وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    والي الخرطوم يشيد بمواقف شرفاء السودان بالخارج في شرح طبيعة الحرب وفضح ممارسات المليشيا المتمردة    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    محمد خير مستشاراً لرئيس الوزراء كامل إدريس    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار في السودان.. إلى أين؟ (9) .. تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود
نشر في سودانيل يوم 08 - 03 - 2015


الحلقة التاسعة.. الطريق إلى المؤتمر الخامس
على عجل استدعى محمد إبراهيم نقد، كارل ماركس محاكماً إيّاه في مقاله ذائع الصيت (كيف حاصر الجمود أفكار ماركس وإنجلس؟). يومها كان نقد يغشى تلك السدرة خلواً من أدوات أو سراج منير، بل وبدأ الأمر وكأنّه استلاف لأزمة الحركة الشيوعية العالمية لتكون هي أزمة الحزب الشيوعي السوداني، إلى جانب أنّه قد إختار الطريق الخطأ، فلو أنه قد طرح.. أن كيف حاصر التكلس الحزب لكان أوفق و لتكشَّف له حينها الكثير !!
تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود
نقد يتحدث إليكم
وبدأ نقد وكأنه بعيد عن تاريخ الحزب الذي قطع بشكل كبير مع حركة الشيوعية العالمية بقيادة الاتحاد السوفييتي ولقد اتينا –آنفاً- على ذكر كيف كان للحزب بذل كبير في إتجاه تطوير الماركسية وغرسها في التربة الوطنية وكذا الحال في عملية التجديد وبالذات بعد أكتوبر 1964م، وهناك وثائق كثيرة مطروحة بشأن التجديد وبإلحاح تام ومنها تحسين مناهج العمل القيادي، حتى إذا جاء خبر سقوط الاتحاد السوفييتي وإنهيار الكتلة الشرقية ترأى للرفاق في الحزب الشيوعي بقيادة محمد إبراهيم نقد أن المأزق هو مأزق الشيوعية العالمية وليس مأزقهم الخاص، "المأزق الذي ورثه وظل يناقشه سقطت الشيوعية أو لم تسقط ".
وضع مقلوب
وصارت المشكلة كما هي مطروحة آتية من العالم وليست من الداخل!! ومن قبلها وفي تصريح لمجلة (شؤون دولية) الباكستانية قال نقد بما يفيد تخليهم عن الماركسية، ولكأن ذلك السقوط الكبير صار مناسبة يصعب تفويتها لركل أفكار ماركس والتحلل من النظرية الماركسية، وفي مقالته تلك حول نقد ماركس وانجلس من واضعين لحجر زاوية إلى طارحي نظرية علمية إشتراكية! وهذا عكس ما قالا به كل من ماركس وانجلس عندما صرَّحا أنهما لا يمتلكان تصوراً علمياً للمجتمع الاشتراكي.
بدء الهجوم
ويقول الأستاذ محمود محمد يس، أن قيادة الحزب الحالية دفعت بالخط الإصلاحي إلى مداه واستدارت به استدارة كاملة نحو الهجوم على النظرية الماركسية نفسها واستبدال المفهوم المادي للتاريخ بمنهج نظري مبتذل لتكريس النظرة الاصلاحية تحت دعوى محاربة الجمود العقائدي.
واستخدام شعار دحض الجمود العقائدي لهدم الماركسية، وبالتحديد المفهوم المادي للتاريخ، أسلوب قديم، ومن كثرة ترديده على مر تاريخ الإشتراكية صار بمثابة كلمة السر (watchword) لذلك الغرض.
