"بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    وزير الخارجية : لا نمانع عودة مباحثات جدة وملتزمون بذلك    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    معظمهم نساء وأطفال 35 ألف قتيل : منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة    قرار بانهاء تكليف مفوض العون الانساني    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    عقار يؤكد سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار في السودان إلى أين؟! (13) .. تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود
نشر في سودانيل يوم 22 - 03 - 2015


وجاء الخامس.. الحلقة الثالثة عشرة
ثم دنا الخامس وتدلى، وازدحم الأُفق بالرايات الحمر للقادمين والقدامى، ولفح الطائفتين نفحة الأمل بأن اللحظة التأريخية التي طالما سيطرت على مخيلتهم بأن يستعيد الحزب دوره وبريقه وسطوته صارت قاب قوسين أو أدنى. وراود الناس شعور خلق من ماء الأمل الدافق أن الحزب الذي تقلب طويلا بين اليأس والرجاء بات وشيكا من طي سرادق العزاء التي انتصبت صواريها بعد محنة يوليو 1971م. وجاء كل يحمل رؤاه لمستقبل الحزب أو ينتظر ما تسفر عنه عقول القيادة، وتباينت البضائع التي نزلت بمرافئ الخامس، إلا أنهم حلموا جميعا أن تنفخ روحا في جسد الحزب لتطوى مرحلة الحفاظ عليه إلى الأبد، ليخرج إلى الناس شاهرا سلاحه ورؤاه وأفكاره، فمنها البضاعة الباهظة الثمن، المتسقة تأخذ من الماضي العبر لاعتبارات الحاضر ورؤى المستقبل، ومنها المزجاة البادية الفقر والهشاشة، كأن أساطينها أشبه بآل بوربون لم يتعلمون شيئا، ولا ينسون شيئا، ولا يغفرون شيئا!!
تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود
أزمنة متغيرة
وأظهرت الأقدام تخطو إلى قاعة الصداقة حيث الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الخامس الذي طال انتظاره لأكثر من أربعين عاما، أظهرت- بلسان حالها- بعض ما كان مخبوءا بالصدور، ولم تفصح عنه الألسن، وربما الأعين. فمنهم من جاء يسعى على قدمين حثيثا، ومنهم من جاء يمشي على أربع، قدميه الاثنتان، ومعززاً بعكازتين يتوكأ عليهما، أو محمولا على كرسي متحرك، ولعل تلك الحالة كانت تقارب حالة تقاطعات الأفكار، وتبايناتها في أروقة الحزب.
لكن تجليات الصراع لم تكن صراع نواصي أو أقدام طبيعية أو صناعية، لكنه كان صراع إرادات بالدرجة الأولى ولتحويل تلك الإرادة إلى فعل جاء كل يحمل كسبه.
فمهنم من جاء متوشحا بوسام المحافظة على جسد الحزب بعد ضربة يوليو القاسية، بل وبعد زلزال انهيار الاتحاد السوفيتي المدمر، ومنهم من جاء لا يحمل سوى فكره، وليس ذنبه أنه لم يكن قد ولد عندما نزلت الكارثة برأس الحزب. ولما كان صراع العقائد يلقي بثقله على الحزب، فمنهم من جاء حاملا ماركس على رأسه، ومنهم على عنقه ثم تفاوتت الدرجات حتى سحقه البعض تحت قدميه بلا رحمة.
ولعل إحدى تجليات الأحلام، أنها تستعيد الأمل واستعادة الأمل فاتحة شهية، وراحت المطالب تستبق الامكانات، سيما وأن البعض الذي أخذته النشوة في النقاشات التي استقبت المؤتمر تصور أن الأحلام ليست بعيدة عن التحقيق.
وتأولوا قول ماركس الشهير إن (الإنسان هو الذي يصنع تاريخه)، لكنهم تغافلوا عن عمد أو من دونه البقية أن ذلك يحدث (في الإطار المادي والموضوعي الذي يحيط به وهو يصنع ذلك التاريخ).
لكن الحالة الثورية التي سادت جعلتهم يظنون أن ذلك ممكنا حتى بالقفز فوق الحقائق المادية والموضوعية.
