المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مفهوم اسلامى للدولة المدنية .. بقلم: د. صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 17 - 03 - 2015

د. صبري محمد خليل /أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
دلالات مصطلح الدولة المدنية: لكل مصطلح دلالات (معاني) متعددة : فهناك دلالته العامة اى المصطلح كمفهوم نظري مجرد ، وهناك دلالته الخاصة اى ما يكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا، وهناك دلالته المشتركة اى المعنى الذي تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج( بصرف النظر عن أوجه الاختلاف بينها) ، وهناك دلالته المنفردة اى المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين ، وبالتالي تتعدد بتعدد هذه الفلسفات والمناهج. فإذا تناولنا مصطلح الدولة ألمدنيه نجد أن له دلاله عامه- مشتركه تتمثل في الدولة المدنية كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج ، ومضمونها الدولة التي تقوم على إسناد السلطة السياسية للشعب، وبالتالي فان السلطة فيها نائب ووكيل عنه ، له حق تعيينها ومراقبتها وعزلها، وهى نقيض للدولة الثيوقراطيه (الدينية بالمعنى الغربى) التي ينفرد بالسلطة السياسية فيها فرد أو فئة دون الشعب ، كنتيجة لازمه لانفراد هذا الفرد أو الفئة بالسلطة الروحية ( الدينيه ) دونه .كما أن له دلاله خاصة تتمثل في تطبيق مفهوم الدولة المدنية في واقع اجتماعي معين زمانا، ومكانا ومثال لهذه الدلالة الدولة المدنية فى المجتمعات الغربية، الدولة المدنية فى المجتمعات المسلمة...أما دلالته المنفردة فهي المعنى الذي تفهمه فلسفه ومنهج معرفه معينين من مصطلح دوله مدنيه ومثالها المفهوم الليبرالي للدولة المدنية ، المفهوم الاسلامى للدولة المدنية..
المواقف المتعددة من الدولة المدنية:
الرفض المطلق (التقليد): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه الوقوف عند أصول الدين وفروعه. وهو موقف يقوم على الرفض المطلق للدولة المدنية اى رفض كافه دلالات مصطلح الدولة المدنية بحجة انها جميعا تتناقض مع الإسلام.
القبول المطلق (التغريب): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية ، وبالتالي فهو يقوم على القبول المطلق للدولة المدنية، اى قبول كافه دلالات مصطلح الدولة المدنية اى دلالته العامة المشتركة السابق ذكرها، ودلالته الخاصة المنفردة ومثالها الدولة المدنية كجزء من الليبرالية كفلسفة ومنهج و نظام شامل للحياة ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة ،علمانى في موقفه من الدين، فردى في موقفه من المجتمع، راسمالى في موقفه من الاقتصاد...، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون. و جوهر الدعوة إلى الدوله المدنية طبقا لهذه الدلالة في مجتمع اسلامى هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الاسلاميه (التي تشكل الهيكل الحضاري لهذا المجتمع)، بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب.
وهنا نلاحظ إن الموقف الأول من الدولة المدنية اى الرفض المطلق لها كان أساسا رد فعل لهذا الموقف. وهكذا فان الموقفين السابقين رغم تناقضهما فإنهم يشتركون فى جعل العلاقة بين الدولة المدنية والإسلام هي علاقة تناقض .
الموقف النقدي (التجديد) : ويقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة) التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.و بالتالي فإن هذا الموقف يتجاوز موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق إلى موقف نقدي من الدوله المدنية يقوم على التمييز بين الدلالات المتعددة لمصطلح الدوله المدنية ، فالإسلام لا يتناقض مع الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الدوله المدنية ممثله في إسناد السلطة للشعب ، وان السلطة نائب ووكيل عنه ، له حق تعيينها ومراقبتها وعزلها.
