وسط غياب السودانيين عنه.. فشل اجتماع الرباعية في واشنطن ل "فرض حل خارجي" للأزمة السودانية    اللجنة العليا للتنسيق مع الأمم المتحدة تؤكد الحرص على توفير الدعم القانوني لكل الجهات دون فرز    وزير الداخلية يتفقد رئاسة هيئة التدريب ويؤكد على أهمية التدريب فى رفع كفأءة منسوبى قوات الشرطة    والي حاضرة الشرق يتحرك في إدارة ولايته بين ثلاث خشبات    رسمياً.. ريجيكامب مديراً فنياً للهلال    نهضة تونس و عصار يسيران لوضع خارطة جديدة للكرة بالقضارف    الرحلات الجوية تعود إلى مطار الخرطوم خلال شهرين    د. أمين حسن عمر يكتب: ديمقراطية أهل السودان    هل سيعود المصباح أبوزيد علي متن طائرة كامل إدريس ؟!    ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الجزيرة – بنيان قومٍ تهدما: .. مساهمة في إعادة البناء .. بقلم: م. تاج السر حسن عبد العاطي
نشر في سودانيل يوم 17 - 12 - 2014

دعا النائب الاول لرئيس الجمهورية في حديثة من داخل أستاد ودمدني يوم 4 فبراير 2013 الى مناقشة أسباب إنهيار مشروع الجزيرة وذلك في فضاء واسع و بصدق وأمانة و على الهواء الطلق و التقدم بمقترحات بناءة لإعادة بناء المشروع من جديد. الدعوة موجهة لأهل الاختصاص و الخبرة و الذين عملوا بالمشروع و هي دعوة موجهة للجميع.
أصدر النائب الأول في 21 فبراير2013 قراراً بتشكيل لجنة برئاسة د. تاج السر مصطفى لمراجعة و تقييم الاداء التنفيذي للمشروع و مناقشة قانون 2005 و وضع توصيات للرؤية المستقبلية مستصحبين الأفكار و الآراء المقدمة من أهل الاختصاص و المهتمين بالموضوع.
ظللت أتابع كل ما تنشره الصحف و المواقع الاسفيرية لأهل الإختصاص و النخب و المهتمين بالشأن العام بشأن هذا المشروع وذلك إستجابةً لنداء النائب الاول ومساهمة في توصيف أسباب المشكلة و تقديم الحلول ولكني لم أجد مقالاً واحداً يسعى لتشخيص أسباب إنهيار المشروع بناءً على معطيات إحصائية موثقة وبمهنية تجافي القناعات المسبقة و العاطفة و من ثم تقوم بتوصيف العلاج بطريقة يمكن أن تُعين متخذي القرار و هذه اللجنة في إعداد تصورها للحلول المتاحة, لهذا رأيت أن أساهم بجهد المقل من موقعى كمهندس سابق بوزارة الري حيث التحقت بها في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي.
منهجي في هذا البحث مبني على أركان أربعة. 1 - مقدمة تاريخية مختصرة لقيام المشروع و أهدافه . 2- فترة إزدهار المشروع .3- فترة تردي المشروع و إنهيارة 4- مقترح لإعادة بناء المشروع على قواعد جديدة.
1. مقدمة
فى النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي كانت دولة الخلافة تتهاوى دويلاتها و محمياتها في وجه عنفوان الزحف الاوربي فكان خليفة المسلمين في الاستانة يأتمر بأمر صاحبة الجلالة و كان الخديوي في مصر لا يقطع أمراً حتى يأخذ الاذن من ممثل صاحبة الجلالة ( المندوب السامي) بقاهرة المعز اللورد كرومر تمماً كما فعل برايمر في العراق ويفعل سفراء الدول الغربية اليوم في معظم الدول العربية و الافريقية.
