استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    محمد وداعة يكتب: المسيرات .. حرب دعائية    مقتل البلوغر العراقية الشهيرة أم فهد    إسقاط مسيرتين فوق سماء مدينة مروي    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    كهرباء السودان: اكتمال الأعمال الخاصة باستيعاب الطاقة الكهربائية من محطة الطاقة الشمسية بمصنع الشمال للأسمنت    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في علاقة جمهورية السودان ودولة الجنوب .. كتبت : مروة التجاني
نشر في سودانيل يوم 09 - 09 - 2015

(حاولتُ أن أرسم خريطة السودان الجديدة.. للأسف فشلتُ، رغم أنني أحفظها بأنهارها، ووديانها، وولاياتها، ومنحدراتها، وكنتُ أرسمها معصوب العينين في طفولتي. الآن فشلتُ وعمري (25) عاماً، حالة مؤلمة حد الوجع أن تشهد وطنك يتقزم وتتناقص مساحته يوماً بعد يوم بفعل الأطماع السياسية وحب السلطة). بهذه الكلمات وصف أحد المواطنين مشاعره بعد انقسام وطنه لدولتين، الأولى بالشمال وتُسمى جمهورية السودان، وتشترك حدودياً مع سبع دول هي مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وأريتريا، والثانية بالجنوب وسُميت جمهورية جنوب السودان، وتمتلك حدوداً مع ست دول أفريقية هي جمهورية السودان، ويوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو.
خارطة الشرق الأوسط
عقب انفصال جنوب السودان في العام 2011م تغيرت خارطة الشرق الأوسط باقتطاع جزء من السودان أكبر دولة عربية وأفريقية وإقامة دولة حديثة في المنطقة هي جمهورية جنوب السودان، وهو حدث سيكون له أثراً عظيماً في المستقبل، بالرغم من حالة الغموض والحرب التي ولدت فيها الدولة الحديثة.
الانفصال السلس الذي تم يفرض على جوبا والخرطوم التعاون في المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية والاجتماعية، وكان يفترض أن يكون مؤشراً لبداية علاقات تعاونية وتجربة ملهمة في الفراق. غير أن طبيعة العلاقة ومنذ بدايتها جاءت عكس التوقعات المتفائلة، فلماذا اتسمت بهذا القدر من التوتر والحذر؟ لا سيما أن الدولتين كانتا تشكلان إقليماً سياسياً واحداً لفترة طويلة من الزمان فاقت ال(50) عاماً .
المواجهات
التاريخ السياسي بين شطري السودان قبل الانفصال يذخر بالأحداث التي أدت إلى هذه النتيجة، وعندما استعمرت بريطانيا ومصر السودان قامت السياسات الاستعمارية بإظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والدينية؛ وفرَّقت المملكة المتحدة في التعامل بين الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، وبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدى الجنوبيين بأن الشماليين هم تجار رقيق؛ لذلك طالب الجنوبيون بنظام الحكم الفيدرالي بعد جلاء القوات البريطانية وانفصال السودان عن مصر؛ لكن الحكومة في ذلك الوقت رفضت الاقتراح متعللةً بأنه سيؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي في المستقبل.
في عام 1958م وبعد تولي الفريق إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، فطالبت الأحزاب الجنوبية باستقلال الإقليم وتم تشكيل حركة أنانيا الأولى التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963م في عام 1972م تم توقيع اتفاقية أديس أبابا وأعطت للإقليم الجنوبي الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا أنه في سبتمبر عام 1983م أصدر الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم ونقل الكتيبة (105) إلى الشمال واتهم قائدها كاربينو كوانين باختلاس أموال، كما تم إرسال قوات لإخضاعها فهربت إلى الأدغال الاستوائية لتصبح في ما بعد النواة الأولى للجيش الشعبي.
كلفت حكومة الرئيس نميري العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة المتمردة إلا أنه أعلن انضمامه للمتمردين؛ مؤسساً الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأعلن أن هدفها هو تأسيس دولة علمانية قائمة على المساواة والعدل الاقتصادي ورفع شعارات يسارية فحصل على دعم من كينيا والرئيس الأثيوبي منقستو ماريام.
