في تطور مفاجئ أعادت الخرطوموجوبا أجواء التوترات إلي علاقاتهما خلال الأيام القليلة الماضية. ويجمع كثير من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه أن السمة الغالبة في علاقات البلدين فيها قدر من الظنون, والغريب ومما لا ريب فيه أن هذه التوترات وفقدان الثقة بين قيادات البلدين السمة الأبرز في خارطة علاقات الخرطوموجوبا قبل انفصال الجنوب عن الشمال في التاسع من يوليو 2011 , بعد خمس سنوات عجاف في علاقات الطرفين التي كان يمثل الشمال حزب المؤتمر الوطني ويمثل الجنوب الحركة الشعبية لتحرير السودان. فكانت منطلقات قيادات الحركة الشعبية, أن تقرير المصير الذي سيقود حتماً إلي الانفصال محفوف بالمخاطر من قيادات المؤتمر الوطني الذين كانوا يراهنون علي جعل الوحدة خيار جاذب للجنوبيين وعملوا علي ذلك بشتى الصور, ومن أبرزها محاولة ضخ الملايين من عائدات النفط إلى الجنوب, بينما كانت تعمل قيادات الحركة الشعبية نهاراً جهاراً من أجل الانفصال وتحقق لهم ذلك بنسبة كبيرة أنه منها الجنوبيون قبل الشماليين, ولكن لظروف معينة تهدأ هذه التوترات لفترة محددة وتستهدف في أبشع صور. وأحسب أن إعادة توترات العلاقات بين الخرطوموجوبا إلي سيرتها الأولى من اتهامات وتصعيد إعلامي كان من تداعيات دبلوماسية المواجهة التي اتخذتها الخرطوم بعد طول صبر مع جوبا, إذ فاجأ الفريق أول محمد عطا المولى مدير عام الأمن والمخابرات الوطني لتحذير صريح لا لبس فيه ولا غموض, جنوب السودان من أي توغل من جانب قوات المتمردين إلي الجنوب سيتم التعامل معه علي إنهاء من جانب جوبا من خلال تصريحات صحافية يوم الخميس الماضي. ولم يكتف الفريق أول محمد عطا بهذا التحذير القوي, بل دعا جوبا إلي نزع سلاح المتمردين هناك. وفي رأيي الخاص أن التصعيد الإعلامي بين الخرطوموجوبا مؤخراً سيساهم علي تأجيج الصراعات والخلافات بينهما. وسينهي فترة تقارب بين البلدين كادت تطوي كثير من خلافاتهم, لاسيما أن كليهما في مسيس الحاجة إلي كبح جماح قوات المتمردين الذين تواجهها كل من الخرطوموجوبا. ولم تعمل جوبا علي تهدئة الوضع من جراء تحذيرات الخرطوم, بل وصف جيش جنوب السودان تحذيرات الحكومة السودانية من إمكانية دخول أراضي جنوب السودان لمباراة المتمردين بأنه إعلان حرب. وسارع المتحدث باسم الجيش الجنوبي أن بلاده تتعامل مع تصريحات المسؤولين السودانيين بجدية, نافياً وجود حركات التمرد السودانية في بلاده. وقال العقيد فيليب أقوي أن الحكومة السودانية ظلت تسعى منذ وقت طويل إلي إعلان حرب ضباطه, مضيفاً "الآن أعلنت الخرطوم الحرب ضد جنوب السودان ونحن نتعامل مع تصريحات المسؤولين الحكوميين بجدية ومستعدون لحرب ضدنا". من هنا ينبغي أن يسعى مسؤولو البلدين إلي تهدئة الأوضاع من خلال قنوات دبلوماسية هادئة تحاول جاهدة إلي الوصول إلي غاياتها دون خسائر وتوتر في علاقات البلدين. أخلص إلي أن كل من السودان وجنوب السودان في حاجة ماسة إلي معالجات هادئة لقضايا ساخنة بدلاً من تبادل الاتهامات والعودة إلي التصعيد في المجالات كافة. فالجنوب أيضاً يتهمنا بدعم متمردين حتى وإن كانت تلكم الاتهامات لا تستند إلي واقع. فأحسب أنه من الضروري أن يعمل البلدان علي إحتواء خلافاتهم ومعالجتها بعيداً عن التوترات والتصعيد, وإن جنح الجنوب إلي السلم فينبغي أن يجنح إليها السودان أيضاً. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: " (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وقول الشاعر العربي زهير بن أبي سلمي: وما الحربُ إلا ما علمتُم وذقتُمُ *وما هو عنها بالحديثِ المرجَّمِ متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً *وتضرَ إذا ضرّيتموها فتضْرَمِ