سيطرة جهاز المتفرغين
وزاد من عمق الأزمة أن الغالبية العظمى من عضوية اللجنة المركزية جاءت من صفوف ممن يمكن تسميتهم ب(المثقفين الثوريين)، والقلة المتبقية من العمال والفلاحين، وهؤلاء المثقفون يغرقون دائما في الجدل، وسرعان ما يختلفون في الوسائل والأهداف، ومن ثم ترتيب جدول الأولويات. وأسهم بقاء أؤلئك الأعضاء في مقاعدهم لأكثر من أربعين عاما لضرورات يمكن أن تكون مقدرة في بطء الاستجابة لمشاريع التجديد، والتطوير، وتعمقت الأزمة أكثر بسيطرة جهاز المتفرغين الذي تمدد بصورة لم يسبق لها مثيل داخل مفاصل الحزب،
وفرض إجراءات تأمين ومراقبة بالغة الصرامة تجاوزت حتى إجراءات الرقابة الأمنية الحكومية- نفسها- حتى ضاقت المواعين الحزبية كما شكا ولا يزال يشكو بعض أعضاء الحزب في دائرة نقاشاتهم الضيقة. جاء الجمع تسبقهم الرايات والطبول وأصوات "النحاس"، كان حقا مشهدا كرنفاليا.
احتشاد بالحلم
الانهيار الكبير
وجاء الخامس وسط كل تلك الأجواء المائجة بالمتغيرات والمستجدات، وكان من أهم ما يحمله الخامس في جعبته قضية القيادة، والانهيار الكبير للنظم الاشتراكية في العالم، سقط الاتحاد السوفييتي، ونكست الرايات الماركسية في كثير من أنحاء العالم، وتلبست الكثير من شيوعيي السودان حالة من الخوف أن يلقي الحزب راياته الماركسية في الوحل ففي الطريق إلى المؤتمر الخامس كانت كل المؤشرات تشير إلى التخلي عن الماركسية وتغيير اسم الحزب، وما عزز تلك التوقعات الأوراق التي أعدت لتقدم للمؤتمر الخامس مثل مشروعي (اللائحة والبرنامج)، كما كان بعض قادة الحزب يتحدث عن إمكانية تغيير الإسم والتراجع عن النظرية والفكر الماركسي على نحو ما رأينا من سابق حلقات تناولنا فيها ذلك الأمر.
تيار يميني
ورأينا كيف أن تيارا يمينيا نشأ منذ وقت طويل يتربص بالحزب، ويقوده نحو التصفية عبر تغييرالأسس الفكرية التي قام عليها، وبالطبع المقصود بها النظرية الماركسية.
أوراق من خارج المؤتمر
وكان فريق خارج الحزب من الشيوعيين المشفقين على مستقبل الحزب، والراسخين في رؤاه الفكرية قد تم إقصائهم أو تركوا الحزب، يحملون هم كذلك هم تحولات كبيرة ربما تحدث في أزقة المؤتمر الخامس للحزب فدفعوا بكراسة إلى المؤتمر يعبرون فيها عن تلك الخشية، ويطالبون بالإبقاء على النظرية والاسم فتقحموا المؤتمر يوزعون كراستهم تلك على الصفوف الأمامية حيث تجلس القيادات التأريخية للحزب، وكان من أهم ما جاء في تلك المذكرة: نثق في أن مؤتمركم سيكتب له النجاح. وسيلحق الهزيمة بأية محاولة للالتفاف حول الشيوعية كعلم فرض نفسه. ونتفق جميعاً أن الماركسية ليست كتاباً منزلاً من السماء، ولا أن قيادات الحزب الشيوعي ثلة من الأنبياء لم ترتكب أي خطأ خلال أربعين عاما سوى تأخير انعقاد المؤتمر!!...
ونتفق أن الحزب اختار منذ تأسيسه ما يناسبه من النظرية الماركسية وفق الواقع البدائي، الاقتصادي للمجتمع العشائري المتعدد الأعراق والثقافات والأديان والتجديد بمعنى الاستمرار والمواصلة والتطوير من حيث ما وقفت قضايا ما بعد المؤتمر الرابع...
