abdelaziz sam [[email protected]] سنبقي معذبين إذا سمحنا للانتهازيين أن يمتطوا ظهورنا إلي غاياتهم وأمانيهم بإعادة إنتاج ماضيهم البغيض، سنبقي معذبين إذا لم نقرأ المشهد السياسي الراهن جيداً ونحلله برَوِِيَّة، سنبقي معذبين إذا عَرَّضنا جماهيرنا للاستغلال السياسي لتحقيق أهداف الغير، سنبقي معذبين إذا تقدم صفوفنا الذين يرتجفون إذا خالفوا الآخرين الرأي رُغم أننا دُعاة تغيير ومهمتنا أن نختلف مع الآخرين التقليدين في المفاهيم والأفكار والمنهج والبرامج والسلوك والأسلوب، ألسنا دعاة تغيير الماضي البغيض ونُبشرُ بمستقل أفضل زاهر لشعبنا يتَّسِم بالحرية والعدالة والمساواة؟ سنبقي معذبين إذا لم نتقدم الصفوف فكراً ومنهجاً وسهراً في رعاية مصالح الأجيال التي ندّعي تمثيلها، سنبقي معذبين إذا لم نفكر جيداً قبل التخطيط، وإذا لم نخطط وفق ما نؤمن ونعتقد من مبادئ وقيم وأهداف التحرير، وإذا لم نُنفِذ ما خططنا وبرمجنا، وإذا انجرفنا خلف الآخرين دون وعي، انجراف الظمآن جرياً خلف السراب يحسبه ماء، سنبقي معذبين لو أن نخَّاسا سياسياًً تسلل صفوفنا في غفلة وقاد موكبنا لأسواق الدلالة السياسية ليبيع المشروع بثمن بخس دراهم معدودات، سنبقي معذبين إذا لم نرسم حدوداً واضحة بين خصوصية التحرير في كل شئ عمومية القديم المتهتك الذي قامت ثورة التحرير لوأده وقبرِه، سنبقي معذبين لو أننا، في أي مرحلة من مراحل المشروع، انحرفنا عن جادة الطريق إلي إي طريق جانبي لا يقود إلي الهدفِ السديد والتحرير العريض، سنبقي معذبين إذا تركنا قيادة أمر الوطن وهَمَ التغيير المنشود لتنظيمات مملوكة لأشرافٍ وسادة، بحيث يكون الشريف والسيد الواحد هو: رئيس التنظيم وأمينها العام وجهازها التنفيذي وجمعيتها العمومية وناطقها الرسمي، وفي أحسن الأحوال يساعده أسرته!! سنبقي معذبين إذا اعتقدنا أن هناك من يفهم قضيتنا أو يخدمها أحسن منّا، أو يفكر لمصلحتنا أفضل مِنّا، أو أن هناك من هو أكثر منّا معرفة أو خبرة في البذل والعطاء والتضحية والإقدام والنضال والحوار والتفاوض لانتزاع حقوق شعبنا وأهلنا، سنبقي معذبين كلما اقتربنا من أسوار البوربون، وهم ليسوا بعيدين من مضاربنا، ويحجُون إلي دُورِنا ليل نهار، بعد أن نعق البوم في دورهم الفسيحة الفارغة كعقولهم التي، ذهبت مع رياح التغيير، سنبقي معذبين إذا تقدم صفَّنا السياسي الانتهازيين الذين تسلَّقوا السُلُّم علي حين غفلة، وتقدموا الصفوف خِلسة، لأنهم يبنون أنفسهم بطين الحركة وطوبها لكنهم، حتماً لا يبنون مشروع الحركة، لأن همَّهُم الأول أنفسهم، وما جرَّبوا يوماً التضحية لأجل القضية العامة، لكنهم دوماً علي أُهبة الاستعداد للتضحية بمشروع التحرير العريض لأجل مصالحهم الخاصة، سنبقي معذبين طالما أن قيادتنا التاريخية مُتخصصة في إعادة إنتاج الرِِِمم والأدعياء والفاقد السياسي وذوي الأجندة الشخصية واللصوص، وبالتالي استدامة هاجس تعريض الحركة ومشروعها لخطر الفناء والهلاك والبيع في أسواق النخاسة السياسية في نفوس الأحرار صُنّاع التغيير القادم. أمّا بعد: فإنني وبصفتي