من فرط التعرض للاخبار المزعجة والمحبطة على شاكلة ارتفاع سعر الدولار ومعدل التضخم وحجم الفساد تشكلت لدينا حصانة ضد الاخبار الجميلة والمفرحة التى يمكن ان نلتفت اليها ونحتفى بها كما يجب. والظاهر ان هذه الحالة اوشكت أن تصبح حالة سودانية بامتياز – التركيز على السالب دوما حتى الادمان فى الشأنين العام والخاص حتى اصبحت عبارة (زى الزفت) من الاجابات المألوفة جدا حين تسأل احدهم عن حاله رغم ان المسؤول في احايين كثيرة يكون بعيد جدا عن (الزفت) فى كل شأنه. سبب المقدمة اعلاه الخبر الوارد فى بعض صحف 13-12-2014 على لسان وزير التربية ولاية الخرطوم الذى اعلن فى اجتماع بالوزارة ان الوزارة متمسكة بالتقويم المدرسى الجديد -الذى بموجبه سوف يبدأ العام الدراسى فى شهر سبتمبر وينتهى فى شهر مارس من كل عام -ولا رجعة عنه وان مجلس الوزراء اجاز القرار الذى نتج عن اجتماعات شملت خبراء. ومن المؤكد ان الخبر مفرح وإن كان متاخرا وينهى معاناة وكوارث تسبب فيها التقويم الحالى ، وسبب وصفنا القرار بالمفرح انه يمس مباشرة حياة اعز ما نملك – الابناء – الذين عانو طويلا من بلاوى التقويم الحالى الذى ذهب هدرا بارواحهم ووقتهم. الميزة الاساسية فى التقويم الجديد (سبتمبر- مارس) هى ابقاء المدارس مغلقة فى فصل الخريف وبالتالى ايقاف نزيف ارواح الطلاب والمعلمين وآخرين غيرهم مثل سائقى مركبات الترحيل المدرسى بالاضافة الى اولياء الامور وهم فى معركة الوصول للمدرسة خريفا ، وكلنا يعلم حال المدارس وكم من حادث فى الخريف ذهب بالارواح نتيجة سقف متهالك او انهيار دورات المياه او التماس كهربائي . والى ذلك فان معظم المدارس بوضعها الحالى تتعطل اجباريا خارج التقويم فى الخريف لخطورة الوضع او لعجز الطلبة والمدرسين عن الوصول اليها وهو مايؤدى لاحقا الى الاستعجال والضغط بغية اكمال المقررات- بغض النظرعن الكيفية- وتحميل الطلاب واسرهم اكثر مما يحتملون ، ولذلك فإن دخول فصل الخريف ضمن الإجازة السنوية يعتبر بلا شك من الحسنات . ناحية ايجابية وواقعية اخرى فى التقويم الجديد هى إبقائه لشهر رمضان (ولو الى حين) خارج العام الدراسي، ذلك ان وجود الشهر الكريم داخل التقويم المدرسى لا مبرر له بالاساس فضلا عن كونه مشقة اخرى تضاف الى الجميع والطلاب هم الاكثر تضررا، فألامهات عموما وبخاصة العاملات يتعرضن لضغط رهيب طوال الشهر اذ يبدأ يومهم باكرا لاعداد الابناء للذهاب للمدرسة بما فى ذلك تزويدهم بوجبة الفطور ، ثم يأتى الدور على الام نفسها لتتأهب للذهاب إلى عملها ومن ثم العودة لتجهيز إفطار الصائمين (والعشاء فى بعض الاحيان) ، إضافة الى كل ما تقدم عليها متابعة مذاكرة الابناء والاشراف عليها حتى يحين وقت خلودهم للنوم ، كل ذلك مطلوب من معظم الامهات فى يوم واحد وهن صائمات ! فأين لهن الوقت والطاقة لكل ذلك ؟ اما المعلمين فعطاءهم يقل كثيرا خلال الشهر الكريم والنتيجة إن تقويمنا لاتركهم للعبادة ولا اتاح لهم الفرصة للقيام بواجبهم وبكل ذلك تتأثر حياة الناس وترتبك وهم اصحاب اكثر من بال. الخلاصة المهمة هنا هو أننا لا نملك شيئا حيال المناخ والطقس ولكننا نملك الكثير لنفعله لنجعل حياتنا افضل ومتوافقة مع ظروفنا المناخية- كما الحال فى دول الخليج - ويمكن تعميم ذلك ليشمل حيواتنا الاجتماعية و مناسباتنا التى نقيمها احيانا وبلا سبب فى عز الصيف او الخريف فتشق على الداعى و المدعو. غير ان الخبر حمل جانبا آخر يعكس الخلل فى طريقة التفكير العام وان شئت قل الرسمى اذ جاء فيه(إن الإجتماع الذى عقده الوزير ناقش إستعدادات الوزارة للإحتفال بأيام الإستقلال الذى يهدف إلى غرس القيم الوطنية المرتبطة بحب الوطن فى قلوب الناشئة وأشار إلى إصدار عدد من الموجهات بشأن الاحتفال، منها تزيين المدارس وتجديد علم السودان فى كل مدرسة وبناء ساريات للأعلام بالمدارس التى لم تبن فيها ....الخ الخبر. هذا الجزء يكاد يشكل صدمة تذهب بفرحة الجزء الاول تماما ، يقول التصريح بوضوح أن السطحية التى لا تنفذ إلى جواهر الأشياء ما زالت مستحكمة ، اذ يسأل العاقل نفسه هل لحب الوطن علاقة بالسوارى والزينات والأعلام فإذا ذهب الطالب إالى مدرسته ووجدها مليئة بالأعلام والزخرف إمتلأ حبا لهذا الوطن ؟ بالله عليكم ايهما يحبب الوطن للناشئة الكراسى والطاولات المعقولة والكافية والمناهج الخالية من الاخطاء والمعلمين المدربين والمطمئنين ماديا ام الاعلام والسوارى ؟ من المستحيل على اى ناشيئ ان يحب وطنه وهو يسمع بداية كل عام دراسى تصريحا للوزير والوزارة والمحلية فحواه ان قد إكتملت (كآفة) الإستعدادات للعام الجديد .. لا رسوم دراسية (سوف) ندعم المعلم ونرفع اجره ،و ..... فيذهب ويجد عكس ما قيل ومن هنا يبدأ الشرخبين الوطن الكبير والمواطن الصغير . اذا ارادت الوزارة فعلا زرع حب الوطن فى قلوب الناشئة ومن صلح من آباءهم فالحل بسيط ومتاح وحسب موارد الوزارة الشحيحة نفسها ، رتبوا اولوياتكم فى الصرف وقولوا الحقيقة فى بداية كل عام، اعلنوا للملأ ما تملكون وعندما يحس الناس أن الوزارة تخاطبهم بإحترام فسيتكفل الجهد الشعبى والأهلى بأكثر من ما تطلب الوزارة . اذا احس الطلاب أنهم محترمون وذو قيمة وخاطر عند الوزارة فستفيض قلوبهم حبا للوطن بدون ان يعرفوا حتى الوان العلم.