عندما جاء غردون باشا الى السودان عام 1883 لم يكن مبعوثاً من الملكة فكتوريا ولكن جاء يحمل عقد عمل لمدة 3 أشهر للعمل مع خديوي مصر - ممثل دولة الخلافة- لغرض إخلاء الحاميات العسكرية في السودان وتقسيمه الى دويلات و ذلك نسبةً لخبرته الطويله في السودان و فوق كل ذلك يتم هذا العمل في إطار سياسة الاستحواز البريطانية و كان في جيبه عقد عمل آخر طويل الامد من ملك بلجيكيا للعمل في الكنغو. شاءت إرادة الله أن تنتصر الثورة المهدية ( ثورة الدراويش/ القاعدة..!!!) و يُقتل غردون في يناير 1885. لم يسجل التاريخ حزناً للخديوي على هلاك غردون الذي بإسمه جاء ولكن سجل ثورة عارمة لدى صاحبة الجلالة الملكة فكتوريا أدت لسقوط الوزارة البريطانية و جاءت حكومة أخري أرسلت كتشنر باشا فى جيش عرمرم مزود بأحدث التجهيزات فإنتصر على الدولة المهدية عام 1899 و ورث الاستعمار الانجليزى السودان و مصر في إطار تقسيم أفريقيا و محميات دولة الخلافة (التي سقطت لاحقاً عام 1917) بين الدول الاوربية ( انجلترا و فرنسا) وسُمي ذلك الإحتلال بالحكم الثنائي الانجليزي المصري لإعتبارات قانونية خطتها إمبريالية ذلك الزمان ( الشرعية الدولية).
عقب دخول كتشنر وبعد أن إستقرت الاحوال كان من هموم الاستعمار الانجليزي توفير القطن لمصانع النسيج في لانكشير و ليفربول و القارة الاوربية من أراضي السودان الواسعة فكان مشروع الجزيرة.
2- قيام وإزدهار المشروع
تم تكوين شركة السودان الزراعية – Sudan Plantation Syndicate و تم تسجيلها في لندن في بداية القرن العشرين (1903) لتوفير القطن للمصانع البريطانية وبعد عدة دراسات وقع الاختيار على منطقة الزيداب في المديرية الشمالية غير أن الشركة الزراعية إكتشفت فيما بعد أن الرقعة الزراعية هناك ضيقة ومحدودة وغير قابلة للتوسع نظراً للحزام الصحراوي الذي يحيط بالمنطقة . نتيجة لذلك القصور نقلت الشركة الفكرة الى منطقة الجزيرة حيث أقامت مشروع تجريبي ( Pilot Farm) عام 1911 بقرية طيبة شمال مدينة ودمدني في مساحة 250 فدان يُسقى من النيل بواسطة الطلمبات و بعد أن أثبت المشروع نجاحة تقررإقامة مشروع الجزيرة متزامناً مع بناء خزان سنار. بدأ المشروع عام 1925 تاريخ إكتمال الخزان و أستمر في التوسع حتى إكتمل بصورتة الحالية بإضافة إمتداد المناقل عام 1963 في مساحة كلية حوالي 2 مليون فدان.
تم توزيع المشروع على شكل حيازات صغيرة حواشات في حدود 20 فدان للحواشة. كان للمشروع أثر كبير في استقرار أهل المنطقة ورفع مستوي الدخل و المعيشة إضافة الى تقديم الخدمات من صحة و تعليم حتى أنتهت منطقة الجزيرة جاذبةً لكل أهل السودان وصارت بوتقة إمتزج فيها أهل السودان . كان إنتاج القطن يغطي 90% من واردات السودان مثل المواد البترولية و القمح و الدواء الخ. ظل مشروع الجزيرة يوفر إضافةً الى تغطية الواردات حاجة السوق المحلي من الزيوت النباتية و غيرها من المنتجات الزراعية.
3. مرحلة الانهيار
بلغ هذا المشروع أوجه في أواخر الستينات ثم بدأ المشروع في التعثر و تجلى ذلك بوضوح من منتصف السبعينات في عهد نميري. ولعل سبب التعثر منطقي في أساسه فهيكل المشروع المبني على الحيازات الصغيرة أدى الى تدني الانتاج كما إن أسعار الحاصلات الزراعية تدنت قيمتها و على رأسها القطن و ترهل الهيكل الاداري و إرتفاع أسعار المواد البترولية عقب حرب 1973 كل ذلك جعل إنتاج المشروع لا يكفي تكلفة التشغيل و الصيانة و الاهلاك (Depreciation) لوحدات المشروع و بنيته التحتية وصارت وزارة المالية تطبع مزيداً من العملة لتغطية منصرفات المشروع و تدفع إضافةً لذلك مستحقات القروض التي يقدمها لها نادي باريس و البنك الدولي لتوفير مدخلات الانتاج و تأهيل و صيانة البنيات التحتية للمشروع. إنتهى مشروع الجزيرة عبئاً على الاقتصاد بعد أن كان أساسه وعماده.
