شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد.. تفاصيل القصة التي أثارت ضجة واسعة.. بمهر قيمته 3 مليار دفعوها مناصفة فيما بينهم.. ثلاثة من أفرد الدعم السريع يتزوجون فتاة حسناء بولاية الجزيرة ويعاشرونها بالتناوب تحت تهديد السلاح    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    الحراك الطلابي الأمريكي    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    نهب أكثر من 45 الف جوال سماد بمشروع الجزيرة    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار في السودان.. إلى أين؟ الحلقة التاسعة.. الطريق إلى المؤتمر الخامس
نشر في الراكوبة يوم 08 - 03 - 2015

على عجل استدعى محمد إبراهيم نقد، كارل ماركس محاكماً إيّاه في مقاله ذائع الصيت (كيف حاصر الجمود أفكار ماركس وإنجلس؟). يومها كان نقد يغشى تلك السدرة خلواً من أدوات أو سراج منير، بل وبدأ الأمر وكأنّه استلاف لأزمة الحركة الشيوعية العالمية لتكون هي أزمة الحزب الشيوعي السوداني، إلى جانب أنّه قد إختار الطريق الخطأ، فلو أنه قد طرح.. أن كيف حاصر التكلس الحزب لكان أوفق و لتكشَّف له حينها الكثير !!
تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود
نقد يتحدث إليكم
وبدأ نقد وكأنه بعيد عن تاريخ الحزب الذي قطع بشكل كبير مع حركة الشيوعية العالمية بقيادة الاتحاد السوفييتي ولقد اتينا –آنفاً- على ذكر كيف كان للحزب بذل كبير في إتجاه تطوير الماركسية وغرسها في التربة الوطنية وكذا الحال في عملية التجديد وبالذات بعد أكتوبر 1964م، وهناك وثائق كثيرة مطروحة بشأن التجديد وبإلحاح تام ومنها تحسين مناهج العمل القيادي، حتى إذا جاء خبر سقوط الاتحاد السوفييتي وإنهيار الكتلة الشرقية ترأى للرفاق في الحزب الشيوعي بقيادة محمد إبراهيم نقد أن المأزق هو مأزق الشيوعية العالمية وليس مأزقهم الخاص، "المأزق الذي ورثه وظل يناقشه سقطت الشيوعية أو لم تسقط ".
وضع مقلوب
وصارت المشكلة كما هي مطروحة آتية من العالم وليست من الداخل!! ومن قبلها وفي تصريح لمجلة (شؤون دولية) الباكستانية قال نقد بما يفيد تخليهم عن الماركسية، ولكأن ذلك السقوط الكبير صار مناسبة يصعب تفويتها لركل أفكار ماركس والتحلل من النظرية الماركسية، وفي مقالته تلك حول نقد ماركس وانجلس من واضعين لحجر زاوية إلى طارحي نظرية علمية إشتراكية! وهذا عكس ما قالا به كل من ماركس وانجلس عندما صرَّحا أنهما لا يمتلكان تصوراً علمياً للمجتمع الاشتراكي.
بدء الهجوم
ويقول الأستاذ محمود محمد يس، أن قيادة الحزب الحالية دفعت بالخط الإصلاحي إلى مداه واستدارت به استدارة كاملة نحو الهجوم على النظرية الماركسية نفسها واستبدال المفهوم المادي للتاريخ بمنهج نظري مبتذل لتكريس النظرة الاصلاحية تحت دعوى محاربة الجمود العقائدي.
واستخدام شعار دحض الجمود العقائدي لهدم الماركسية، وبالتحديد المفهوم المادي للتاريخ، أسلوب قديم، ومن كثرة ترديده على مر تاريخ الإشتراكية صار بمثابة كلمة السر (watchword) لذلك الغرض.
