كان الوقت ليلا وكنت خارجا من المسجد بعد صلاة العشاء، وفجأة أضاءت الدنيا أمامنا ولمحت في قطعة سكنية خالية بجوار المسجد نارا كانت هي مصدر الضوء، تصاعد لهبها الى عنان السماء وكاد ان يلامس اسلاك الكهرباء الممتدة في الهواء بين الاعمدة الإسمنتية، وكان الاشخاص الذين تصادف وجودهم من نفس الحي لا يستغربون لهذا المنظر العادي بالنسبة لهم، ولما رأوا استغرابي قال لي احدهم : عادي هذه النار عادية جدا وهي يشعلها اهالي الحي لإحراق وابادة اكوام الاوساخ والزبالة (النفايات) التي تتجمع في هذه القطعة الخالية نظرا لتفادي توالد الذباب والقضاء على المخلفات والاوساخ حتى لا يعبث فيها الأطفال والأغنام ومنعا من بعثرتها وتشتتها وسط الحي وتشوه المنظر، ولكن هي ليست ظاهرة حضارية او صحية فقد تؤدي تلك النيران الى كارثة حين تشتد الرياح وربما تناثرت هنا أو هناك، فضلا عن الدخان الكثيف والرائجة الكريهة التي تنبعث منها. هذه صورة سوداء قاتمة لبيئة السكن في احيائنا الشعبية والراقية على حد سواء. والسبب هو الاهمال الدائم الكارثي من قبل السلطات المناط بها عملية النظافة ونقل تلك المخلفات التي تتراكم بشكل كبير يصعب معه التحكم فيها والتعامل معها مسببة اشكاليات صحية كبيرة من توالد للذباب وربما الحشرات الضارة الاخرى مثل الديدان وغيرها من الطفيليات التي قد تسبب الامراض المعدية. وتتصدر الاخبار في الصحف ونشرات الاخبار في الفضائيات تصريحات براقة من مسئولي النظافة مثل اصحاح البيئة ونقل النفايات والعمل على تحسين اوضاع البيئة، ولكن في ارض الواقع نجد غير ذلك، تعالوا معي نمسح أي منطقة بمساحة صغيرة في وسط الخرطوم لنرى نسبة النظافة فيها ونسبة تطبيق شعار (اصحاح البيئة)، للأسف نسبة ضئيلة جدا ستكون المحصلة، أما في المناطق السكنية الشعبية فحدث ولا حرج. نحن في (الفردوس) نعيش ظروف بيئية قاسية الى حد كبير، ما شاء الله البيوت أخر طراز، لكن البيئة المحيطة لا توحي لك بأن تلك المناطق يسكنها ناس، وبمعنى أصح فهي غير مناسبة او لائقة لسكن بني البشر، بل حتى للحيوان الاعجم، ناهيك عن الانسان الناطق الذي بح صوته وجف مداد قلمه من مر الشكوى، فكم من مسئول عن تحصيل مال ما يسمى بالنفايات قوبل من اهل الحي والسكان بأقسى عبارات النقد والشكوى، وأمر الانتقادات لتلك الادارات المعنية بالأمر والتي تتبع وتقع تحت دائرة ما يسمى بهيئة نظافة ولاية الخرطوم. لكي نكون منصفين فان الوضع جد خظير ويحتاج الى جهد كبير نظرا لكبر حجم وضخامة وجسامة المهمة، فنظافة الخرطوم التي تمددت مناطقها السكنية والعمرانية وتشعبت وتداخلت، تحتاج بالفعل الى مجهودات جبارة وتكاتف كل من الجهد الرسمي والشعبي، وعلى هيئة النظافة ان تضع خطة محكمة لانجاز تلك المهمة الكبيرة، والامر الذي يصعب المسألة هو ان العمل يحتاج الى متابعة ومراقبة لصيقة وتواصل في بذل المجهود وأي تقصير في الانجاز والأداء تنعكس اثاره السلبية المدمرة على البيئة وكل المجودات والانجازات السابقة. وعلى مجالس الاحياء أو اللجان الشعبية التكاتف مع هيئة النظافة لمراقبة عمليات النظافة والتبليغ عن أي تقصير او تهاون في تنفيذ الخطة المرسومة من قبل الهيئة، وعليها ايضا حض وحث الشباب على القيام بحملات نظافة دورية داخل الاحياء السكنية يشارك فيها كل قادر من سكان الحي، ولكي تكون هناك منافسة بين الاحياء السكنية نقترح على هيئة نظافة ولاية الخرطوم رصد جوائز تقديرية تقدم بشكل دوري الى افضل وانظف حي في المناطق السكنية لاذكاء روح التنافس الشريف بين الاحياء وبث وتبني ونشر ثقافة المشاركة في اعمال النظافة والترتيب داخل الاحياء السكنية. ونشر اسماء الاحياء التي تنال تلك الجوائز التقديرية وتسليط الضوء عليها في الاعلام المقروء والمسموع والمرئي وتكريم مجموعات الشباب المساهمة في تلك الأعمال الشعبية تشجيعا لهم على مواصلة المجهودات المتعلقة باصحاح واصلاح البيئة وترقية أعمال النظافة داخل الأحياء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////