بعد سقوط نظام جعفر نميري عام 1985م كان هنالك أمل بالتوصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية؛ و اجتمع رئيس الوزراء الصادق المهدي مع جون قرنق عام 1986م لكنهما لم يتوصلا إلى حل، وفي عام 1988م تم إبرام اتفاق بين قرنق و رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في أديس أبابا، نص على تجميد قوانين سبتمبر 1983م ، لكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد الانقلاب العسكري في عام 1989م بقيادة عمر البشير. وتبنت الحكومة الجديدة شعار الجهاد الإسلامي ضد القوى الجنوبية واستعانت بتسليح مليشيات تُسمى الدفاع الشعبي، وحققت الخرطوم عدة انتصارات عسكرية.
في عام 1991م وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا قامت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية، ثم الجولة الثانية عام 1993م، لكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء .
تضافرت الجهود الدولية من خلال منظمة الإيقاد إلى أن تم توقيع اتفاق إطاري يُسمى بروتوكول مشاكوس عام 2005م، وأُعطي الجنوب حكماً ذاتياً وفترة انتقالية مدتها ست سنوات، وحق تقرير المصير بالبقاء فى دولة السودان الواحد أو الانفصال، وأعطي الفرصة لبناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. في يناير من ذات العام وقّعت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في مدينة نيفاشا .
محطات الصراع
ثمة وقائع مختلفة تاريخياً وجغرافياً حدثت بعد الانفصال ساهمت بصورة كبيرة في تعميق فجوة الخلاف بين الشعبين اجتماعياً وسياسياً بعد أن كانا كياناً واحداً، وهي حزمة من الممارسات سجلت سطور التاريخ الحديث تمثلت في الآتي: اتسمت العلاقة بين حكومتي الدولتين في الخرطوم وجوبا بتبادل الاتهامات ودعم كل منهما وإيوائه للمعارضة المسلحة بحسب ما تناقلته وكالات الأنباء والتصريحات الرسمية الصادرة من الطرفين.
في يناير من العام 2012م أي بعد ستة أشهر من تاريخ الانفصال توقف ضخ النفط وأغلق الجنوب خط الأنابيب الذي يمر عبر أراضي دولة السودان ويصدر عبر ميناء بشائر النفطي المُطل على البحر الأحمر في شرق السودان، وذلك بحُجة عدم الاتفاق على المقابل المادي الذي تتحصل عليه جمهورية السودان، ولإتهام جوبا للخرطوم بسرقة جزء من نفطها عبر خطوط أنابيب نفطية فرعية غير معلن عنها تم اكتشافها بحسب ما تقوله حكومة جنوب السودان.
في أبريل من ذات العام تعرض حقل هجليج النفطي المتاخم للحدود الشمالية لدولة جنوب السودان لإحتلال كامل وعمليات تخريب واسعة طالت بنياته النفطية، واتهمت حكومة السودان جيش دولة الجنوب المعروف بالجيش الشعبي بتنفيذ الهجوم على الحقل وتخريبه .
بدخول الربع الأخير من العام 2012م علا صوت الحكومة السودانية بالشكوى من أن قوات دولة جنوب السودان تحتل وتقيم في أراضي تابعة لها مثل دارفور ومنطقة النيل الأبيض.
كانت منطقة أبيي المتنازع عليها من الجانبين محطة جديدة للصراع، وتبادلت دولة الجنوب وحكومة السودان الشد والجذب والتهديد وتم احتواء الأزمة دولياً في محكمة لاهاي من خلال قوات القبعات الخضراء التابعة للاتحاد الأفريقي وهي إثيوبية الجنسية وتُسمى اليونسفا لحفظ السلام ومراقبة الأوضاع على الواقع خاصة حركة المواطنين من قبائل المسيرية و دينكا نقوك.