لعل من أهم أسباب انهيار المشروع أن الحواشات التي وزعت عام 1925 في الجزيرة و حتى عام 1964 المناقل تضاعف عدد ملاك الحواشة الواحدة بالميراث فالحواشة التى كانت وسيلة دخل لاسرة واحدة عام 1930 مثلاً غدت ملك لأكثر من 50 شخصاً فلم تعد مجدية فهجروها . حقيقة الامر أن 70% من الذين يزرعون الحواشات اليوم ليسوا مزارعين حسب تعريف قانون 2005 للمزارع. وقد سألت أكثر من مائة طالب بجامعة الجزيرة إذا كانوا يعرفون أماكن حواشات أجدادهم فأجاب جلهم بالنفي. كما إنه بعد حرب عام 1973 و إرتفاع أسعار النفط هاجر الالاف من أبناء الجزيرة الى الخليج و ليبيا و الخرطوم و بقية مدن السودان ولم تعد الحواشة تعني كثيراً لأصحابها أكثر من أنها فلكلور يتشبثون بها كإرث من الماضي تماماً كما حصل لأهل الولاية الشمالية قبلهم فلما ضاقت رقعة الارض و زاد الوعي هاجروا الى بلاد الله الواسعة ولكن بالرغم من ذلك ظلوا يتغنون للنخيل و الساقية و الحنين الى أرضٍ لا يسافرون اليها إلا في الأعياد و المناسبات لذات الاسباب يقف الكثيرون من قدامى العاملين بالمشروع و قيادات المزارعين اليوم في وجه أي تغيير حقيقي لهذا البنيان المتهدم حنيناً لماض لن يعود على ذات القواعد.
ففي الجزيرة بقيت الحواشات بإسم أصحابها ولكن يزرعها غيرهم فهم في الغالب يصرفون ما يعرف بالتمويل و يبيعون السماد و مدخلات الانتاج في السوق و يؤجرونها بثمن بخس للغير و هؤلاء مستواهم المعيشي متواضع فإذا كفاة إنتاجة علف أغنامه وقوت عياله فقد بات مسروراً في سربه مالكاً قوت يومه.
أدى تدني الانتاج الى إنهيار بنيات المشروع الاساسية كالهندسة الزراعية و سكك حديد الجزيرة و ضمٌرت ادارة المحالج و أنهارت وزارة الري و كذلك المؤسسة العامه للري و الحفريات و هيئة البحوث الزراعية كل هذه الأعمدة إنهارت تماماً و ذلك سببة عدم وجود المال الكافي للتشغيل و الصيانة و تغطية الاهلاك إضافةً الى ذلك غياب الحزم و الحسم الاداري نتيجة لمواقوف النقابات و الموازنات السياسة و العاطفة في وجه القرار الاداري الحاسم الذي كان يجب أن يُبنى على معطيات إقتصادية بحته فتتم هيكلة المشروع و تركيبته المحصولية من حين الى آخر حسب الظروف الماثلة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فإنهار المشروع .... حقيقة إنه بنيان قوم تهدما ولا ضير في ذلك لأنها من سنن الله الماضية كما قال أبو البقاء الرندي في رثاء الاندلس
لكل شئ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
وهذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شأن
يُمزق الدهر حتماً كل سابغةٍ إذا نبت مشرفيات و خرصان
إن إهمال وزارة المالية لمشروع الجزيرة بعد إستخراج البترول قرارٌ مبني على معطيات إقتصادية لأنه ليس من الحكمة الصرف على مشاريع خاسرة ولكن الحكمة في التوقف و التبين و إستنباط العلاج الناجع لأن لكل داءٍ دواء . إن لجنة تاج السر مصطفي الاولى عجزت عن إعادة هيكلة مشروع الجزيرة بصورة راديكالية تشمل إزالة كل البناء السابق من إدارة مترهلة و بنى تحتية منهارة وفوق ذلك عجزت عن تقنين حيازات الارض بما يضمن زيادة الانتاج وبما يوفر تغطية تكلفة التشغييل و الصيانة و الاهلاك و يوفر عائداً مجزياً على المبالغ الضخمة التي يستهلكها تشغيل المشروع ونسبةً لأن الدولة كانت مشغولة بملفات متعددة فقد أبقت هذه الجبهة من غير جراحة مؤلمة, فجاء ما عُرف بقانون 2005 مُسكناً لهذا الوجع الى حين و كان يهدف الى:
هيكله جزئية للمشروع و ذلك بتمليك الحواشات للمزارعين حتى يسهل إستعمالها كضمان للتمويل الذي عادةً لا يُرد بحجة الإعسار الناتج من ضعف الانتاج كما حرر نظام التركيبة المحصولية القديم.
