أشرت في رسالتى الثالثة أخي القارئ إلى أهمية الدراسة والتحليل الاستراتيجى السياسي للبيئتين الداخلية والخارجية لإعداد الإستراتيجية القومية وفق معطيات هذه الدراسة التي يتم من خلال خياراتها إعداد صياغة جديدة لمفهوم الأمن القومي تتم وفقاً لمهدداته، كما يتم بيان الهدف القومي والمصالح القومية اللذين يتكاملان فى ترابط وثيق يرتكز عليه صياغة الغايات الوطنية للدولة السودانية، وذلك ما كان من المفترض أن يؤسس عليه إعلان الوثبة التى يكون الهدف منها الوصول لصياغة مفاهيم وطنية جديدة من خلال مخرجات الحوار الوطنى تكون فيها الخلاصة التأسيس لوطن يسع الجميع تتوحد فيه القوى السياسية بمختلف توجهاتها على أهداف استراتيجية وطنية. يمكن أن نسميها خطوطاً حمراء ليست كالتى يحددها المؤتمر الوطني الذي يحاصر حريات الناس التى منحها لهم خالق الكون كحق شرعي؟!، وقبل أن أواصل الحديث أود بدءاً أن أطرح هنا سؤالاً جوهرياً لعله يتبادر لذهن أي مواطن سودانى عادى يتمثل فى ماهية العلاقة التى تربط بين المؤتمر الوطني والدولة فى الشأن القومي، والتى تؤطر لما يعرف ب دولة الحزب حتى يكون هذا الحزب هو القائد للدولة دون الآخرين وذلك ما ينكره قادة الحزب، بالرغم من أنها حقيقة يصعب نفيها لكل مشاهد إذ أن الواقع يؤكد وجود دولة حزبية تتم إدارتها بواسطه حزب المؤتمر الوطني دون مشاركة كل مواطنيها بمختلف مكوناتهم السياسية، والإجتماعية، وذلك مالا يتوافق ورؤية الفيلسوف افلاطون للدولة التى عرفها بأنها (عبارة عن جماعة من الناس متساوون أحراراً يرتبطون فيما بينهم بأواصر الاخوة، ويطيعون النظام فى مرتبة الحكام المستنيرين أولى الرعاية والحزم الذين اتخذوهم رؤساء ، يخضعون للقوانين التى تمثل قواعد العدل ذاته)، محدداً مسئولياتها فى تحقيق إنتظام الادارة بشكل يحقق أركان السلطان، وإقامة الأمن بإقامة العدل الذى كم هو مفقود الآن، ثم النزاهة والمعرفة والإعتدال والمسئولية وإحترام القانون، وذلك مالا يحسسه المواطن السودانى في دولة غير نزيهة، وغير عادلة لا تحترم دستورها وقوانينها، ليعيش مواطنها خائفا" منها. وذلك ما يؤسس أيضاً لطرح بعضاً من الأسئلة التى أهدف منها لبيان بعض مسئوليات الدولة التى يتولاها الآن المؤتمر الوطنى بصفتة الحاكمة، وأولاها: "ماهي الجهة ذات المسئولية القانونية والشرعية فى إطلاق وثبة الحوار الوطنى – الدولة أم المؤتمر الوطنى؟، لاشك أنها الدولة، وذلك ماهو ظاهر للناس بدءاً من المكتوب على اللوحة الخلفية بقاعة الصداقة عند إعلان الوثبة إذ هى بإسم رئاسة الجمهورية، ويبين الواقع والممارسة عند مسار الوثبة والفصل فيها شئ غير ذلك، حيث يبدو واضحاً أن إزدواجية المنصب تغلبت فيها روح الحزب على روح الدولة، وذلك مايؤسس لضرورة أن يتم الفصل بينهما لمنع هذه الإزدواجية، أو أن يتم تعيين شخصية قومية محايدة لإدارة الحوار إخراجاً للوثبة من حالة هذا الجمود، كما تطرح عدة أسئلة فى هذا الشأن تتحدد في الآتى: (من المسئول من صياغة مفهوم الأمن القومي – الدولة عبر سلطاتها أم المؤتمر الوطنى؟، ثم هل المؤتمر الوطنى وحكومته مسئولان عن تحديد الهدف القومى والمصالح القومية بغاياتها؟، وبالتالي هل يمتلك أحقية صياغة الاستراتيجية الوطنية وأن كانت معه بعض أحزاب المصالح الذاتية لوحدها أم بمشاركة كافة القوى السودانية اتفاقاً؟، لا شك أن الاجابة تؤكد واقفاً مغايراً وتثبت أننا نعيش فى حالة اللادولة، أي دولة الحزب الفاسد فى ذاته والمفسد لغيره، وذلك ماسيتم بيانه عبر رسائل كثر قادمات. فى ظل هذه الحالة التى لا تعطى الحزب أي حزب كان أن يقوم مقام الدولة في القضايا القومية، والتى مارس فيها المؤتمر الوطنى هدم الدولة وحدة وديناً وتاريخاً وعلماً وثقافةً وهدماً إجتماعياً إقتصادياً وعلاقات دولية. فى حالة هذا الهدم والتدمير الوطنى والأدواء المهلكة جاءت الوثبة "الحمل الكذوب" حاملة منذ ميلادها أسباب فنائها بدءاً من بيئة اللادولة وسيطرة دكتاتورية الحزب، عاجزة أن تحقق آمال وطموحات الشعب السودانى، إذ كيف تتحقق والحرية معتقلة خلف الاسوار والتى بدون أن تكون طليقة لا يمكن إنتاج فكر سليم أو رأى