abdelaziz sam [[email protected]] بقلم: عبد العزيز عثمان سام/ الخرطوم- ديسمبر 09 مؤخراً جداً، أيقَنَتِ القوي السياسية السودانية بالخطر الماحق الذي يتهدد السودان، جراء تصرفات حزب المؤتمر الوطني، طرف اتفاق نيفاشا الذي يُمثِل المركز وحكومة المركز وثقافة المركز التي ظلَّت تُهيمِن علي الدولة منذ نشوءها، هذه القوي السياسية والمجتمعية السودانية أهملت دورها المُهِم في مراقبة تنفيذ الاتفاقيات المُبرمة، والضغط علي أطرافها للوفاء بتعهداتها وفق القيود الزمنية المحددة في الفترة الانتقالية، وبإهمال دورها الجوهري، أعطت هذه القوي السياسية فرصة نادرة للطرف ممثل المركز للحنث والتهرب والجحود بمستحقات السلام، وأدي ذلك الدور السالب للقوي السياسية إلي تعنُت وجحود الطرف الذي يمثل المركز في تنفيذ الاتفاقيات المُبرمة بين المركز والهامش في عملية إعادة بناء الدولة السودانية وفق مضامين الاتفاقيات المبرمة، وبغياب الرقيب الوطني وانحسار دوره الرقابي الضاغط علي الأطراف، وجد حزب المؤتمر الوطني فسحةً للهروب من تنفيذ استحقاقات المركز تجاه الهامش، وبالتالي، إدخال البلاد والعباد في طريق مسدود. وأعتقد جازماً، أن مؤتمر/ملتقي جوبا بمخرجاتها القوية قد جاء متأخراً جداً وبعد فوات الأوان، ويختلف الحال والوضع لو أن هذا الاجتماع قد التأم قبل عامين أو ثلاث لأمكن تفادي الواقع الراهن ذو المهددات الخطيرة، أن التأخير في دعم ومؤازرة أطراف الاتفاقيات المبرمة ودفعها نحو التنفيذ الجاد، أرسل رسالة سالبة لقوي الهامش التي تمثل الطرف الآخر في تلك العهود مفادها: أن قوي المركز سعيدة ومساندة لممثلها، حزب المؤتمر الوطني، في الجحود والتلكؤ والتنكر لاستحقاقات الهامش السوداني داخل تلك الاتفاقيات موقوفة التنفيذ، والتنكر والجحود وخرق العهود والمواثيق هي سمات التصقت بقوي المركز السوداني التصاق قرار.. وأن استمرار قوي المركز، في الحكم أو خارجه، ف إتباع هذا المنهج سيؤدي حتماً إلي انهيار البلاد ودمار كل شئ..ومردّ ذلك ليس لأن ممثل المركز في الاتفاقيات المبرمة هو وحده السيئ ولكن لأن المركز كُله عبر تاريخه الطويل في الهيمنة علي الدولة وجهازها وثقافتها ومواردها كان الأسوأ.. أنا أعتقد أن الإنجاز الذي قام به الإنقاذ/حزب المؤتمر الوطني تجاه حل أزمة الحكم في السودان غير مسبوق، هذا التنظيم العقائدي الذي لا يؤمن بالآخر ولا يعترف بالدولة القطرية ولا بالمقومات الثقافية والتاريخية للأمة، بل هو تنظيم يؤمن برؤية أحادية ويكّفِِّر ثم يقمع ويبطش بمن يختلفون معه في الرأي، ولكن رُغم ذلك أنجز هذا التنظيم، بعد إجراء مراجعات فكرية وتنظيمية مهمة، أنجز أهم وأعظم التحولات علي مستوي البنية الثقافية للدولة السودانية عندما فاوضت، طوعاً أو كرهاً، أبناء الهامش السوداني أينما كانوا، واقتنعت من خلال التفاوض والحوار باسم المركز ونيابة عنه، بحقيقة الدولة السودانية من حيث تنوع مكوناتها وبالتالي ضرورة التأسيس علي هذا التنوع في بناء دولة حقيقية بدل تلك المزيفة مطموسة المعالم والملامح، فجاءت اتفاقيات السلام جميعها متضمنة لنصوص تكّملُ بعضها بعضاً لمعاجلة الاختلال الكائن في شتَّي مناحي الحياة في الدولة السودانية..