يغالط ماركس
فى مقالته (كيف حاصر الجمود العقائدي أطروحات ماركس وانجلز عن الإشتراكية؟) كتب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نُقد يقول: " طرح ماركس وأنجلز أطروحة صوّغ بها نظرية علمية للإشتراكية، ولم يدعيا طوال حياتهما ونضالهما المشترك أنهما صاغا نظرية علمية شاملة مكتملة ونهائية للإشتراكية.... وعندما احتدم الصراع في الحركة الاشتراكية الألمانية والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، طالب أحد قادة ذلك الحزب – ف. لاسال – في ستينات القرن الماضي بوضع برنامج تفصيلي للمستقبل الاشتراكي.
اعترض ماركس وأسس اعتراضه على سببين: الأول – العلم كفيل بإنجاز هذه المهمة في المستقبل استناداً إلى الواقع الملموس والمعطيات الملموسة، والثاني – إن وضع برنامج تفصيلي سيدفع الفكر الاشتراكي للانزلاق في مأزق مفكري الاشتراكية الخيالية" نشير بادئ ذى بدء إلى أن كل اعتراضات ماركس على أفكار لاسال في حياة الآخير أو على آراء أتباعه بعد رحيله في 1864، لم تكن تتركز حول محاولة اللاساليين وضع برنامج تفصيلي للمجتمع الاشتراكي كما ذكر الأستاذ نُقد.
مرحلة الاشتراكية
ووثيقة " "نقد برنامج غوتا، 1875" التي تعتبر أهم ما كتبه ماركس حول تصوره للملامح العامة لمرحلة الاشتراكية، حملت نقداً حاداً على واضعي برنامج غوتا، الذي وضعه اللاساليون للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المؤسس حديثاً، ليس لأنهم استفاضوا في رسم صورة المجتمع الاشتراكي القادم؛ بل بالعكس لأنهم لم يمتلكوا تصوراً علمياً لهذا المجتمع، أو بدقة أكثر لأنهم لم يدركوا أن المجتمع الاشتراكي يختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام الرأسمالي رغم انبثاقه بالضرورة من ذلك النظام. فأتباع لاسال الذين ساروا على نهج أفكار زعيمهم لجأوا للتعابير المجردة في وضع البرنامج مثل القضاء على الاستغلال والمساواة والتوزيع العادل والحقوق الديمقراطية المتساوية للجميع، وحوّلوها لمفاهيم وعقائد جامدة.
سخرية ماركس
وحقيقة، قد سخر ماركس من هؤلاء وأشار لحماقتهم الرامية لتضمين برنامج غوتا تفاصيل محددة حول التوزيع والحقوق المتساوية، الخ، في المجتمع الاشتراكي المستقبلى بناء على تلك المفاهيم الجامدة.
ولكن لم يكن لا لاسال ولا أتباعه طوبائيين بمعنى جنوحهم لخلق تصميم خيالي لنظام اشتراكي آت يحل مكان المجتمع القائم. فبالرغم من أن خطابهم احتوى على بعض التعابير الطوبائية، إلا أن اعتقادهم الراسخ كان هو أن الدولة الألمانية شكَّلت واقعاً مستقلاً عن صراعات المجتمع الشيء الذي يتيح تحت ما اسموه "رقابة الشعب الديمقراطية" القضاء "على كل تفاوت اجتماعي".؛ فقد كانوا اصلاحيين. ولهذا كان برنامج غوتا، رغم تضمينه تعابير طوبائية، أدنى من مشاريع الاشتراكيين الخياليين في مطلع القرن التاسع عشر. فأفكار الاشتراكيين الطوبائيين العباقرة: شارل فورييه، وروبرت أوين، وسان سيمون جاءت تعبيراً لمرحلتهم المتسمة بعدم نضوج نظام الإنتاج الرأسمالي؛ وتمثل قصورهم الأساسي في فصلهم الميكانيكي بين الحاضر والمستقبل لتأثرهم لحد بعيد بالفلسفة المادية الميكانيكية التي سادت أوربا آنذاك.
