تجيء أعمال القمة الافريقية الرابعة والعشرون للاتحاد الافريقي المنعقدة حاليا بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا تحت شعار (عام استقلالية النساء والتنمية في افريقيا..) وسط تحديات تواجه القارة الافريقية في مقدمتها االسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية الى جانب العديد من الاجندة العالقة والمتجددة في الواقع الافريقي. وتأتي هذه القمة التي يشارك فيها رؤساء الدول الافارقة في ظروف لا تزال تعاني فيها القارة الافريقية اثار الحروب وعدم الاستقرار في دول افريقية - كمالي ودولة جنوب السودان الوليدة (قتل فيها ما يزيد على ال150 الف شخص نتيجة الحرب الاهلية وهي الآن عرضة لمجاعة طاحنة حسب ما تشير اليه التقارير الدولية) الى جانب الاوضاع غير المستقرة في كل من افريقيا الوسطى والكنغو وليبيا، وما تعانيه دول افريقية اخرى من اشكالات في السلام والاستقرار كا السودان ونيجريا.. اضافة الى دولة الصومال التي تعمل جاهدة للخروج الى بر سلام في ظل التهديد المستمر من حركة الشباب. القمة الافريقية الرابعة والعشرون فيما اعتمدته من محاور في مقدمتها قضية التنمية تسعى الى مسابقة الزمن تجاه التوقعات الحسابية فيما تنتظره القارة الافريقية من تغيير في النسب بين نمؤ الناتج القومي الاجمالي(GNP) ونسب زيادة السكان مما يشكل تحدي خطير على حياة الدول والشعوب الافريقية.. هذا وتشير التقارير الاممية الى ارتفاع معدلات النمو السكاني في القارة الافريقية الي نحو 2.2% مقارنة ب 1.2% في مناطق اخرى من العالم - كما ان هناك حوالي 34 دوله افريقية من أصل 49 من البلدان الاقل نموا في العالم- ويعيش في افريقيا 315 مليون نسمة (نسبة 39% ) من اجمالي سكان القارة تحت خط الفقر حيث يبلغ دخل الفرد أقل من دولار أمريكي في اليوم ، هذا بالاضافة لاعتماد الاقتصاديات في معظم البلدان الافريقية علي الزراعة بتقلباتها الاقتصادية. الى جانب قضية الفقر تواجه القارة الافريقية ظروف مترتبة نتيجة ذلك ممثلة في الامراض المستوطنة والحديثة ، ويأتي انتشار مرض الايبولا في غرب افريقيا بعد تحوله الى وباء كخطر طارئ لا يزال ينتظر علاجا ضمن التحديات المتجددة التي يواجهها القادة الافارقة في قمتهم. وقد ادى المرض الى شل اقتصاديات عدد من الدول الافريقية كغينيا وليبيريا وسيراليون، ويتوقع أن يؤدي إلى سلبيات جمة في نمو هذه البلدان. هذه القمة تأتي بعد سابقتها (القمة 23 التي انعقدت بملايو –غينيا الاستوائية في يونيو 2014 تحت شعار الفلاحة والامن الغذائي في افريقيا..) في ظل ظروف جديدة وتحديات عديدة لتحقيق شعارها والانطلاق بافريقيا الى رحاب التنمية فضلا عن الآمن الغذائي .. وتشير التقارير الدولية الى الاثر السلبي لحالات عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان الافريقية الى جانب البنية التحتية غير المؤهلة، وضعف مصادر الطاقة التي لايمكن الاعتماد عليها علي المستوي الصناعي الانتاجي، بالاضافة الي محدودية التكامل فيما يتعلق بشبكات النقل والطاقة علي المستوي الاقليمي بين الدول الافريقية،حيث تظل هذه العوامل ايضا معوق اساسي للنمو في القارة الافريقية. شعار القمة عام استقلالية النساء والتنمية في افريقيا.. يأتي كدلالة واضحة للربط بين التنمية التي تحتاجها دول القارة الافريقية والدور المنوط بالمرأة كونها طرف اساسي في معادلة هذه التنمية، حيث تظل القضية الاقتصادية هي المحك الحقيقيي لاي تحول مستقبلي للقارة الافريقية