بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] أجاز المجلس الوطنى الأسبوع المنصرم الموازنة العامة لعام 2010م ، و قبل الخوض فى أمر الموازنة العامة ينبغى أن ننبه الجهات المعنية بأهمية أن تقوم ، وبأسلوب سهل بعيداً عن تعقيدات المصطلحات ، بتنوير عامة الشعب السودانى الذين لا يدركون شيئاً عن موضوع الموازنة العامة وأهميتها على فهمها و إستيعاب مؤشراتها، بل إن كثيراً من المثقفين الذين يفهمون ماهية الموازنة العامة لا يفهمون الكثير عن بنودها التى تكتب فى صيغة مصطلحات إقتصادية .. وهم معذورون إن لم يلموا بها لأن المسألة مرتبطة إلى حد كبير بالتخصص فى الدراسة .. فإذا كان هذا هو الحال مع المتعلمين فما بال الذين لم ينالوا حظاً من التعليم يؤهلهم لإستيعاب الموازنة العامة وبنودها ؟.. وآية حرصنا على أهمية إلمام أهل السودان ومعرفتهم بما يعُرف إصطلاحاًُ بالموازنة العامة .. هو أن هذه الموازنة العامة فى الأصل عبارة عن قوائم تحوى أحلام وأشواق كل أهل السودان فى طياتها ، فالأرقام التى ترد ويتم التركيز عليها ماهى إلا أمنيات وآمال يرغب الشعب السودانى فى أن يراها تسعى على قدميها فى حياته ، فهى الرفاهية والأمن والسلام والإستقرار والتطور والمواكبة .. فضلاً عن أن المواطن بوصفه دافع للضرائب فإنه يسهم فى بنود الإيرادات فى الموازنة العامة وهو بالتالى الأحق بمعرفة كيفية التخطيط لتوزيع أمواله دون وصايا ، فالقائمين على أمر الموازنة العامة بدءً من أكبر موظف مروراً بأعضاء المجلس الوطنى حتى أصغر موظف ما هم سوى مستخدمين عند الشعب السودانى ، أى هم خُدّامه لأنه هو الذى يدفع أجورهم ومرتباتهم وإمتيازتهم وبالمقابل فهم يديرون نيابة عنه أمواله ومقدراته ولذا ينبغى أن يُطلع على الطريقة التى تُدار بها أمواله ولن يتم ذلك إلا بتثفيقه وتقديم الموازنة العامة له وفق لغة بسيطة وسهلة حتى يقول رأيه فيها ويقدم مقتراحاته فى شأن يخصه هو أولاً وأخيراً . فإذا تعثر تنفيذ برنامج تنويرى يستهدف الشعب السودانى فإن أضعف الإيمان هو تدريب نواب المجلس الوطنى لينالوا دورات تدريبية فى فهم نقد الموازنة العامة وتشريحها بأسلوب يجعلها موازنة واقعية تلبى أشواق وطموحات الشعب السودانى .. بدلاً من القول أن المجلس الوطنى قد أجاز الميزانية بالإجماع دون توضيح عن الكيفية التى شارك بها النواب حتى تمت الإجازة .. فإذا ضمنوا نجاح الموازنة تكون أحلامهم قد تحققت ولذا فإن نجاح الموازنة وإلى حدٍ معين مسئولية تضامنية ويكون إسهام الشعب عن طريق المؤازرة والقبول ، ويمكن أن نضرب مثلاً بأهمية دور الشعب فى إنجاح الموازنة العامة أن هناك بعض الأهداف لا تتحقق إلا عبر بعض الإجراءات الإقتصادية القاسية التى غالباً ما يكون لها تأثيراً مباشراً على حياة المواطن المعيشية فإذ أشرك المواطن بالإطلاع على الموازنة العامة وإشترك بالنقد البناء لبنودها فإن سلوكه الحياتى الإيجابى وتقبله لهذه الإجراءات القاسية سيُعزز من نجاح الموازنة فى تحقيق أهدافها ، فإطفاء لمبة إضاءة واحدة مثلاً تُعد ترشيداً للإستهلاك فمبال إطفاء آلاف اللمبات ولنقس على ذلك فى مرفق المياه والإستخدام السئ للممتلكات العامة ، فالتعاون العام فى ترشيد إستخدامها يؤدى