إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    الشعبية كسلا تكسب الثنائي مسامح وابو قيد    مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة العلاقة بين الحركة الشعبية والأحزاب السياسية السودانية ... بقلم: عبد العزيز عثمان سام
نشر في سودانيل يوم 16 - 09 - 2009


عبد العزيز عثمان سام- عمان/ الأردن
abdelaziz sam [[email protected]]
تنظر كافة القوي السياسية السودانية بامتنان إلي الحركة الشعبية لتحرير السودان، لما قدمتها الحركة للسودان، وطناً وشعباً من تضحيات عِظام لإيجاد وطن كالأوطان، وطن ينتمي إليه الناس لأنهم منه وتُعبِر عنهم ويسارعون في بذل المُهج للحفاظ والدفاع عنه، وفي سبيل ذلك دفعت الحركة الشعبية أغلي ما تملك في حرب طويلة استمرت لعقدين ونيف من الزمن، انتهت بمخاض عسير لمولود جميل هو اتفاق السلام الشامل يناير2005م، وعندما وطئت قدماه مطار الخرطوم، قَدَّمَ قائد السودان الجديد البطل الشهيد الدكتور جون قرنق دي مبيور اتفاق السلام الشامل هدية قيمة للملايين الذين خَفُّوا لاستقباله بالمطار ثم الساحة الخضراء حيث احتشدوا كيومِ الحشر.. الدكتور قائد مسيرة الحرية، أدي أبلغ رسالة وأدي الأمانة للشعب الذي أحبَّه وضحّي لأجله. والأيام القليلة التي قضاها بعد استقبال التسليم والتسلم ذاك، بذلها الدكتور في إرساء سُنن التوحد، ورسم خارطة الطريق للحفاظ علي مكاسب اتفاق السلام الذي أهداه للشعب، بذل تلك الأيام القليلة جداً يُحرِض الشعب السوداني علي الخوض في معاني ومضامين الاتفاق وحمايتها واستدامتها، ويرسم خارطة الطريق للشعب عبر قواه السياسية وتنظيمات مجتمع المدني للسير فيه بقِطِعٍ من الليل نحو صبح الوحدة الأبلج والسودان الجديد، علي هُدَِي رؤيته للسودان الجديد الذي يزمع بناءه علي أنقاض السودان القديم الذي بذل هو، والرفاق، عمرهم للخلاص منه..
الشعب السوداني من خلال تنظيماته السياسية ومؤسسات مجتمعه المدني يقع علي عاتقه التزامات كبيرة وواجبات ضِخَام، وعليه دفع مستحقات تثبيت اتفاق السلام الشامل وحشد الطاقات لتأسيس الوحدة الطوعية الجاذبة، ويعني ذلك، أن دور المجتمع السوداني لم ينته بالاحتفاء الحاشد والاحتفال المبهج بمقدم الدكتور إلي الخرطوم لتقديم عُصارة جهدِه هديةًً للشعب السوداني، وما الحفل التاريخي العفوي يوم مقدمه سِوي بيعَةً وعهداً لما سيأتي بعده.
وسأدخل مباشرة لعرض الفكرة التي أرمي إليها من هذا المقال، وهي:
ما هي القواعد المشتركة بين الحركة الشعبية والأحزاب السياسية السودانية؟؟ وهل يوجد فَهْم أو رؤية فكرية مُشتركة بين الجانبين لإنتاج مشروع وطني يَعبُر بالبلاد إلي بَرِّ الأمان؟ أم أن الأمرَ كُلَّه مراوحة بين مناورة وأخري، بحيث تستغِِل الحركة علاقتها بالأحزاب السياسية للضغط علي شريكها في الحكم، حزب المؤتمر الوطني(الحكومة)وقت الشِدَّة.. وكذلك الأحزاب السياسية تستغِل مشروعية وقوة الحركة الشعبية والاحتماء بها في التعبير عن بعض المواقف، وصب جام غضبها ونِغمتها علي المؤتمر الوطني عندما يُغالي ويتعسف في ممارسة الحكم واتخاذ المواقف الفردية المنكفئة في القضايا الوطنية دون إشراك الأحزاب السياسية ؟.. باختصار، هل يوجد مشروع وطني وآليات مشتركة تعمل لإنجازه ليل نهار، أم أن الأمر لا يعدو كونه التقاء عاطفي موسمي، واستخدام ولجوء وقت الشِدَّة ثم ينفض السامر لحين اللقاء في شدة أخري قادمة حتماً.. ومؤتمر الأحزاب السياسية في جوبا (تم تأجيله عدة مرات) هل هو مؤتمر جِدِّي واستراتيجي لوضع سياسات وخلق آليات لبناء مشروع وطني يؤسس لفكرة ورُؤيَة ومنهج وآليات لتخليص وطن آيل إلي الفناء؟؟ أم هو مجرَّد ملاذ آمن يُوفِر البوح الحُرّ والشماتة السياسية والأحلام المُستحيلة لقادة الأحزاب السودانية؟ هذه هي جملة الأسئلة التي بتناولها، ولا أقول الإجابة عليها، أكون قد ألقيت الضوء علي الفكرة التي ظَلَّت تَلِحُ عليَّ مُخيلتي حول مشروع الحُب في أحلام اليقظة الذي ظلَّت تُمارسه الأحزاب السياسية السودانية تجاه الحركة الشعبية لتحرير السودان دون التقدم خطوة واحدة للاعتراف بفشل السودان القديم والانخراط في بناء سودان جديد يحفظ الوطن مُوحَّداً ومتّسِعاً للجميع.