كُنْه الواقع
فهؤلاء الاشتراكيون لم يتمكَّنوا من إدراك الكنه الحقيقي للواقع. ولهذا لم ينظروا للمستقبل كامتداد عضوي للحاضر، بل كانت تصوراتهم له تقديرية وذاتية. فالمجتمع الاشتراكي للطوبائيين جاء يحمل رغباتهم وتمنياتهم وأحلامهم الشخصية، وتم تصميمه كمخطط (blueprint) في غياب تام لتحليل الواقع الحياتي وكمثل أعلى يوجد في الخيال خارج سياق التاريخ وفوق قوانين تطور المجتمع.
ضجيج الطوبائيين
وكذلك لفصل الحاضر عن المستقبل لم يفهم الطوبائيون على عاتق أى الفئات الاجتماعية تقع مهمة تحقيق الإشتراكية، وراحوا يخاطبون كل طبقات المجتمع ويدعونها إلى تشجيع مشروعاتهم المستقبلية. ولكن من ناحية تاريخية كانت إضافة أؤلئك الاشتراكيين كبيرة، إذ أنهم أول من انتقل من مفهوم "العقد الاجتماعي"، لتوماس هوبس وجون لوك وجان جاك روسو لكبح جماح الرأسمالية وتحقيق العدالة الخالدة، إلى فكرة الاشتراكية التي عنت لهم أن التخلص من شرور الراسمالية يكمن في القضاء على النظام الراسمالي نفسه وإقامة الاشتراكية. فقد ربطوا قيام مجتمع المستقبل الأكثر عدالة (كما تصوروها!) بزوال المكونات الاقتصادية (economic categories) للراسمالية مثل الربح والمنافسة وحتى الملكية الخاصة، كما في حالة سان سيمون.
طبيعة الصراع الطبقي
وهكذا حملت أفكارهم بذور جميع النظريات التي جاءت بعدهم. وإذا جاءت أفكارهم مشوهة، إلا أنه لم يكن فى الإمكان أن تكون غير ذلك لأنها عكست الواقع المشوَّه عندما كانت الراسمالية ضعيفة وتشّكل وتكّون الطبقة العاملة في بداياته. فهذا الواقع أدى لعدم إدراكهم لكنه وطبيعة الصراع الطبقي فى ذلك النظام كصراع مبني على المصلحة الاقتصادية، وفشلهم في استنتاج الدور التاريخي للطبقة العاملة.
نواصل النظر في مقالة الأستاذ نُقد، ونجده في موقع آخر منها، وتحت دعوى محاربة ما اسماه بالجمود الذي قال: إنه حمل تصوراً "خاطئاً، فحواه أن الماركسية حولت الاشتراكية إلى نظرية علمية شاملة مكتملة"، نجده يدعو إلى مراجعة النظرية الماركسية. فهو يقول " فالتحرر من قبضة الجمود والصراع ضده في كافة أشكاله التقليدية أو المستحدثة ليس عملية فرز شكلية تستبعد الستالينية "والعودة للأصول" – أي لأفكار ماركس وانجلز أو لينين، واعتبارها النظرية العلمية الشاملة والمكتملة للاشتراكية "والكلمة الأخيرة" في كتابها. هذا جمود في ثوب جديد. الانعتاق من قيد الجمود يعني الدراسة الناقدة للفكر الاشتراكي منذ نشأته – قبل الماركسية وما عاصرها وما تلاها من إسهام مفكرين كثر، كان أبرزهم لينين كمفكر وقائد ثورة ورجل دولة، وما تسهم به مدارس اشتراكية معاصرة متعددة المشارب والرؤى."
المفهوم المادي للتاريخ
بالطبع هذا الرأي يستهدف إنكار أنّ مذهب ماركس يشمل مفاهيم نظرية أساسية لا تمثل قوانين موضوعية عامة فحسب، بل لأنها ولأول مرة قدمت مقياساً علمياً وموضوعياً لتحليل الظواهر الاجتماعية، تتمثل في المفهوم المادي للتاريخ. وهذا المفهوم المادي للتاريخ نسف كلياً الطريقة الذاتية في علم الاجتماع التي أفلست تماماً، حتى بعد "المحسنات" التي أدخلت عليها من بعد.
