د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إطلالة على العام 2015 : تحولات نفطية وتطورات سياسية .. بقلم: السر سيد أحمد
نشر في سودانيل يوم 07 - 01 - 2015


تحولات نفطية وتطورات سياسية
يتوقع أن يشهد العام الجديد المزيد من الأضطرابات في الساحة النفطية حيث ستأخذ تقلبات الأسعار دورتها الكاملة حتى تستقر على حال ما، الأمر الذي ستكون له تبعاته السياسية وذلك بسبب الخاصية الأستراتيجية للذهب الأسود التي أكتسبها منذ العام 1911 عندما قرر وزير البحرية البريطاني ونستون تشرشل تزويد الأسطول الحربي بالنفط بدلا من الفحم.
وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي أثر وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي الأعلان وبصراحة غير معهودة ومن خلال مقابلة مع نشرة "ميدل أيست أيكونوميك سيرفي" النفطية المتخصصة انه دفع أوبك الى تبني أستراتيجية عدم الدفاع عن السعر، الذي وصل الى أدنى معدل له في غضون خمس سنوات. الأشارات من السعودية، الدولة الأكثر تأثيرا في صناعة النفط العالمية، تتالت منذ سبتمبر الماضي عندما أعلنت عن تخفيضات لشحنات نفطها المتجهة الى الأسواق الخارجية في أوروبا والولايات المتحدة وأسيا. ثم جاءت الأشارة الثانية عندما حملت السعودية بمساندة خليجية بقية دول أوبك على أعتماد قرار عدم خفض أنتاج المنظمة من 30 مليون برميل يوميا بالأجماع، ثم جاءت الرسالة الثالثة وهي اجراء تخفيضات في أسعار شحنات يناير حيث حظيت تلك المتجهة الى السوق الأمريكية بالخفض للشهر الخامس على التوالي وتلك المتجهة الى أسيا بأكبر خفض منذ العام 2002.
الخط الأساسي في كل ذلك الحفاظ على حصة السعودية ومنتجي أوبك الأخرين في السوق وذلك في مواجهة حالة من ضعف الطلب وزيادة المعروض. فرغم الأضطرابات التي تعيشها بعض الدول المنتجة مثل العراق وليبيا ونيجيريا، الا انها تمكنت من أنتاج كميات أضافية من النفط، على ان التغيير الأكبر جاء من الولايات المتحدة التي تصاعد أنتاجها المحلي الى نحو تسعة ملايين برميل يوميا، واذا أستمر بنفس معدلاته فأن التقديرات تشير الى ان أمريكا يمكن أن تزيح هذا العام كلا من روسيا والسعودية من مرتبة الدول الأكثر أنتاجا للنفط. أحد نتائج هذا التطور تراجع الواردات النفطية الأمريكية خاصة من دول أوبك وذلك الى أقل من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وهو أقل معدل لوارداتها من دول المنظمة في غضون 30 عاما. وبسبب هذا أختفت نيجيريا كلية من قائمة الدول المصدرة للنفط الى الولايات المتحدة، كما ان الصادرات السعودية تراجعت الى 894 ألف برميل يوميا، وهو رقم خطر لأنه يقل عن مليون برميل مما يمكن أن ينعكس سلبيا على الثقل الأستراتيجي في علاقات البلدين.
تقليص واردات الولايات المتحدة من النفط الأجنبي ظل حلما وهما مقيما لكل ساكن جديد للبيت الأبيض. لكن وعلى أمتداد ثمانية رؤساء أمريكيين ومنذ الحظر العربي النفطي في العام 1973 على أيام ريتشارد نيكسون تصاعدت نسبة أعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي من 37 في المائة الى 66 في المائة عندما أنتخب باراك أوباما رئيسا لأول مرة في العام 2008. ثم جاء تصاعد أسعار النفط متجاوزا 60 دولارا للبرميل لتجعل من الممكن النظر في الجدوى الأقتصادية والتجارية لأستخدام تقنية التكسير الهيدرولوجي والحفر الأفقي لأستخلاص النفط والغاز من مكامن لم يكن ممكنا في السابق أستغلالها.
