رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    شاهد بالفيديو.. سخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان من مطرب "تاه" عن "مسرح" الحفل    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع هيئة علماء السودان في مناقشة هادئة بخصوص ترشُّح المرأة لرئاسة الجمهورية (2). بقلم: محمود عثمان رزق
نشر في سودانيل يوم 28 - 01 - 2015

في الحلقة السابقة قلنا إنّ المانعين لولوج المرأة للمناصب الرئاسية على المستوى الاتحادي أو الولائي يخلطون بين مفهوم الترشّح ومفهوم الإنتخاب ومفهوم التولى الفعلي. وقلنا إنّ الترشّح هو عبارة عن رغبة في التولي، وهو حق من الحقوق التي لم يتوفر أي دليلٍ شرعي على منعه لأنَ الأصل في الأشياء الإباحة توسعةً لا تضييقاً. وقلنا أيضاً إنّ الدليل الذي يستدل به المانعون يصلح أن يكون دليلاً –لو سَلِمَ متنه من الطعون– لاصدار فتوى تمنع المسلمين رجالاً ونساء من التصويت لأي امرأة تترشح لرئاسة الجمهورية أو الولاية. وفي هذا المقال سنتعرّض لمتن الحديث لأنّه ينطوى على قضيا دستورية خطيرة ومهمة تحتاج لمعالجات فقهية عاجلة،فلذلك سينصّب جهدي على نقد متن الحديث عن طريق عرض معانيه على القرآن الكريم،واستعراض سياقاته التاريخية والاجتماعية لكي نصل لنتيجة مرضية ومقنعة بخصوص صلاحيته كدليل شرعي للمناعين في فتاويهم التي تخص ترشيح وانتخاب وتولي المرأة.
سند الحديث:
ورد هذا الحديث بروايتين أحدهما صحيحة هي رواية أبو بَكَرة نفيع بن الحارث الثقفي (رض) التي أوردها البخاري في صحيحه، والثانية عن طريق جابر بن سمرة وهي رواية ضعيفة رواه الإمام الطبراني في المعجم الوسيط حيث يقول: "حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم أبو عبيدة قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يفلح قوم يملك أمرهم امرأة ". وفي مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي إن عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة رجلٌ متروك، وبالتالي الحديث ضعيف السند من جهة هذه الرواية. وبالتالي لم يبق للمعارضين إلا دليلٌ واحدٌ صحيح من حيث السند وهو رواية أبي بَكَرة الواردة في صحيح البخاري وغيره.
مناقشة متن الحديث:
1- إنّ حديث أبي بَكَرة الذي رواه البخاري وغيره يعارض ما ذكره القرآن الكريم عن امرأة تسمى بلقيس ملكت اليمن تزامناً مع ملك سيدنا سليمان (ص) لبلاد الشام وقد أثبت القرآن قدرتها الفائقة على إدارة الدولة بحكمةٍ ومهارةٍ ودهاء، فقد قصّ الله تعالى علينا قصتها على لسان الهدهد فقال: (إنّي وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)، فهذا الوصف الدقيق والموجز يدل على قدرة الملكة بلقيس على إدارة الدولة -وهي كافرة لم تؤمن بعد - في عدة جوانب:
- فكونها أوتيت من كل شيء، ففيه دليل على قدرتها على حسن إدارة دفة الدولة فتوفرت في زمانها الخيرات جميعها.
- وكونها تقرأ الخطاب ولم تمزقه كما فعل الملوك الرجال بعدها مع خطابات رسولنا محمد (ص) وتقييم محتواه ثمّ وصفه بأنّه كتاب كريم، يدل على علمها وقدرتها على الفهم والتحليل.
- وكون أركان حربها وقادة جيشها يقفون أمامها بكل انضباط وحزم وعزة ويقولون لها عندما جاءهم خطاب سيدنا سليمان (ص) مهدداً"إنا أولى قوة" ، يدل على خطورة جيشها وقدرتها على إدارة شئون الدفاع والترتيبات العسكرية.
- وكون لها عرش عظيم يدل على هيبتها ومكانتها بين قومها.
- وكونها ترسل لسليمان (ص) بهدية لتقيس نبضه وتسبر غوره يدل على دبلوماسيتها ومكرها وتأنيها في اتخاذ القرارات الصعبة كما في قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).