وأجدُ ضرورة تثبيت حقائق مهمة، هي:
1) باستثناء حركات الكفاح المسلح التي تلتقي في الفِكر والرؤيةً مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، لا يستطيع أي حزب سوداني قديم، أن يدَّعِي أن لديه مشروع وطني مشترك مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، ذلك أن الأحزاب السياسية القديمة ظلَّت تطرح رؤى وبرنامج مُستَمدَّة من السودان القديم القائم علي المركزية والشمول والإقصاء والتهميش وفرض الثقافة العربية والدين الإسلامي علي عموم شعوب السودان، أحزاب تتدثر بالهوية الخيالية المزيفة وتعتقد أن هنالك مشروع مشترك بين السودان وما تعرف بجامعة الدول العربية، أحزاب تؤمن بأن القضية المركزية للسودان هو فلسطين ومشكلته مع إسرائيل!! أحزاب لا تعلم ما جري وما يجري في دارفور منذ العام 2003م أحزاب تعتقد أن السيادة تكمن في شخص الحاكم لا في الشعب والأُمَّة.. بينما حركات الكفاح المسلح تناضل لإيجاد وطن آخر، عكس هذا الذي بناه وأقام قواعده الأحزاب السياسية القديمة.. ولم نَرَ طوال فترة الأربعة سنوات التي هي عُمر الفترة الانتقالية، وِرَش عمل فكرية تُعرَض فيها أوراق تحمل رؤى مشتركة ومناهج وبرامج مُدمجة بين الأحزاب السودانية القائمة والحركة الشعبية وحركات الكفاح المسلح الأخرى لتأسيس مشروع حكم مشترك يؤسس لتحالف قُوَي وطنية وبناء كُتَلة سياسية تُقدِم برامج مُفصَّلة ومتكاملة لجماهير الشعب السوداني لتلتف حولها وتتبناها وتًبشِّر بها في أية انتخابات حُرة ونزيهة قادمة.. وفي غياب ذلك، ظلت العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الشريك في الحكومة، هي أقوي المنابر حضوراً وتنظيماً وتلاقياً عبر آليات مُتعدِدة، بينما ظلّ دور الأحزاب السياسية محصوراً في المراقب لأجل التسلية والشامتة أحياناً، فيما يدور بين شريكي الحكم، وفات علي الأحزاب السياسية القديمة أن لها دور سياسي مِحوَرِي يجب أنه تلعبه لتحقيق هدفين أساسيين: الأول: أن تشكِّل مجموعة ضغط وطني لدفع طرفي الاتفاق لتنفيذ بنوده بجدية تامة لخلق مناخ سياسي مناسب لإحداث التحول السياسي بتأمين، وتكريس، وثيقة الحريات والحقوق، وإصدار قوانين التحول السياسي للجم زُمرة الإنقاذ من إعادة إنتاج نفسها بتزييف عملية التحول السياسي وتزوير الانتخابات بالقانون، والثاني: هو إيجاد بيئة سياسية تساعد علي بناء واقع سياسي واجتماعي يجعل وحدة السودان جاذباً بمعالجة إشكالات الحرية والثقافة والهوية والإفراج عن مؤسسة الدولة من قبضة (الإنقاذ) بما يرتفع بفُرصِ الوحدة إلي مصاف الخيار الأول لشعب جنوب السودان.. هذا الواجب لا يقع علي عاتق حزب المؤتمر الوطني وحده كما تعتقد الأحزاب السياسية القديمة، ولا علي حكومة السودان، ولكنه يقع علي عاتق الشعب السوداني كله وبالأخص الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الممثلة الشرعية للشعب والأمة.. فهل تعلم الأحزاب السياسية القديمة أن الآليات المشتركة لتنفيذ اتفاقيات السلام بين ممثل المركز والحركات المسلحة، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية ليست قائمة لتحقيق برنامج سياسية مستقبلية لحكم البلاد، ولكنها آليات تأتي في سياق تنفيذ بنود اتفاق السلام الشامل والاتفاقيات التكميلية الأخرى،علي المستوي التشريعي والتنفيذي، لا علي المستوي السياسي الذي يتحسس السبيل إلي مستقبل مشرق وزاهر وموحَّد لشعوب السودان، فتلك معركة أخري ميدانها العمل السياسي والحوار القائم علي تفهم ما يجب أن يكون لمستقبل الدولة، وليس واجباً خاصاً للعناصر التي تُشكِّل حكومة الوحدة الوطنية، ولكنه مهمة وطنية وفرض عين علي كافة القوي السياسية والمجتمعية.