وهكذا أسهم ارتفاع الأسعار في الدفع بلاعب جديد هو الولايات المتحدة وبتقنية جديدة هي التكسير الهيدرولوجي تمكنت من أستخراج النفط الصخري ويمكن نقلها الى مناطق عديدة من العالم بما فيها الصين، مما ينذر بتحد غير مسبوق للنفط التقليدي. أحد أهداف السعودية في ترك الأمور لقوى السوق أن يسهم تراجع الأسعار في أخراج أو تقليل بعض أنتاج النفط الصخري من دائرة التشغيل لأسباب أقتصادية، ومع ان التقديرات تتباين حول المدى السعري الذي يمكن أن يحدث ذلك الفرق، الا انه من المعروف ان التقنية المستخدمة تتصاعد فعاليتها وقدرتها على أستخراج كميات أكبر من النفط ولو ان هناك بعض المؤشرات ان الآبار التي تنتج نفطا صخريا تتراجع أمكانياتها الأنتاجية بنسب كبيرة بعد فترة من التشغيل.
ومع ان الكثير التحليلات تتحدث عن تأثير تراجع أسعار النفط على روسيا وأيران، الا ان ما يجري يمكن أن يسهم في أيجاد توتر في العلاقات السعودية الأمريكية خاصة اذا نظرت واشنطون الى الأمر من زاوية انها حرب أسعار تهدف الى تقليص أنتاجها المحلي وهي قضية تتشابك مع أحساسها بأمنها القومي وهناك مؤشرات ان الأنتاج الأمريكي سيزيد هذا العام بنحو 850 ألف برميل يوميا فقط بسبب تراجع الأسعار مقابل زيادة مليون برميل في كل عام من الأعوام الثلاثة الماضية.
السعودية في وضع أفضل للمضي قدما في حرب الأستنزاف هذه وذلك من ناحيتي رخص كلفة أستخراج برميل النفط فيها التي تتراوح بين 4-5 دولارات للبرميل وتمتعها بأحتياطيات مالية ضخمة تصل الى قرابة 800 مليار دولار، لكن يبقى السؤال عن المدى الذي يمكن أن تستمر فيه وهل ستتدخل واشنطون لتغيير هذه الوجهة مثلما تدخلت في العام 1986 ووقف حرب الأسعار اذ بعثت بنائب الرئيس وقتها جورج بوش، الذي بخلفيته النفطية كان يعرف ان الكثير من الآبار في الولايات المنتجة للنفط مثل تكساس ولويزيانا يطلق عليها
Stripper Wells
تنتج بضعة ألاف من البراميل يوميا واذا أغلقت فلن يمكن أعادة فتحها وتشغيلها مرة أخرى. وكان أن أوقفت تلك الحرب قبل أن تحقق نتائجها. وهناك أيضا عامل التبعات السياسية والأقتصادية الذي لابد من وضعه في الأعتبار. فللسعودية التزامات داخلية تجاه مواطنيها الذين وصل تعدداهم الى 30 مليونا ومنذ العام 2010 زاد الأنفاق الحكومي على البرامج التنموية الأجتماعية بنسبة 52 في المائة الى 265 مليار دولار، كما ان التزاماتها الأقليمية مثل دعم مصر وغيرها تجاوزت 22 مليارا خلال هذه الفترة. أحد مظاهر تبعات تراجع أسعار النفط ان الميزانية السعودية لهذا العام تتضمن عجزا مقداره 38.6 مليار دولار وكان صندوق النقد الدولي توقع قبل أشهر أن تدخل السعودية دائرة العجز في العام 2018.