- وكونها تعرف عرشها بعد أن نُكِّرَ لها وزاده سيدنا سليمان (ص)جلالاً وجمالاً، يدل على قوة ملاحظتها.
- وكونها تسلم لله مع سيدنا سليمان (ص) يدل على رجاحة عقلها وسلامة فطرتها وتواضعها للحق.
- وكون قومها يسلمون معها من غير مقاومة ولا تململ يدل على ثقتهم فيها ومحبتهم لها.
- وكونها تجنب بلادها الحرب وغضب الله تعالى يدل على أنها من الفالحين والفالح بالضرورة يقود غيره للفلاح.
- وكونها تستشير قومها يدل على أنها تحترم الشورى وتحترم قومها وتحترم المؤسسية.
كل هذه القدرات على إدارة الدولة قد أبدتها هذه المرأة وهي كافرة مشركة ومع ذلك نتج عن حكمها لقومها استقرار في السياسة ورخاء في المعيشة في اليمن، وهذا الرخاء والإستقرار ينافي ظاهر حديث أبي بكرة الذي يفيد عموم الخبر الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان وفقاً لقاعدة"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". فهل يعقل أن يكون قد ساء الوضع السياسي والإقتصادي بسبب إيمانها وفقاً لرواية أبي بَكَرة؟ وهل الإيمان بالله ورسوله وأنبيائه ينقص المهارات أم يزيدها؟ فإذا قلتم بل يزيدها، فقد اعترفتم بأنّ مهارات الملكة بلقيس قد زادت بعد الإيمان فأصبحت أكثر آهلية للحكم والعدل بين الناس، وبالتالي تكونوا قد اعترفتم بتناقضٍ صريحٍ بين خبر القرآن الذي أثبت فلاح بلقيس على لسان الهدهد وعموم خبر أبي بَكَرة الذي يثبت لها الخسران (لن يفلح) حتماً مقضيا.!.
2- عندما أسلمت الملكة بلقيس لا شك أنّها أنقذت نفسها وقومها وبلادها من الهلاك الدنيوي والأخروي، فهل يا ترى قد أفلحت بفعلها هذا أم ضلت سواء السبيل؟ إذا قلتم نعم قد أفلحت، فقد اعترفتم مرة أخرى بوجود تعارضٍ صريحٍ بين القرآن الكريم وحديث أبي بكرة. وإن قلتم لم تفلح فقد قلتم على الله شططا لأنّ الله تعالى يقول : "قد أفلح المؤمنون" وهي وقومها قد أصبحوا من المؤمنين وكانت هي السبب في إيمانهم.
3- عندما أسلمت الملكة بلقيس هل جردها سيدنا سليمان (ص) من رئاسة اليمن وتولى هو الرئاسة، أم ردها ملكة مؤمنة على قومٍ مؤمنين؟ فإن قلتم بل ردها مؤمنة إلى مُلكها على قومٍ مؤمنين فقد اعترفتم بأن المرأة يجوز لها حكم قومها بدليل قصة بلقيس هذه وقد رواها القرآن الكريم ولم يذكر شيئاً عن نزع ملكها منها بعد الإيمان، في الوقت الذي ذكر فيه بكل وضوح تغيير عقيدتها من الكفر للإيمان. وإن قلتم بل جردها سليمان (ص) من حكمها فعليكم بالدليل من القرآن ومن كتب علماء التاريخ.
4- هل هناك أي دليل من التاريخ أن سيدنا سليمان (ص) حكم اليمن في عهد بلقيس؟ فإذا لم يوجد دليل تاريخي على حكم سيدنا سليمان لليمن فإذن قد استمرت بلقيس تحكم اليمن بعد اسلامها واسلام قومها عندما (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فاسلامها كان لله مع سليمان فافهم.وقد اكتفى سيدنا سليمان بإيمانها وايمان قومها ولم يتدخل من بعد ذلك في شأنهم السياسي .