مع تزايد حدة الصراع تعرض السلطان كوال دينق مجوك سلطان قبيلة دينكا نقوك والتي تعتبر واحدة من أهم الفصائل الاجتماعية في منطقة أبيي وجزء من عشائر قبيلة الدينكا بالجنوب في أواسط العام 2013م لعملية اغتيال من أفراد مسلحين يزعم انتماؤهم لقبيلة المسيرية وهي من الأطراف المشاركة في النزاع، وجزء من التركيبة الاجتماعية في منطقة أبيي .
في أبريل 2013م تعرضت منطقتا أبو كرشولا وأم روابة في شمال كردفان لهجوم من قوات الجبهة الثورية، فكان رد فعل الحكومة السودانية حيال هذا الهجوم هو إعلان الرئيس السوداني عمر البشير وقف ضخ النفط الجنوبي في أراضي دولته، وسرعان ما تأزم اقتصاد دولة الجنوب وتدهور. بعد عام إتفق الطرفان على استئناف ضخ النفط ونقله وتصديره عبر السودان، دون أن يرتبط ذلك بوقف دعم حكومة الجنوب والشمال لحركات المعارضة المسلحة أو حدوث أي نوع من التحسُّن في العلاقات بين حكومتي البلدين.
منتصف مايو 2015م حذر الرئيس السوداني عمر البشير حكومة الجنوب من دعم الحركات المسلحة عقب هجوم لقوات حركة العدل والمساواة على منطقة "قوز دنقو" في جنوب دارفور قرب الحدود الجنوبية مع دولة جنوب السودان، وقال إن هذه القوات جاءت عابرة من الجنوب وبدعم منه، وأعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين حينذاك أن القوات السودانية ستغلق جميع المنافذ مع دولة الجنوب لمنع دخول المسلحين.
في الجانب الآخر قال الناطق الرسمي لجيش حكومة جنوب السودان العقيد فيليب أقوير إن حالة التذمر والاحتجاج الصادرة من الحكومة السودانية هي محاولة لتبرير الدعم الذي تقدمه الخرطوم للقوات المتمردة والتي يقودها النائب السابق رياك مشار.
البحث عن الوطن
العديد من الدوافع تقف وراء تصويت المواطن الجنوبي للانفصال بنسبة بلغت (98%) إضافة للتباعد الاجتماعي بين مواطني الدولتين، الأمر الذي يزيد من صعوبة التعايش السلمي بين الطرفين، ويقول المحلل السياسي محمد عصمت شارحاً أبعاد القضية ( سنوات الحرب الطويلة التي سبقت التوقيع على اتفاقية السلام بقيت حاضرة بأذهان الجنوبيين وكانت الفترة الانتقالية امتداد لها من خلال عدد من السياسات والإجراءات التي نفذت في جمهورية السودان ووصلت لدرجات من التعقيد يجوز لنا أن نصفها بالتمييز العنصري ولم تجعل من خيار الوحدة بين الشمال والجنوب جاذباً، وكانت الحرب الدائرة في الماضي تأخذ الطابع الجهادي وتم خوضها تحت راية الإسلام والجهاد في سبيل الله ضد شعب الجنوب الذي يدين بالديانة المسيحية، وتبلغ نسبة من يؤمنون بها (80%) بينما (18%) مسلمون و(2%) وثنيون أي لا ينتمون لديانة، الأمر الذي أضاف للإضطهاد السياسي والثقافي والاجتماعي قضية الدين، هذه العوامل ساهمت في غياب ملامح السلام الاجتماعي بين مواطني الشمال والجنوب ودفع بالفئة الأخيرة لاختيار الانفصال لشعورهم بالحرمان من حق المواطنة، هذا النموذج الاجتماعي إذا لم يعالج في المستقبل سيدفع ببقية الأقاليم خاصة التي تشهد صراعاً مسلحاً كدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لاتخاذ خيار الاستقلال الذاتي والانفصال التام بعد ذلك).