وفي مرحلة تنفيذ وتطبيق هذه المضامين علي الأرض واقعاً، وهي مرحلة يحتاج فيها الأطراف إلي دعم ومساندة القوي المكونة للمجتمع السوداني وبخاصة السياسية منها لأنها هي التي كانت تُمارِس كافة أنواع الاختلال في الدولة السودانية حتى ليلة الثلاثين من يونيو1989م، هذه هي الحقيقة. إن المفاهيم والقواعد الجديدة التي يجب أن تقوم عليها الدولة السودانية مؤسسة علي مضامين الاتفاقيات المبرمة لا تقع، في مرحلة التنفيذ، علي عاتق أطراف الاتفاقيات، بل علي الجميع وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية التي حكمت الدولة بإعِمال الغش والاستغلال والإقصاء والتهميش وتغبيش الوعي وعدم الرشد وغياب الشفافية والاستعلاء الديني والثقافي، يجب علي هذه القوي السياسية أن تُعِيد إنتاج نفسها علي القواعد الجديدة وفق الاتفاقيات المبرمة أولا، وهذه خطوة مهمة للغاية، ولم تقدم الأحزاب والقوي السياسية علي تطبيقها حتى الآن. ألم يعلم السادة والأشراف أن السودان قد تغير وأنه لا استغلال ولا غش باسم الدين أو الطائفة بعد اليوم؟؟ ومؤتمر جوبا ومُخرجَاتها تظل ناقصة ولا تُؤسِس لعمل إستراتيجي مشترك، وقِمَّة الاستهبال السياسي أن يدَّعِي من لا يجمع بينهم رؤية أو فهم مشترك الاتفاق والوفاق، بينما قلوبهم شتّي ومصالحهم في تضاد، وقمة الانتهازية السياسية أن يعلن من لا يجمع بينهم هدف إستراتيجي التحالف والوئام، فما الذي يجمع بين الذين حضروا ملتقي/مؤتمر جوبا غير كراهيتهم لحزب المؤتمر الوطني الحاكم لأسباب مختلفة؟ من العيب أن تجتمع أمة عظيمة قوامها مجموعة متنوعة من الشعوب والثقافات والأديان، ومناخات وبيئات مختلفة علي كراهية عضو من أعضائها، والتحفز للإطاحة به دون أن يكون هناك بديل متفق عليه، علماً بان العضو الذي يتم التآمر للإطاحة به هو طرف أساس وممثل شرعي للمركز، وبصفته تلك أبرم مع أبناء الهامش السوداني الأساس المتين لإعادة بناء دولة سودانية بادت وانهارت وخارت في زمان حكم الذين يتآمرون الآن للعودة إلي الحكم من جديد بنفس الشخوص القديمة والأفكار البالية ومناهج الحكم التي عفي عنها وبأصحابها الدهر..وعليه، ما لم يتبرأ الجميع من منهجه وفكره وبرامجه القديمة القائمة علي الغش والخمّ والتمايز العرقي والديني والطبقي، ويثبت براءته منها أمام الملأ ويخضع لفترة اختبار وحسن سير وسلوك سياسي، فإن الإنقاذ/المؤتمر الوطني، رغم ثقل دمِّه، يظلُّ خير من تلك الأحزاب السياسية البالية.. و إلاَّ، فأين الخير الذي يُبتَغي من تنظيمات سياسية قامت وسادت وبادت علي أسس ومفاهيم انتهازية قوامها علاقات تبعية وطائفية تقوم علي أبشع أنواع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، تنظيمات قامت وظلت تتمحور حول تمجيد السيد والشريف، وكل برامجها ورؤاها وسياساتها تكرِس التمييز الواضح بين عضويته بين سادة/شرفاء وعبيد يؤمرون فيطيعون الأوامر، وهمهم الأساس هو التقرب إلي السيد والشريف بالتزلف والملق الذي يمجد نسبهم الذي حسب زعمهم يمتد إلي أشرف خلق الله(ص) وهي فريه يبتدعها كل من أراد استغلال عباد الله في غير ما أمر به الله.. لذلك أعتقد جازماً أن حزب المؤتمر الوطني، ولِيد الإنقاذ، هو نتاج طبيعي لفشل المؤسسة السياسية السودانية في الخروج من قوقعته الذاتية ونرجسيته المُمعِنة في الانكفاء علي الذات، ثم غياب المشروع الوطني حتى اللحظة مما وفَّر بيئة صالحة جداً لذوي الأجندة الخاصة لاستغلال العسكر في الوصول إلي السلطة عبر انقلاب يونيو1989م وتظل الانقلابات العسكرية تترى في ظل غياب المشروع الوطني الذي يسع الجميع ويخاطب ويعالج كافة المشاكل والقضايا ويضع لها الحلول الناجعة..