5- لو افترضنا ان فرعون مات موتاً طبيعياً وقرر قومه تتويج زوجته السيدة المؤمنة الورعة التقية آسيا بنت مزاحم ملكةً عليهم- كما فعلوا مع زوجات بعض الفراعنة، فهل يا ترى كان سيفلح القوم بتتويجها عليهم أم كانوا سيزدادوا ضلالاً على ضلالهم الذي تركهم عليه فرعون؟فإن قلتم بل سيفلحون وأي فلاح! فقد اعترفتم للمرة الثالثة بأنّ متن حديث أبي بكرة الذي تستندون عليه غير صحيح –وإن صح سنده- لأنّه يثبت الخسران لأي قومٍ يولون أمرهم امرأة، وظاهر الحديث العموم الذي يشمل أقوام الماضي والحاضر والمستقبل وحتى الافتراضات أيضاً. وفي المقابل يقول المنطق: لو تولت آسية بنت مزاحم مُلك الفراعنة لكان خيراً لهم في دينهم من الفرعون الطاغية، ولكن ظاهر الحديث يقول: لو تولت أمرهم آسية المؤمنة لكان حالهم أسوأ مما كانوا عليه أيام فرعون الذي قال لهم "أنا ربكم الأعلى". فهل ستقبلون بمتن حديثٍ يعارض المنطق البسيط رواه رجلٌ واحدٌ أيام فتنة مشهورة؟
6- لقد افترض أبو بَكَرة الثقفي (رض)أن السيدة عائشة (رض) قد تولت أمر معركة الجمل وهذا غير صحيح تاريخياً لأنّها لم تكن القائد الأعلى لجيش المعارضين لعلي (رض)، ولم تكن القائد السياسي للمعارضة السياسية، وإنّما خرجت كشخصية لها وزنها في المجتمع تؤيّد وجهة نظر المخالفين للنظام. فإذن الإستدلال بهذا الحديث قد كان في غير محله، وهذه الطريقة ترمى بظلال الشك على الرواية لأنّ الراوي يعلم تماماً أن عائشة (رض) لم تتولى قيادة الجيش في الميدان،ولم تتولى رئاسة المعارضين مع أنّها كانت ضمن المعارضين الكبار. وأنا شخصياً وبكل صراحة أشم من هذا الحديث رائحة التشيّع الذي يسيء لأم المؤمنين (رض) وأشك في صحة متنه.
7- كيف غاب هذا الحديث عن أم المؤمنين خاصة وغيرها من أمهات المؤمنين (رض)؟!وكيف غاب عن على (رض) وغاب عن كل البدريين الذين قاتلوا في صفه؟ولماذا لم تتحرك واحدة من امهات المؤمنين وتذكّر عائشة (رض) بهذا الحديث؟ ولماذا لم يتحرك واحد من الصحابة البدريين فيذكّر أمه عائشة (رض) بهذا الحديث؟ ولماذا لم يرسل علي (رض) وهو سيّد العارفين لعائشة يذكّرها بهذا الحديث؟
8- هل كان الصحابة المعارضين لعلي (رض) كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير (رض)يعلمون أيضاً بهذا الحديث ومع ذلك قرروا عمداً وبالإجماع أن يلقوا بأنفسهم في التهلكة فيولوا أمرهم إمرأة –تماشياً مع رأي الراوي الذي يرى ولاية عائشة عليهم- وهم يعلمون سلفاً أن عدم الفلاح سينتظرهم بسبب مخالفتهم لأمر رسول الله (ص)؟!!! أي حكمة هذه؟ وأي تحدٍ هذا؟ وأي إيمان هذا؟ إنّ هذا الكلام عميق مبطّن يطعن في إيمان هؤلاء جميعاً بدون استثناء.
