية سلطة الإنقاذ في إضعاف الأحزاب السياسية الكبرى عن طريق تقسيمها لحزبيات صغيره تقسمت بينها كوادر تلك الأحزاب ممن لها الثقل الجماهيري و الخبره و الحنكة السياسية ، و لم تكتف بذلك بل استطاعت أن تشتري خبرتها و حنكتها لتدمير كل الإرث الجماهيري لتلك الأحزاب . و بنظرة عابره لكوادر تلك الأحزاب ، نجدها جميعا" في صف سلطة الإنقاذ ، بل أصبحت إنقاذية أكثر من الإنقاذ . و ليس هذا فحسب، بل أن الزعماء التاريخيين لتلك الأحزاب كانوا في معظم الأوقات رصيدا" للإنقاذ استفادت منه في تمكين سلطتها . هذا عن أحزاب اليمين ، أما عن أحزاب اليسار ، فإن الحزب اليساري الرئيسي و هو الحزب الشيوعي ، مازال وهنا" يعاني من هجرة كوادره لخارج البلاد و لمنظمات المجتمع المدني و مازال أسيرا" لضعف التنظير الفكري و التنظيمي الذي يجعله قاصرا" عن استيعاب المتغيرات الكثيرة التي حدثت في السودان سياسيا" و اقتصاديا" و اجتماعيا" ، مما يستدعي أفكار ( 2 ) جديدة و أطر تنظيميه جديدة يمكن أن تبدع وسائل نضال حديثه تتواءم مع تعقيدات الوضع الراهن في السودان. و إذا كان ذلك حال الأحزاب الموقعة على نداء السودان فلا يمكن أن نتوقع ترجمة ما جاء في ذلك الإعلان على أرض الواقع . إن ضعف الأحزاب السياسية ، يجب ألا يجعلها تعتمد على الأطراف التي تحمل السلاح ، فقد اعتمدت من قبل على الحركة الشعبية و كانت النتيجة بقاء سلطة الإنقاذ و فقدان جزء عزيز من السودان . و يمكن لتلك التجربة أن تتكرر الآن مرة" أخرى حيث يظل الحاكم حاكما" ، و نفقد دار فور و جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق دفعة" واحده . إن الأحزاب السياسية بوضعها الراهن لن تستطيع أن تسقط هذا النظام و لن تستطيع أن تحكم السودان إذا تم تغيير هذا النظام بأي وسيلة أخرى ، بل ستكون عاجزة عن إدارة الأزمات السياسية و الإقتصاديه و القومية كما فشلت من قبل ممهدة الطريق للانقلابات العسكرية المتكررة و ربما لحروب أهليه تشمل جميع أرجاء السودان . الشعب السوداني ماعدا عضوية المؤتمر الوطني من الطفيليين و الفاسدين يتفق على عجز هذا النظام الذي يحكمه الآن و موقن على أن استمراره يعني المزيد من التعقيد لأزماته و لكن ذلك الشعب يفتقد للقيادة الملهمة التي تأخذ بيده في طريق الخلاص، و تلك القيادة الملهمة لن تكون متاحة إلا إذا جرى تغيير جذري في تلك الأحزاب السياسية ينفض عنها الغبار و يعيد تنظيمها و يضخ في شريانها دماء جديدة من كوادر جديدة و بدون ذلك فلا إعلان باريس أو غيره يمكن أن ينتج شيئا" ، و ستكون النتيجة بقاء هذه السلطة التي سينفرط بسياستها ، عقد ما تبقى من السودان . [email protected]