الشخصية بالطبع، لأنني رسمياً ملزوم بإتباع ما تقرره مؤسسة الحركة حرفياً، علي أن ذلك لا يصادر حقي الطبيعي في التعبير عن مخاوفي الشخصية، وإذا تعارض حقي الطبيعي في الإدلاء برأيي ورؤيتي مع أية التزامات يفرضها علي موقع تنظيمي لم أسع لخطبه وده يوماً، لآثرت، فوراً، نصرة الرأي والرؤية قولاً وحرفاً أُمتَّعُ نفسي بخطِّه أناء الليل ليقرأه الرفاق صبح الغد، علي كرسي لم ولن يغرنِ يوماً، فإني لمتمرد أعشق الحرية لا أخاف في الحق لومة لائمٍ، وأزدري الملق وأحتقر المتملقين المتسلقين كل يوم، لذلك أرفض ما جاء أدناه لنفسي ثم للتنظيم السياسي الذي أنتمي إليه: 1) أن أُستغلَّ أو يُستَغل التنظيم لتحقيق أهداف لا تَمُتُ إلي المصالح الإستراتيجية للتنظيم بصلة. 2) أن يستغل التنظيم ويُزجَّ به في معارك انصرافية لا تمت إلي قضايا الوطن الجوهرية بصلة. 3) أن يستغل جماهير التنظيم وإمكانياته لتحقيق أهداف تنظيم آخر في إطار صِراعه مع شريكه في الحكم، طالما أن هذا التنظيم الشريك لا ولن ولم يدعم أو يساند المواقف العادلة للحركة مع نفس الشريك الذي هو القاسم المشترك في جميع الاتفاقيات المبرمة بين الهامش والمركز خلال العقد الأول من الألفية الثالثة. 4) أن لا تُضيِِّع الحركة وقتها وجهدها ومواردها لمؤازرة من لم يؤازرها ولن يؤازرها البتة، وأن تكرس جهدها في البناء التنظيمي والتواصل مع جماهيرها الذين هم بعدد الحصى، وفي بناء علاقات طيبة مع التنظيمات المشابهة داخل السودان وخارجه، وفي التواصل مع الدول التي تأوي أهلنا اللاجئين وعرض قضايا النازحين وإيجاد الحلول لها، وتأمين العودة الطوعية لهم بالضغط علي الحكومة القومية لدفع مستحقات السلام والبناء. 5) إن التواصل مع التنظيمات السياسية القديمة التي تمثل المركز يحتاج إلي حوار ثنائي، مع كل تنظيم، مبني علي مضامين اتفاقيات السلام المبرمة، ويتحدد التواصل معها، ثم التفاهم، ثم التحالف علي الحد الذي إليه تستوعب تلك التنظيمات مضامين الاتفاقيات المبرمة وتعيد إنتاج نفسها ثقافياً وفكرياً، بإجراء تعديلات جوهرية في دساتيرها لتضمين مفاهيم المواطنة المتساوية ومحاربة التوريث والتمايز الإجتماعى بين أعضاء التنظيم إلي أدنى حد ممكن، ومن ثم الالتزام التام بعدم استغلال أبناء الهامش وتوظيفهم بسوء لتدمير ومعاكسة مصالح الهامش، وأن تلتزم التنظيمات بتبني معايير المساواة في تسلق سُلم القيادة لجميع الأعضاء دون تمييز بينهم لأي سبب بما في ذلك السيادة والشرف والحسب والنسب، وأن تكون الكفاءة والعطاء والبلاء هي معايير التدرج والرقي إلي أعلي الهرم.. فهل راعت الحركة ذلك عندما عضَّت جلبابها وطفقت تركض عدواً صوب تنظيمات وأحزاب المركز بُعَيدَ رحلة حَجِّها إلي جوبا وهي تتزين وتَرُش العِطر علي نهديها لبحارة الحركة الشعبية وتفرش لها النمارق والزهور ومتغزِلة وباذلة نفسها: أن هلمِ أمتطي ظهورنا في سيناريو ضغطك وابتزازك السياسي ضد شريكك حزب المؤتمر الوطني!! اعتقدُ أن هذا ضعف في بنية وتكوين أحزاب المركز وشماتة سياسية غير مسئولة وعملية(مديدة حرقتني)غير