يغالط ماركس
فى مقالته (كيف حاصر الجمود العقائدي أطروحات ماركس وانجلز عن الإشتراكية؟) كتب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نُقد يقول: " طرح ماركس وأنجلز أطروحة صوّغ بها نظرية علمية للإشتراكية، ولم يدعيا طوال حياتهما ونضالهما المشترك أنهما صاغا نظرية علمية شاملة مكتملة ونهائية للإشتراكية.... وعندما احتدم الصراع في الحركة الاشتراكية الألمانية والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، طالب أحد قادة ذلك الحزب – ف. لاسال – في ستينات القرن الماضي بوضع برنامج تفصيلي للمستقبل الاشتراكي.
اعترض ماركس وأسس اعتراضه على سببين: الأول – العلم كفيل بإنجاز هذه المهمة في المستقبل استناداً إلى الواقع الملموس والمعطيات الملموسة، والثاني – إن وضع برنامج تفصيلي سيدفع الفكر الاشتراكي للانزلاق في مأزق مفكري الاشتراكية الخيالية" نشير بادئ ذى بدء إلى أن كل اعتراضات ماركس على أفكار لاسال في حياة الآخير أو على آراء أتباعه بعد رحيله في 1864، لم تكن تتركز حول محاولة اللاساليين وضع برنامج تفصيلي للمجتمع الاشتراكي كما ذكر الأستاذ نُقد.
مرحلة الاشتراكية
ووثيقة " "نقد برنامج غوتا، 1875" التي تعتبر أهم ما كتبه ماركس حول تصوره للملامح العامة لمرحلة الاشتراكية، حملت نقداً حاداً على واضعي برنامج غوتا، الذي وضعه اللاساليون للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المؤسس حديثاً، ليس لأنهم استفاضوا في رسم صورة المجتمع الاشتراكي القادم؛ بل بالعكس لأنهم لم يمتلكوا تصوراً علمياً لهذا المجتمع، أو بدقة أكثر لأنهم لم يدركوا أن المجتمع الاشتراكي يختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام الرأسمالي رغم انبثاقه بالضرورة من ذلك النظام. فأتباع لاسال الذين ساروا على نهج أفكار زعيمهم لجأوا للتعابير المجردة في وضع البرنامج مثل القضاء على الاستغلال والمساواة والتوزيع العادل والحقوق الديمقراطية المتساوية للجميع، وحوّلوها لمفاهيم وعقائد جامدة.
سخرية ماركس
وحقيقة، قد سخر ماركس من هؤلاء وأشار لحماقتهم الرامية لتضمين برنامج غوتا تفاصيل محددة حول التوزيع والحقوق المتساوية، الخ، في المجتمع الاشتراكي المستقبلى بناء على تلك المفاهيم الجامدة.
ولكن لم يكن لا لاسال ولا أتباعه طوبائيين بمعنى جنوحهم لخلق تصميم خيالي لنظام اشتراكي آت يحل مكان المجتمع القائم. فبالرغم من أن خطابهم احتوى على بعض التعابير الطوبائية، إلا أن اعتقادهم الراسخ كان هو أن الدولة الألمانية شكَّلت واقعاً مستقلاً عن صراعات المجتمع الشيء الذي يتيح تحت ما اسموه "رقابة الشعب الديمقراطية" القضاء "على كل تفاوت اجتماعي".؛ فقد كانوا اصلاحيين. ولهذا كان برنامج غوتا، رغم تضمينه تعابير طوبائية، أدنى من مشاريع الاشتراكيين الخياليين في مطلع القرن التاسع عشر. فأفكار الاشتراكيين الطوبائيين العباقرة: شارل فورييه، وروبرت أوين، وسان سيمون جاءت تعبيراً لمرحلتهم المتسمة بعدم نضوج نظام الإنتاج الرأسمالي؛ وتمثل قصورهم الأساسي في فصلهم الميكانيكي بين الحاضر والمستقبل لتأثرهم لحد بعيد بالفلسفة المادية الميكانيكية التي سادت أوربا آنذاك.
