[email protected] (1) لم تعجبنى الحملة التى شنها مؤخرا بعض المثقفين السودانيين على استاذنا وحبيبنا ومرشحنا لرئاسة الجمهورية الدكتور عبد الله على ابراهيم، فى موقع بنى ثقيف على الشبكة الدولية المعروف باسم ( السودان للجميع ). وهى الحملة التى ساندتها وشدت من أزرها سلسلة من الرسوم الكاريكاتورية للناقد والفنان التشكيلى العالمى الدكتور حسن موسى، بلغت حتى الان نحوا من عشرة رسوم كاريكاتورية. والدكتور حسن موسى كاتب ورسام ذو نفوذ أدبى واسع وسلطة ثقافية ضاربة فى المهاجر الغربية والعربية. وعدواة هذا الكاتب-الكاريكاتيرست بئس المقتنى، فقد أبانت التجارب المعاشة ان تبنى آراء ومواقف تخالف ما عليه مشيخته السياسية والثقافية من مذاهب تجر على المخالفين أهوالا يعجز عنها الوصف، اذ انه لا يكتفى فى صدد ترويع هؤلاء المخالفين بكتاباته الشديدة الفاعلية والتأثير، والتى يتحلق حول نارها حواريون اوفياء، بل يتبعها بسلسلة من الرسوم الكاريكاتورية تبطش بالمخالفين المارقين بطشاً وتمسح بهم سموات الاسافير السبعة. ولم أكن قد وقعت من قبل فى حياتى كلها على نموذجٍ مشابه لكاتبٍ ورسام فى آنٍ معا، يغسل مخالفيه فى الرأى بكلوريكس الكتابة ثم يكويهم بفرشاة الرسم الكاريكاتورى. ولا يُنبئك مثل خبير، فقد وقع كاتب هذه الكلمات من قبل ضحية لكتابات الدكتور حسن موسى الترويعية المشفوعة بكاريكاتيراته التبشيعية، كما وقع فى احبولته الاخطبوطية من قبل كتاب آخرون، منهم استاذنا الكبير محمد المكى ابراهيم، والدكتور النور حمد، الكاتب الراتب بصحيفة الاحداث، والاستاذ محمد عثمان ابراهيم، كاتب زاوية (هذا الخميس) الاسبوعية بصحيفة الرأى العام. أما الاستاذة منى عبد الفتاح، كاتبة العمود الذائع (كيف لا) فقد كان الدكتور حسن موسى والملأ من بنى ثقيف قد احتفوا بها واكرموا وفادتها عند مقدمها اول مرة الى موقعهم وفرشوا لها اسفيرهم بالورود، ولكنهم انقلبوا من بعد على اعقابهم شانئين موتورين اذ تناهى اليهم خبر مشاركتها فى ملتقى الحوار الاعلامى الذى عقدته العصبة المنقذة فى منتصف العام الحالى. ولم يرع الدكتور حسن موسى فى رفيقتنا منى إلاّ ولا ذمة، بل جعل منها – من خلال رسومه الكاريكاتورية - امثولةً للغاشين والماشين فى دروب الأسافير وعبرة للخارجين على مشيخته، ذات القباب الخضر، الرابضة فى حنايا الريف الفرنسى. وتوظيف الرسم الكاريكاتورى كأداة لحسم المناظرات السياسية والثقافية من أفعل الاسلحة وأمضاها فى النيل من الخصوم والتنكيل بهم واغتيال شخصياتهم احياناً. وقد قمت مؤخرا بجمع عدد من الرسوم الكاريكاتورية التى تفضل بنشرها فى مورد الهجوم على شخصى الضعيف، خلال الاشهر الماضية، الرسامون حسن موسى وعمر دفع الله وياسر زيادة. ووجدتنى أقف ملياً عند رسم كاريكاتورى معبّر اظهرنى فيه الرسام ياسر، وهو فنان شاب ذو قدرات ابداعية شديدة التميز، وانا اتلقى