وتابع قائلاً (هنالك أزمة ثقة بين النُخب الشمالية والجنوبية منذ الاستقلال وتوارثتها الأجيال المتعاقبة لذا لم يكن لهم دوراً واضحاً في إدارة الخلافات الاجتماعية بين شعبي البلدين. ولم يؤسس الانفصال على قاعدة متينة في التعايش السلمي والإيجابي، وذهب شعب الجنوب يبحث عن الحرية والكرامة والحقوق في وطن جديد لشعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة داخل البلد الموحد، أما النخبة فعنوانهم في تلك المرحلة كان إدارة الصراعات الداخلية والتنافس فيما بينهم، وفي الجنوب لم تختلف صورة النُخب المثقفة كثيراً، وسرعان ما تفشى النزاع بين القبائل على السلطة لينتهي الأمر بحرب أهلية أضافت للذاكرة الجنوبية المزيد من الألم، والجراح).
القضايا العالقة
ثمة قضايا عجز الطرفان عن إيجاد تسويات لها وكان يجب أن تتم مناقشتها خلال فترة الستة أشهر التي تعقب الاستفتاء ونتيجته وحتى التاسع من يوليو 2011م وسُميت بالقضايا العالقة، ويحدثني أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة قائلاً ( تشكل هذه المسألة أبرز أسباب الخلاف بين الدولتين وتمحورت جميعها حول أربع نقاط. أولها قضية ترسيم الحدود، وتقول حكومتا الدولتين إنهما يتنازعان على (80%) من الفاصل الحدودي بينهما، والواقع أن تلك الحدود لا خلاف بينهما حولها من الأساس، بينما الصراع يقع في (20%) والمناطق التي تشملها هي منطقة دبة الفخار وتقع على بعد أربعة كيلو مترات جنوب ولاية النيل الأبيض، ومنطقة جبل المقينص وتقع في مساحة حدودية بين ثلاث ولايات هي نهر النيل وجنوب كردفان السودانيتين وولاية أعالي النيل في جنوب السودان، ومنطقة كاكا التجارية وتفصل بين ولايتي جنوب كردفان بالسودان وأعالي النيل في جنوب السودان وتقع بين دائرتي العرض (10) و(11) درجة شمالاً، ومنطقة كافي كنجي أو حفرة النحاس وتقع في جنوب إقليم دارفور وشمال إقليم بحر الغزال في دولة جنوب السودان وتبلغ مساحتها (13) كيلو متراً مربعاً، وتوجد عدد من مناطق الزراعة الآلية المتنازع حولها في ولاية سنار السودانية، بحيرة الأبيض، كنكدي، هجليج، الميرم، الخرصانة ومنطقة سماحة في جنوب دارفور والأخيرة أضافتها دولة جنوب السودان من طرفها باعتبارها موضع خلاف وتنازع بينها وبين جمهورية السودان. وجاء الفصل الرابع من اتفاقية السلام الشامل متضمناً حسم النزاع بين طرفيها حول منطقة أبيي ولكنهما فشلا رغم طوافهما به المنابر الإقليمية والدولية بحثاً عن إيجاد حل دون أن يتوصلا لاتفاق في الوقت الراهن، وأصبحت بذلك منطقة أبيي هي القضية الثانية العالقة بينهما وفي حال لم يتم حلها مستقبلاً يجوز لنا أن نصفها بأنها ستكون مثل منطقة بادمي التي كانت سبباً للحرب بين أريتريا وإثيوبيا أو إقليم كشمير الذي أشعل الصراع بين الهند وباكستان. أما الترتيبات الأمنية فهي القضية الثالثة وتختص في جوهرها بمسألة فك ارتباط حكومة جنوب السودان بالفرقتين التاسعة والعاشرة للجيش الشعبي المتواجدتين على التوالي في منطقتي جبال النوبة بجنوبي كردفان وجنوب أعالي النيل الأزرق السودانيتين، إلى جانب عدم إيواء حركات المعارضة المسلحة وفي مقدمتها الجبهة الثورية السودانية ومكوناتها مثل الفرقتين التاسعة والعاشرة للجيش الشعبي، الجدير بالذكر أن رئيس الجبهة الثورية هو مالك عقار قائد الفرقة العاشرة. ورغم الوعود والتعهدات التي تقدمها حكومة الجنوب لإيجاد حل للقضية إلا أنها لم تقم عملياً بخطوات ملموسة حيال ذلك).