وبعكس أصحاب الجمود الذي يعترف الأستاذ نُقد في نفس المقال أنه " تأثَّر به، وأخذ ببعض مسلماته"، فإن موضوعات المفهوم المادي للتاريخ ليست قوانين ثابتة وجامدة، بل هي فقط مرشد للعمل. فهذه النظريات الأساسية (mainstays) التى وضعها ماركس، ما هي إلا تعميماً للمعرفة المكتسبة من تحليل نظام الإنتاج الراسمالي في مرحلة معينة من تطوره (مرحلة المزاحمة الحرة).
الماركسية تتطور إلى أعلى
وأهمية هذه المعرفة النظرية تمليها عدة أسباب. أولاً: أصبحت هذه المعرفة نقطة الارتكاز والأساس الذي ينطلق منه عمل المنهج لدراسة ظاهرة أو موضوع ما، واكتشاف القوانين الموضوعية التي تتحكم في حركة مجتمع ما، أو بلد ما لحظة دراستها.
ولهذا، فإن النظرية الماركسية نظرية متطورة دائماً إلى الأعلى والأرقى، فالمكتشفات العلمية لا تتوقف وهي تضيف على الدوام إلى النظريات المحققة قبلا- فتغنيها وتوسع من نطاق شموليتها. ثانياً: تمنح النظرية الأدوات الضرورية لمتابعة البحث بصورة متماسكة(consistent) . ثالثاً: تقوم النظرية بإنارة الطريق أمام البحث وذلك ليس بتحديد القضايا (issues)المتعلقة بالموضوع تحت الدراسة فحسب، بل باعطاء المؤشرات لحلها- إذ كيف تحل تلك المسائل إذا لم يمتلك الباحث نظرية؟. ولكن هذه القضايا لا تحل فلسفيا أو نظريا- بل عن طريق الممارسة التي ترتبط بالنظرية في كل واحد بعلاقة عضوية وجدلية. ولهذا صار المفهوم المادي للتاريخ سلاحاً في يد العمال لاستيضاح القوانين الطبيعية التي يخضع لها وجود وتطور وزوال النظام الراسمالي، وشروط تغييره والاستعاضة عنه بالنظام الاشتراكي.
مراجعة الماركسية
ويخلص يس إلى أن الدعوة لمراجعة الماركسية، كما طرحها الأستاذ نُقد، لا تقود إلا إلى التجريبية، وموقف النقد التجريبي (empirio-criticism) الذي ساد في القرن العشرين مستهدفاً خلط المادية والمثالية تحت دعاوى خلق تيار فلسفي جديد يتلآءم مع متغيرات العصر. ظهر النقد التجريبي بنشر بعض الفلاسفة الروس، على نطاق واسع، لأفكار ارنست ماش الوضعية في روسيا مطلع القرن العشرين. وتم تكريس الأفكار التجريبية في شكل الوضعية الجديدة (neo-positivism) التى أسست لها حلقة فينا الفلسفية (Vienna circle) في العام 1922. ولقد كان الهدف الحقيقي للنقد التجريبي هو إخفاء وتجاوز الخطين الأساسين في الفلسفة الذين تمثلهما المادية والمثالية؛ فمنذ بدايات القرن العشرين كان هدف هذا التيار، محاربة المادية الجدلية والمادية التاريخية والترويج لتجريبية مبتذلة وبرقماتيه فجة تتيه فى عوالم النظريات المبنية على التجريد الخالص، والمنعزلة عن الواقع، والتى تنزع لاخفاء تناقاضات المجتمع. إن المزج بين المادية والمثالية يقود فى النهاية إلى خليط آراء فلسفية(hotchpotch philosophy) منتهيا إلى موقف المثالية. وكمثال لفجاجة هذا الخلط نجد بعض المفكرين والفلاسفة الذين يتبنونه يراهنون على ثبات النظام الراسمالي، بل أن بعضهم خلص إلى خرافة أن هذا النظام هو نهاية التاريخ كما فعل فوكوياما، وأزمة هؤلاء تنبع من إنكارهم للنظرة التاريخية ووقوفهم عند حدود المنطق الشكلي والجدل المثالي "الهيجلي" - وبالتالي عدم مقدرتهم على فهم حقيقة الظواهر التي يدرسونها. وما هدف منطقهم هذا إلا خدمة الأهداف العسكرية والاقتصادية لفئات معينة.