رزماً من الاوراق النقدية من فئة المائة دولار بيدى اليسرى من رجل صارم القسمات عظيم اللحية، بينما تبدو يدى اليمنى وقد تهيأت لكتابة المقالات المُمالئة للانقاذ. وقد حادثت فى أمر ذلك الكاريكاتير صديقى وزير الانقاذ النافذ الاستاذ كمال عبد اللطيف، وذكرت له مشهدا من فيلم مصرى قديم يُفترض انه يعالج قضية المرأة المطلقة فى المجتمعات العربية، تقول فيه الفنانة يسرا التى تشخّص دور امرأة مطلّقة، لصديقتها التى ارادت ان تناقشها فى امر سلوكها السيئ ومسايرتها للرجال بغير ضوابط: ( المطلقة الناس كدة او كدة حتتكلم عنها، احسن بدل ما يتكلموا فى الفاضى يتكلموا فى المليان)! وطلبت من كمال ان يسارع فيمدنى بالاستحقاقات الدولارية حتى لا يكون حالى كحال المطلقة التى (تكلم) عنها الناس (فى الفاضى). ولكن الرجل استنكر مضاهاتى لعصبة الانقاذ الماجدة بحوار الفنانة يسرا ومضامينه السالبة، وطالبنى بأن اطلعه أولاً على المقالات التى ازعم، ويزعم الكاريكاتيرست ياسر زيادة، اننى مالأت فيها العُصبة واننى استحق عليها مقابلا انقاذياً دولارياً. ولعل من اكبر الشواهد على جبروت الرسم الكاريكاتورى وقوة تأثيره ردة الفعل العنيفة، غير المتوقعة، التى كان قد ابداها الراحل العلامة الشيخ محمد الغزالى، فى مبتدأ ستينات القرن الماضى، عندما قام الكاريكاتيرست الشهير صلاح جاهين باظهار الشيخ فى رسم كاريكاتورى متخذاً من عمامته الأزهرية مادة للسخرية. وكان الغزالى قد عُرف بين الناس بأنه من عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا، واشتهر بعفة اللسان والقلم والتجاوز عن المسيئين، ولكن ذلك الكاريكاتير جعل الدم يغلى فى عروقه فهب من فوره منطلقاً الى مسجد عمرو بن العاص فى القاهرة حيث صعد الى المنبر وشتم صلاح جاهين شتائم مجلجلة ليس أقلها انه قال فى حقه، مدافعا عن عمامته:( ان تحت هذه العمامة رأس مفكر واجه الطاغوت وصدع بالحق عندما كان صاحب هذه الرسوم وشيعته قوادين عند فاروق)! (2) أخذت عشيرة بنى ثقيف على مرشحنا الرئاسى الدكتور عبدالله على ابراهيم تهافت موقفه من قضية تدخل السلطات لمنع الاحتفال الذى كان قد أحسن الاعداد له لتدشين حملته الرئاسية، وانفق عليه ما يقابل سبعة الف مما يعد الامريكان، جمعها من حصيلة كده كاستاذ للتاريخ الافريقى بجامعات الولاياتالمتحدة. واستهجن غالبية المنتقدين ما حسبوه مداهنة عبدالله للنظام وخوره وتخاذله عن توجيه اصابع الاتهام المباشر للعصبة المنقذة فى أمر الظلم الذى وقع عليه. وبينما برأ الدكتور حسن موسى مرشحنا من تهمة مداهنة الانقاذ فانه نقم عليه (نسبته الجهة التى عرقلت حملته الانتخابية للمجهول). ووصف ذلك الموقف بأنه ( حيلة العاجز)، وأدانه بتهمتى العجز وضعف الحيلة، وجريرة الاستخزاء امام سلطة الانقاذ، وعاقبه بعدد عشرة رسوم كاريكاتورية ناجزة. وكانت الصحف قد نقلت عن عبدالله تصريحا يقول فيه: ( استجبت لطلب الشرطة فهى عاملتنى بطريقة مهذبة وجيدة ولكننى مستاء من قيام شخص "مجهول" باتخاذ مثل هذا القرار). وتصريح اخر ورد فيه قوله: ( ان الدعوى ليست موجهة ضد الشرطة ولكننى اسعى من خلالها لمعرفة الشخص "المجهول" الذى اصدر قرار منع نشاطى). وهما التصريحان اللذان "بنى" فيهما صاحبنا الاعتداء ل (المجهول)، واستمطرا عليه تبعاً لذلك سخط بنى ثقيف فأخذوه اخذاً وبيلاً، ثم ادخلوه الى شيخهم فى قبة الغسيل والمكواة. (3) ليس من اغراضى بطبيعة الحال أن امالئ المتكثِّرين على د. عبدالله واظاهرهم عليه فأتبنى حجاجهم ولجاجهم. ولا ان ادافع عن مرشحنا للرئاسة وقد تكسرت فوق صدره النصال على النصال، فقد دافع الرجل عن نفسه أمجد الدفاع حين ابان فى مقال كتبه، بعد ان ألمت به كارثة الحملة الانتخابية، تعقيباً على من اشاروا عليه بأنه ربما كسب سياسيا من واقعة قيام العصبة المنقذة بفض حفله التدشينى بأكثر مما لو كانت السلطات قد مهدت له الطريق فأذنت بقيامه. ويرمى هؤلاء الى انه ربما كان فى وسع عبدالله أن يهتبل واقعة فض المهرجان فيختلق هرجاً ومرجاً وزوبعة كبرى، وان يفتعل مع سلطة الانقاذ معركة تظهره أمام الناس بمظهر بطولى فيتعزز موقفه سياسيا بفضل تلك الخطة. ولكن عبدالله ذكر فى مقام الرد على هؤلاء انه يكره ان يكون "بطلا للمناسبات المجهضة". وأشار من طرف خفى الى طائفة من الكتاب الذين ربما استخفتهم هالات البطولة الخلابة واستهوتهم مظهريات النضال السياسى الجذابة، فى عهد الرقابة القبلية على الصحف، فاستحلوا الكتابة المؤدية للحظر واستعذبوا خمرها المذاب فى شعاع المجد وذيوع الصيت، فاستقصدوها استقصاداً وادمنوها ادماناً، قال مرشحنا عن نفسه:( لم اجهر قط بقولٍ يمنع النشر كما يفعل البعض ثم يذيعون ذلك على الملأ، واسمى هؤلاء كتاب الحجة والتجرة. فالكاتب هو من يكتب والجمال ماشيات بعدته من الحيل التى تغنيه عن جهرٍ مجهض). وما أظن اننى قرأت قط أبلغ من مقالة مرشحنا ولا نصاعة ديباجته، وهو يفرق بين النضال وادعاء النضال، بين الأصالة والزيف، ويرسم الفروق على الارض بين دور الكاتب الملتزم والمهرج البهلوان. ولا مندوحة امام اهل النصفة – وارجو ان اكون فى زمرتهم - الا ان يثمنوا موقف عبدالله تجاه منتقديه فى هذه الجزئية بعينها، وهذا القاطع بالذات من قواطع الخلاف. اذ نحن نبتغى من كل القوى الفاعلة، المتطلعة الى التغيير الديمقراطى فى الحقلين السياسى والمدنى، غداة يومنا هذا ان تصوّب بصرها تلقاء أمتنة القضايا ولبابها، لا هوامشها وحواشيها. نريد منهم نشدان الغايات الكبار مزدانين بالهمم العالية، لا التقافز على الحبال، كما العبلانج، متسترين بالحيل الساقطة. ونريد منهم، بعد ذلك، ان يغضوا البصر عن إغراء الكسب القريب الرخيص نفاذا الى جوهر العمل الوطنى الصالح. واول دعوانا أن التبذل الى الجمهور بغرض تأكيد الذات وتسجيل المواقف ليس