وتابع شقيلة قائلاً ( القضية الرابعة تتعلق بتدفق نفط الجنوب وتصديره عبر الموانئ السودانية، ورغم أن هذه القضية تمت تسويتها بقبول الخرطوم بمرور النفط بأراضيها وبالمقابل المادي الذي تدفعه لها حكومة الجنوب، إلا أن تنفيذ ذلك على أرض الواقع تحول دونه عدة عقبات أهمها ربط الحكومة السودانية تنفيذه بإيجاد تسوية لقضية الترتيبات الأمنية، وهو الأمر الذي تتقاعس عن تنفيذه دولة الجنوب، الأمر الذي قاد الرئيس السوداني عمر البشير إلى إيقاف تدفق النفط في غضون (60) يوماً، وذلك بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق بحُجة أن الهجوم على منطقتي أبو كرشولا وأم روابة يقف خلفه الجنوب. إضافة لهذه القضايا الأربعة هنالك مسألة الاتفاق على الحريات الأربع لمواطني الدولتين والمتمثلة في حق الإقامة والتملك والجنسية المزدوجة والتنقل غير أن ذلك يعوقه عدم تسوية قضية الترتيبات الأمنية شأنه في ذلك شأن عدم المقدرة على تنفيذ الاتفاق النفطي المبرم بين الدولتين).
ما بعد الحرب
الهدوء الذي شهدته دولة جنوب السودان عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل ساعد على إعادة هيكلة الاقتصاد، فكيف تم ذلك، وماهو تأثيره المستقبلي على العلاقة بجمهورية السودان؟، يقول الخبير الاقتصادي ناجي التوم (التقارير الرسمية الواردة من دولة الجنوب أشارت إلى إنخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2011م/ 2012م بنسبة (27%) نتيجة لإغلاق أنابيب النفط بسبب النزاع مع حكومة السودان، وعقب تداعيات وقف ضخ البترول اتخذت حكومة الجنوب إجراءات تقشفية شملت تخفيض موازنة 2012م/ 2013م وتبلغ (3) مليار دولار بنسبة (30%). يشكل قطاع النفط حوالي (98%) من إيرادات الحكومة ويساهم بما يزيد على (60%) من الناتج المحلي الإجمالي من حيث الصادرات والاستثمار المباشر المرتبط به، ومن المتوقع أن ينضب إنتاجه بحلول العام 2035م إذا لم تتم اكتشافات جديدة. فيما يتعلق بقطاع الزراعة وتربية الماشية لم يتطور بشكل جيد ولا تزال البلاد تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية ولم يساعد ضعف البنية التحتية في نقل المنتجات الزراعية والحيوانية إلى السوق، ولا توجد إحصاءات ومعلومات حقيقية عن سوق العمل والقوى العاملة لكن تقدر نسبة البطالة بحوالي (52%)، وتتسم حكومة الجنوب بنقص في الموارد البشرية الماهرة بكل القطاعات الرئيسية للاقتصاد، وبدأ الاستثمار في الجنوب بعد الانفصال باستثمارات أجنبية في مجال الفنادق والخدمات المصرفية والاتصالات، ويقدر الاستثمار خلال الأعوام 2011م/ 2012م/ 2013م بحوالي (2) مليار دولار من بينها استثمارات وشركات اتصالات من جمهورية السودان. بلغ معدل التضخم في العام المالي 2010م/ 2011م حوالي (14.7%) وارتفع إلى (59.2%) في العام المالي 2011م/ 2012م، وتقدر مساهمات القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي كالآتي: قطاع الزراعة (14.5%)، قطاع الخدمات (9.1%)، قطاع الصناعة والتعدين (3.4%)، قطاع البناء والتشييد (2.2%)، قطاع التجارة والفنادق والمطاعم (5.8%)، قطاع الاتصالات والنقل (3%)، وتشير التقارير إلى أن معدل الفقر بلغ (51%) وكانت معدلاته أقل قبل توقيع اتفاقية السلام).