تشكيل ما سمي بروابط المياة و لها الولاية على قنوات الحقل المتمثلة في الترع الفرعية Minor Canal و أبوعشرينات وتشمل هذه الولاية التشغيل و الصيانة وذلك لغرض تخفيف الكلفة الادارية.
أبقي الترعة الرئسية Main Canal و المواجر Major Canals و منشئات الري Water Regulators و المصارف الرئيسية Main Drains تحت ولاية وزارة الري.
تجفيف الادارة المترهلة و إستبدالها بروابط المياة.
أنتهى هذا القانون بتجفيف الادارة المترهلة ولكنه لم يتمكن من توفير مياه الري ومدخلات الانتاج وتوفير الإدارة ذات الكفاءة التي تُفضي الى زيادة الانتاج الذي هو المطلوب الاول لإصلاح حال المشروع فإنتهى بمردود متواضع.
4. مقترح لإعادة بناء المشروع على قواعد جديدة.
من غير الدخول في التفاصيل فإني أرى التالي مدخلاً لبناء مشروع الجزيرة و غيره من المشاريع المماثلة على قواعد جديدة:
هنالك معطيات جديدة تدعم جدوى المشروع مثل إرتفاع أسعار المنتجات الزراعية و توفر الماء نتيجة لتعلية خزان الروصيرص و قلة الطمي في مياه النيل عند سنار نتيجة لتعلية خزان الروصيرص و بناء سد الالفية في أثيوبيا مستقبلاً مما يقلل الاطماء في الترع بنسبة تصل الى أكثر من 50% كما إن توفر الاتصالات و سهولة و سائل النقل ترفع من كفاءة الادارة والانتاج و التسويق
أرى أن تقوم لجنة مراجعة الاداء بإعداد تقرير مالي للخمسين عام الماضية مستعينة بإرشيف إدارة مشروع الجزيرة ببركات و وزارة المالية و الاقتصاد الوطني يوضح تكلفة التشغيل و الصيانة و الاهلاك مقابل الدخل و قوائم بكميات الانتاج من المحاصيل الرئيسية لكل عام. الغرض من ذلك حتى يتضح أن سبب العجز السنوي في مجمله إقتصادي بحت و لاينسب لفرد أو نظام أو قانون ومن ثم يتجه جهد الجميع للإصلاح الذي ينبني على زيادة الانتاج و تقليل التكلفة.
أرى أن يتم تقسيم المشروع حسب المكاتب القائمة أو الى وحدات كبيرة 20 وحدة ( حوالي 100,000 فدان للوحدة) تديرها شركات خاصة بنظام الإجار لفترات لاتزيد عن 15 سنة. 10% من الانتاج يكون من نصيب أصحاب الارض ( حق الدار... أشبه بالعرف السائد في الأراضي النيلية) بقية الأنصبة تقسم بين الدولة و الشركات الخاصة و تُعلن و في شفافيةً كاملة لأن مشروع الجزيرة مشروع قومي لا يحق لأحدٍ أن يقضي فيه بأمرٍمن وراء حجاب. هذه الشركات تقوم بتطهير الترع و توفير مدخلات الانتاج من بذور و مبيدات ورش و حراثة للأرض ونقل لمنافذ البيع و التصدير. على أن تقوم وزارة الري بتوفير المياه في الترع الرئيسية و المواجر حتى بوابات الترع الفرعية و اعداد المصارف الرئيسية .