لن نختلف في أنه لا يوجد حزب ثوري بدون نظرية ثورية والعكس صحيح أيضاً. وأن وحدة الحزب بصراع الأفكار، ونثق في أن مؤتمركم سيكون امتداداً للمؤتمر التداولي 1970 وسينتصر للوسطية الماركسية، التيار الشيوعي الثوري الذي قاده عبد الخالق، وسيؤكد مؤتمركم سلامة ما كتبه قائد الوسطية الماركسية:
(صحيح أن الحزب الشيوعي اتحاد سياسي واختياري وفق برنامجه ولائحته. ولكن صحيح أيضاً أن نظريته هي الماركسية – اللينينية وهي كل لا يتجزأ.. وأن وحدة حزبنا تقوم في النشاط الثوري في حدود البرنامج واللائحة، ولكن لا بد أيضاً من تكوين عضوية حزبنا تكويناً شيوعياً).
وجاء كذلك في تلك المذكرة: "نعلم جيداً صعوبات العمل تحت ظل الظروف الراهنة التي تميزت بالمد اليميني في المنطقة العربية والأفريقية والإسلامية والوطنية والإقليمية والدولية. وأن مثل هذه الظروف توهن تكويننا الشيوعي، وقد تدفع بعضنا للتراجع الكامل والدعوة الصريحة للتخلي عن الإيديولوجية (الشفيع خضر نموذجاً ومن قبله المرحوم الخاتم عدلان ورفاقه وقبلهما د/ فاروق محمد إبراهيم ورفاقه، وأولهم المرحوم عوض عبد الرازق)، والتيارات اليمينية تخطئ التقدير دائماً وهي تضع عينها على تنظيم الحزب كوراثة لتحوله لأداة لخدمة مصالحها التي تتناقض مع مصالح الطبقة العاملة لإدراكها لقيمة الحزب الشيوعي السوداني ومآثره التأريخية وأمجاده البطولية. وأخطأت عام 1970 عندما ظنت أنها تخوض معركة فاصلة مع التيار الشيوعي الثوري مدعومة بالسلطة الحاكمة والسوفييت، حيث تحكم أيضاً التيارات اليمينية في الحزب والدولة السوفيتية (السابقة) حتى جاء المؤتمر التداولي 1970 ليلحق بهم الهزيمة جميعاً.. وأخطأت مرة ثانية عندما أقامت حزباً تلاشى بعد وقت وجيز، وفي المرة الثالثة عندما اعتقدت أن عملية 19 يوليو 1971 هي نهاية الحزب الشيوعي الثوري.. وهنا هب الشيوعيون (بقايا وشظايا.. المرحوم الفاتح الرشيد ورفاقه بعون القوى الديمقراطية) فأعادوا تجميع حزبهم من جديد، وألحقوا الهزيمة بتيارات اليمين الوطني والإقليمي والدولي. وكرر المرحوم الخاتم خطأ الآخرين، وها هي التيارات اليمينية تخطئ من جديد عندما اختارت التصفية الهادئة والمتأنية، وطرد المخالفين لأفكارها من عضوية الحزب.. ولم تكتف بذلك بل ظلت تحث مخالفيها على إقامة حزبهم لترث هي الحزب. هذا هو التجديد!!. ولكن المؤكد أن المؤتمر الخامس برغم كل شئ سيهزم تيارات اليمين التي كشفت عن نفسها أو التي تلوذ بالصمت أو التي تتدثر زيفاً بالشيوعية الثورية.. إن الرفاق المسرحين والمطرودين من عضوية الحزب دون حيثيات أو إعلانات.. بمصادرة الحقوق اللائحية، وظل معظمهم في ذات مواقع الثبات يدافعون عن المبدأ بقدر استطاعتهم، بإيمان قوي والتيار اليميني لن يفلح في شق صفوف الحزب.. ولن يجرؤا على تغيير اسم الحزب وطبيعته ومحتواه .. ولن يتم السماح له بالإلتفاف حول الإيديلوجية."