ويضيف التوم قائلاً (واجه الجنوب بعد الانفصال تدفقات كبيرة من المواطنين العائدين مما شكل ضغطاً على الموارد المتاحة مثل الخدمات الاجتماعية والبنيات الأساسية، وتم تحديد حالة الأوضاع الغذائية بواسطة برنامج الغذاء العالمي في المستوى الثالث حسب معايير الأوضاع الغذائية الطارئة وحدد البرنامج عجز الغذاء في حدود (473) ألف طن في العام 2012م، لكن هنالك إمكانيات أن تكون جمهورية السودان المُصدِّر الأساسي لصادرات الجنوب من السلع الإستهلاكية والمصنعة وكذلك الخدمات، ويوفر اتفاق التعاون الاقتصادي المبرم بين الطرفين عام 2012م الإطار الكامل للتعاون في هذا المجال وربما الوصول للتكامل إذا كان خياراً استراتيجياً للجانبين، والملاحظ أن النزاع حول السلطة الذي اندلع في ديسمبر 2013م حقق دماراً هائلاً في المدن الرئيسية وتحول الاقتصاد بين عشية وضحاها إلى اقتصاد حرب مرة أخرى، كما لم يساعد ضعف الإدارة المالية وتفشي الفساد في استثمار عائدات النفط وتحفيز القطاعات غير البترولية).
أضواء المستقبل
( بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل أصبحت كينيا الشريك التجاري الأكبر للدولة الحديثة وأنشأت العديد من الفروع للمصارف التجارية ومؤسسات الأعمال وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2011م (1.5) مليار دولار، وترى كينيا في جنوب السودان فرصة ذهبية لتوسيع تجارتها بإتجاه وسط وغرب أفريقيا، كما تسيطر على التعاملات البنكية والمصرفية في الجنوب من خلال البنك التجاري الكيني منذ عام 2006م. من جانبٍ آخر تسعى يوغندا لتحقيق فوائد تجارية وتصدير العمالة وكان يوجد ما يزيد عن (200) ألف يوغندي يعملون في التجارة والمنظمات هناك، وبلغت نسبة الصادرات اليوغندية إلى جنوب السودان (60%) من جملة الصادرات للخارج خلال الأعوام الأخيرة، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى (1.2) مليار دولار في العام 2012م. أما إثيوبيا فلها علاقتها الخاصة مع جمهورية السودان ودورها في المفاوضات من خلال منظمة الإيقاد، وهي تسعى لتعظيم منافعها الاقتصادية وتجارتها مع الجنوب وتم إنشاء خطوط ملاحة نهرية على نهر السوباط لتيسير حركة النقل.
كان على السودان تدعيم موقفه مع الدولة الوليدة وسيشكل التعاون بينهما بداية الضوء لمستقبل أفضل للطرفين، لذلك وضعت الاتفاقية الإطارية للتعاون بين البنوك المركزية ونصت على تكوين لجنة مشتركة تجتمع بالتناوب في كل من الخرطوم وجوبا بهدف دعم الاستقرار المالي والسياسات المصرفية في البلدين، ودعمت اتفاقية مصفوفة التنفيذ الموقعة بين الدولتين عام 2013م العمل التجاري بينهما. بالرغم من متاخمة دولة الجنوب لعدد من الدول الأفريقية إلا أن احتياجاتها من السلع والخدمات الضرورية كانت على مدى تاريخها داخل الدولة الواحدة تأتي من جمهورية السودان بسبب تشابه الثقافات في مجال الطعام والملابس، كما أن الحدود المشتركة بين جمهورية السودان ودولة الجنوب تبقى هي الأطول إذ تبلغ أكثر من ألفي كيلومتر مربع مع توفر نقاط العبور والنقل. وشملت مصفوفة الإجراءات التي أعدها بنك السودان المركزي الضوابط المنظمة لعملية التجارة الخارجية لتسهيل انسياب التبادل التجاري والمالي بين البلدين، كل هذه الخطوات تعزز من إمكانية تقوية العلاقات المستقبلية بينهما ). كانت هذه إفادة الخبير الاقتصادي الفاضل عبد الكريم.
