قال الزول الساي ، الما بقعد ساي ، وما بسكت ساي : زمان ، عندما كنا صغاراً في حي النصر بمدينة كوستي ، ما كان في خدامين ولا خدامات ولا يحزنون ! الناس الكبار كانوا متخصصين في إصدار أوامر المراسيل للأولاد الصغار ، وما أن تقع عين الكبير على الصغير حتى يصيح : (ياود جيب موية سريع) ، (يا ود امشي الدكان جيب كبريتة وما تتأخر) ، (يا ود امشي الدكان جيب زيت) ، (يا ود امشي الجزارة جيب جقاجق)! (ياود تعال شيل العنقريب ده مع اختك وطلعو بره) ! وهكذا كانت تتوالى أوامر المراسيل آناء الليل وأطراف الليل بلا توقف! كنت أكره المراسيل بشدة وأتعمد عدم قضاء أي مرسال حتى لو أدى ذلك إلى ضربي بكل خراطيش الحي! ذات مرة ، طلبت مني والدتي الذهاب إلى الدكان وإحضار كربونات لأغراض فرك الخدرة وكده واعطتني بقشيشاً صغيراً لزوم ضمان الطاعة، ذهبت إلى الدكان، اشتريت طحنية بقروش الكربونات والبقشيش ثم أكلتها وأنا في طريقي إلى البحر لصيد السمك ، عدت إلى البيت بعد المغرب وليس في يدي كربونات ولا يحزنون وبالطبع اخدت علقة ساخنة من والدي ولكن تصميمي على تكسير أوامر المراسيل إزداد بشدة إلى درجة أن والدتي كانت تقول من وقت لآخر: (والله الود ده لو قتي ليهو أمش البحر جيب موية يجيك لاوي قدومو ويقول ليك : موية مافي)! ذات مرة سافرت مع والدتي لمدينة عطبرة أثناء الإجازة المدرسية ، بعد يوم واحد من وصولنا إلى هناك ، أصدر الكبار أمراً مرسالياً قاطعاً (يا ود شيل ربع العيش دا وامشي دققو في طاحونة فرج)! رفضت تنفيذ الأمر وتشاجرت مع الجميع فاعطوني علقة ساخنة وعندها قمت باستخدام سلاح الحجارة على نطاق واسع وحطمت زجاج عدة فضيات وعندما تدخل أحد الأخوال واعطاني علقة ساخنة أخرى، تسلقت أسطح البيوت واستخدمت سلاح المنجنيق الحجري في قذف الأعداء الكبار ، استمرت معركة ربع العيش عدة أيام بلياليها ولم تُكتب لها النهاية إلا بعد أن قام أحد أخوالي بتسفيري من عطبرة إلى مدينة كوستي مع بوليس السكة حديد كمجرم حرب صغير، ما إن وصلت إلى مدينة كوستي ورأيت والدي في المحطة حتى قلت له: أبوى ناس عطبرة كسرو ضهري بي شيل العيش! من المعروف أن أولاد المغتربين لا يقضون أي مراسيل خارج المنزل إما لتوفر الخدامين والخدامات أو لتوفر السيارات أو لتوفر خدمات المناولة في المطاعم والبقالات ، كما أن أولاد المغتربين لا يقومون بقضاء أي مراسيل داخل المنزل نظراً لانشغالهم بحل الواجبات أو اللعب في الآيبادات! في هذا العصر والأوان لا أذكر أنني قمت بإصدار أي أمر مرسالي لإبني سامي أو إبنتي سارة لكن المفارقة الكبرى هي أنني لاحظت أنني أقوم من وقتٍ لآخر بتنفيذ بعض الأوامر المرسالية التي تكتبها زوجتي على ورقة المراسيل لكن مع قليل من النقنقة طبعاً حتى أثبت لنفسي ، على الأقل، أنني ما زلت عدو المراسيل رقم واحد! فيصل الدابي/المحامي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.