علي أن أهل الإنقاذ والمؤتمر الوطني هم أيضاً ضمن ضحايا الحكم الكفيف الذي ظل يرزح تحته الجميع في السودان.. هذا حديث مُهم لفتح الآفاق علي البدائل القادمة قبل الحديث عن تحالفات تكتيكية هدفها البحث عن مركوب، أي مركوب يُوصِل إلي سُدة الحكم وإزاحة النظام الحاكم ثم العودة بالبلاد إلي عادة (البوربون) الذين لا ينسون شيئاً ولا يتعلمون شيئاً. أمَّا بعد، فبعد شهرٍ كامل، ظللت فيه عاكفاً علي متابعة التسجيل للانتخابات التي قد تأتي، أتلقي فيها البلاغات، من مكاتب الحركة بالأقاليم حول مخالفات حزب المؤتمر الوطني واحتكاره التسجيل عبر حضوره الكثيف علي أعلي مستوياته القيادية في مراكز التسجيل واستقطاب مواليه إلي المراكز ومحاولة وضع العراقيل أمام غير الموالين له، كل ذلك عادي ومألوف في فقه التنافس السياسي ولكن غير الطبيعي وغير المألوف هو الغياب التام لبقية القوي السياسية التي تدَّعِي الشرعية والأهلية للحكم، من هذه المعركة، معركة التسجيل التي هي وقود الانتخابات ولا تتم بدونها.. مثلاً نحن في حركة تحرير السودان قد استنفرنا كافة جهدنا للتسجيل واستنفرنا جماهيرنا بجميع أقاليم السودان لخوض غمار هذه العملية المهمة، رغم أننا لدينا رأي واضح في مُجمَل عملية التحول السياسي، من حيث التوقيت والإعداد، وما زال رأينا في الإحصاء، حجر الزاوية في العملية الانتخابية ثابت لم يتغير، وبالتالي نكون أبعد التنظيمات السياسية من دخول المعترك الانتخاب، ولكننا نفخر بأننا الوحيدين الذين زاحمنا حزب المؤتمر الوطني وكشفنا سوءاته وخروقه الكبيرة في عملية التسجيل، وأننا التنظيم الذي ظل يودع لدي رئاسة المفوضية القومية للانتخابات، بلاغات يومية بمخالفات التسجيل في جميع أرجاء السودان ما عدا الجنوب، مع أننا كما أسلفت آخر المنضمين إلي نادي التنظيمات السياسية الحالمة بالحكم، وأقلها رغبة في دخول الانتخابات، لذلك كان حتماً علينا المساهمة الفاعلة في خطوة مهمة عفي عنها الدهر لعقدين ونيف من الزمان، فالسودان لم يُعّد سجل انتخابي منذ العام1986م آخر انتخابات حرة ونزيهة لم تستفد منها البلاد ولا العباد لأنهم انتخبوا من لا يَهُمه البلاد ولا العباد، همهم فقط تكريس السيادة والشرف وإخضاع رقاب الأحرار لنزقهم وأهواءهم ومصالحهم الضيقة، وإذا عاد أولئك لحكم البلاد مرة أخري، فعلي العباد السلام، وسيأتي نتيجة للبيئة التي ستوجدها فترة حكمهم من هو أفظع وأشد قمعاً ومصادرة للحريات ونهباً لثروات البلاد من الإنقاذ والمؤتمر الوطني.. لذلك، يجب أن يحقق الشعب السوداني حريته أولاً، ويؤسس لرؤية مشتركة لمجموع الشعوب السودانية ثانياً، ثم الاتفاق علي هوية مشتركة للشعب والأمة وثقافة عامة، ثم من جماع ذلك تخرج القوي الوطنية للناس بمشروع وطني ويستخرج من طياته برنامج سياسي تطرحه لجماهير الشعب وقد ارتفع وعيها، وتأكدت أن شعارات من شاكلة: لن نصادق غير فلان وعلان، وعاش أبو فلان لن توفر لها الهوية والثقافة القومية والتعليم والصحة والطرق والمياه والاقتسام العادل للثروة والسلطة والعدالة الاجتماعية وبقية مقومات الحكم الرشيد الشفاف وحكم القانون وحقوق الإنسان.. هذا، والحكومة أصبحت في الفقه السياسي الحديث خادمة الشعب وحامية مصالح وكرامة الأمة وليس العكس الذي يسود الآن في السودان كما في الماضي منذ بداية الاستغلال بخروج المستعمر الأجنبي وحلول المحلي محله! ليس هذا حديثاً لمواساة الإنقاذ ومؤتمرها الوطني الحاكم ومؤتمرها الشعبي المرابط استعدادا لإحلال محل الوطني، ولكن حتى لا تصور القوي السياسية المجتمعة الآن أنها صالِحة ومستحِقة لطرح نفسها بديلاً للنظام القائم، وأن لديها جديد تقدمه وأنها مستعدة وجاهزة للنزال. إن جوهر المسألة لا يكمن في: كم من السلاح تملك في يدك، وإنما كم نجمة في السماء تريد أن تصطاد! وهكذا أري المسألة، أما النقاشات البيزنطية والمهازل فقد ولَّي زمانها، و حان وقت العمل.