سواء تجاه مشاكلها المزمنة او تحدياتها الماثلة، او طموحاتها للحاق بالدول الاخرى من العالم. وتفيد التقارير الاقتصادية الدولية الخاصة بأفريقيا وتقارير لجنة اللأمم المتحدة الاقتصادية لافريقيا (ECA) أن الاستثمار الاجنبي المباشر هو الحل الامثل للمشكلات الاقتصادية الأفريقية وقد اكدت مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي (WB)علي ان جذب استثمارات اجنبية مباشرة الي افريقيا هو الذي سوف يؤدي الي تنميتها اقتصاديا. تأتي هذه القمة وشعارها في تحقيق التنمية على خلفية الملتقى التاسع ل(منتدى التنمية في أفريقيا)، الذي عقد في شهر اكتوبر الماضي 2014م بمراكش بالمغرب وشارك فيه رؤساء دول وحكومات وخبراء من 56 دولة، حيث اجمع المشاركون في (بيان توافق الآراء)، الذي اصدره الملتقى على إطلاق إمكانات الموارد المحلية لإحداث التحول الهيكلي في أفريقيا، كما الالتزام باستخدام السياسات المالية لمعالجة قضايا الفقر مع تعزيز المساءلة والشفافية، وأداء نظم الإدارة المالية العامة لتحسين توزيع الموارد، وتوفير الهياكل الأساسية الاجتماعية والاقتصادية الضرورية للنمو الاقتصادي المستدام. وشمل بيان توافق الاراء حزمة من الموجهات التي ينبغي على القارة الافريقية الالتزام بها لخلق بيئة اقتصادية معافاة، وظروف اقتصادية مشجعة لجذب الاستثمارات والارتقاء بالاقتصاديات الافريقية وتحقيق التنمية التي تحتاجها البلدان الافريقية. هذا ويشير المراقبون الى اهمية ان تعمل القمة الرابعة والعشرون ضمن الاهتمام المتزايد بقضية التنمية الى الربط بين مختلف العوامل المساعدة في تحقيق هذه التنمية وفي مقدمتها عاملي الاستقرار والسلام، ونقل التوصيات المتعلقة بالنظم الادارية والشفافية الى واقع التطبيق، اضافة الى خلق البيئة السليمة التي تساعد المرأة في اداء وظيفتها كضلع اساسي في التنمية. وتعتبر العدالة وتحقيق الحكم الرشيد المنبثق من النهج الديمقراطي المتفق حوله كذلك مطلب حقيقي في المعادلة الدولية التي تعتبر افريقيا جزء منها.. حيث تحتاج الدول الافريقية الى نوع من التلاقي بين الحكومات والشعوب وخلق بيئات افريقية تتسم بسلام داخلي واحترام خارجي وكلا العاملين يتكاملان في جذب المساعدات والاستثمارات وتحقيق التنمية الحقيقية التي تضعها القمة كشعار. تأتي القمة الافريقية الرابعة والعشرون كذلك وسط المتغيرات السياسية التي لا تزال تترك اثارها على منطقة الشرق الاوسط فيما اصطلح على تسميته بالربيع العربي الذي هب على بعض البلدان العربية – الافريقية .. كليبيا ومصر وتونس. هذا ويفرض الواقع الجديد وما تتركه رياح التغيير في كلا العالمين العربي والافريقي اهمية التنسيق بينهما كضرورة وفرضية ماثلة في كليات القضايا ، حيث ينبغي ان تتسع دائرة التنسيق والتعاون لتشمل مختلف الجوانب ولا يتوقف الامر على التعاون الاقتصادي فحسب، بل التنسيق السياسي الشامل بين الاتحاد الافريقي والجامعة العربية ضرورة ملحة في قضايا العالمين، وذلك عبر اسس متفق عليها ولغة مشتركة تساعد في فهم ما يجري أوما يطرأ من جديد على النطاق السياسي.. وكأجندة مستقبلية وضمن فرضيات الواقع العربي وما احدثه الربيع العربي من ظروف عدم استقرار في بعض البلدان العربية الافريقية ينبغي على القمة الافريقية الرابعة والعشرون ان تضع اسس تنسيق اكثر مرونة مع الآليات العربية التابعة للجامعة العربية وغيرها من المنظمات في كافة الجوانب وخاصة المتعلقة بتحقيق السلام والاستقرار. [email protected]