كيف يمكن للاتفاق النووى بين الولاياتالمتحدة وأيران أن يغير ميزان القوى فى الشرق الأوسط بقلم : ديفيد بلير ترجمة : خالد هاشم خلف الله وقف الرجل ذو الشعر الفضى أمام خريطة فى حين كان ضباطه يطلعونه على عملياتهم العسكرية ، بعد ذلك شرع الجنرال قاسم سليمانى فى جولة على خطوط القتال وهو يتلقى أثناءها قبلات الامتنان من الجنود وكالعادة فأن لباسه الرسمى يفتقر لأى اشارات أو علامات ذهبية ، فالجنرال سليمانى لا يحتاج لاعلان بوضعه كأشهر قائد عسكرى وقائد لقوات النخبة للحرس الثورى الأيرانى " فيلق القدس ". لأشهر عدة كان هذا الرجل ممتلئ الجسم البالغ من العمر 59 عاما الذى يتجنب أرتداء زى جنرال ليرتدى زياً بلون الرمل وكوفيه بيضاء هو العقل المدبر للعمليات العسكرية التى تشن فى العراق ضد مقاتلى تنظيم الدولة الأسلامية . فوجوده فى بغداد غالبا ما كان يعد من الشائعات لكن الأسبوع الماضى خرج الجنرال سليمانى من الظل وبمظهر متواضع مشيدا بقواته بعد سلسلة أنتصارات حققتها فى ميدان القتال ضد قوات داعش خارج مدينة تكريت التى يبدو أنه ستتم أستعادتها من قبضة أرهابيى ذلك التنظيم . الظهور الغريب للجنرال سليمانى فى العراق كان يصنع حدثا أخر ذا قيمة أكبر على جانب آخر من العالم فى واشنطن الثلاثاء الماضى حين وقف بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس مستدعيا كل سلطاته كرئيس لوزراء أسرائيل لادانة أتفاق مرتقب بين الولاياتالمتحدة وأيران صمم بحيث يبقى البرنامج النووى فى حده الأدنى ، ما الخيط الناظم وغير المرئى الذى يجمع هذين الخصمين اللدودين الجنرال الأيرانى والقائد الأسرائيلى ؟ بأيجاز رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو تعتريه مخاوف من أن الأتفاق النووى الذى بات قاب قوسين أو أدنى سيطلق العنان لطموحات طهران لتخريب وأضعاف دول الشرق الأوسط قاطبة والتأثير عليها ، تلك الطموحات الأيرانية التى يرمز لها الجنرال قاسم سليمانى الذى يعمل كرأس رمح لأيران التى من جانبها تريد أرسال رسالة مفادها أنه حتى ولو تمكن دبلوماسييها من التوصل لتسوية حول البرنامج النووى تقود لرفع العقوبات عنها فأن الجنرال سليمانى ورفقاؤه سيضمنون بقاء الجمهورية الاسلامية كقوة صاعدة والعزم على أعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق ما يرجون ، حيث صرح الجنرال سليمانى نفسه لوسائل أعلام رسمية فى طهران بالقول " اليوم نرى دلائل تصدير الثورة الاسلامية عبر كل المنطقة من البحرين الى العراق ومن سوريا واليمن الى شمال أفريقيا " . هذا هو مالضبط ما يثير قلق وخوف نتنياهو ومعظم حكام الخليج السنة الذين يشاطرون رئيس الوزراء الاسرائيلى الأعتقاد بأن الاتفاق النووى بين أيران والولاياتالمتحدة من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً فى ميزان القوى فى الشرق الأوسط ، وهم يعتقدون بشكل خاص أن تسوية الملف النووى بصورة سلمية ستقود ضمنا لقبول أمريكى لهيمنة أيران على مساحات شاسعة من المنطقة وبالفعل فقد أنشبت أيران مخالبها فى المنطقة طولاً وعرضاً ، فى لبنان للجمهورية الاسلامية تأثير مباشر أكثر من أى قوى خارجية أخرى يعود الفضل فى ذلك لصلة الرحم المذهبية التى تربطها بحزب الله ، فى سوريا فأن الجنرال سليمان يعد هو العقل المدبر وبهدوء للرئيس بشار الأسد فى سعيه للبقاء فى السلطة حيث نشر الجنرال سليمانى الآلآف من قوات الحرس الثورى ومن مقاتلى حزب الله ، وفى العراق يقود الجنرال قاسم سليمانى القتال على الأرض ضد الدولة الاسلامية معززا تحالفاً صارما لبلاده مع حكومة بغداد التى يتولى الشيعة تسييرها . أما فى اليمن فقد سيطر المتمردون الشيعة على العاصمة صنعاء مستفيدين من تأييد الأيرانيين لهم ومدهم بالسلاح ، كل ذلك دفع المسؤولين الأيرانيين للمبأهاة ببسط سيطرتهم على أربع عواصم عربية بيروت ، دمشق ، بغداد ، وصنعاء وبحكم الواقع فأنهم بالفعل يسيطرون عليها . أذا أمكن لهذا أن يحدث وأيران تحت وطأة العقوبات وخصومتها مريرة مع الولاياتالمتحدة ثم ما يمكن أن يحدث أذا ما أفضى الاتفاق النووى لرفع العقوبات عنها مما سيجلب فى النهاية عداوة قوى عظمى . حيث يعتبر جونثان ايئال رئيس قسم الدراسات الأمنية بالمعهد الملكى العسكرى المتحد " أن القضية النووية ليست سوى عرض للمرض الحقيقى ، القضية الحقيقية هى توازن القوى فى المنطقة ومكانة أيران فى الشرق الأوسط ". وترى الملكيات العربية ذلك الاتفاق ثنائيا وغاية فى الازدواجية . وعلى الرغم من خصومتهم الرسمية " للعدو الصهيونى " لكن المملكة العربية السعودية وحكام الخليج يشاطرون أسرائيل مخاوفها ويرون جميعا أن أيران ستقدم على تقديم تنازلات تكتيكية فيما يتعلق ببرنامجها النووى ، لتحصل بموجب ذلك على سمة مرور من الولاياتالمتحدة تسمح لها – أى أيران – فى الأستمرار فى اثارة المزيد من الأضطرابات فى الشرق الأوسط . لكن هل هذه المخاوف مبررة ؟ السؤال الأول هل حقا أن الأتفاق النووى بات وشيكاً ؟ أن الولاياتالمتحدة تفاوض أيران حول برنامجها النووى كعضو ضمن مجموعة 5+1 وهى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى زائداً المانيا ، كل هذه الأطراف حددت الرابع والعشرين من مارس القادم موعدا للاتفاقية السياسية لبرنامج طهران النووى وثلاثة أشهر أخرى لأستكمال التفاصيل الفنية المتعلقة به ، وتشير الدلائل الى أنه تم حدوث تقدم كبير بالفعل . لسنوات أو حتى لعقود متطاولة مرت دون أجراء أى أتصالات رسمية بين الولاياتالمتحدة وأيران ، لكن الأسبوع الماضى وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى عقد وعلى مدى ثلاثة أيام محادثات مع نظيره الأيرانى محمد جواد ظريف الذى قال فى نهايتها " أننا الآن ليس بعيدين عن معرفة كيفية ظهور هذا الاتفاق ، نحن نعتقد أننا قريبون منه " فيما أشار مصدر دبلوماسى منخرط فى تلك المفاوضات الى تقدم يفضى لحل المسائل الشائكة ، وسيكون التفاهم بين واشنطنوطهران على نحو خاص قريب الحدوث للقبول بتسوية حول قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم ، وهى قضية مثلت جوهر النزاع لأكثر من عشر سنوات ولسبب بسيط فأنه يمكن أستخدام تكنولوجيا التخصيب لأنتاج وقود تشغيل المحطات الكهربائية - الذى تصر أيران أنه هدفها الوحيد من برنامجها النووى - أو الخلية الانشطارية للاسلحة النووية وبموجب التسوية المحتملة فأنه ينبغى على أيران التخلص من أجهزة طرد مركزى بما يضمن أنها ستكون على بعد عام لتخصيب ما يكفى من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية وأحدة . لكن هذا ليس جيدا بنظر نتنياهو ودول عربية وهم يرتعدون من فكرة أن تكون طهران على بعد أثنى عشر شهرا من صنع قنبلة نووية خاصة وأن القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزى ربما تنتهى بعد عشر سنوات أو نحو ذلك . ومع ذلك فأن أكبر مسألة عالقة يمكن أن تعرقل الأتفاق ما يتعلق بنظام العقوبات ، فأيران تريد رفعاً شاملاً للعقوبات لحظة التوقيع على الأتفاق النووى وهو ما سيوفر لها عشرات المليارات من الدولارات تمثل قيمة أصول غير مجمدة ، بينما تصر الولاياتالمتحدة على رفع تدريجى للعقوبات مشروطا بألتزام طهران بما يليها فى صفقة ملفها النووى . لكن أى كانت الطريقة التى ننظر بها فأن أى أتفاق من شأنه أن يؤدى لرفع العقوبات وصب مليارات الدولارات من عائدات النفط فى خزائن أيران . دبلوماسى عربى أسر لى بالقول أن الرئيس باراك أوباما كان منشغلا فقط بما سيتركه خلفه من ميراث وأنه يريد طمر الأحقاد مع أيران وأنه لا يفكر مرة أخرى بهذا البلد عندما يغادر البيت الأبيض فى يناير 2017 ، لكن دول الأقليم ستعيش دوما بجانب أيران . الكاتب ، كبير مراسلى صحيفة الديلى تلغراف البريطانية ، ونشر المقال على موقع الصحيفة فى 7 مارس الجارى . المترجم ، مراسل قناة المصرية للاخبار بالخرطوم . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.