واذا كان تراجع أسعار النفط يمثل الملمح الرئيسي لما يجري في السوق النفطية، فأن هناك تطورات أخرى لا تقل أهمية. ومن بين هذه ان السوق الآسيوية أصبحت منطقة الأستهلاك الأساسية في العالم بقيادة الصين، التي حلت محل الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط، بل ان هناك أرقاما لم تتأكد بعد بصورة نهائية ان حجم الأقتصاد الصيني تجاوز رصيفه الأمريكي أذ بلغت قيمة الخدمات والسلع التي أنتجها وقدمها العام الماضي 17.6 ترليون دولار مقابل 17.4 ترليونا للأقتصاد الأمريكي.
وهناك التطور الآخر المتمثل في الدور المتعاظم لشركات النفط الوطنية المملوكة لدول وحكومات وذلك على حساب الشركات التجارية الغربية. ويظهر ذلك في القائمة التي تصدرها نشرة "بتروليوم أنتلجنس ويكلي" النفطية المتخصصة، حيث تجاوز عدد هذه الشركات الوطنية تلك التجارية الغربية في قائمة أكبر عشر شركات وذلك لأول مرة منذ 13 عاما وأرتقت شركة النفط الوطنية الصينية لتحتل المرتبة الثالثة بعد أرامكو السعودية وشركة النفط الوطنية الأيرانية ومزيحة شركة أكسون/موبيل الأمريكية التي شكلت في وقت من الأوقات أضخم شركة في العالم وكان لديها أسطول من الناقلات يتجاوز ما لدى الأتحاد السوفياتي قبل انهياره. وبنفس القدر تقدمت شركة روزنفط الروسية على حساب شيفرون الأمريكية وتوتال الفرنسية التي خرجت من قائمة العشر الكبار، بل وتتردد أحاديث أن أبوظبي في طريقها لفتح الباب أمام الشركات الصينية والكورية الجنوبية للعمل في صناعتها النفطية التي ظلت حكرا على الشركات الغربية لأكثر من 70 عاما.
(2)
اطلالة على العام 2015
التحولات النفطية والأنعكاسات السودانية
تحولات السوق النفطية التي تناولناها في الحلقة السابقة ستلقي بظلالها على السودان من نواحي انه دولة مستهلكة، ومنتجة تسعى الى أستغلال ما لديها من أحتياطيات نفطية كما انها تستخدم المرافق النهائية للصناعة النفطية لديها من معامل وخطوط أنابيب وموانىء تصدير وسيلة للحصول على عائدات من العملات الصعبة من خلال تصدير نفط جنوب السودان عبر هذه المرافق. ونقطة الأنطلاق في هذا كله ما يطلق عليه ان سوق النفط الحالية أصبحت تعرف انها سوقا تعمل لصالح المشترين وذلك بسبب وفرة العرض وقلة الطلب، الأمر الذي يجعل للمشترين اليد العليا في التعامل.
بصفته دولة مستهلكة سيستفيد السودان من تراجع أسعار النفط مما أدى الى خفوت الحديث عن رفع الدعم، الى جانب تقليل فاتورة مشترواته من بعض المنتجات المكررة التي يستوردها خاصة الجازولين والفيرنس ووقود الطائرات وبعض الخام الذي يشتريه من الشركات لتغطية الفجوة في الأمدادات للتكرير في مصفاتي الخرطوم والأبيض ويقدر بنحو 2.7 مليون طن.
أما بصفته دولة منتجة ولديه بعض الأحتياطيات من النفط والغاز التي يحتاج الى شركاء أجانب لأستغلالها فأن وضع سوق المشترين هذا لا يجعل للسودان جاذبية للشركات لأن لديها خيارات أفضل وفي أماكن لا تعاني من متاعب سياسية وأمنية. وفي واقع الأمر فأن الظروف التي دخلت فيها الشركات الآسيوية السودان تغيرت وأصبح المعروض أمامها من الخليج الى روسيا الى أفريقيا أكثر أغراءا مثل الأتفاقية التي وقعتها الصين مع روسيا بمبلغ 400 مليار دولار وحصول بتروناس الماليزية على حصة شركة ستات أويل النرويجية البالغة 15.5 في المائة في حقل شاه دنيز الضخم للغاز في أذربيجان.