2) الحركة الشعبية تعلم منذ البداية، خواء التنظيمات السياسية السودانية فكرياً، وعجزها وعزوفها عن إنتاج رؤى وبرامج وخطط صالحة لإحداث التغيير الجوهري الذي تنشده الحركات الموقعة علي اتفاقيات السلام شرطاً جوهرياً للوحدة، مُقارنة بالفكر المستنير والنشاط الدائب للحركة الشعبية ورفيقاتها من قوي الهامش الأخرى المُصمِمة علي إيجاد وطن حقيقي للجميع أو البحث عن خيارات أخري تحقق للناس عناوينهم الأساسية في الحياة من حرية وثقافة وهوية وحُلُم بمستقبل زاهر..
3) الأحزاب القديمة التي تُعرَف بالتقليدية، ظلَّت منذ صبيحة التوقيع علي اتفاق السلام الشامل، تكيل النقد للاتفاق باعتباره ثنائياً، وتبخس محتوياته وتستكثر علي أطرافه الوصول إليه وتثبط من هممهم، وتتحدث تلك القوي الهالِكة عن مؤتمر قومي دستوري طفقت تهزي به لأكثر من عقدين من الزمان ولم يخرج ذلك المؤتمر بعد، من طور التنظير، فكل الأشياء عند سادة وأشراف الأحزاب القديمة، تبدأ وتَمُوتُ في طور التنظير، فعملهم هو التنظير ثم التنظير إلي ما لا نهاية، لا يملون التنظير فملَّهُم الناس.. وأما النقد بثنائية الاتفاقيات المُبرمة بين الهامش وممثل المركز فهو نقد مردود عليه بسؤال: من هم الأطراف الغائبين في الاتفاقيات المبرمة؟؟ ألم تكن هي نتاج تفاوض وتفاهمات بين ممثل المركز وقوي من الهامش السوداني لديها رأى في عموم شكل الدولة السودانية وتم التوصل إلي هذه الاتفاقيات التي أوقفت الحرب والكفاح المسلح، فوضع الأطراف سلاحهم وطفقوا ينفذون بنودها وصولاً إلي شكل الدولة المتفق عليها من حيث القِيَم: المواطنة، الحرية، المساواة، الديمقراطية، والوفاء وحسن القصد كلازمة أساسية في كل ذلك، بدلاً من الالتفاف والجحود الذي ظل يشهده العالم من أناس يليق بهم الوفاء والصدق والأداء.
