في حشدٍ يعكس بر الأبناء بوالدهم، وإعجاب الأحفاد بجدهم، نظمت أسرة الراحل بشير النفيدي مساء يوم الأربعاء في ديوانهم بسوبا في جنوبالخرطوم، لقاء تذكُّر وعرفان واعتبار لمجاهدات والدهم الراحل النفيدي، وذلك بمناسبة ذكرى مرور ثمانين عاماً، احتفاءً بنجاح واستمرار مجموعتهم التي حافظت على تماسكها الأسري وسط أهوال الأعمال، وطموحات الجيل الثاني، وتطلعات الجيل الثالث. ويجيء هذا الحفل الفخيم، عرفاناً وتقديراً من الأسرة، لمجاهدات الوالد في الانتقال الممرحل من العصامية إلى المؤسسية عبر ثمانين عاماً (1934 – 2014). وكان ضمن الحضور الرفيع لأمسية وفاء الأبناء والأحفاد، والتماسة العزاء، الأخ الفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية، إذ حرص على الحضور، تأكيداً لمعانٍ ومفاهيم من الدِّين والتديُّن، لأنه جار لديوان آل النفيدي، وهو مقر سكنهم ونُزلهم، تصديقاً لقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"، وضيوف كُثر آخرون، إضافةً إلى عددٍ من ضيوف الحفل من الدول العربية والأفريقية والأوروبية التي ترتبط بوشائج الأعمال مع مجموعة النفيدي. كل هؤلاء جاءوا من كل فجٍّ عميقٍ، زُمراً وفُرادى، ليكونوا شاهدين على بر الأبناء بأبيهم، لعلمهم أن البرَّ لا يفنى، وهم يسعون جاهدين إلى عمله الذي لا ينقطع بموته، براً وإحساناً، ليتنزل فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، فهم يريدون أن يكونوا ذاكم الولد الصالح الذي لا ينقطع دعاؤه لوالده، موقناً بالإجابة، لقول الله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". كان الراحل بشير النفيدي عصامياً يغلبه الطموح، لم يركن على حاله، أو يقنع بوضعه، فعمل على تغيير نفسه، بقرار مغادرته للقطينة شافعاً يافعاً، يُصارع المجهول في سن مبكرة (14 عاماً)، حاجاً إلى الخرطوم ليشهد منافع له. ووجد بُغيته مع شقيقيه محمد أحمد محمد صالح ومحمد صالح أحمد اللذين كانا يديران متجراً بالسوق العربي، كان يعمل ساعات النهار بالمتجر مع شقيقيه، وفي المساء التحق بأحد كورسات محو الأمية بنادي العمال في الخرطوم. وهنا تفتقت عقليته التجارية، وعمل على توسعة أعمال الأشقاء الثلاثة في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ونسبة لتشعب أعمالهم قرروا فض الشراكة، فاتجه الحاج بشير إلى العمل في مجال النقل لخدمة أعماله التجارية التقليدية، بمعاونة ابنه الأكبر الراحل عمر بشير النفيدي. وأحسبُ أن الراحل بشير النفيدي بدأ يفكر ملياً في الاستفادة من التقنيات وتكنولوجيا العصر، مستصحباً عودة أبنائه إلى البلاد من دراستهم في الخارج، للانتقال من نهج التجارة التقليدية إلى شركات مساهمة، فكانت شركتا النورس وريبا للنقل واللتان تعتبران أكبر شركات النقل العاملة في السودان. فلا غَرْوَ أن دعا الأخ الرئيس عمر البشير إلى توثيق سيرة الراحل بشير النفيدي، رجل البِرِّ والإحسان والأعمال، حتى تكون نبراساً يهتدي به المجتمع، وأن تكون متاحةً لجميع أبناء الشعب السوداني. أخلصُ إلى أن هذا الحفل الذي نُظِّم على أساس أنه تذكرة واعتبار لحصاد 80 عاماً من أعمال مجموعة النفيدي، تأكيدٌ لإستراتيجية الراحل بشير النفيدي في إحداث نقلة نوعية لأعمال شركاته، لتكون مجموعة يحمل رايتها الجيل الثاني من الأبناء، حفاظاً على حميمية الأسرة، متعظين من مصائر بعض الأسر السودانية العريقة في عالم المال والأعمال، صارت أثراً بعد عين، بعد وفاة المؤسس، فتفرق الأبناء أيدي سبأ بسبب توترات العلائق، والاضطرار إلى توزيع الورثة. وأحسبُ أن تفكير أسرة النفيدي في العيش في الديوان الذي هو بمثابة مجمع سكني عمروه بالمودة والرحمة في رعاية حنونة للراحلة سعاد إبراهيم مالك، التي كانت تجمعهم في المُصلى لصلاتي الفجر والعشاء، فقوَّت فيهم بعد والدهم رابطة الدم، ووشائج الإخاء، فجعلت ديدنهم العمل والإخلاص فيه. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي، زهير بن أبي سلمى: وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