(هكذا تحدث الثائر فيدل كاسترو إلي السيدة/ إلدا، زوجة إرنستو تشي غيفارا في ليلة ما من العام1959م) يجب علي من يُريد طرح نفسه بديلاً للنظام القائم، أن يكون قد أعاد إنتاج نفسه ثقافياً وفكرياً ونفسياً واجتماعياً وتخلَّص دون رجعة من اعتقاده بنفسه وأن يخرج إلي الناس شخصاً طبيعياً ومستعِداً لخدمة الشعب لا العكس، ومُستعِداً للتضحية بنفسه وماله لأجل الشعب والوطن لا العكس، وأن يثبت ذلك عملياً للناس.. هذه هي ملامح ومقومات التحالفات القادمة إن كانت هناك ثمة تحالفات قادمة، هذه هي شروط بقاء الوطن موحداً علي قيد الحياة، لو كان هناك ما زال بارقة أمل في بقاء الوطن موحداً، وليعلم الجميع أن هذا الوطن إذا ضاع فقد ضيَّعه الجميع، وإذا بقي فقد أبقاه الله وحده وليس بفضل احد من العالمين.. وأقول لذاك المزهو بنفسه الذي تشدق وترافع بضرورة ذهاب الجنوب بالانفصال، نقول له أن قمة ما وصله في مرافعته كان مُنتَهي الفشل، وأن ما دفعت به ضد الجنوب نِسبِي ولا يقتصر علي الجنوب وحده بل ينطبق علي الهامش كافة، الشرق ودارفور وكردفان وسنار ومدني، وعلي الإقليم الشمالي نفسه لما فيه من تنوع ثقافي وفكري وتنوع في المشروع السياسي، وعليه إذا تُرك أمر البلد لذلك المُمتلئ غروراً وجهلاً ليقرر في مصيره فإنه لن يُبقِي علي شئ، أخضر أو يابس. ضاقَ الوقت وضاع، وضاقت تبعاً لذلك الخيارات: فأمَّا أن نُحقِقَ الحُرَّية وأمّا أن نبقي مُعَذَبِين، ولكي نُحقق الحرَّية يجب علينا أن نعملَ ونكدَّ ونتعب ونُضَحِّي ونُقدِمَ القرابين والشهداء، لأن الحرية حقُ والحقُ يُنتََزع ولا يُمنََح، فالتحية للذين يعملون كفاحاً لتحقيق الحُرُّية، ولا نامت أعين الانتهازيين الذين يعشقون الحرية ولا يدفعون مستحقات تحقيقها مع الثوار، ولا حُرِّية لمن لم يسع لتحقيقها، فليبق الكُسًالى مُعذَّبِين حتى يثوروا. أختم بالقول: أن التحالف القادم هدفه تحقيق الحرية والحرية ثمنها الدماء، إذاً هو تحالف لبذل الدماء ثمناً للحرية، والبخلاء بدمائهم يمتنعون. كما نُحذِّر الثوار من تكتيكات وممارسات النهازين الذين تخصصوا في مص دِماء المناضلين. سأتحدث مرة أخري في هذا الأمر المُهِم، ليس لتفريغ الهواء الساخن من صدري الممتلئ غيظاً علي الانتهازيين الأغبياء، الذين ما زالوا يعتقدون أننا في ثبات أجدادنا الذين تم استغلالهم ونهب مقدراتهم ومستقبل أبناءهم لمصلحة أبناء وبنات السادة الذين يتحفزون لإعادة إنتاج منهج أجدادهم فينا ولكن هيهات.. ولكن نوضح لأبناء(السادة والشرفاء) شروط الذهاب معاً نحو تأسيس تحالف لبناء وطن يسع الجميع علي المواطنة وما يتطلبه هذا الشعار البسيط من عمل كبير وجذري لإعادة بناء التنظيمات والأحزاب القديمة التي أوصلت البلاد إلي أسفل درك، فتمني الناس التغيير، مهما كان فأطَّل الإنقاذ برأسه، فرحب به الناس،أول أمره، من فرط حيرتهم، فمرات تكون الاستجارة من الرمضاءِ بالنار، من باب العذاب ولا الأحزاب، فعلي الأحزاب أن تُغيِّر كل شئ كان سائداً ليلة الثلاثين من يونيو1989م. (نواصل إذا استدعي الأمر المواصلة)