كُنْه الواقع
فهؤلاء الاشتراكيون لم يتمكَّنوا من إدراك الكنه الحقيقي للواقع. ولهذا لم ينظروا للمستقبل كامتداد عضوي للحاضر، بل كانت تصوراتهم له تقديرية وذاتية. فالمجتمع الاشتراكي للطوبائيين جاء يحمل رغباتهم وتمنياتهم وأحلامهم الشخصية، وتم تصميمه كمخطط (blueprint) في غياب تام لتحليل الواقع الحياتي وكمثل أعلى يوجد في الخيال خارج سياق التاريخ وفوق قوانين تطور المجتمع.
ضجيج الطوبائيين
وكذلك لفصل الحاضر عن المستقبل لم يفهم الطوبائيون على عاتق أى الفئات الاجتماعية تقع مهمة تحقيق الإشتراكية، وراحوا يخاطبون كل طبقات المجتمع ويدعونها إلى تشجيع مشروعاتهم المستقبلية. ولكن من ناحية تاريخية كانت إضافة أؤلئك الاشتراكيين كبيرة، إذ أنهم أول من انتقل من مفهوم "العقد الاجتماعي"، لتوماس هوبس وجون لوك وجان جاك روسو لكبح جماح الرأسمالية وتحقيق العدالة الخالدة، إلى فكرة الاشتراكية التي عنت لهم أن التخلص من شرور الراسمالية يكمن في القضاء على النظام الراسمالي نفسه وإقامة الاشتراكية. فقد ربطوا قيام مجتمع المستقبل الأكثر عدالة (كما تصوروها!) بزوال المكونات الاقتصادية (economic categories) للراسمالية مثل الربح والمنافسة وحتى الملكية الخاصة، كما في حالة سان سيمون.
طبيعة الصراع الطبقي
وهكذا حملت أفكارهم بذور جميع النظريات التي جاءت بعدهم. وإذا جاءت أفكارهم مشوهة، إلا أنه لم يكن فى الإمكان أن تكون غير ذلك لأنها عكست الواقع المشوَّه عندما كانت الراسمالية ضعيفة وتشّكل وتكّون الطبقة العاملة في بداياته. فهذا الواقع أدى لعدم إدراكهم لكنه وطبيعة الصراع الطبقي فى ذلك النظام كصراع مبني على المصلحة الاقتصادية، وفشلهم في استنتاج الدور التاريخي للطبقة العاملة.
نواصل النظر في مقالة الأستاذ نُقد، ونجده في موقع آخر منها، وتحت دعوى محاربة ما اسماه بالجمود الذي قال: إنه حمل تصوراً "خاطئاً، فحواه أن الماركسية حولت الاشتراكية إلى نظرية علمية شاملة مكتملة"، نجده يدعو إلى مراجعة النظرية الماركسية. فهو يقول " فالتحرر من قبضة الجمود والصراع ضده في كافة أشكاله التقليدية أو المستحدثة ليس عملية فرز شكلية تستبعد الستالينية "والعودة للأصول" – أي لأفكار ماركس وانجلز أو لينين، واعتبارها النظرية العلمية الشاملة والمكتملة للاشتراكية "والكلمة الأخيرة" في كتابها. هذا جمود في ثوب جديد. الانعتاق من قيد الجمود يعني الدراسة الناقدة للفكر الاشتراكي منذ نشأته – قبل الماركسية وما عاصرها وما تلاها من إسهام مفكرين كثر، كان أبرزهم لينين كمفكر وقائد ثورة ورجل دولة، وما تسهم به مدارس اشتراكية معاصرة متعددة المشارب والرؤى."
المفهوم المادي للتاريخ
بالطبع هذا الرأي يستهدف إنكار أنّ مذهب ماركس يشمل مفاهيم نظرية أساسية لا تمثل قوانين موضوعية عامة فحسب، بل لأنها ولأول مرة قدمت مقياساً علمياً وموضوعياً لتحليل الظواهر الاجتماعية، تتمثل في المفهوم المادي للتاريخ. وهذا المفهوم المادي للتاريخ نسف كلياً الطريقة الذاتية في علم الاجتماع التي أفلست تماماً، حتى بعد "المحسنات" التي أدخلت عليها من بعد.