تشرف على المشروع إدارة رشيقة تضع و تضبط السياسات الكلية للمشروع مثل التركيبة المحصولية و توفر الخدمات الأساسية من ماء و كهرباء و بنية تحتية الخ.
في البداية يستمر العمل بقانون 2005 لمدة عامين مع إمكانية تعديله حيث تقتضي الضرورة و يتم خلالها إنشاء مزارع تجريبية في مساحات لا تقل عن 500 فدان في أقسام المشروع المختلفة أسوة بما فعلته شركة السودان الزراعية عام 1911( لا تقل عن خمسة) وذلك لإثبات جدوي مقترح الحل و إقناع ملاك الأرض و جذب المستثمرين من الداخل و الخارج . خلال هذه الفترة يمكن إعداد تصور مفصل و مدروس للشراكة بين الدولة و أصحاب الارض و الشركات الخاصة.
أحسب أن هذا الحل سوف يؤدي الى زيادة الانتاج بنسبة 2-3 أضعاف مما هو عليه اليوم و سوف يرفع عن كاهل الدولة تكلفة توفير مدخلات الانتاج و التشغييل والتمويل و يُقنع أصحاب الأرض بأن هذا الخيار أجدى لهم مما هو كائن....و تجني ولاية الجزيرة و الحكومة الاتحادية دخلاً حقيقياً .
إن نجاح هذا المشروع سوف يوفر عشرات الالاف من فرص العمل الحقيقية و سوف يؤدى الى قيام صناعات تحويلية مثل الزيوت و الصابون و الالبان و النسيج وصناعة الملابس الجاهزة الخ وسوف تدخل البلاد في طفرات إقتصادية متلاحقة يصعب التكهن بها.
كما إني أحلم أن يؤدي نجاح المشروع الى تجديد منظمات الري على الترع الرئسية و المواجر و الترع الفرعية و إحلال المنظمات التى أنشئت عام 1925 بأخري حديثة تدار من غرفة تحكم في وزارة الري بودمدني حيث يمكن أن يُفتح الماء في ترعة حبيبة القنطرة على مشارف الخرطوم والشبونات جنوب الحوش في وقت واحد كما أحلم أن يكون لوزارة الري قمراً صناعياً تحدد بواسطتة المساحات التى تحتاج الى المياة (Remote Sensing) وليس ذلك على الله بعزيز.
كما إني أحلم أن يؤدي نجاح هذا المشروع الى إقامة شبكة ضخمة من الطرق تربط قرى و مدن المشروع و تزيد من كفاءة العملية الاقتصادية فقد حزَ في نفسي عندما سافرت من طابت الى أمبوشة مسافة 18 كلم في أكثر من ساعة بعربة لاندكروزر فالطرق شريان الحياة و ضرورة لإذدهار الاقتصاد
أري في الافق مخاضاً لثورة زراعية تنتظم السودان فلتصدُق النيات و تتكامل الآراء و الجهد لتكون الولادة طبيعية ولنترك الهرج و المرج الذي لا طائل من وراءه.
أحسب أن الكفاءات و الخبرات التي يذخر بها هذا الوطن قادرة على فعل ذلك بعد توفيق الله.... و كما قال الشاعر
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ
و ما إستعصى على قومٍ منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
مما تقدم فإني أحسب أن إعادة مشروع الجزيرة لسيرته الاولي قائداً للإقتصاد القومي و نموذجاً يُحتذى به في إدارة المشاريع المماثلة يقتضي إعادة هيكلته وفق معايير إقتصادية و إجتماعية وعلى أسس جديدة وهذا يحتاج للتروي و الدراسة و التجريب و من ثم الإقدام.
و الله نسألة التوفيق و نعمة الفهم السليم مع حسن القصد
م. تاج السر حسن عبد العاطي
جامعة الجزيرة – كلية الهندسة و التكنولوجيا
24 مارس 2013 - [email protected]
*(فما كان قيس هلكهُ هلكُ واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما / هو قيس بن عاصم من سادات العرب في الجاهلية ة الاسلام
, و في علم البناء إذا تهدم البنيان لا يصلح إلا على قواعد جديدة كما حصل لبرجي التجارة بنيويورك )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.