عمليا فأن هذا الوضع ليس جديدا اذ لم تشارك الشركات الصينية والماليزية والهندية في جولة العطاءات والعروض للمربعات الجديدة التي طرحتها الحكومة قبل ثلاثة أعوام رغم وجودها الميداني في السودان، وأنتهى الأمر بتلك الجولة الى ظهور شركات صغيرة كانت أبرزها الشركة البرازيلية "بترو أنرجيا" التي قامت بنشاط ملحوظ في مربعي (9) و (11) الذين يمتدان من جنوب سنار والنيل الأزرق الى شمال عطبرة مع أجزاء من شمال وغرب كردفان غربا الى كسلا والقضارف شرقا، ومع ان تلك الشركة كانت تخطط لحفر أول بئر تجريبية العام الماضي الا ان أحد شركاءها البرازيليين تعرض الى متاعب مالية أدت الى تباطؤ العمل، هذا الى جانب الأضطرابات الأمنية التي تعاني منها مناطق الأنتاج في كردفان ودارفور وصعوبة التعامل المالي مع السودان ما يشير الى الحاجة الى اختراق سياسي يسمح بالأستغلال الأفضل للموارد النفطية الموجودة في البلاد. وتقدر "وحدة أستخبارات الأيكونومست" أن أنتاج السودان النفطي سيزيد 15 ألف برميل يوميا فقط خلال هذا العام الى 145 ألفا.
على ان وضعية سوق المشترين بالنسبة الى السودان ستتضح بصورة أكبر خلال هذا العام عبر ترحيل نفط جنوب السودان وما يحصل عليه لقاء ذلك الى جانب الترتيبات المالية الأنتقالية التي التزمات جوبا بدفعها للخرطوم وفق اتفاقيات سبتمبر 2012. فبسبب الحرب الأهلية الدائرة في جنوب السودان توقف الأنتاج بصورة شبه كاملة من ولاية الوحدة وحقل ثارجاث، مع أستمرار الضخ من ولاية أعالي النيل من مربعي (3) و (7)، على أن الأنتاج النفطي من هذين الحقلين وهو في حدود 160 ألف برميل يوميا يعرف بأسم خام (دار) مرشح للتراجع، ويتميز انه من النوع الثقيل والحامض وبالتالي ليس عليه كبير طلب خاصة وهناك قلة من المصافي تكرر مثل هذا النوع من الخام.
خام "دار" هذا دخل الأسواق لأول مرة في العام 2006 وكان الطلب وقتها في حالة تصاعد وهو ما أستمر طوال السنوات اللاحقة، لكن مع تراجع الطلب ووفرة المعروض من خامات أخرى أخف وأكثر جودة، فأن قلة من المشترين ستكون على استعداد لشراء خام "دار" الا اذا حصلت على حسومات كبيرة بشأنه قد تصل الى 15 دولارا على البرميل الواحد مقارنة بخام "برنت"، وهو مؤشر السوق. ونقلت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" عن بعض المتعاملين في السوق ان الأسعار التي بدأت تباع بها بعض شحنات هذا الخام ستجعله الأرخص عالميا، بل ويقدر البعض ان حكومة جنوب السودان تحصل حاليا على نحو 100 مليون دولار شهريا فقط من مبيعاتها النفطية مرشحة للتناقص، وهي مصدر الدخل الوحيد للبلاد، الأمر الذي قد يجعلها عاجزة من مقابلة التزاماتها ابتداءا من رواتب العاملين وعلى رأسهم الجنود وتمويل الحرب الدائرة هناك. وقد ينسحب الوضع الى مقابلة التزاماتها تجاه حكومة السودان سواء فيما يتعلق برسوم العبور أو دفعيات الترتيبات المالية الأنتقالية (15 دولار عن كل برميل يتم تصديره). وهناك مؤشرات ان عدم التسديد ربما يصبح مسألة وقت فقط. وتتداول معلومات ان الشركات النفطية العاملة في جنوب السودان رفضت تقديم قرض جديد طارىء الى جوبا في أغسطس الماضي بقيمة 200 مليون دولار وذلك لان على الأخيرة ديون بمبلع 1.6 مليارا لم تسددها بعد.