إلى خفض النفقات والذى يؤدى يدوره إلى زيادة الإيرادات وهكذا يسهم الشعب كله فى نجاح الموزانة العامة فى تحقيق أهدافها . الموازنة العامة هى عبارة عن مشروع تخطيطيى مفصل يشتمل على قائمتين متقابلتين من حيث الشكل ، القائمة الأولى تمثل الإيرادات وهى الأموال التى تحصل نتيجة قيام الدولة أو المؤسسات أو القطاع الخاص بتحصيلها كأرباح أو أموال جاءت نتيجة بيع الفوائض الإقتصادية التى تملكها الدولة والأفراد سواء كان بتأجير الموانئ أو الأراضى أو تأجيرها للشركات الدولية أوالإقليمية أو المحلية لإستخدامها فى الأغراض المختلفة والضرائب والرسوم والجمارك والعائدات من النشاط الزراعى إلى آخره.... ثم القائمة الثانية عبارة عن تخطيط لكيفية إنفاق هذه الإيرادات فى الحياة المختلفة فى البلاد بهدف خدمة الشعب وتعزيز كرامته .. حسب التخصيصات لموازانة العام المقبل والتى نشرتها صحيفة الصحافة فقد بلغت التقديرات في جانب الايرادات العامة، 23 مليارا و 705 مليون جنيه، منها 10 مليارات و 522 مليون جنيه ايرادات بترولية، "بنسبة مساهمة 44.4%"، و11 مليارا و213مليون جنيه ايرادات غير بترولية "بنسبة 47.3%"، بينما بلغت ايرادات المنح مليارا و969 مليون جنيه بنسبة «8.3%»، فى حين بلغت تقديرات الانفاق العام 32 مليار جنيه، منها 21.4 مليار للانفاق الجاري للمركز والولايات و10.6 مليار للتنمية الاتحادية والولائية بعجز مقدر بأكثر من 8 مليارات جنيه. وتضمنت الميزانية زيادة بنسبة 9% في بند الاجور والمرتبات لازالة مفارقات الاجور،وخصصت «6.5» مليار جنيه للامن والدفاع، وللصحة 491.294 مليون جنيه والتعليم 540.963.058 مليون جنيه، والقطاع الزراعي 918.762.867 مليون جنيه. فبقراءة سريعة للموازنة المجازة ومن واقع هذه الأرقام المنشورة أعلاه، فإن الحكومة لا زلت تُغلِّب الإنفاق الحكومى على الإنفاق فى مجال التنمية، فضلاً عن إهمال التعليم والصحة وهما أهم عناصر الدفع بالتنمية فى قطر من الأقطار .. فالتعليم والصحة مجتمعين لم تخصص لهما فى الموازانة سوى ما يعادل 0.04% .. أما تخصيص مبلغ ما يزيد عن الستة مليار جنيه للصرف على الأمن والدفاع وهو ما يزيد عن التخصيص فى مجال التعليم والصحة بخمسة أضعاف فإنه يُؤكد على أهمية إيلاء السلام والإسراع فى تنفيذ إتفاقيات السلام وإستكمال سلام دارفور إهتمام أكبر حتى يقل الإنفاق على شراء الأسلحة والتجيش وتحويل الأموال التى تنفق على عملية إدارة الحروب إلى التنمية وخاصة على أهم ركائزها المتمثلة فى التعليم والصحة .. فشعب يعانى من المرض والجهل لا يستطيع الإضطلاع بأعباء التنمية ، أما فى الجانب الزراعى ، فبشقيها الحيوانى والنباتى تم تخصيص ما يُعادل الثلاث فى المائة لها وهو مايعادل سدس من ما خصص للأمن والدفاع ،وهو مايؤشر على أن مخططينا لا يأبهون لأمر الزراعة رغم أن موارد هذا القطاع تُعد من أهم بنود الموازنة العامة فى جانب الإيرادات ، فضلاً عن أنها من الموارد المتجددة غير الناضبة ، وفى الوقت نفسه كل ماانفقت عليه الدولة كلما كل مازدات قدرته على الإحتفاظ بطاقاته الإنتاجية ، ثم إننا يجب ألا ننسى أن السودان بلدٌ زراعى فى المقام الأول وكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.