وبعكس أصحاب الجمود الذي يعترف الأستاذ نُقد في نفس المقال أنه " تأثَّر به، وأخذ ببعض مسلماته"، فإن موضوعات المفهوم المادي للتاريخ ليست قوانين ثابتة وجامدة، بل هي فقط مرشد للعمل. فهذه النظريات الأساسية (mainstays) التى وضعها ماركس، ما هي إلا تعميماً للمعرفة المكتسبة من تحليل نظام الإنتاج الراسمالي في مرحلة معينة من تطوره (مرحلة المزاحمة الحرة).
الماركسية تتطور إلى أعلى
وأهمية هذه المعرفة النظرية تمليها عدة أسباب. أولاً: أصبحت هذه المعرفة نقطة الارتكاز والأساس الذي ينطلق منه عمل المنهج لدراسة ظاهرة أو موضوع ما، واكتشاف القوانين الموضوعية التي تتحكم في حركة مجتمع ما، أو بلد ما لحظة دراستها.
ولهذا، فإن النظرية الماركسية نظرية متطورة دائماً إلى الأعلى والأرقى، فالمكتشفات العلمية لا تتوقف وهي تضيف على الدوام إلى النظريات المحققة قبلا- فتغنيها وتوسع من نطاق شموليتها. ثانياً: تمنح النظرية الأدوات الضرورية لمتابعة البحث بصورة متماسكة(consistent) . ثالثاً: تقوم النظرية بإنارة الطريق أمام البحث وذلك ليس بتحديد القضايا (issues)المتعلقة بالموضوع تحت الدراسة فحسب، بل باعطاء المؤشرات لحلها- إذ كيف تحل تلك المسائل إذا لم يمتلك الباحث نظرية؟. ولكن هذه القضايا لا تحل فلسفيا أو نظريا- بل عن طريق الممارسة التي ترتبط بالنظرية في كل واحد بعلاقة عضوية وجدلية. ولهذا صار المفهوم المادي للتاريخ سلاحاً في يد العمال لاستيضاح القوانين الطبيعية التي يخضع لها وجود وتطور وزوال النظام الراسمالي، وشروط تغييره والاستعاضة عنه بالنظام الاشتراكي.
مراجعة الماركسية
ويخلص يس إلى أن الدعوة لمراجعة الماركسية، كما طرحها الأستاذ نُقد، لا تقود إلا إلى التجريبية، وموقف النقد التجريبي (empirio-criticism) الذي ساد في القرن العشرين مستهدفاً خلط المادية والمثالية تحت دعاوى خلق تيار فلسفي جديد يتلآءم مع متغيرات العصر. ظهر النقد التجريبي بنشر بعض الفلاسفة الروس، على نطاق واسع، لأفكار ارنست ماش الوضعية في روسيا مطلع القرن العشرين. وتم تكريس الأفكار التجريبية في شكل الوضعية الجديدة (neo-positivism) التى أسست لها حلقة فينا الفلسفية (Vienna circle) في العام 1922. ولقد كان الهدف الحقيقي للنقد التجريبي هو إخفاء وتجاوز الخطين الأساسين في الفلسفة الذين تمثلهما المادية والمثالية؛ فمنذ بدايات القرن العشرين كان هدف هذا التيار، محاربة المادية الجدلية والمادية التاريخية والترويج لتجريبية مبتذلة وبرقماتيه فجة تتيه فى عوالم النظريات المبنية على التجريد الخالص، والمنعزلة عن الواقع، والتى تنزع لاخفاء تناقاضات المجتمع. إن المزج بين المادية والمثالية يقود فى النهاية إلى خليط آراء فلسفية(hotchpotch philosophy) منتهيا إلى موقف المثالية. وكمثال لفجاجة هذا الخلط نجد بعض المفكرين والفلاسفة الذين يتبنونه يراهنون على ثبات النظام الراسمالي، بل أن بعضهم خلص إلى خرافة أن هذا النظام هو نهاية التاريخ كما فعل فوكوياما، وأزمة هؤلاء تنبع من إنكارهم للنظرة التاريخية ووقوفهم عند حدود المنطق الشكلي والجدل المثالي "الهيجلي" - وبالتالي عدم مقدرتهم على فهم حقيقة الظواهر التي يدرسونها. وما هدف منطقهم هذا إلا خدمة الأهداف العسكرية والاقتصادية لفئات معينة.
نقد مرة أخرى
في ختام مقالته، يقدم الأستاذ نُقد تصوراً عاماً لعملية تجديد رؤى الفكر الاشتراكي وترقية مناهجه وذلك بتأكيده على " العلاقة العضوية الوثيقة بين الفكر الاشتراكي وحركة العاملين والدفاع عن مصالح العاملين والكادحين والمسحوقين في النضال السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن أجل أن يتحرر الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، وأن ما يحقق ذاته وإنسانيته، إنتاجاً وإبداعاً ومسئولية تضامنية عن مصير المجتمع الإنساني." هذا الرأي يدعو للتساؤل عن ما هو الجديد الذي يحمله؟ أليس يعكس شيئاً غير تلك النزعة الاصلاحية القديمة؟ وأليس-فى ضوء ما ذكرنا- يقدم مشروعاً أدنى من تصورات الإشتراكية الطوبائية؟ أليست تعابيره المجردة، مثل تحرير الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، ما هي إلا تابوهات (taboos) تنطوي على آيدولوجية شائخة وجامدة؟ وأليس مفرداته مفردات مبهمة ورطانة لا تعني شيئاً لجماهير الكادحين مقارنة بالخطاب الصحيح الذي يستهدف طبيعة الاستغلال والحلول الموضوعية للقضاء عليه؟
خواء نظري
وفي تناوله للمناقشة العامة التي انتظمت الحزب منذ مطلع التسعينيات يقول يس: أن الحزب ليس تنظيما للتقديس أو ناديا للجدل النظري وأن قيادة الحزب الشيوعي السوداني حولت الحزب إلى منتدى لمناقشة عامة مستمرة منذ 1990 وحتى الآن تحت شعار تجديد فكر وبرنامج ولائحة الحزب؛ مناقشة لمدة ستة عشر عاما!! وشعار تجديد الحزب يخفي في ثناياه ما يخفى؛ فالحزب الماركسي الجاد يستهدف تطوير (ونعتقد أن كلمة تطوير أنسب من تجديد) أفكاره على حسب المعارف التي يكتسبها في مجرى النشاط العملي ومن دراسة الواقع المادي المستهدي بالمفهوم المادي للتاريخ، وليس في ضوء التنظير الأجوف والجدال الفارغ الذي لا طائل من ورائه. ولا يمكن أن يكون هدف هذه المناقشة طويلة الأجل غير تحويل الحزب إلى جسم لا حياة فيه.
إن معظم أعضاء الحزب مناضلين مخلصين ولجوا صفوف الحزب لإيمانهم بالماركسية وهم جزء أساسى من جماهير اليسار في السودان، و تحدوهم رغبة أكيدة في أحداث التغيير.
ولكن خط الحزب المتسم بالاضطراب الفكري والخواء النظري، الذي أدى للجمود والمواقف الخاطئة، جعل تلك العضوية بلا فعالية تذكر؛ ولهذا فأن دحر هذا الخط الذي يغل يدهم، ولا بواكى له. يجب أن لا يحول الأعضاء المخلصين الحزب إلى أيقونة مقدسة، فقط لأنه يرفع شعار الماركسية.
الحلقة القادمة.. واستبدلوا الكلم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.