سديد، وتأمين جو معافى يمكنة تحقيق وعياً وطنياً لا يغشاه الزيف يؤسس به أفكاراً راشدة لبناء وطنى جديد، ثم كيف يكون الحوار منتجاً دون حرية الرأى والصحافة، في عالم يعيش عصر الحرية والديمقراطية. في حين أن اعلام السلطة بكل وسائطه يروج للتضليل والأكاذيب وممثلاً لدور البطولة في مسرحية التضليل تزيفياً للوعي وتغييباً للعقل، وحجباً للمآسى والكوارث والفضائح والهزائم التى لا مساءلة فيها لأن كل ذلك يختزل في لجان السلطة التى يتم تكوينها فى مايسمى بلجان التحقيق الخداعي، وفقه التحلل بدون حياء أو مخافه الله. جاء المؤتمر الوطنى بالوثبة هادفا" منها لتحقيق التهدئة السياسية وتأمين البيئة المستقرة التى يمكنه العبور من خلالها إلى تحقيق الهدف الإستراتيجى الذى يخطط له ألا وهو "الفوز بالانتخابات فى 2015" لوحده، إذ يتم من خلالها تجاوز أزمته الداخلية ضعفاً في تماسك عضويته بعد إقصاء الذين دفعوا بالمذكرة الإصلاحية، وهو يعلم أن جل عضويته تناصر الإصلاح، وفيهم من أخذ طرفاً قصياً مبتعداً بنفسه بعد أن تملكه الإحباط وإنسدت أمامه طرق الإصلاح ووقفة الوثبة تمنح المؤتمر الوطنى الوقت الذى يمكن به من إعادة تنظيم صفوفه والترتيب لتجاوز خطر محاصرته سياسياً فى البيئة الخارجية معالجة لذلك من خلال سياسة الخداع حراكاً بين المحاور المختلفة في البيئة الإقليمية والدولية مع تقديم بعضاً من التنازلات خصماً على المصالح الوطنية، مصحوباً كل ذلك بعمل إعلامى كثيف يعطى إنطباعاً بتحسن الأوضاع الأقتصادية كأرتفاع سعر الدولار، ولعل أضعف الناس في الفكر الإقتصادى يعلم أن إرتفاع سعر الدولار أو العملة الحرة على الأصح، أو إنخفاضه يحدثان إذا زاد حجم الانتاج أو ضعف مقروناً بنسبة الواردات للصادرات، وما تمّ لا يعدو عن كونه ركود فى سوق العملة الحرة التى بات شراؤها وبيعها متاثراً بالعقوبات الامريكية. كما هدف من الوثبة لتفكيك وتجزئة المعارضة التى بات صفها يتماسك ويتوحد عند أحداث سبتمبر 2013م، مستخدماً مهاراته وقدراته السلطانية والمالية ترهيباً وترغيباً، فأاستطاع أن يضعف صفها من خلال صفقات معلومة جعلت بعضاً من أحزاب المعارضة مؤتمراً وطنياً فوق المؤتمر الوطنى ذاته. وفي ذلك نجح المؤتمر الوطنى إلى درجة ما مع فشله في أحداث إختراق من خلال محادثاته مع الحركة الشعبية - قطاع الشمال - تحقيقاً للسلام الذى لن يتحقق البته، إذ أن عدم الوثوق فيه، مع تحول قضية المنطقتين إلى الوجهة القومية، وأثر التدخلات الخارجية الذي ما بات خافياً كلها تحول دون الوصول إلى إتفاق مشترك يُنهي الحرب، وهنا يكمن مربط الفرس، الذى لن يتحول من مكانه دون العودة للشعب السودانى ومن خلال الحوار الوطنى الذى لن يستثنى أحداً وصولاً لمعالجة القضية السودانية ودون ذلك سوف تقوم قيامة السودان التى سوف تسبق "دقيقة" إنتخابات المؤتمر الوطنى، التي أستغرب ويحتار غيري أيضاً في أن تحدد هكذا لتقوم الإنتخابات تأسيساً على أن عدم قيامها في الميقات المحدد سابقاً سوف يحدث فراغاً دستورياً وكأن تأخير الإنتخابات يماثل تأخير الصلاة (أستغفر الله)، اللهم إلا إذا كان المؤتمر الوطنى يحسبها عبادة من باب الماضي الحزين، مردداً فيها صيحات "هى لله هى لله لا للسلطة ولا للجاه؟!" أو من باب "لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء؟!" هادفاً لحكم الشعب السودانى مرة أخرى إنتاجاَ لتجربة حكم ما بات الشعب السودانى هاضماً لها، وهو الذى ما بات ينخدع ديناً، أو تضلله الشعارات إفكاً، وإلى أن نلتقى فى الرسالة الخامسة التى سوف أبين فيها سر أخطر دقيقة ينتظرها الشعب السودانى وحواريو المؤتمر الوطنى ليدركوا من خلالها من هم الذين يضعون العقبات عبر حرب المصالح الذاتية صراعاً داخل المؤتمر الوطنى مخططين لقيام الانتخابات فى موعدها وبمن حضر ولو قامت قيامة السودان وأداً للحوار الوطنى؛ أتركك أخى القارئ فى رعاية الله وحفظه مفوضاً أمرك له متوكلاً عليه دون تواكل رافعاً راية التحدى ومقاومة الباطل أياً كان شكله وصوره من أجل وطن أوصانا عليه الجدود مسترجعاً ماض نضالك والله غالب. الفريق أول ركن محمد بشير سليمان [email protected]