البعض في جنوب السودان بدأ يثير نقطة ان تحديد رقم ثابت لرسوم العبور (11 دولارا لبرميل النفط الصادر عبر الخط الغربي و 9.10 دولارات لاستخدام الخط الشرقي) كان خطأ لأن الأفضل أن ترتبط الرسوم بنسبة تحسب وفق تحركات سعر البرميل. لكن أصحاب هذا الرأي ينطلقون من الوضع الحالي للسوق لا ما كانت عليه في 2012 عندما أبرمت الأتفاقية، فمن الواضح وقتها ان سعر البرميل كان متجها الى أعلى. ثم ان وفد وفد التفاوض حينذاك أبرز ما حصل عليه وكأنه أنجاز لأن الخرطوم وافقت على رسوم عبور تقل عن نصف ما ماكانت تطالب به، ثم ان اتفاقية رسوم العبور كانت واحدة من ضمن سبعة أتفاقيات أخرى وفي المفاوضات يتم ابداء المرونة في قضية معينة مقابل الحصول على مكاسب في قضية أخرى.
هذا النقاش يتوقع له أن يجد طريقه الى الجدل السياسي في جنوب السودان وذلك في أطار تسجيل المواقف والحصول على مكاسب بسبب حالة الصراع السائدة هناك، وربما يتم تحميل باقان أموم المسؤولية على أعتبار انه الشخص الذي توصل الى تلك الأتفاقية مع الخرطوم وكل ذلك في أطار حسابات سياسية.
الذي يهم الخرطوم هو اذا كان المبلغ الذي خصصته في موازنة هذا العام من عائدات رسوم العبور سيتم الحصول أم لا وأرتباط ذلك باستمرار حجم الأنتاج النفطي في جنوب السودان المعرض لتهديدات أمنية وتأثيرات فنية وأنعكاس ذلك على وضع العملات الصعبة المهتز أصلا. بعض مراقبي الأوضاع في جنوب السودان يشيرون الى ان ذلك من الصعوبة بمكان ومن الأفضل لقيادات البلدين العمل للتوصل الى تفاهمات وأتفاقيات جديدة. لكن النظرة السياسية والأمنية ستجد في هذا الوضع كرتا أضافيا على الخرطوم أن تجيره لصالحها والضغط بأتجاه تسوية العديد من الملفات العالقة مثل ايواء ودعم الحركات المناوئة وترسيم الحدود وغير ذلك. وربما يفسر هذا لغة التهديد المتصاعدة ضد جوبا مؤخرا.
(3)
اطلالة على العام 2015 (3+3)
زمان التحولات والبحث عن مخرج سوداني
التحولات التي يشهدها العالم لا تقتصر على ما يجري في الساحة النفطية فقط رغم أهميتها. فالملمح الأساسي يتمثل في عدم الوضوح وتسارع الأحداث بما يتجاوز قابلية المؤسسات على المتابعة وووضع الخطط والسيناريوهات اللآزمة للتعامل مع هذه المتغيرات. في أكتوبر الماضي روت صحيفة "نيويورك تايمز" أن سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي دعت مجموعة من الخبراء الى لقاء تفاكري حيث برز نقد لأدارة أوباما انها لم تضع أستراتيجية متكاملة بعد التشاور مع الكونجرس لتصبح هاديا للتعامل مع القضايا التي تفجرت من البروز القوي لداعش والأيبولا وغيرهما. رايس ردت بما معناه انه حتى اذا وضعت تلك الاستراتيجية في فبراير أو أبريل أو يوليو فأن طوفان الأحداث كان سيتجاوزها بعد أسبوعين فقط.