فالفلسفة السياسية الاسلاميه قائمه على جمله من المفاهيم الكلية التي لا تتناقض مع هذه الدلالة ، كإسناد ألحاكميه اى السيادة (السلطة المطلقة) لله تعالى استنادا الى مفهوم التوحيد ﴿ ... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ( يوسف: 40) ، واستخلاف الجماعة (الشعب) في الأمر اى السلطة (ممارسه السيادة فى زمان ومكان
معينين) استنادا الى مفهوم الاستخلاف، ومن ادله ذلك تقرير القران ان الأمر اى السلطة شورى بين المسلمين ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، وكذلك عموم الاستخلاف في القرآن ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ ( فاطر: 39).وكذلك جاء تعريف علماء الإسلام للبيعة متسقا مع كون السلطة فى الدوله المدنية نائب ووكيل عن الشعب له حق تعينها ومراقبتها وعزلها جمله يقول القاضي الباقلاني ( إن الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام وحدود وأمور شرعها الرسول وقد علم الأمة بها وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمة عليها خلعة والاستبدال به متي اقترف ما يوجب خلعة)(جلال الدين السيوطي والمحلى، تفسير الجلالين ، ص 188) ويعرف الماوردي البيعة بأنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)ويقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ) (المارودي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).
.أما الدلالة الخاصة المنفردة لمفهوم الدوله المدنية ، اى ما اكتسبه المفهوم من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع مجتمع معين، والذي تنفرد بفهمه فلسفات ومناهج معرفه معينه ومثالها المفهوم الليبرالي للدولة المدنية، كما جرى تطبيقه فى واقع المجتمعات الغربيه، فان الموقف النقدي منها يقوم على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضهما.
أما المفهوم الاسلامى للدولة المدنية كمثال للدلالة المنفردة لمفهوم الدوله المدنية فيتمثل فى إسناد السلطة السياسية - التي عبر عنها القران بمصطلح الأمر- إلى الجماعة (الشعب) ﴿ وأمرهم شورى بينهم﴾، بما يتسق مع إسناد السلطة الروحية او الدينية- التي عبر عنها القران بمصطلح الامر بالمعروف والنهى عن المنكر - اليها ﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾ ، وبما يتسق مع رفض الإسلام السلطة انفراد فرد أو فئة بالسلطة الدينية أو الروحية دون الجماعة ، اى الكهنوتية أو رجال الدين ﴿ واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله﴾
الدوله المدنية ومشكله العلاقة بين الدين والدولة:إن مشكله علاقة الدين بالدولة تم تناولها من خلال ثلاثة حلول:
أولا: الثيوقراطيه ( الدوله الدينية) : الحل الأول يقوم على الخلط بين الدين والدولة،وجعل العلاقة بينهم علاقة تطابق، هو ما يلزم منه انفراد فرد او فئة بالسلطة السياسية دون الشعب ، كنتيجة لازمه لانفراد هذا الفرد أو الفئة بالسلطة الروحية ( الدينيه ) دونه . ومن ممثلي هذا الحل نظريتي الحكم بالحق الالهى والعناية الالهيه ، وفى الفكر الإسلامي تقاربان مذهب الاستخلاف الخاص، اى أن الحاكم ينفرد دون الجماعة بالاستخلاف عن الله في الأرض، وهو مذهب قال به بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين ، وقال به الشيعة في حق ألائمه من أحفاد على (رضي الله عنه). غير أن الاستخلاف الخاص كما سبق ذكره مقصور على الأنبياء، وبختم النبوة ووفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا النوع من أنواع الاستخلاف . كما أن هذا الحل يودى إلى تحويل المطلق عن قيود الزمان والمكان (الدين) إلى محدود بالزمان والمكان نسبى فيهما(الدولة أو السلطة) أو العكس ، اى تحويل ما هو محدود بالزمان والمكان نسبى فيهما (الدولة) إلى مطلق ، اى إضفاء قدسيه الدين و اطلاقيته على البشر واجتهاداتهم المحدودة بالزمان والمكان النسبية فيهما، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهى ثابت والاجتهاد ككسب بشرى ، كما أن هذا الحل مرفوض من الإسلام لأنه يرفض إسناد السلطة الدينية أو الروحية إلى فرد أو فئة تنفرد بها دون الجماعة ، فهذه السلطة (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) مخوله بموجب الاستخلاف العام للجماعة﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾
ثانيا: العلمانية: الحل الثاني يقوم على فصل الدين عن الدولة، اى فصل السلطة الروحية (الدينية) عن السلطة السياسية ، واهم ممثل له العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحولت إلي تيار فكرى معين ، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي أقامه نظام علماني في موقفه من الدين ،فردى في موقفه من المجتمع ، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة. كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون. ومضمون وهنا نلاحظ انه بالاضافه إلى أن هذا الحل لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الاسلاميه بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماءإلى الحضارة الغربية وهو مضمون التغريب كما سبق ذكره.