نقد مرة أخرى
في ختام مقالته، يقدم الأستاذ نُقد تصوراً عاماً لعملية تجديد رؤى الفكر الاشتراكي وترقية مناهجه وذلك بتأكيده على " العلاقة العضوية الوثيقة بين الفكر الاشتراكي وحركة العاملين والدفاع عن مصالح العاملين والكادحين والمسحوقين في النضال السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن أجل أن يتحرر الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، وأن ما يحقق ذاته وإنسانيته، إنتاجاً وإبداعاً ومسئولية تضامنية عن مصير المجتمع الإنساني." هذا الرأي يدعو للتساؤل عن ما هو الجديد الذي يحمله؟ أليس يعكس شيئاً غير تلك النزعة الاصلاحية القديمة؟ وأليس-فى ضوء ما ذكرنا- يقدم مشروعاً أدنى من تصورات الإشتراكية الطوبائية؟ أليست تعابيره المجردة، مثل تحرير الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، ما هي إلا تابوهات (taboos) تنطوي على آيدولوجية شائخة وجامدة؟ وأليس مفرداته مفردات مبهمة ورطانة لا تعني شيئاً لجماهير الكادحين مقارنة بالخطاب الصحيح الذي يستهدف طبيعة الاستغلال والحلول الموضوعية للقضاء عليه؟
خواء نظري
وفي تناوله للمناقشة العامة التي انتظمت الحزب منذ مطلع التسعينيات يقول يس: أن الحزب ليس تنظيما للتقديس أو ناديا للجدل النظري وأن قيادة الحزب الشيوعي السوداني حولت الحزب إلى منتدى لمناقشة عامة مستمرة منذ 1990 وحتى الآن تحت شعار تجديد فكر وبرنامج ولائحة الحزب؛ مناقشة لمدة ستة عشر عاما!! وشعار تجديد الحزب يخفي في ثناياه ما يخفى؛ فالحزب الماركسي الجاد يستهدف تطوير (ونعتقد أن كلمة تطوير أنسب من تجديد) أفكاره على حسب المعارف التي يكتسبها في مجرى النشاط العملي ومن دراسة الواقع المادي المستهدي بالمفهوم المادي للتاريخ، وليس في ضوء التنظير الأجوف والجدال الفارغ الذي لا طائل من ورائه. ولا يمكن أن يكون هدف هذه المناقشة طويلة الأجل غير تحويل الحزب إلى جسم لا حياة فيه.
إن معظم أعضاء الحزب مناضلين مخلصين ولجوا صفوف الحزب لإيمانهم بالماركسية وهم جزء أساسى من جماهير اليسار في السودان، و تحدوهم رغبة أكيدة في أحداث التغيير.
ولكن خط الحزب المتسم بالاضطراب الفكري والخواء النظري، الذي أدى للجمود والمواقف الخاطئة، جعل تلك العضوية بلا فعالية تذكر؛ ولهذا فأن دحر هذا الخط الذي يغل يدهم، ولا بواكى له. يجب أن لا يحول الأعضاء المخلصين الحزب إلى أيقونة مقدسة، فقط لأنه يرفع شعار الماركسية.
الحلقة القادمة.. واستبدلوا الكلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.