كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان وعراب مافيا البزنس السياسي في العالم العربي بقلم: أحمد ضحية
نشر في سودانيل يوم 01 - 12 - 2009

الولايات المتحدة الأمريكية - ميريلاند
Ahmed M. Dhahia [[email protected]]
مقدمة :
تثير الهجمة الإعلامية المصرية الأخيرة ,عديد التساؤلات حول نظرة مصر لنفسها .بدء من مجد الفراعنة وصولا إلى ردحي شذاذ الآفاق, فمصر كعراب لمافيا البزنس السياسي في المنطقة العربية , تحاول أن تفرض طريقة معينة في النظر إليها ,وهي نظرتها لنفسها.. بمعنى أنها تريد أن يتم النظر إليها بعيونها هي , وهي طريقة غير واقعية ,فمصر في الواقع ليست كما ترى نفسها أو تريد الآخرين أن ينظروا إليها ..وهذا يقود إلى الطريقة التي تمت بها مصادرة وعي الشعب المصري وسجنه في ماضيه المجيد ,بمعزل عن حاضره العالمثالثي البائس, لا أرغب هنا في تكرار ما ذهبت إليه في قراءتي للعلاقات المصرية السودانية كملف أمني في صحيفة السودان اليوم : http://www.sudantodayonline.com/articles-action-show-id-14.htm أو التفكير بطريقة ركوب الموجة المضادة للإساءات المصرية البالغة للسودان والسودانيين, إثر هزيمة مصر أمام منتخب الجزائر ,وردة فعلها على هذه الهزيمة المستحقة, والتي كشفت أن مصر لا تزال تعاني إسقاطات تاريخها الذي لا يحتفي بالإنسان ,فالبشر لا قيمة لهم ,بقدر ما أن القيمة الحقيقية هي لنتاج أنشطتهم في التعمير أو البناء, فشعار أقسام الشرطة المصرية (الشرطة والشعب في خدمة الدولة ؟!) رغم أن الدولة لا تساوي شيئا دون شعب,فالوطن يأخذ معناه وقيمته من شعبه..وهذا يفسر الترويج للمواصفات المصرية المغشوشة في كل شيء, بدء بالسياسة والمجتمع إنتهاء بالعمارات التي تنهار على ساكنيها, مرورا بالقطارات التي تقتل الآلاف .. وهو أمر عجيب أن تكون للأشياء المغشوشة قيمة أعلا من قيمة البشر , المغزى هنا أن البناء الخالد حقا هوالذي لا يكون على حساب حق الناس في الحياة الحرة الكريمة الآمنة ..بالطبع القول نفسه ينطبق على السودان, فالحضارة لا يتم بناءها في اللغة والإحتفاء بالتاريخ والقيم الرفيعة ,فهي تأخذ قيمتها أيضا من إنجازاتها المادية الملموسة وليس المعان فحسب .هذه المقابلة تفسر بصورة من الصور السؤال الذي يؤرق كثير من الباحثين المصريين : لماذا المجتمع في السودان, أقوى من جهاز الدولة, ولماذا المصريون "على دين ملوكهم" ,رغم أنه سؤال سهل و ليس معادلة معقدة.. فالإستبداد الذي يصادر حق الحياة .وخلفيات ذلك من علاقات بالزل والإزلال- والمصدر هنا الفضائيات المصرية نفسها ,فكثيرون أكدوا "نحنا بننضرب ونتهان جوا وبره بلدنا " ,إلخ- ..هذا الإحساس بالزل تم إحلاله في العلاقات التي تحكم المجتمع من جهة والمجتمع والدولة من الجهة الاخرى ,فالدولة المصرية كرست لهذه القيمة ,سواء كان ذلك على يد الفرعون الذي جعل من المصريين شعب سخرة ,أو الباشا الذي أدمن ضرب الفلاحين بالكرباج, أو مصر ما بعد 1952 التي خصيصا لتكريس الزل في الثقافة الإجتماعية , شيدت أسوأ جهاز بوليسي في المنطقة, فأصبح المخبر ورجل المباحث وزائر الفجر غير محدد الملامح,تراه في وجوه كل الناس, فقد يكون صبي البقالة أوالبواب الغلبان أو فتوة "الحتة" أو صبي القهوة أوعم سيد الشغال,إلخ ..من الجانب الآخر تتعامل المجتمعات السودانية مع محاولات إزلالها بعنف ,إلى درجة الدخول في حروب أهلية وإنطلاق عشرات الحركات المسلحة في سبيل تحقيق المواطنة .. ثم أن المستبد يرى الأمور كما يرغب هو في رؤيتها ,وليست كما هي في الواقع ,وهنا أتحدث عن الوجدان الثقافي الذي شكل نظرة مصر للآخر , فالآخر هو أدنى دائما وجاهل ,ومصر لها فضل عليه في كل شيء !!وهي بالطبع نظرة خاطئة. أقل ما يمكن أن توصف به هو الجهل ,وما أسوأ الجهل عندما يرتبط بالإستعلاء والصلف "وعلى إيه : على مافيش !!"..
حملات الدفتردار الإعلامية و وعي جديد وإعادة نظر :
مصر مطالبة بتصحيح نظرتها للسودان والسودانيين , والكف عن محاولة تحجيمه وتحجيم قدراته ,بشتى السبل خاصة بدعم تغيير أنظمته الديموقراطية ,ودعم الإنقلابات وخلق حالة الفوضى فالضعف, حتى يسهل عليها تمرير مصالحها .ويقيني أن الوعي الجديد الذي سنستقرأه في خاتمة هذا المقال ,كشف عن سقوط كثيرمن الروابط العميقة بين السودان ومصر, بحيث لم تتبقى سوى رابطة "المصلحة المشتركة" مع العلم أن المصالح التي تجنيها مصر من علاقتها بالسودان هي أضعاف أضعاف ما يجنيه السودان من علاقته بمصر , أو بمعنى أدق ما تجنيه حكومات - وليس شعب-السودان ,فعمليا شعب السودان لا يجني شيئا ,خاصة أنه لم يعد محتاجا ل"بعثة تعليمية" أو علماء أزهريين مقابل المال والرجال في حروبات الباشا الإقليمية سابقا أو مقابل وضعية الجسر ..هذه الوضعية المهينة فالسودان ليس جسرا ولا ينبغي له أن يكون فقط أداة يصل عبرها الآخرون إلى أهدافهم ..ووضعية الجسر ترتبط بترهات العمق الإستراتيجي الذي ليس للسودان فيه ناقة ولا جمل وإلا فماذا يحصل السودان إحصائيا : لا شيء..السودان بحاجة للتنمية الحقيقية , وليس للمؤسسات التي تسعى لمصرنة الحياة السودانية ,وترتبط بالإحتياجات المصرية .مثل البعثة العليمية التي لم تتمخض سوى عن سودانيين ولاءهم لمصر, وليس السودان .فضلا عن دورها الإستخباري الذي لا علاقة له بالتعليم ,فغرضه التكريس للمصالح المصرية ,على حساب المصالح السودانية .والإستعاضة عن التنمية الفعلية للسودان, بالقاموس اللغوي, الذي يختزل المصالح المشتركة في "الأشقاء-وادي النيل وإبن النيل-والمصير المشترك وإحنا أخوات يا راجل "-مثل هذه المفردات والعبارات الفضفاضة والغامضة, لن تكون بديلا عن علاقة طبيعية بين البلدين ,تقوم في الإحترام المتبادل-كما ينبغي- والمصالح المشتركة الفعلية.. وإبقاء السودان ضعيفا وعاجزا ,حتى تأتي اللحظة المثالية لإحتلاله, سواء بقوة الجيوش أو بغيرها ,لهو تصور ضعيف للعلاقات بين البلدين ,فكثيرا ما ينقلب السحر على الساحر ,فيصبح حاله كمن "لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" , وفي ظني أن الآوان قد آن ليفكر السودانيون في مصالحهم ,وعدم التفريط فيها وعدم الإستجابة لإبتزازات مافيا البزنس السياسي في المنطقة ,خاصة أن الأجواء التي أنتجت ثورة مثل اللواء الأبيض ,1924وما خلفته تجربة ناصر بعد 1952 من تمصير لشعارات حركات التحرر في العالم الثالث, في السودان وأفريقيا العربية, والنظم السودانية الهشة والبائسة المتعاقبة , كل ذلك من ركامه يبرز الآن ,ما يقتضي إعادة النظر في طبيعة العلاقة, بين السودان ومصر ,فمياه كثيرة جرت تحت الجسر ,منذ دهمت الحملات الإنتقامية للدفتردار كردفان والنيل الابيض و النيلين ونهر النيل ,حتى لحظة إحتلال حلايب, فمصر تاريخيا مغتصبة للحقوق السودانية, وجزء من هذه المصالح معنوي يتلخص في الإحترام المتبادل وهذه ليست عقدة سودانية ,مقابلة لعقدة كراهية العرب لمصر حسب المزاعم المصرية ,نتيجة الإحساس بالفشل الإقتصادي إزاء تقدم خليجي , الإحترام حق سوداني تجاه الوعي السالب بالسودان والذي أسهمت مصر لا بتشكيل وعي شعبها فقط سلبا بالسودان بل أسهمت في تشكيل الوعي العربي بالسودان, على هذا النحو المرفوض الذي تعكسه درامتها تقلدها في ذلك السودية والخليج , لماذا فعلت مصر ذلك : فقط لصرف الأنظار عن الحجم الفعلي لمصر, خاصة في عصرنا الراهن , فمصر لم تعد دولة عربية كبيرة كما كانت في وقت ما ,قائدة ورائدة فالكبير ليس بعدد السكان ,ولكن بالقوة والإنجاز في كل مجالات الحياة ومجالات الفنون والآداب .. فمصر كدولة عربية في قعر العالم الثالث ,وكعادة العالمثالثيون عندما يبلغ الفساد بدولهم أشده يلعبون بالبيضة والحجر, والبيضة هنا هي "الشعب المصري" المسكين الغلبان والمغلوب على أمره, والحجر هو "السلطات المصرية سواء تمثلت في أجهزة دولة أو إعلام مريض" ,يتلاعب بهذا الشعب لفك إختناق سادته في أجهزة السلطة فيورطونه, في مثل ما تورط فيه أبطال المهزلة الإعلامية الآخيرة, أمثال : حجازي وأديب وغيرهم وغيرهم من ممثلون فاشلون ,يكشفون في الواقع مستوى الضحالة والجهل ,الذي بلغه كثيرون من الفنانين وقادة الرأي العام المصريين , هذه الضحالة التي لم تمكنهم حتى من إجادة الكذب بحيث لا "يخر المية" .. السلطات المصرية كالحكومة السودانية تماما ,لا تهمها مصالح الشعب, لطالما أن نهجهم سيفضي إلى توريث جمال مبارك في تكرار لتجربة الصادق المهدي وبشار الأسد ,لايهمهم ذلك ,طالما أن دعم هذا الإتجاه ,سيفضي إلى تأجيل إعتقال عمر البشير ,للمحاكمة على جرائمه التي لا تقل بشاعة ,عن جرائم النظام المصري في قتل آلاف السودانيون في ميدان مصطفى محمود . تعتقد مصر كما كشف هيجانها الإعلامي, أن الجميع خذلها رغم أنها ظلت حضنا للعروبة وملاذا للعرب تخوض معاركهم نيابة عنهم , وهذا بالطبع ليس صحيحا ,وجهل كبير بتاريخ الفكر القومي, في إعلام يدعي أن دولته هي الراعي الوحيد لهذا الفكر, كأنه لم يسمع بالشام مهد الفكر القومي العربي تاريخيا, منذ إكتمال تصوراته البدائية على يد زكي الأرسوزي وساطع الحصري ..فقد اتجه تفكير الأول منذ سنة 1940 إِلى تأليف حزب عربي قومي شعاره بعث الأمة العربية ورسالتها إِلى العالم..مستلهما تجارب الجمعيات المقاومة للتريك,أبان دولة الخلافة التركية, مثل العربية الفتاة والقحطانية الفتاة ,إالخ .. وبهذه المناسبة كان الأخير , أعني ساطع الحصري ,يدافع عن عروبة مصر نفسها, عندما تناهشتها النزعات الإقليمية, بمحاولة بعض المفكرين المصريين, صياغة هوية مصرية خاصة تستند إلى التراث والثقافة الفرعونية، دون أن يكون هناك مفكر مصري بقامتهم لدحض هذا الإتجاه,لذلك تطوع الحصري السوري من اصل يمني للدفاع عن عروبة مصر ضد أبناءها ذوي الإتجاهات غير العروبية .. ولا ننسى هنا منيف الرزاز وميشيل عفلق وتقعيدهما للفكر القومي العربي وإطلاق أحلام العروبة ووهم الدولة الموحدة من المحيط إلى الخليج.. في الواقع ألقى الفكر القومي الصاعد من الشام بظلاله على مصر التي ألتقطت القفاز على عهد عبد الناصر ,وتمت وحدة مصر وسوريا بتنازلات كبيرة وعزيزة على سوريا, كحل تنظيمات البعث في مصر, وإدراجها في التيار الناصري؟!فمصر كعادتها مثلما رغبت في تمصير كأس العالم مؤخرا ,أرادت تمصير الفكر القومي ؟!لأن مصر لم تشهد نضوج فكري كسوريا, رغم أنها شهدت نهوض سياسي تمخض عن الإنقلاب الناصري في 1952ولهذا الفارق في عدم التكافؤ الفكري بين ناصر ككاريزما ترغب في بناء تجربة تحمل إسمه ,وسوريا ذات منظومات البعث التي بدأت تنتشر في العالم العربي, سقطت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا في 1961 أي بعد ثلاث سنوات فقط من قيامها في 1958 بإختصار أن ساسة مصر في سبيل حسم قضية التوريث لصالح جمال مبارك ,فعلوا ما بوسعهم من محاولات لذر الرماد في العيون ,فقد كان رهانهم أن يقدم جمال( كراعي للفريق المصري) إنتصار مصر على الجزائر كإنجاز يجعل المصريون يغضون الطرف عن المقدمات الخاطئة التي جاءت بجمال من الأصل في مضمار السياسة وقيادة الدولة والرياضة كأداة تخدم حملته للوصول إلى دست الحكم..كما أنه في حالة الخسارة-وهو ما حدث- سيتم شغل الشعب بمعارك دونكيشوتية إعلامية مع السودان والجزائر ,يتم فيها إخراج الغضب الشعبي المصري على حكومته المستبدة ,في أطراف أخرى لا علاقة لها بأزمة الشعب الفقير المغلوب على أمره ,وأزمة السلطة الحاكمة, كسلطة وجدت أن دولتها قد غادرت مجال الريادة ,في جوانب مهمة هي جوانب قوتها لوقت طويل ,فلم يبق لها سوى الرياضة ,والتي فشلت فيها أيضا كما فشلت في الأدب ,فقد أصبحت الجزائر عاصمة للرواية العربية بلا منازع ,والمغرب عاصمة للقصة القصيرة دون منازع وتونس عاصمة للشعر العربي دون منازع , إذن أصبح الدور المؤثر في الأدب العربي, والذي كانت تلعبه مصر ,حكرا للمغرب العربي الكبير بإمتياز وإستحقاق .. كذلك الفكر ,توقفت مصر عن إنتاج مفكرين بقامة المغربي محمد عابد الجابري ,والجزائري محمد اركون وغيرهم من مفكرين مغاربة وشوام يؤثرون في الحياة الفكرية العربية الآن, بينما مقعد مصر خالي .. كذلك الدراما , أخذت سوريا تقدم دراما عربية مبدعة في كل شيء : شكلا ومضمونا على حساب الدراما المصرية, التي لم تألوا جهدا في تمصير الحياة العربية على حساب الثقافة العربية . وعن الإعلام حدث ولا حرج إذ لا يمكننا مقارنة قنوات كام بي سي والعربية والجزيرة ,الخ بالقنوات المصرية . كذلك لم تعد مصر وحدها ,دولة المبادرات في سوق البزنس السياسي فقطر مصرة على لعب دور إقليمي سياسي..وقطر دولة صغيرة من حيث السكان والمساحة لكنها كبيرة من حيث الإعلام والقدرات الإقتصادية ,والقبول الأمريكي, للعبها دورا مفصليا في الخليج فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية ..ماذا تبقى لمصر ..سوى البكاء على الأطلال"الله عليك يا ست" ,وإفتعال معارك صغيرة لإبعاد الأنظار عن أزماتها الحقيقية, التي في التحليل النهائي تؤكد : أن مصر لم تعد رائدة وقائدة , العالم يتغير ويتبدل ,وهذه حال الدنيا ,وأحسن الله عزاءكم.. نقطة البداية الصحيحة لمصر ترميم ذاتها ,بمعزل عن محاولات"حدف بلاويها على الآخرين"ومحاولة تحجيمهم "كتبويظ المبادرة القطرية "التي دفعت أمير قطر وهو ينظر إلى مصر, بأن يكتفي فقط بالقول"حسبنا الله ونعم الوكيل" أو بتعليق الفشل على السودان الذي لا تنقصه المعارك الونكيشوتية ..
خاتمة :
ترتب على الهجمة الإعلامية المصرية الرسمية (والخاصة) على السودان وشعبه ,ردة فعل شعبية سودانية, لا أقول أنها عنيفة ولكنها قوية إلى درجة كبيرة , وهو أمر جديد يمكننا قراءته في سياق شعور الشعب السوداني بتواطوء حكومته ,مع مصر على حساب كرامة الشعب والدولة, كدولة تمثل هذا الشعب , ما شكل حافزا قويا - في ظني لتخطي الشعب للحكومة وتولي عملية الرد بنفسه , خاصة أن تطور وسائل البث المباشر, حرمت الإعلام من ميزته القديمة كوظيفة تتحكم فيها النخبة, لتشكيل الرأي العام وفقا لحساباتها , سواء كانت هذه الحسابات رهينة لأسئلة الوحدة والإنفصال ,بسبب غياب المواطنة أو تتعلق بالإستفتاء على خلفية حق الشعوب في تقرير مصيرها ,أو إعادة إنتخاب رئيس مطلوب للعدالة الدولية ,للإستمرار في حكم السودان ,لينهار كل ما هو منهار أصلا.. لكن أود أن أشير هنا الى عدة أمور لفتت إنتباهي, ترتبت على حملة الدفتردار الإعلامية على السودان , الأمر الأول : أن ردة الفعل الشعبية السودانية, استصحبت معها كثير من المسكوتات, في العلاقة بين مصر والسودان , فبرزت قضية حلايب إلى السطح مجددا , كما شجع غالبية السودانيون الجزائر, نكاية في دولة عراب مافيا البزنس السياسي في العالم العربي . ثانيا : جاءت ردة الفعل الشعبية السودانية ,مباغتة لمصر الرسمية , ومهددة لمصالحها وكل ترتيباتها ,وإمتيازاتها التي حققتها بالتواطوء مع حكومة المؤتمر الوطني ,باستغلالها للمتناقضات الداخلية التي يعيشها السودان ,منذ مجيء هذه الحكومة في 1989مرورا بمحاولتها أغتيال حسني مبارك ,إنتهاء بالحريات الأربعة ,وحتى الآن وهي إمتيازات لم تحصل عليها مصر, في ظل أي حكومة سبقت هذه الحكومة ,لذلك بدت مصر كالمباغتة والمرتبكة , فبدى من الواضح أنهم لم يتوقعوا على الإطلاق ردة فعل كهذه ,بل كشف لهم رد الفعل الشعبي السوداني أن رهانهم على الحكومات السودانية ليس دقيقا في حساباته ,فالسودانيون "ليسوا على دين ملوكهم"أو فراعنتهم الإنقلابيين ,بالتالي تلزمهم قراءة جديدة في الشخصية السودانية ,ولن يتمكنوا من هذه القراءة إلا بهدم كل التصورات الخاطئة ,التي كونوها عن السودانيون خلال تعاملاتهم مع الحكومات والنخب السياسية السودانية, خاصة تلك التي إرتبطت بمصر وجدانيا ,بحكم أساطير العروبة,والوحدة العربية,والأمن القومي العربي, ووحدة وادي النيل,ونظريات العمق الإستراتيجي المهينة للسودان ,بتلخيصها له كدولة ,إلى مجرد حديقة خلفية تماما كموقع المكسيك بالنسبة لأميركا,ألخ . ثالثا : أشرت ردة الفعل القوية بصرف النظر عن مقدار ما أنشحنت به من "ردحي"مهما فجر في العداوة لن يبلغ مثقال ذرة أمام "الردحي" المصري , بسبب إختلاف الثقافتين ,ومع ذلك أفلتت من هذا الردحي إشارات ببروز وعي جديد, ونظرة مختلفة للعلاقة بين السودان ومصر . رابعا :كشفت ردة الفعل الشعبي الوطني السوداني, عن أن هناك أمل ,فبقراءة التوحد الشعبي الكبير للرد على مصر ,يمكننا إستنتاج أن لشعبنا طاقات وقدرات على التوحد خلف القضايا الوطنية الكبرى, لتحقيق دولة الوحدة والمواطنة ,فرغم أن المناخ السائد في السودان, مناخ إحباط وتوتر ويأس بسبب قضية العدالة في دارفور ,والجنائية والإستفتاء في الجنوب ,الخ من قضايا السودان المصيرية ,إلى أن الشعب تخطى كل عوامل إحباط إمكاناته وقال كلمته في أمر مصر.ما يعطي الأمل بقوله لكلمته ضد النخب الفاسدة ,وحكومة المؤتمر المطلوبة جنائيا, لصالح وحدة السودان ومواطنية مواطنيه دون تمييز . خامسا : إذن عبرت ردة الفعل الحامية هذه ,عن قدرة السودانيون على تخطي آلام التحولات ومناخات الإحباط ,خلف أهداف وطنية حقيقية , وهو أمر يبعث على التفاؤل على الصعيد الداخلي, ويشيع نوع جديد من الوعي بالوطن وإنسانه , فما رفضناه من إستعلاء و"قلة ادب"تجاه بلادنا , يجب ألا نمارسه تجاه إخوتنا في دارفور والجنوب وكل مناطق الهامش , فالأخلاق لا تتجزأ ,وهذا الأمر بالتحديد يعيد طرح قضية المواطنة في السودان, كقضية أخلاقية مطلوبة قبل أن تكون قضية سياسية, ذات صلة بسلم القيم الهرمي والتراتبية في جهاز الدولة, وتقاسم الموارد .بإختصار أن ردة فعل شعبنا ,على الهجمة المصرية تعطي الأمل بإمكانية تحقيقنا كسودانيين, لدولة الوحدة والمواطنة والعدالة .وإذا فرطنا في رعاية هذا الأمل الذي يعطي بعض النخب المسماة جزافا وطنية, فرصة ثانية للوقوف مع قضايا الشعب أولا وثانيا وثالثا, بمعزل عن النظرة العرقية والإستعلائية والحزبية الضيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.