سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولاياتالمتحدة [email protected] الاحساس البديهى الذى ينتاب الانسان العادى غير المختص فى الشأن الاقتصادى عندما يقرأ عن تدنى قيمة عملة أو ارتفاعها بأن هناك أمرا جلل أصاب هذه العملة فى حالة هبوط أسعارها مقارنة بعملات أخرى أو خيرا وفير منحها عافية تناطح بها بقية العملات فى حالة ارتفاع قيمتها. ولكن فى الحقيقة الأمر ليس بهذه البساطة حيث ظللت أطالع الاخبار المقطضبة بالصحف السيارة بالسودان التى تنبأ بارتفاع أو انخفاض عملة معينة مع اضافة جملة أو جملتين فى ذلك الخبر المنشور ترمز الى ضعف العملة فى حالة الانخفاض وقوتها فى حالة ارتفاعها مقارنة ببقية العملات وهذا هو التبسيط الساذح الذى يجب علينا تجنبه خصوصا عندما نكتب عن العملات والعملة التى دوما تكون موضع الاشارة والمقارنة هى الدولار(أو الدولار الأمريكى بالأخص) مقارنة بالعملات العالمية الأخرى. انخفاض قيمة الدولار الأمريكى فى هذه الايام له انعكاسات كثيرة ولكنها ليست بالضرورة سيئة أو جيدة وحسناتها أوسيئاتها تعتمد على نوع الفئة التى تتحدث اليها, حيث اذا تحدثت مع المستورد الامريكى تجده يجأر بالشكوى من ضعف العملة وبالتالى ارتفاع تكلفة الاستيراد التى تضطره الى رفع أسعار سلعته المستوردة ليحقق هامش الربح المرتجى وخصوصا شركات المساهمة العامة حيث لابد لها من تحقيق الارباح التى وعدت بها المستثمر مالك الأسهم والذى أشترى تلك الأسهم مستندا على تنبآت تلك الشركة بتلك الأرباح. انخفاض أو تدنى قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى يثير قلق المستثمر والذى يبعده أو لايشجعه على الاحتفاظ بنسبة كبيرة من السيولة بغرض الاستثمار, وبدلا عن الاستثمار فى العملة نفسها يتجه المستثمر الى اقتناء السندات الحكومية والتى لها ثقل وثقة أكبر لأنها مضمونة من قبل الحكومة الأمريكية ممثلة فى وزارة الخزانة. أما بالنسبة للبنوك فهناك نوعان: النوع الأول وهى البنوك الكبرى أو المركزية والمدعومة من قبل الدول (ولنأخذ الصين مثالا) فتتجه تلك البنوك الى شراء الدولار فى حالة انخفاضه لأن لها من السيولة والموارد التى تمكنها من الانتظار فترة أطول قبل أن تعود قيمة الدولار الى الارتفاع وبالتالى تحقيق أرباح عالية وكما ذكرت الصين تنتهج تلك السياسة مدمجة مع سياسة شراء السندات الحكومية والاسهم العامة وبالتالى ملف الصين الاستثمارى فى أمريكا متنوع وقوى. أما فى حالة البنوك الأصغر أو التى لاتحتمل وضع سيولتها فى استثمار طويل المدى فتتجه الى التخلص من الدولار والاستثمار فى عملات أكثر ربحا أو استقرارا كاليورو. فى نفس الوقت تجد أن الشركات المنتجة والتى تصنع منتجاتها داخل الولاياتالمتحدة (على قلتها لأن معظمها تم ترحيله الى مناطق العمالة الرخيصة) تجدها من المستفيدين من تدنى قيمة الدولار مقارنة بالعملات العالمية لأن ذلك يتيح لها ببيع منتجاتها باسعار أقل وذلك لقلة تكلفة الانتاج التى سببها تدنى قيمة الدولار وبالتالى يمكنها من تحقيق هامش الربح وباسعار أقل مكنتها منه فرق العملة بين الدولار والعملات العالمية. أما من الناحية الأستراتيجية فضعف الدولار ليس بالأمر الذى يحبذه المخططيين لما له من تأثير وصدى يسبب اهتزاز الثقة فى اقتصاد الولاياتالمتحدة. كما يعلم الجميع أن الاقتصاد العالمى يعتمد على توفر الثقة التى تشجع المستثمر من شراء الاسهم أو بناء المصانع والشركات فى الدولة مستندا على المعلومات التحليلية التى توفرها المؤسسات المالية والمحلليين والهيئات الاستشارية وبيوتات الخبرة والتى لن تعطى التقرير الايجابى عن الاقتصاد الأمريكى أذا لم تكن هناك اشارات تدل على عافية الاقتصاد وضمن تلك الاشارات قوة العملة. اذا لم تكن العملة مستقرة القيمة فان التقرير عن الاقتصاد الأمريكى سيكون به من السلبيات التى تجعل المستثمر يتردد أو يتجه بامواله الى أسيا أو أوروبا. أما من الناحية السياسية فأن ادارة الرئيس أوباما (أو أى ادارة مهما كان نوعها) ترى ضعف أو تدنى قيمة الدولار كثغرة تمكن أعدائهم السياسيين من اختراقها للنيل منهم بغض النظر عما اذا كانت تدنى قيمة الدولار لها ايجابيات وحتى لو كانت وقتية ولذلك اتجاه الادارات دوما ينصب حول تقوية الدولار بسياسات اقتصادية وحيوية تساعده على استعادة عافيته. ادارة أوباما وحتى هذه اللحظة التزمت السياسة العامة لدعم الدولار ولكن فى نظر أغلب المحلليين لم تأتى بسياسات وخطوات واضحة توضح منهجها وتصورها لما تريد بشان تأرجح العملة ولكنها ليس لها خيار فى رأى المحلليين دون طرح تلك السياسات ومعظم التكهنات تشير الى أن انشغال الرئيس بالأزمة الاقتصادية الحالية ومعركة اصلاحات قطاع الرعاية الصحية والتأمين الصحى هما مايؤخران طرح تلك السياسات ونحن فى انتظار ما ستسفر عنه تلك السياسات. أما بما يختص بصحفنا فأتمنى أن يكلف كاتبى الأخبار أنفسهم قليل من الاجتهاد بتوضيح مختصر (وليس مختزلا) لتقريب الصورة للقارئ أو على الأقل تمليك القارئ الحقيقة مزودة بالمعلومات ليتسنى للقارئ الحكم بنفسه وكما نعلم أن القارئ أذكى بكثير مما يتصور بعض الكتاب والله المستعان.