4) الأحزاب السياسية استفادت من اتفاق السلام الشامل والاتفاقيات التكميلية استفادة كبيرة، دون أن تدفع مقابل ذلك شيء، فقد ألقت هذه الاتفاقيات من كاهل القوي السياسية عنت الكفاح والنضال والسجون، ووفرت لها ما تُرِيد من حريات وحقوق داخل الدستور الوطني، ولكنها - أي الأحزاب- لم تدفع التزاماتها مقابل تلك الحقوق، لم تَقُم بواجبها لاستدامة ما تحقق بالاتفاقيات، فالغَيْرَة تأكل أكباد هذه الأحزاب أن تري حركة/حركات من الهامش توفر لها كل هذا الغِطاء من الحرية والكرامة والأمل، ومعلوم حال الأحزاب السودانية القديمة قبل اتفاقيات السلام التي رفع راياتها أبناء الهامش السوداني نيابة عان عامة الشعب السوداني ضد نظام الإنقاذ.. قادة هذه الأحزاب مُنِعُوا من أن ينبثوا ببِنتِِ شََفّة في أي شأن يهم الوطن، وضاق بهم الحال فمنهم من أُضطر إلي الهجرة واللحاق بنضال الهامش بالخارج، ومنهم من اتخذ من باطن الأرض ملجأ وملاذاً بعد أن ضاق بهم ظاهِرها. تبدل الحال أمناً وحرية وثقة بالنفس بتوقيع اتفاق السلام الشامل ثم الاتفاقيات التكميلية التي لم تكتمل بعد، فعاد من هاجر ورحل وأخرجت الأرض أثقالها من قادة الأحزاب السياسية القديمة فداوموا كعادتهم يزينون المجالس السياسية والاجتماعية بحضورٍ أنيق وحديث ممجوج ومحفوظ ومكرر، لا يقدم طرحاً وطنياً، وفاقد الشيء لا يعطيه.. علي أن الأحزاب السياسية، بالمقابل، لم تدفع استحقاقات استدامة ذلك التغيير المُهِم، ويجب أن يعترف قادة وجماهير التنظيمات السياسية القديمة والتقليدية أنهم يفتقرون تماماً إلي مُنتَج مُقنِع يقدمونه لجماهير الشعب السوداني سوي دغدغة العاطفة الدينية والطائفية التي تغني ولا تخدم ولا تعالج من داء ولا تبني طريقاً او مصحّة أو مدرسة لأن هذه الأحزاب قد تخَلَّفت طويلاً عن ركبِ النمو والتطور الطبيعي رُغُم امتلاكِها للدُوُر وللكادر البشري،التاريخي، العارف بنظم الإدارة القديمة، إلا أنها تفتقر تماماً إلي مُقتضيات العصر ومفهوم الحكم وغايته، بسبب الثُبَات الذي غَطَّت فيه هذه الأحزاب المُسِنّة لعقدين من الزمان، ويمكنكم تخيُّل هذه الأحزاب باستحضار مؤسسة أو شركة خدمات ما زالت تستخدم الآلة الكاتبة في طباعة مكاتباتها وترسلها بصندوق البريد التقليدي وما يتبع ذلك من إرسال المكاتبات بالسركي، إنه نمط قد زوي.
5) الحركة الشعبية وحركات التحرر الُموقِعة مع المركز علي اتفاقيات سلام، تعلم يقيناً عجز هذه الأحزاب السياسية التي تقبع في المركز،عن تقديم أية دعم للاتفاقات المبرمة أو الدفع بالطرف المُمثِل للمركز لتقديم مُستحقَّات السلام لجعل الوحدة جذَّابة، لأنّ هذه الأحزاب ضائعة وفاقدة للإرادة ولا خير فيها ولا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرَّاً، هذه الأحزاب تتحسس موطئ قدم لها في سودان ما بعد الانتخابات، دون أن تساهم في وضع المنهج الذي يجب أن يُحكَم به السودان الجديد.
6) هذه الأحزاب القديمة فشلت في الحفاظ علي مكتسبات اتفاقيات السلام المبرمة كحقوق عامة يجب علي الجميع الحفاظ عليها والسهر علي صونها ورعايتها، كما فشلت هذه الأحزاب، (عدا حزب المؤتمر الشعبي) في التعبير عن مواقف واضحة وشجاعة تجاه قضايا أساسية تَهِمّ الوطن مثل قضية عدم الإفلات من العقاب في جرائم ارتكبت في دارفور فأحال مجلس الأمن/ الأمم المتحدة مجرمي الحرب إلي المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي/هولندا، فكانت مواقف معظم الأحزاب القديمة رَخوة أو ساذجة أو رمادية مُتماهية مع الموقف (الحكومي) المُتَّسِم بالإرهاب والغلو في مواجهة الذين يؤيدون قرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد المسئولين السودانيين.. وكذلك في نتائج الإحصاء الناقص الذي لم يشمل مناطق كبيرة في دارفور والجنوب لعدم الاستقرار بسبب الحرب، معظم الأحزاب السياسية لم تنظر إلي موضوع الإحصاء السكاني وضرورة شموله بعين قومية مسئولة لتنظيم قومي ملتزم بقضية وطن، وينشُد تحول سياسي حقيقي، لكنها تعاملت مع هذه القضايا الجوهرية بلا وعي بأهميتها كشرط أساس لإحداث التحول السياسي المنشود عبر انتخابات حرة ونزيهة.. وأن ذلك لن يتوافر في ظل إحصاء مُزيَّف ومُتعجِّل أدي إلي نتائج مصنوعة وباطلة رفضتها القوي الثورية الحيَّة فوراً، بل قبل الإحصاء، بينما تَماهَت معظم الأحزاب السياسية القديمة مع الفريق الحكومي.