لحظة اللقاء بالجماهير
ولعل التقاء قيادات الحزب بجماهير الحزب قد غيرت كثيرا من الكلم الذي كان سيراق على طاولة المؤتمر الخامس، فقد شهد المؤتمر تراجعا مرتبكا إلى حد بعيد عن تلك المقدمات التي كانت تنذر بالتخلي عن الأسس الفكرية للحزب (نظريته واسمه) ليعلن المؤتمر الخامس تمسكه بالماركسية واحتفاظه بالاسم، وطي كل الأوراق التي تضمنت مشاريع برنامج ولائحة، عندما اصطدمت قيادة الحزب بجماهير تريد السير بحزب يسترشد بالنظرية الماركسية، وهذا عين ما حدث عند أول لقاء للراحل محمد إبراهيم نقد بجماهير الحزب عقب خروجه من تحت الأرض في ندوة الديم الشهيرة، عندها نسي نقد مقالته "كيف حاصر الجمود أفكار ماركس وأنجلس" ونسي حديثه لمجلة شئون دولية: لن يسترشد الحزب بالنظرية الماركسية، بل ستكون ضمن أفكار أخرى.
مازلنا ماركسيين
نسي نقد ذلك، وردد في تلك الندوة: نحن ما زلنا ماركسيين، وربما كانت لكلمة "مازلنا" تلك دلالة على أن قيادة الحزب تقولها مترددة، وهو التردد الذي صدر للمؤتمر الخامس رغم تمسكه بالماركسية، مما جعل ذلك التمسك ممكنا رغم اضطرابه هو رغبة جماهير الحزب ووعيها
لقد القضية التي كادت تعصف بالحزب هي مراجعة الفكر الماركسي، ووجد المؤتمر الخامس صعوبة كبيرة في التعامل معها بعمق كبير.
وثائق مرتبكة
ولذلك ربما جاءت وثائقه يلفها بعض الوهن في جوانب كثيرة، تلتف على الأشياء التفافا، يقول الأستاذ عبد الفتاح بيضاب في قراءة بعدسة ماركسية للتقرير السياسي للمؤتمر الخامس (كذلك يطرح التقرير تصور الحزب للنظرية الإشتراكية في ضوء المتغيرات الدولية والمعالم الجديدة لتطور الفكر الماركسي لمجابهة قضايا العصر) هكذا ختم التقرير واجهته في الصفحة الأولى، مما أحدث لي التباس وضبابية رؤية بوضع مفردة نظرية أمام الإشتراكية ومفردة فكر أمام الماركسية، ولا تزول ضبابية الرؤية إلا بمعرفة أيهما نظرية وأيهما فكر؟! سيما ونحن نعاني من أزمة المصطلح وفي مدخله يقول التقرير: (اعتمدت اللجنة المكلفة بإعداد مشروع التقرير للمؤتمر الخامس ذات الوجهة والمواصفات التي تم على ضوئها إعداد التقرير للمؤتمر الرابع –الماركسية وقضايا الثورة السودانية- ذلك أن تلك الوجهة لا تزال بصورة عامة سليمة)، فكيف وإلى أي مدى كان ذلك ممكنا؟! ولا بد من التحري والفحص الدقيق لحالة الاتساق أو المفارقة في واحدية الوجهة والمواصفات؟!
أولا: تصريحا لا تلميحا، وقولا وفعلا استند الحزب الشيوعي في إعداد تقاريره للمؤتمر الرابع على النظرية الماركسية اللينينية استرشادا واهتداء فكرا وممارسة (المادية الجدلية وتطبيقها الثوري) أو بعبارة أخرى بمكوناتها الثلاثة المذهب المادي، والمنهج الديالكتيكي، والتطبيق الثوري في فحص وتشريح الواقع السوداني، وفي مختلف أنماط ومستويات الإنتاج والوعي في اختلافاتها وتعددها من منطقة لأخرى، بهدف إنجاز مرحلة الثورة الديمقراطية، ولكن في تقرير المؤتمر الخامس وردت عبارات مثل (الماركسية ليست علما تطبيقيا، وإنما هي منهج يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع)، كذلك (جوهر الماركسية هي منهجها الجدلي لدراسة الواقع)، وأيضا (مسترشدين بالمنهج الماركسي لدراسة الواقع)، فهل أصبح الهدف النهائي للماركسية هو دراسة الواقع؟؟! حيث لا توجد أي إشارات أو حديث ثم ماذا بعد دراسة الواقع؟؟ علما بأن الماركسية جعلت من دراسة الواقع وسيلة لأحداث التطور والتغيير هدفا. حيث أن مأثرة الماركسية الكبرى هي تلقيح مفهوم التطور (الجدل) عند هيجل بالمفهوم المادي عند فورباخ سموها فيما بعد (المادية الجدلية)، حيث لا فصل بين دراسة الواقع وإنجاز الثورة، فأين ذات الوجهة والمواصفات؟؟!!
ثانيا: بالوضوح النظري والفكري نتيجة اعتماد الماركسية اللينينية أساسا فكريا اتسقت تلقائيا المحاور الأخرى في مثل طبيعة الحزب جهة طبقيته وانتخاب الطبقة العاملة طليعة ثورية في تحالفها مع طبقات وفئات اجتماعية أخرى بما فيها الرأسمالية الوطنية نحو غاية حددت تماما تحت شعار (حزب من نوع جديد) فصلت الأشياء فيه على ذاك النهج، والذي كان بمثابة قميص يوسف يرجع للناس البصر والبصيرة، ليس- فقط- في وضوح علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة، وإنما حتى علاقته بالجماهير ومنظماتها، وهدف جعل الحزب ملتصقا بالناس وقضاياها نحو تحقيق شعار ((اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية (جماهيرية) كبري))
ارتباك
ويمضي بيضاب قائلا: ولكن القارئ لتقرير المؤتمر الخامس يجد من العبارات ما يثير الربكة فمثلا (كما طرحت تكليفات محددة لعدد من الزملاء والزميلات والهيئات الحزبية داخل وخارج السودان على سبيل المشاركة في إعداد بعض مواد التقرير من بينها البحث في علاقة الحزب الشيوعي والطبقة العاملة!!) فهل العلاقة بين الطبقة العاملة والحزب الشيوعي صارت تحتاج لبحث؟؟!! وأيضا وردت (نبذ أفكار الطليعية) وكذلك (ينتصب دوما أمام الحزب الشيوعي السوداني الشرط الموضوعي لتحويله لحزب جماهيري!!) علما بأن الفارق كبير في مدلول هذه العبارة وشعار (اجعلوا من الحزب قوة جماهيرية كبرى) فكيف تتساوي هنا الوجهة والمواصفات؟!!
ثالثا: الأهداف المرحلية والمستقبلية للأحزاب الشيوعية جميعها مبنية على القطيعة التامة مع الرأسمالية في جميع أشكالها ومضمونها ومراحلها، وكان واضحا جدا اختيار طريق التطور اللارأسمالي نحو الإشتراكية والشيوعية في الماركسية وقضايا الثورة السودانية، وحين تأتي عبارات (لمناهضة الوجه المتوحش للعولمة) وكذلك (الخصخصة العشوائية) وأيضا (الاقتصاد المستقل) في التقرير يبدو فيها محاولات توليفة لطريق اقتصادي جديد ويدلل ذلك على مجافاة الوضوح النظري حيال الاقتصاد الرأسمالي المعولم، وحتما أن أثر الخصخصة السالب على السواد الأعظم من البشرية الكادحة والمهمشة وجميع البروليتاريا اعتقد أنه يتناسب طرديا مع تنظيمها الدقيق عند الرأسمالية العالمية، كما لا ندري أي وجها وليفا (غير متوحش) للعولمة الاقتصادية ودلالاتها السالبة حروبا وفقرا ومجاعات وفسادا أخلاقيا وأهم من ذلك أنها طريقا استعماريا حديثا. كما لا يفوت على أحد ما جاء في التقرير وصف الصراع في (سياسي/اجتماعي) نحو عشر مرات حيث كانت دوما في وثائق مؤتمر الحزب الرابع يوصف في ( اقتصادي/ اجتماعي)، فحينا؛ الأول يعبر عن حضارية أصل الصراع، والثاني فيه إعلاء لانتخاب العامل الاقتصادي أساسا للصراع والتطور، أوما تختلف الوجهة والمواصفات؟!
رابعا: الألفاظ حتما لها مدلولاتها الفكرية والعملية وفي الماركسية وقضايا الثورة الماركسية يسمي البرنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية كل كلمة لم توضع عبثا هنا بل لها جذورها النظرية، فلماذا حذفت كلمتي مرحلة وثورة وسمي بالبرنامج الوطني الديمقراطي؟؟! ولأن هذا البرنامج هو أحد الإضافات الهامة للزعيم لينين في أمميته حيث جعل من حركات التحرر الوطني (والسودان واحد منها) مكونا ثالثا: للأممية بجانب الطبقة العاملة وأحزابها الشيوعية في الدول المتقدمة صناعيا والمنظومة الإشتراكية العالمية. وتواضعت كل دول التحرر الوطني على اتخاذ برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية لذلك الحذف والإضافة والتبديل فيه لا يتم إلا برؤى فكرية وعلمية وواضحة لأنه أصبح جزاء ومكونا هاما في الماركسية.
