شهدت دول ما كان يعرف بالكتلة الماركسية،أقبح ديكتاتورية في التاريخ الحديث، أطلق عليها ديكتاتورية الطبقة العاملة، ولم يستح الشيوعيون من وصف تلك الديكتاتورية-مغالطة- بالديمقراطية. كانت كل الإنتخابات التي تجري في دول المعسكر الشرقي آنذاك، انتخابات صورية، مصحوبة بزخم إعلامي كبير. في أيام الرفيق يوسف استالين و خلفائه، كانت تجري إنتخابات ( ديمقراطية) داخل الحزب الشيوعي السوفيتي، لإختيار القيادة، عقب ما يسمي بالمناقشة العامة، وكانت تلك المناقشة إجراء ديمقراطياً في ظاهره، اما هدفها المبطن، فلم يكن سوي تصفية القيادات غيرالمرغوب فيها،بعد معرفة آرائها و نواياها، خلال النقاش. ولم تكن إنتخابات الحزب الشيوعي في حقيقتها، سوي تعبيرعن رغبات السكرتير العام للجنته المركزية، وزعيمه الأوحد، الذي كان صوت الحزب، بمثابة رجع الصدي لصوته. بيد ان ديكتاتورية البروليتاريا أضحت أثراً بعد عين،عقب الثورات و الإنتفاضات الشعبية السلمية، التي شهدتها هنغاريا وتشكسلوفاكيا وبولندا والمانيا الشرقية. وكانت رومانيا آخر معاقل الديكتاتورية الماركسية اللينينية، التي دكت قلاعها شعوب شرق أوربا عام1989، وهي تتطلع لآفاق ارحب من الحرية، و الديمقراطية، واحترم حقوق الانسان. ثم اعقب ذلك تفكك جمهوريات الإتحاد السوفيتي، علي النحو المعروف، وبسرعة لم تخطر علي قلب بشر. رومانيا وإنتفاضة ديسمبر89 إنتفاضة رومانيا في ديسمبر 89 هي الإستثناء الوحيد من بين ثورات دول الكتلة الشرقية، السلمية، ضد الديكتاتوريات الماركسية في ذلك العام، حيث كان نظام تشاوشيسكو شديد الفتك بمعارضيه السياسيين، وكان المعارضون في عهده يتعرضون لصنوف من التعذيب البدني، تقشعر لها الأبدان، الي جانب تعرضهم لألوان غريبة من السادية والتعذيب النفسي، كأرسالهم الي مستشفيات الأمراض العصبية والنفسية، للعلاج من (لوثة العداء للحزب الشيوعي والدولة الإشتراكية) وهي ممارسة لاتزال جارية حتي اليوم في الصين الشيورأسمالية، إذ يقوم بعض الأطباء هناك بمعالجة المعارضين السياسيين،من هذا الداء الذي يجهله كل الأطباء، ماعدا الشيوعيين! و تجد ر الإشارة هنا، الي ان بعض الأحزاب المتمسكة بالماركسية اللنينية، في بعض الدول النامية، حتي اليوم، لاتزال تتهم خصومها السياسيين ب(لوثة العداء للحزب الشيوعي) برغم بعدها عن مواقع السلطة والقرار. و عادة ما يأتي ذلك في معرض تسفيه الرفاق لمخالفيهم،و إستعلائهم علي منتقديهم. كما يلاحظ ان بعض الجماعات العقائدية الإسلامية، صارت هي الأخري تتهم من يخالفونها الرأي، ب(لوثة العداء للإسلام) بغرض شيطنتهم وتكفيرهم!! لقد تصدي الحزب الشيوعي، الحاكم في رومانيا، لإنتفاضة ديسمبر 1989 بعنف بالغ، وقامت قوات الجيش و الشرطة والمخابرات، بإستخدام الدبابات وطائرات الهيلكوبتر والرشاشات والبنادق، لقصف المظاهرات الشعبية التي خرجت تهتف،نحن الشعب فلتسقط الديكتاتورية. كان الرفيق تشاوشيسكو الذي خرج حينها لتوه من انتخابات، أعادته لقيادة الحزب الشيوعي الروماني، لمدة خمس سنوات أخري، شديد الإطمئنان لدولته البوليسية،شأن غيره من زعماء دول الكتلة الشيوعية، التي تأسست علي العنف الثوري الماركسي، و نظريات الرفيق لينين، في الدفاع عن الثورة والدولة الإشتراكية، وترسمت خطي الرفيق جوزيف إستالين، في إحكام القبضة الحديدية علي السلطة. ولم يكن يخامره أدني شك، في أنه حبيب الشعب ومعبود الجماهير. وفي غمرة إنفصامه عن الواقع، لم يصدق تشاوشيسكو عينيه، عندما واجهته الجموع الشعبية، التي إحتشدت في بوخارست، وهي ترد علي مخاطبته لها، بهمهمات السخرية والإستهزاء، بدلاً عن التصفيق وهتافات التأييد التي تعود علي سماعها. ولم يجد بداً من الهروب هو وزوجته، ايلينا، وبعض أعوانه، حينما اندفعت نحوهم الجماهير الثائرة، تريد الفتك بهم. كما لم تجد قوات الجيش و الشرطة والبوليس السياسي بداً من الإنحياز للجماهير، ونقل عن احد المقربين من تشاوشيسكو انه قال له:(انا الآن بين خيارين اما ان انحاز لإستبدادك اوأنحاز لبني وطني وأهلي)!! تم ترحيل الرفيق تشاوشيسكو في سيارة خاصة، لإخفاءه وتأمينه علي طريقة الشيوعيين. لكن من كلف بمهمة إخفائه قام بحبسه و تسليمه للثوار. وجرت محاكمة تشاوشيسكو وزوجته ،ايلينا، بواسطة محكمة عسكرية إيجازية، وجهت لهما خلالها عدة تهم من بينها، التطهير العرقي، و سرقة المال العام. وقد نقلت وسائل الإعلام في كل انحاء العالم، خبر اعدامهما رمياً بالرصاص. دروس للتاريخ عقب نهاية حكم الديكتاتور الشيوعي تشاوشيسكو، شهدت رومانيا تحولاً ديمقراطياً، بقيادة إيون إيليسكو، الذي سلم السلطة فيما بعد لحكومة منتخبة، برئاسة ترايان باسيسكو. اما دروس التاريخ التي يمكن إستخلاصها، من تلك الإنتفاضة الشعبية، والنجاح الذي حالفها، برغم العنف الذي واجهتها به السلطة الديكتاتورية في ذلك الحين، فمن أهمها: • ان الأنظمة الشمولية مآلها السقوط، ولن يجدي التحصن بالدروع و الدبابات،وإستخدام البنادق والرشاشات، فتيلاً في مواجهة الغضب الشعبي، و المد الثوري الجماهيري الكاسح. ومهما بالغت الأنظمة الديكتاتورية في إستخدام العنف العسكري، ستعجز في النهاية عن الصمود امام إرادة الشعوب، وتطلعاتها المشروعة في الحرية والعيش الكريم. • تخلف المنهج الماركسي في تحليل الواقع السياسي المعاصر،فبرغم سقوط حائط برلين في نوفمبر 1989، عجزت سلطة الحزب الشيوعي الروماني، عن إستيعاب الكثير من المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الجديدة، بسبب تمسكها بذلك المنهج المختل. في حكاية سقوط تشاوشيسكو، و إنهيار الكتلة الماركسية، التي تمر ذكراها هذه الأيام، عبر بالغة للطغاة الغاشمين، ومن يريدون السير علي دروب الإستبداد و الشمولية، في عالم اليوم!!