من طيب الغراس فى البيئات السياسية الراشدة. ولا غرو ان عبدالله قد ضرب صفحا عن دعاوى المحرضين الباحثين عن البطولات الجزافية المجانية، واختار الطريق الشاق، طريق القانون والحوار والاحتكام الى الشعب. حمل عبدالله قضيته الى الرأى العام اولاً متخذا الى مقصده كل منبر اعلامى توفر عليه، فانتشر خبر العدوان على مهرجانه مذاعاً ومنشورا ومبذولا فى كل الوسائط والاقنية، ففضح التآمر وكشف ستره فى محافل الدنيا والعالمين. ثم قصد دار الحزب الحاكم حيث شيوخ الانقاذ واعمدته فجبههم واستنطقهم، فأجفلوا وتعهدوا بألا يكون مثل الذى كان. (4) ولو كان الذى كان من صنع الحزب الحاكم وجلاوزته فبئس ما صنعوا بانفسهم وبئس المصير. لقد خاض رئيس الحزب الحاكم الانتخابات الرئاسية الاولى واكتسحها فى مواجهة رجل كان يقف فى الاركان يزعم للناس انه المسيح المنتظر، وآخر كان يمارس السباحة ثم تقاعد وتفرغ لادارة محلٍ لبيع الفول والطعمية، وثالث كان اكبر كسبه فى الحياة افتتاح محال لبيع الباسطة والبسبوسة. وليس فى هذا وذاك من صنوف اكتساب العيش ما يقدح فى شخص أحد، بل فيه كل ما يشرف ويزين، ولكن التعرض لمنصب رئاسة الجمهورية له مقتضياته ومؤهلاته الواجبة الاستيفاء، وهى مقتضيات ومؤهلات بالغة التعقيد.وقد واجه زعيم الحزب الحاكم، بعد ذلك، فى دور الانتخابات الرئاسية الثانية رئيسا مخلوعاً قذفت به أمته من اريكة الحكم الى مزبلة التاريخ فعاش بعد ذلك نسيا منسياً يأكل القمح فى حقول الآخرين، ثم عاد ليعيش بين ظهرانى شعب لم يعد يحمل له غير الشفقة. فأى عقل هذا هو الذى يهيئ للعصبة المنقذة ان تبادر بدق المعاطب ورص العوائق امام سياسى مخضرم واستاذ جامعى زكى نفسه لرئاسة الجمهورية، فتحول بينه وبين ممارسة اول حقوقه كمرشح وهو مخاطبة الناخبين؟ اهى الخشية والخوف حقاً وصدقاً، ام هو ضعف البصيرة وغياب الفكر الناضج والافتقار الى الحس السياسى السليم؟! يا انقاذيون: الدين النصيحة. وها انا احتسب عند الله اجر ما امحض من نصح: كانت العرب اذا قاتلت وتغلبت ولم يكن الخصم من ذوى الهيئات اصطنعت له هيئة، واذاعت عنه النعوت الجليلة، وذلك حتى يُستعظم النصر ويستعذب، ويُستحق الفخر ويُستوهب. افسحوا لعبدالله مكانا وافرجوا له فى الصفوف وخلوا بينه وبين شعبه، حتى اذا جاء يوم نصركم وفتحكم واعتلى قائدكم ذرى الحكم مرة ثالثة، واكاد اراه بظهر الغيب متربعاً على السدة يهش بعصاه وينش، كان بوسعكم ان تقولوا بنفسٍ مطمئنة، لنا ولغيرنا من شعوب الارض، بأن النصر قد دان لصاحبكم فى مواجهة سياسيٍ ضليع عرفته عرصات السياسة ذات اليسار وذات اليمين، ومعلمٍ رفيع شهدت له مدارج العلم فى معاهد الشرق ومعاهد الغرب. أذلك خيرٌ، ام ان يقال: فاز فى مواجهة بائعين للطعمية والبقلاوة ومدّعين للنبوة؟! عن صحيفة ( الأحداث ) مقالات سابقة: http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal