في الخامس عشر من نوفمبر الجاري وبالخرطوم نظم المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بالتعاون مع بعثة الاممالمتحدة وبرنامج الاممالمتحدة الانمائي ، ورشة تحت عنوان "الرقابة القضائية على الانتخابات " ، وفيها قدم احد قضاة المحكمة العليا ورقة تحت ذات عنوان الورشة استعرض من خلالها اهمية الرقابة القضائية في انجاح العملية الانتخابية بحسبان ان الرقابة القضائية تمتاز بحياد القاضي وبعده عن تيارات السياسة واهواء الاحزاب . اضاف مولانا انه للوصول لانتخابات حرة ونزيهه لابد من اخضاعها للرقابة القضائية باعتبار ان السلطة القضائية مستقلة بنص الدستور و القانون وان نزاهة القضاء وجديته واستقلاليته تمكنه من اداء هذه المهمة على الوجه الأكمل . ثم انتهى مولانا الى ما يشبه التبشير او التطمين بنزاهة نتائج الانتخابات القادمة بالقول بان القضاء الآن يبسط رقابته على عملية الانتخابات منذ مرحلة تحديد الدوائر الجغرافية وسيواصل حتى مرحلة إعلان النتائج . لو أُعدت هذه الورقة بواسطة اي مسئول حكومي في السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية او اي من منسوبي الحزب الحاكم ، لما اعرت المسألة اهتماماً فذلك يجيء من باب حديث السياسية والسياسة في بلادنا هي ان تفعل ما تشاء وتقول ما تشاء حيث لا ضابط ولا رقيب. لكن ان تعد هذه الورقة وتقدم بواسطة قاضي محكمة عليا فذلك اس البلاء . فمع كامل تقديرنا لمولانا إلا أن ما ذكره محل نظر شكلاً وموضوعاً . من حيث الشكل لا تثريب في ان يبصر القاضي الناس بدور واهمية الرقابة القضائية على الانتخابات ، لكن ان يمضي القاضي اكثر في محاولة لاعطاء العصمة لنتائج الانتخابات القادمة من خلال حيثيات انها بالفعل تخضع للرقابة القضائية وان السلطة القضائية مستقلة وقادرة على القيام بهذه المهمة على الوجه الاكمل ، فهذا محل اعتراضنا الشكلي لان القاضي عليه ان يصنع استقلال القضاء بالتمسك يتطبيق سيادة حكم القانون حماية لحقوق الناس و حرياتهم اما التهليل او الترويج بان القضاء مستقل وان الانتخابات ستكون حرة ونزيهه لان القضاء يشرف عليها ، فذلك يدخل في باب حديث السياسة ويمس مصداقية القاضي التي هي شرط من شروط تولي القضاء ، خاصة وان القول بان السلطة القضائية مستقلة أمر يكذبه واقع الحال . أما من حيث الموضوع فان اقامة الدليل على عدم استقلال القضاء السوداني فهو تكرار و تحصيل حاصل . لقد رهنت العديد من القوى السياسية مشاركتها في الانتخابات بجملة مطلوبات من بينها استقلال القضاء وهو في نظرهم وبحق ، مؤسسة من مؤسسات الحزب الحاكم ، فكيف يحسم مولانا هذه المسألة بجرة قلم وفي وقت تقر فيه الحكومه نفسها بما لحق القضاء من خراب وتسييس وخضوع لكافة تدخلات السلطة التنفيذية !! باي منطق يريد مولانا أن يقنعنا بان القضاء مستقل والحكومة نفسها تقبل بالمحاكم المختلطة القائمة على منطق عدم استقلال القضاءالسودانى . إنها لا تقبل فحسب لكنها وبلسان مستشار رئيس الجمهورية مصطفى اسماعيل (نحن في السودان نرحب بمشاركة القضاة العرب والافارقة..) ... هذه ، مولانا ، هي السياسة التي نريدكم ان تبعدوا انفسكم عنها ، مهزلة مابعدها مهزلة وهوان ما بعده هوان ومؤشر واضح لخطورة الاوضاع التي وصلت اليها بلادنا . أعود لورقة مولانا ونقول بان الرقابة القضائية ( المستقله ) بالفعل هي صمام أمان الانتخابات الحرة النزيهه , هذه هى القاعده العامه , لكننا وللأسف لا نستطيع أن نبشر الناس بان الانتخابات المقبله فى بلادنا ستكون حرة ونزيهه لمجرد أنها تخضع للرقابة القضائية ، فالكل يعلم ان السلطة القضائية واقعاً غير مستقلة وغير بعيدة عن تيارات السياسة واهواء الحزب الحاكم رغم انف نصوص الدستور والقانون التي يستشهد بها مولانا .لذلك فاننا و باستقراء واقع الحال نقول ان الانتخابات القادمه لن تكون حرة ونزيهة الا بعد اعادة ترتيب كافة اوضاع البلاد وعلى رأس ذلك اعادة ترتيب اوضاع السلطه القضائيه بما يضمن استقلالها وقيامها بالدور المنوط بها بما فى ذلك الرقابه على الانتخابات . إن ما نقوله عن السلطة القضائية وفي قلوبنا حسرة ، لا يحول دون التأكيد بانه لازال هناك قضاة يتمسكون بحيادهم ومصداقيتهم وينأون بانفسهم عن المشاركة في افساد الحياة العدلية ويعانون في سبيل ذلك ما يعانون انتظاراً ليوم تشرق فيه شمس الحق والحرية والعدل في بلادنا ، لكن مهما طال ليل الباطل يبقى علينا ان لم نستطع وقفه الا نعين الآخرين عليه . عبد القادر محمد أحمد-المحامي abdu ahmad [[email protected]]