مسئولة دافعها الغيرة السياسية، ولا تنُم عن مشروع سياسي وطني، ولا يجمع بين الذين شاركوا في تلك الجوقة شئ.. فمتي تعلم القوي السياسية للمركز السوداني أن مجدها لا ينبني علي كراهية الحزب الحاكم فقط، ومتي تعلم حركتنا أن السير وراء تلك الأحزاب سيقودها إلي جحر ضبٍ أجرب، ومتي تعلم الأحزاب السياسية أنها يجب عليها أن تبني أمجادها بالعمل الجاد الدءوب المؤسس علي فكر نابع من ثقافة سليمة معافاة من سَِقام ماضيها البغيض، وواقعية وحداثة تقتضيها الراهن السياسي وأدبياتها الهجين بين المحلية والعالمية، ويتطلب ذلك أن توقن تلك الأحزاب أن زمن الانتهازية السياسية والخم والغش وتغبيش وعي الجماهير قد ولَّي. 6) التعامل والتعاون، التقارب والتفاهم ثم التحالف الذي تم بين الأحزاب والتنظيمات السياسية في جوبا ما هو سوي استجارةً من رمضاء الإنقاذ والمؤتمر الوطني بنار الحركة الشعبية، رغم تأكد الناس من حسم الحركة الشعبية أمرها بالانفصال عند حلول اجل الاستفتاء في2011م، فضلاً عما يُقال عن الحركة الشعبية الآن، من ضيق بالتنظيمات الجنوبية الأخرى وإقامة حكم شمولي في دولة الجنوب يفتقر إلي حكم القانون والمحاسبة وكل مقومات الحكم الرشيد، وإدارة للموارد وفق الهوى وغياب الشفافية دون أن نري نفياً مسنوداً بالأدلة من الحركة الشعبية.. ويبقي السؤال: ماذا يبتغي أحزاب المركز، بهذا التهافت، من الحركة الشعبية بعد ما فات الأوان؟؟ وكنتُ قد أكدّت في الجزء الأول من هذه المادة، بأن هذا التجمُّع(التجمع الوطني الديمقراطي)الذي انفرط عقده بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير 2005م، كان مُمكِناً وفاعلاً إذا التأم في بداية الفترة الانتقالية، فور البدء في تنفيذ الاتفاق المسمي شاملاً، وما هو بالشامل.. أما وقد فات الأوان، وحسم الجنوب مسألة تقرير المصير، لأن القوي السياسية فشلت تماماً في أن تُساهم في جعل الوحدة جاذبة وهو هدف كان إستراتيجياً، بمعني أنه، يجب أن يساهم فيه الجميع، من كل حسب مقدرته وموقعه.. ولكن، وللأسف، فشل الجميع في دفع ذلك الاستحقاق فقرر الجنوب الانتصار لكرامته ومصلحته، والانتفاع بكامل نفطه الذي يستأثر به الآن أهل المركز بجُله ثم يسيئون للجنوب!! والمركز بأحزابه السياسية التي تنشط هذه الأيام لفعل شئ ما غير واضح المعالم، هذا المركز وأحزابه لا يجتمعون علي مصلحة وطنية عامة، ولا فهم أو رؤية شاملة، لأنهم كانوا وظلُّوا منافذ لأفكار وبرامج مستوردة من الخارج، فمن أحزاب المركز من هو صناعة مصرية ترعي مصالح مصرً في السودان، الامتداد الإستراتيجي جنوباً مقابل عمولة قوامها حِفنة من الدنانير، ومعلوم للعامة تسليم أولاد البلد وخيراته للفراعنة منذ فجر التاريخ.. لذلك تجد أن كل المستعمرين أتوا من بوابة الشمال المُشرَعة للغزاة، ولم يؤتَ السودان من غير بوابة الشمال، واليوم حلايب محتلة من جارة الشمال..