7) واضح للعيان تهافُت الأحزاب السياسية ولهثِها خلف الحركة الشعبية لتحرير السودان عارضة التحالف معها في انتخابات قادمة، وفي ذلك ملاحظات أساسية يجب إيرادها،هي:
أ- علي أي شيء يتم التحالف بين حركة كفاح مسلح من (الهامش) وقعَّت اتفاقية سلام مع نظام شمولي يمثل (المركز) وفَشَلَ مُمثِل المركز، بل فشل عموم المركز في دفع استحقاقات السلام وخلق مناخ يُؤسِس لوحدة جذَّابة، وبالتالي عزمت الحركة الشعبية علي سلوك الطريق الذي يحقق لها كرامتها وإنسانيتها ومشروعية وجودها علي ظهر الأرض، طريق تقرير المصير واختيار الانفصال الكريم، والسؤال للذين يُسَارِعُون في خطوبة وُد الحركة الشعبية في الزمن الضائع، هل هذا هو الوقت المناسب لمثل هذا الإجراء؟ أنا أري أنه لا فرق بين حزب المؤتمر الوطني وأي من أحزاب المركز من حيث عرقلة خلق مناخ جاذب للوحدة، وأن أفعال الحزب الحاكم وامتناعه وجحدِه ونقضِه العهود المبرمة مع قوي الهامش السوداني هي جرائم يرتكبها نيابة عن المركز وأحزابه السياسية التي تُشكل كتلة واحدة، ذات ثقافة ومصير وانتماء وهوية ومصالح مُشتركة، هي مؤسسة ثقافية واجتماعية ظالمة لا تحترم الآخر وتُحقِّرَه وتهضِمُ حقوقه وتنشط لاحتوائه وإعادة إنتاجه فيه.. فماذا تريد القوي الراكضة للتحالف مع الحركة الشعبية، وما هي رؤاها في القضايا الأساسية المطروحة علي مستوي إعادة بناء الدولة السودانية وهي: الدين،الثقافة، الهوية والمواطنة المتساوية لواقع حقيقي يجب أ ن يحسه ويعيشه جميع المواطنين ويشهدوا به.. فهل يقبل السادة والأشراف الراكضون خلف الحركة الشعبية، وقادة القوي السياسية القديمة الذين يحجُون إلي جوبا كل يوم أن يقدموا مشروعاً وطنياً مقنعاً ليس للحركة الشعبية، بل لشعب الجنوب الذي سيصوت في الاستفتاء سنة2011م لتقرير مصير الجنوب.. هذا،ويجب أن يعلم الناس أنّه وبنهاية الفترة الانتقالية خرج أمر تقرير الوحدة أو الانفصال من مرحلة الحكومة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي فشلت تماماً في إحراز أي تقدم في هذا المشروع جاذباً بوضع العراقيل والجحود النقض بسبب المتاريس الثقافية المعروفة، فانتقل الأمر الآن برُمته إلي شعب جنوب السودان الذي سيختار، بحرية مصيره،عبر استفتاء 2011م المزمع، بناءً علي الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي الوخيم.. فلا طائل بالتالي، من الركض خلف المسيرة القاصدة لشعب الجنوب المارد إلي حيث كرامته وحريته وقيمته الإنسانية السامقة واسترداد هويته السليبة وموارده المنهوبة منذ فجر التاريخ القديم، ثم البدء في الكتابة بالأحرف الأولي، حُلم النصر والكرامة والنمو وراحة البال والازدهار..
وأختم بالسؤال: ماذا تريد القوي السياسية السودانية القديمة من الجنوب؟ هل تريد إعاقة مسيرته نحو مستقبله الواعد أم هو نوع من الإحساس بالذنب والعجز والندم علي فقدان(الكنز العظيم)؟؟ فالمركز وأحزابه السياسية ظلَّت دوماً، تنظُر إلي الجنوب كموردٍ طبيعي خصب وثروة ونفط وكنز، لا كأرض وشعب بوجدان واحد وحلم مشترك نحو انصهار وطني ورحِم ودَم، هذه حقيقة لا ينكرها غير المنافقين الكذابين من أهل المركز.. وكذلك ينظُر المركز إلي دارفور وكردفان والشرق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.