9- ماذا تعنى جملة " لن يفلح قوم"؟ فهل عدم الفلاح هنا مقصود به الكفر مقابل قوله تعالى : "قد أفلح المؤمنون" بمعنى قد خسر الكافرون؟ هل يعنى الفسوق؟ هل يعني النفاق؟ هل يعني الضلال؟ هل يعني الإنهيار الإجتماعي والأخلاقي؟ هل يعني الإنهيار السياسي والإقتصادي؟ هل يعني الهزيمة العسكرية؟ ماذا تعني هذه الجملة بالضبط أيها السادة؟ من المعلوم أن السنة قد جاءت لتبيّن أحكام القرآن ومجمله، فهل من المعقول أنّ السنة نفسها تحتاج لتبيين؟ فهل المُبيِّن يحتاج لمُبيِّنٍ آخر؟ وفي هذه الحالة أين تقف عملية التبيين يا ترى؟ ومن المعلوم أيضاً أن لغة القانون والشريعة تكون بعيدة كل البعد عن الغموض وقد رأيناها واضحة وضوح الشمس في القرآن الكريم في مسائل التحريم والتحليل؟ فهل لغة هذا الحديث الغامض تعني التحريم أم الكراهية، أم التنبؤ بزوال فارس، أم مجرد التعليق، أم ماذا؟
10- يُنسب لراوي نفس هذا الحديث حديثاً آخر يناقض أقواله وقناعاته،فقد روى مسلم في صحيحه أن الأحنف بن قيس قال: " ذهبت لأنصر هذا الرجل - يعني علياً بن أبي طالب - فلقيني أبو بَكَرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، فقلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". ومع وضوح هذا النص نجده في الحديث الأول يقول : " ...... كِدتُ أن ألحقَ بأصحابِ الجمل فأُقاتلَ معهم." فكيف يستقيم هذا عقلاً يا ارباب العقول؟ كيف ينهى أبو بكرة غيره عن القتال مع علي (رض) بحجة أنّ "القاتل والمقتول في النار" وفي رواية أخرى يقول : " .... كدت الحق باصحاب الجمل فأقاتل معهم "؟! ومن حقنا أن نسأل أين ذهب حديث "القاتل والمقتول" عندما حدثته نفسه بالقتال مع اصحاب الجمل؟ وحتى رواية "القاتل والمقتول" نجد فيها غرابة وتناقض القرآن والمتواتر من السنة التي تجعل المقتول ظلماً شهيداً مما يدل على غرابة في المرويات المنسوبة لأبي بَكَرة.
11- حديث أبي بَكَرة جاء بألفاظ مختلفة أشهرها ماجاء في صحيح البخاري " لن يُفِلحَ قومٌ ولوا أمرَهُم امرأة "، وفي رواية ثانية : " لا يُفِلحَ قومٌ ولوا أمرَهُم امرأة " وفي رواية ثالثة: " لن يُفِلحَ قومٌ ملّكوا أمرَهُم امرأة " وفي رواية رابعة:" لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة "، وفي رواية خامسة " لن يفلح قوم تملكهم امرأة ". فهل سمع أبو بكرة الحديث من رسول الله (ص) بكل هذه الالفاظ المختلفة؟ أم أنّه روى الحديث بالمعنى حين خانته الذاكرة؟ فإذا قلتم بل سمعه بلفظ واحد، فنقول لكم كيف إذن جاءت هذه الروايات المختلفة والرواية الأصل التي سمعها من رسول الله (ص) كانت واحدة؟ ألا يدل اختلاف الروايات على أنّ الراوي الثقة يمكنه أن يخطئ في النقل والدليل على ذلك أنّ الذين سمعوا من أبي بَكَرة الحديث نقلوه بعبارات مختلفة بالرغم من أنّهم ثقاة.
12- هناك حديث آخر ذكره ابن كثير في البداية والنهاية يذكر فيه أبو بَكَرة أنّ المرأة التي ذُكرت عند رسول الله (ص)هي ملكة سبأ وليست ملكة الفرس وقال فيه: "ذُكرت بلقيس عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: لاَ يُفلِحُ قَومٌ وَلَّوا أَمرَهُم امرَأةً ".فهل المرأة هي ملكة الفرس أم ملكة سبأ؟ وإذا كانت ملكة سبأ كيف يستخدم رسول الله (ص) لغة المضارع التي تفيد الحاضر والمستقبل وقصة ملكة سبأ كانت في الماضي البعيد؟