ومن أحزاب المركز من يريد أن يزرع في أرض السودان أفكاراً أتي بها من جارة شمال الوادي رُغم أنها، لا تنبت في أرض السودان ولا تثمر فهي كالتفاح والعنب والكمثري، أو الماركسية والبعث والناصرية، نسباً إلي جمال عبد الناصر ولا أعرف للرجل فكراً يستحق أن يُصدَّر خارج مصر، خاصة وأن تعريب السودان ولصقه كالدمغة في جدار العروبة جريمة تاريخية لا تغتفر، وجرَّت علي شعوب السودان البلايا والمهانة والحرج والحيرة: نحن عرب؟ بس كيف.. فهِمنِي!!.. في إفريقيا لا يوجد هذا النزوع العنصري الذي يجعل الشعوب تنتمي لرابطة العرق بدلاً من رابطة الوطن/الأرض والشعب والموروث القيمى والثقافي والرابطة الاجتماعية المقدسة، وتكفينا التجربة الأخيرة، وهي: إحضار منتخبي مصر والجزائر للتباري في أرض السودان في ظروف علاقة حرجة بينهما، وما ساق لنا ذلك الأمر من إساءة وتحقير من الدولة التي اختارت السودان بمحض إرادتها بناء علي أوهام الماضي الاستعماري البغيض وبدون أخذ مجرّد الإذن من السودان!! وفات علي تلك الدولة، أن السودان قد تحرر ونضِجَ وعياً، وأصبح بوسعه أن يُميِّزَ ويختار الشعب والمنتخب الذي يسانده بِحُرِّ إرادته، فأختار أحرار السودان مؤازرة أبناء بن بيلا وبومدين وبوتفليقة، كما اختار آخرون الوقوف مع الجزائر لروابط عرقية، فبعض السودانيون القدامى أصلهم أمازيق.. إذاً، لماذا يُستكثر علي شعب السودان عزوفه عن دعم الذي سرق ثرواته ودَنَّس أرضه وهتك عِرضه وباع أبناء السودان في أسواق الرقيق.. مصر هي التي فعلت ذلك بالسودان بمساعدة عملاءه المعلومين للجميع، وشكراً لأمازيق الجزائر لأنهم رفعوا رأسنا عالياً يوم لقنوا أسياد أسيادنا درساً لن ينسوه.. والعيب ليس في مصر ولكن في السودان الذي رضي بهويةٍ اسمها جنوبالوادي/ يعني منبع النيل(UpperNile) شريان حياة مصر..علي أي حال نحن لا يهمنا كل هذا، ولا نعتقد أن النيل شئ واحد في كل البلاد، فهو عنيف جامح لا يستطيع أحد الاقتراب منه في المنابع العليا، وعذب سلسبيل في السودان ثم عكِرٌ متغير اللون والطعم والرائحة في مصر وقد حُمَّل أوزاراً في طريقه من المنبع إلي المصب. هكذا صببتُ جام غضبي وحُزنِي، علي الذين لا يريدون لنا التحرر من الأسياد، ويريدون أن يضيعوا مشروع التحرير الكبير ببيعه في أسواق الطائفية المُحتضِرَة، ليجعلوا من حركة تحرير السودان طوق نجاة لإنقاذ تنظيماتهم التي، أمّا عفا عنها الدهر لفشلها في تسويق فكر مستورد لا ينبت في أرض السودان الخاص جداً(Unique)أو لأنها تفتقر إلي الفكر والرؤية وتعتمد التخدير بالدين والطائفة وتاريخ الأجداد وادعاء السيادة والشرف. وفي المرة القادمة سأحدثكم عن مُذكِّرة (السيدين) للحاكم الإنجليزي عندما صدر قانون محاربة الرق في السودان، وصدرت الأوامر بتحرير العبيد والإماء وإخلاء سبيلهم فوراً. عليه، ولما تقدم، ننبِّه قيادات جميع حركات التحرر أن احذروا عدوي أنفلونزا الانتهازية السياسية القادمة من أعماق الماضي البغيض، وأن لا نؤت من المأمن، وأن حصافة القيادة ورُشدها تأت من التعلُم من تجارب الماضي القريب، والتجربة خير مُعلِِّم، ولا وقت لدينا نُضيعه في تجريب المُجَرَّبِين والرِِمَم. وقد أعذر من أنذر، وإنِّي قد بلغتُ فأشهدوا يا ثوار التحرير في كل مكان.