ثالثا: مدنيه السلطة ودينيه التشريع : والحل الإسلامي يقوم على أن علاقة الدين بالدولة هى علاقة وحدة وارتباط (لا خلط او تطابق )، فهو يقوم على دينيه التشريع وليس السلطة كما فى الثيوقراطيه، وتمييز (لا فصل) ، اى مدنيه السلطة وليس التشريع كما في العلمانية.
فهي علاقة وحده وارتباط (لا خلط وتطابق)- دينيه التشريع - لان السلطة في الإسلام مقيده بقواعد كليه ، مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعي الدلالة ، لا يباح تجاوزها، تسمى باصطلاح القران الحدود، إذ هي القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها. ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( البقرة: 229) : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ .(البقرة187).كما أنها علاقة تمييز( لا فصل)- مدنيه السلطة- لان الإسلام- كما سبق ذكره- ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير، قال تعالى ﴿ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾. ثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب قوله (صلى الله عليه وسلم) (إذا حاصرت حصناً سألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك) ولما كتب الكاتب بين يدي عمر بن الخطاب(رضى الله عنه) حكماً حكم به فقال (هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر) فقال( لا تقل هذا، ولكن قل هذا ما راى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) .
مقارنه مع المفهوم الليبرالي(العلماني) للدولة المدنية: وهنا يجب تقرير أن المفهوم الليبرالي للدولة المدنية يقوم - استنادا إلى مفهوم القانون الطبيعي - على إسناد السلطة والسيادة - والتقنين والتشريع- للشعب، فهو لا يميز - بخلاف المفهوم الاسلامى - بين السيادة والسلطة والاجتهاد والتشريع يقول جون لوك (سلامة الشعب هي السنّة العليا، مبدأ عادل أساسي لا يضِّل مَن أخذ به بأمانة قط". ويجب أن تهدف "القوانين إلى غرض واحد أخير، هو خير الشعب ... ولا يحق للسلطة التشريعية ولا ينبغي لها أن تُسَلم صلاحية وضع القوانين لأية هيئة أخرى أو تضعها في غير الموضع الذي وضعها الشعب فيه قط) (في الحكم المدني، ص 235 وص225).
موقف بعض المفكرين الإسلاميين: وقد عبر عدد من المفكرين الإسلاميين المعاصرين عن الموقف الاسلامى الصحيح من الدوله المدنية ، والقائم على ان الدوله الاسلاميه مدنيه السلطة دينيه التشريع، وإنها لبست علمانيه أو ثيوقراطيه دينيه بالمفهوم الغربي.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي ( فالدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا رأي كفرًا بَوَاحًا عنده من الله برهان. أما الدولة الدينية "الثيوقراطية" التي عرفها الغرب في العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين، الذين يتحكَّمون في رِقاب الناس وضمائرهم أيضًا باسم "الحق الإلهي" فما حلُّوه في الأرض فهو محلول في السماء، وما ربطوه في الأرض فهو مربوط في السماء؟ فهي مرفوضة في الإسلام، وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي، إنما فيه علماء دين، يستطيع كل واحد أن يكون منهم بالتعلُّم والدراسة، وليس لهم سلطان على ضمائر الناس، ودخائل قلوبهم، وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق، بل كثيرًا ما يُهضَمون ويُظلَمون، ومن ثَمَّ نُعلنها صريحة: نعم.. للدولة الإسلامية، ولا ثم لا.. للدولة الدينية "الثيوقراطية) (موقع الدكتور يوسف القرطاوى).
ويقول أسامة حافظ معبرا عن راى الجماعة الاسلاميه فى مصر فى مفهوم الدوله المدنية (... فالدولة المدنية بمعناها الغربي الذي يفصل الدين عن الدولة ومؤسساتها وإدارتها ويقصر دوره على المساجد وتنظيم العلاقة بين العبد وربه ليست مصطلحا إسلامياً ولا يعبر عن مضمون مقبول. أما الدولة المدنية إن كانت بمعني أن الدولة لها مؤسسات يتولي إدارتها الأكفأ من أهل العلم بها وإن الشريعة الإسلامية هي المرجعية التي تدار بها مؤسسات الدولة فإن الدولة المدنية تكون اصطلاحاً وقبولا إسلامياً. فنحن ندعم الدولة المدنية بالمعني المضاد لديكتاتورية رجال الدين والحكم بالحق الإلهي ونرفض الدولة المدنية بمعني استبعاد الدين عن المرجعية لمؤسسات الدولة وقوانينها)(موقع الجماعة الاسلاميه فى مصر).
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.