13- اتفق المؤرخون أن المرأة التي تولت زمام فارس وتناسب حديث أبي بَكَرة هي " بوران دخت" ابنة "كسرى أبرويز" ، وقد دام حكمها سنة وأربعة أشهر، ولكنّهم اختلفوا في تحديد الفترة الزمنية التي تولت فيها حكم فارس، فثلاثة من أئمة علم التاريخ الإسلامي يجعلون ولايتها ضمن أخبار السنتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من الهجرة في زمن عمر بن الخطاب أي بعد (وفاة) النبي صلى الله عليه وسلم ببضع سنوات، وقد أورد ذلك الطبري في "تاريخ الأمم والملوك" والبلاذري في كتابه "فتوح البلدان" وابن كثير في كتابه "البداية والنهاية". فإذا صحّ كلام المؤرخين الثلاثة أنّ ولايتها كانت بعد وفاة الرسول (ص)، فكيف يصل خبر توليها الحكم في أيامه. فالخبر وفقاً للحديث قد وصل رسول الله (ص) قبل توليها العرش ببضع سنوات،فهل هذا يعقل؟
14- في الوقت الذي يُبشر فيه حديث أبي بَكَرة بعدم الفلاح لمن تولى المرأة يذكر المؤرّخون أنّ نفس المرأة التي قيل فيها الحديث كانت حاكمة ناجحة عادلة!! فها هو ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ ) يقول عنها: "لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر، ووضعت ما بقي من الخراج، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر". وقال المقدسي في كتابه "البدء والتاريخ" : " وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر: ( دهقانة يسجد الملوكُ لها *** يُجبى إليها الخراج في الجُرُب )". وقال عنها ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية: "فملّكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور." فماذا تقول هيئة العلماء الأجلاء في هذا التناقض الواضح بين الحديث وعلماء التاريخ الذين تعتمد عليهم الأمة؟
15- يرى بعض العلماء -منهم مفتي جمهورية مصر الحالي - جواز تولي المرأة لمنصب حكم الدولة القومية الحالية، ولكنّهم منعوها من "الولاية العظمى"، وفي رأيي الخاص أنّ هذا لفٌ ودورانٌ المقصود به هو إرضاء الطرفين باعطاء كلٍ منهما نصيباً من الحكم. وكأنّهم يقولون: اعطينا النساء حق الولاية القطرية فلا يسألنّنا عن الولاية الأممية وأنتم أيها الرجال اعطيناكم الولاية الأممية فلا تنازعوا النساء في الولاية القطرية. ونحن من الناحية الفكرية لا نقبل بهذه المساومة السياسية في مسألة فكرية شرعية، ففي نظرنا المسألة يجب أن تناقش على مستوى الدليل الشرعي فإن كان للمرأة حق فيجب أن يُؤتى كل ذي حقٍ حقه كما أمر الله تعالى في شرعه الكريم.
وفي الختام نقول أنّ مسألة اختيار الحاكم هي قضية دستورية وضعها الشرع بيد الشعب بدليل آية الشورى وهي صريحة لا تحتاج لشرحٍ أو تأويل، وأمة محمدٍ (ص) لا تجتمع على ضلالة كما أخبر هو (ص) إذا اتيحت لها الحرية.والحقوق يتساوى فيها الجميع مسلمين وغير مسلمين، رجالاً ونساء، ومن الحقوق التي لجميع المواطنين حق الترشّح، فالكل له حق الترشّح للمناصب السيادية بغض النظر عن دينه أو جنسه، وفي المقابل للناخب حرية الإختيار وفقاً لقناعاته الدينية أو السياسية أو الفقهية أو الحزبية أو أي نوع من الموجهات التي تؤثر على صوته كناخب وفقاً لقاعدة {لكم دينكم وليّ دين}. وهذه القاعدة قاعدةٌ ذهبيةٌ جليلةٌ يمكننا تفريع كثيرٍ من الحقوق عليها، فنقول في أطار الإنتخابات مثلاً: لكم حق وليّ حق، بمعنى أنّ للمرشح حق وللناخب حق، وشرعاً يجب أن يُعطى كل ذي حقٍ حقه. وهكذا قد ثبت لدينا أنّه لا يوجد دليل صريح في القرآن و السنة يمنع المرأة من حق الترشح أو يمنع الناخب من انتخابها أو يمنع المجتمع من توليها. والدليل الوحيد الذي يُعوِل عليه المانعون هو حديث أبي بَكَرة الذي بُنيت عليه سائر الأقوال الفقهية القديمة، ولكن الحديث بالرغم من صحة سنده قد تطرّق لمتنه الشك، واذا تطرق الشك للدليل سقط الاحتجاج به كما يقول علماء أصول الفقه. ويبقى الدليل الراجح والمُعوّل عليه في الإفتاء في هذه القضية التي لا نص فيها هو تلك القاعدة الأصولية التي تقول:"إنّ الأصل في الاشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح يقول بالتحريم".
///////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.