وعبر الجزء الآخر من العالم قال المعلق الأسرائيلي اليكس فيشمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه مع ان الأستخبارات العسكرية الأسرائيلية رسمت صورة متشاءمة لهذا العام، الا انها لم تستطع الزعم انها يمكن أن تعطي صورة تفصيلية لما يمكن أن يحدث وقصرت تقديراتها على الأشهر الأولى من العام فقط. وقبل عدة سنوات لخص طوني بلير الوضع بقوله ان الزمن الذي كان يمكن لمجلس وزراء بريطانيا أن يمضي عدة أيام مناقشا لقضية معينة قد أنتهى، وعلى المسؤولين في الوقت الراهن اتخاذ قرارات في ذات الوقت الذي تتشكل فيه الأحداث.
والسودان ليس أستثناء من حالة عدم الوضوح خاصة وهناك العديد من عوامل التغيير لا تبدو مؤسسات الدولة ولا المراقبين خارجها قادرة على سبر غورها، لكن رغم ذلك فأن "وحدة أستخبارات الأيكونومست" حزمت أمرها ووضعت في تقريرها عن السودان الشهر الماضي بعض التوقعات التي تغطي فترة 2015-2019. وخلال هذه السنوات الخمس يتوقع التقرير أن يظل الرئيس عمر البشير قابضا على السلطة ومعه حزب المؤتمر الوطني رغم أنهما سيعانيان من تزايد الضغوط السياسية والأقتصادية، بل ان مجموعة قليلة داخل الحزب ستكون غير راضية عما يجري، لكن التقرير لا يتوقع أن تتمكن هذه المجموعة من تشكيل عامل ضغط مؤثر، لأن الكثير من الناقدين المؤثرين في الحزب أما غادروه أو أستكانوا على الرصيف. أما المعارضة فستظل تدور في فلك فشلها في تقديم بديل فعال يتحدى النظام. وسيظل الوضع الأقتصادي الصعب منبعا لبعض الهبات الأحتجاجية ضد الحكومة من وقت لآخر، مع تصاعد في النشاط العدائي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. و لا يتوقع التقرير حدوث تحسن في علاقات السودان الأمريكية والأوروبية سواء فيما يتعلق بالمقاطعة أو أعفاء الديون في غياب أي تحسن ملموس للوضع في دارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق الى جانب قضية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية التي لا تزال قائمة.
ورغم هذا فهناك بعض العوامل التي يمكن أن تتبلور بصورة أو أخرى خلال هذا العام. ومن هذه حالة الأرهاق التي أصابت العالم من قضايا السودان المزمنة التي لا تنتهي، وساعد على ذلك تفجر قضايا مختلفة في مناطق أكثر أهمية للعالم من السودان، وقد يتضح الوضع بصورة جلية في يونيو المقبل عند حلول موعد التجديد لقوات اليونيميد العاملة في دارفور. وفي واقع الأمر فأن التساؤل عن جدوى تدخل المجموعة الدولية في القضايا السودانية برز بصورة واضحة منذ أكثر من أربع سنوات عندما أصدرت مؤسسة كارنيجي ورقة في العام 2012 عنونتها : "السودان من أزمة الى أزمة" تساءلت في ختامها اليس من الأوفق للمجتمع الذي أمضى عشر سنوات متوسطا في التفاوض بين الشمال والجنوب حتى توج جهده ذاك بأتفاقية السلام أن يعيد النظر في تدخله في الشأن السوداني نسبة لفشل وساطته السابقة التي لم تؤد الى أستباب السلام قط لا بين البلدين ولا في داخلهما. ولعل البعض تذكر المقولة المنسوبة الى المبعوث الأمريكي الأسبق جون دانفورث "سودان واحد يكفي" وذلك تلخيصا لرؤيته أن تسعى الولايات المتحدة الى أن تنتهي أتفاقية السلام بخيار الوحدة مع تمتع الجنوب بسلطات أكبر ومشاركة مقدرة في الحكومة المركزية وذلك تخوفا من أنهيار الدولة الجديدة وضغطا على الخرطوم كي لا تصبح مركزا للتشدد الأسلامي.