خامسا: النقد الماركسي لمجمل الأخطاء أداة هامة لتطوير العمل الحزبي وترسيخ الديمقراطية داخل الحزب فرفع شان النقد واجب تحتمه مجمل الظروف الموضوعية والذاتية الحادثة الآن، ولا يأتي مفيدا إلا إذا ابتعد عن إبداء الاعتذار و التبرير، ويذهب أكثر ليقوم المفاهيم والأسباب التي أدت إليه وحيث لا زال يفهم من النقد والنقد الذاتي نقد النفس والآخر علي طريقة الملاومة والمناوشة، ولكن المنهج الماركسي للنقد يقصد تصحيح المفاهيم والقراءة السائدة وسط كوادر وعضوية وهيئات الحزب، هذا من جهة الذات، ومن جهة الموضوع إعادة دراسة الواقع والتحليل العميق للأسباب الخارجية التي قادت لأخطاء الممارسة.
المركزية الديمقراطية
ويأتي في أولويات تصحيح المفاهيم المركزية الديمقراطية، ولأنها عمود فقري لوحدة الإرادة والتعبير والممارسة، ولما صاحبها من إثارة غبار أثناء المناقشة العامة ودون الخوض في التفاصيل يبين جدا في وثائق المؤتمر الرابع (الدستور) تعريف مركز الحزب بأنه (المؤتمر العام)، وباستقامة هكذا الفهم يكون ضمور الحزب ومشاكله التنظيمية ليست لأثر المركزية بل لغيابها حيث بات علي خلفية غياب المؤتمر. تمارس اللجنة المركزية مجمل مهام المركز، في حين أنها قيادة تنفيذية فقط لمجمل خطط (المؤتمر) الفكرية والسياسية في تكتيكها وإستراتيجياتها، وينسجم مفهوم مركز الحزب هو مؤتمره العام مع القول بأن المركزية الديمقراطية هي الأكثر ديمقراطية في جوهرها ومضمونها، كما نلاحظ حتى صياغة تقرير المؤتمر الخامس استخدام مفردة (مركز) في إشارة للجنة المركزية ونخشاه أن يقود لإعادة إنتاج الأزمة. أيضا مفهوم العمل القيادي يستحق في ممارسته السابقة لإعادة تشريح حيث صار من الأخطاء الشائعة ممارسة العمل القيادي وحصره في الهيئات القائدة مما أضعف روح المبادرة ورفع قدرات فرع الحزب والقيادات الحقيقية في مجالات الفروع وسط الجماهير أثر المفهوم الهرمي لبناء الحزب، وحصر العمل القيادي في قمته رغم التحذيرات المتكررة في أدبيات أوراق المؤتمر الرابع، وما تبعها من دراسات من الشهيد عبد الخالق حول إصلاح الخطأ، ومفهوم العمل القيادي بأن فرع الحزب وكوادره الناشطة في هذا المجال أو ذاك هي القيادة الحقيقية، وهي الملتصقة بالجماهير وقضاياها. كما أن أثر غياب القيادة الفكرية في إدارة الحوار وإثرائه وإغناء العضوية والحزب منه تحول كل ذلك لشكل إداري وتنظيمي، مما كان له بالغ الأثر السالب خصوصا حيال حالات الانقسامات والاستقالات والبعد عن العمل الحزبي إحباطا أو تكلسا.
ذات العقول
كان من الصعب على القيادة حقا الإحاطة بكل تلك المرحلة من تاريخ الحزب ومشاكله، إذ مضى من الزمان ما يفوق الأربعين عاما جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر، غير أن ما أسهم في ذلك العجز كون أن القيادة هي ذات القيادة لم تتجدد فكان مطلبا عزيزا أن تحيط ذات العقول بكل تلك التحولات وترصدها.
الحلقة القادمة .. أزمة القيادة والبحث عن مؤتمر استثنائي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.