والحقيقة ان حالة الأرهاق هذه تنبع من مراجعة عامة خاصة من قبل الولايات المتحدة لمجهوداتها في بناء الديمقراطية ومؤسساتها بعد الأداء السىء لها في العراق وأفغانستان. ومنذ تسلم أوباما السلطة تراجع الأنفاق في ميادين التبشير بالديمقراطية وحقوق الأنسان وبناء مؤسساتهما بنحو 28 في المائة الى أقل من ملياري دولار سنويا. وكان نصيب منطقة الشرق الأوسط خفضا بلغ 72 في المائة مقابل 43 في المائة لأفريقيا. وهذا التطور يعتبر تحولا من السياسة الرئيسية التي أعلنتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليسا رايس في خطاب لها في القاهرة في 2005 عندما أوضحت بجلاء ان واشنطون سعت على مدى 60 عاما لضمان الأستمرارية في المنطقة على حساب الديمقراطية لكنها لم تحصل على أي من الأثنين، وانها غيرت مسارها لدعم الطموحات والآمال الديمقرطية لشعوب المنطقة. على ان أحداث الربيع العربي بموجتها الأسلاموية دفعت بواشنطون الى مراجعة سياستها تلك والعودة الى ما كانت تمارسه من قبل كما يظهر في موقفها مما يجري في مصر.
وواشنطون في هذا تبدو في حالة أستجابة لما يجري في المنطقة التي تعيد أنتاج أزماتها في الوقت الذي تحيط به علامات الأستفهام بمفهوم ومشروع الدولة القطرية الحديثة، الأمر الذي يثير قضايا أمنية في المقام الأول أصبحت عابرة للحدود كما هو واضح في نشوء وتمدد داعش.
التطورات التي شدها السودان خلال العام الماضي تشير الى انه يتسق مع مجمل ما يجري في المنطقة ولو بصورة مختلفة. فلم يعد للأسلامويين سلطة واضحة سواء بصفتهم الحركية، التي انتهت منذ أمد بعيد، أو حتى رموزهم القيادية وأنما أصبحت السلطة تتركز بصورة فعلية في يد رئيس الجمهورية لدرجة الأتجاه الى تعيين ولاة الأقاليم، وفي الدفء الذي بدأ يسري في علاقات الخرطوم بالقاهرة والى حد ما العواصم الخليجية ما يشير الى تفهم لهذا التحول.
لكن من المشكوك فيه أن يؤدي هذا التطور الى تقديم عون ملموس الى السودان يمكنه من تجاوز أزماته المتفاقمة لأن الكل مشغول بمتاعبه الخاصة. فحتى أمكانيات السودان في توفير الغذاء ينظر اليها بصورة مختلفة. فقد أبلغ مسؤول خليجي وفدا أستثماريا سودانيا انهم درسوا أوضاع أكثر من 80 دولة حول العالم عرضت عليهم استغلال مواردها الطبيعية وان السودان جاء في المرتبة السابعة والعشرين. فما يهم الدول الغربية ودول الجوار العربية والأفريقية العمل على منع أنهيار البلاد وتحول وضعية السودان الجغرافية الأستراتيجية ، ابتداءا من ليبيا، الى مهدد أمني لا يمكن السيطرة عليه.
قبل عام شعر أهل الحكم بتصاعد حالة الأحتقان السياسي فكان خطاب الوثبة الذي لم يتمخض عن شىء يذكر. ولنحو ربع قرن من الزمان ظلت المعارضة تتأرجح بين العمل العسكري والمدني والمشاركة والمقاطعة ودون وقفة تقييمية جادة وناقدة لأداءها. ولعل في التحولات التي تشهدها المنطقة وتراجع الأهتمام بما يجري في السودان وعدم الحماس لقيام نظام ديمقراطي مما يتطلب نظرة جديدة في جانبي الحكم والمعارضة تنطلق من جدية ملموسة وأعادة ترتيب للأولويات، فقضايا السودان لن يحلها الا السودانيين، اللهم الا اذا كان كل طرف يجد مصلحة ما فيما يقوم به الطرف الآخر، وهو ما يمكن تصنيفه بأي شىء الا انه يقع في دائرة الأهتمامات القومية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.