ملف المياه
تناولت اتفاقية السلام الشامل قضية موارد المياه باقتضاب شديد وشملتها في بروتوكول توزيع السلطة وليس الثروة، وأشارت الفقرة (33) من الجدول (أ) من ذات البروتوكول إلى الإختصاصات القومية وما يتعلق بموارد المياه وتتضمن مياه النيل والماء العابر للحدود والنزاعات الناشئة عن إدارة الموارد المائية وإدارة المياه المشتركة بين الولايات الشمالية والجنوبية. تم تضمين هذا النص في الدستور الانتقالي لجمهورية السودان الصادرعام 2005م. مع بروز جنوب السودان كدولة مستقلة عام 2011م ارتفع عدد دول حوض النيل إلى إحدى عشرة دولة هي كينيا وتنزانيا ويوغندا وجمهورية الكنغو وبوروندي ورواندا وإثيوبيا وأريتريا وجمهورية السودان ومصر وجنوب السودان.
يقع حوالي (20%) من حوض النيل في جمهورية جنوب السودان وهي الدولة الثانية من حيث المساحة في الحوض بعد جمهورية السودان التي يقع فيها حوالي (45%) من الحوض، كما أن (90%) من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، ويسيطر الجنوب على المستجمع الأوسط من الأمطار الذي يسقط على حوض النيل ويهطل على منطقة بحر الغزال وتقدر كمية الأمطار الساقطة عليه سنوياً بحوالي (544) مليار متر مكعب، ويسيطر الجنوب على كامل الإيراد المائي الوارد من الهضبة الاستوائية والذي يقدر بحوالي (29) مليار متر مكعب سنوياً .
يقول المستشار السابق بوفد جمهورية السودان المفاوض مع دول حوض النيل أحمد المفتي (جنوب السودان لم تكن لديه في الوقت الذي تمت فيه المفاوضات حول اتفاقية السلام الشامل أية احتياجات عاجلة لمياه النيل بسبب عدم وجود مشاريع الري أو الكهرباء المعتمدة على الماء، أما المشاريع القائمة بالجنوب مثل مشروع أنزارا ومشروع واو لتعليب الفاكهة ومشروعي ملوط ومنقلا للسكر تحتاج كلها إلى إعادة تأهيل قبل أن تبدأ في العمل، إضافةً إلى أن كميات الأمطار التي تهطل في أجزاء واسعة من جنوب السودان تكفي إلى حد كبير لتغطية احتياجات السكان في الزراعة والرعي، جميع هذه الأسباب دفعت الحركة الشعبية بعدم المطالبة بنصيب في مياه النيل أو التمثيل في الهيئة الفنية المشتركة بين مصر والسودان. أصبح التهديد المائي واضحاً عندما أعلن مسؤولين في دولة الجنوب عام 2013م عن رغبتهم في التوقيع على اتفاق عنتبي وفي حال انضمام الجنوب للدول الموقعة على الاتفاق فهذا سيضعف موقف جمهورية السودان وستتأثر حصته من مياه النيل مما يفرض عليه واقع جديد يتمثل في الصراع حول المياه مع دولة الجنوب. هناك قضية أخرى تتعلق بمسألة إعادة العمل وإكمال قناة جونقلي في الجنوب وكان واضحاً أن الحماس لها الذي ساد أجواء الخرطوم في سبعينيات القرن الماضي لم يعد له وجود في العقد الأول من هذا القرن والسبب هو عدم احتياج جمهورية السودان لمياه إضافية لأنها لم تتمكن بعد من استعمال أكثر من (12) مليار متر مكعب من الحصة البالغة (18.5) مليار متر مكعب بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959م، وبالرغم من ذلك فأن الحرب الأهلية الأخيرة تسببت في ايقاف تنفيذ مشروع القناة بعد أن أنجز العمل فيه بمقدار (60%) وحرمت مصر والسودان من (4) مليارات إضافية من مياه النيل وهذه العوامل السياسية والصراعات تعيق استثمار الإمكانيات المائية والطبيعية والبشرية التي ستجنيها المنطقة. من ناحية أخرى يجب التنبيه إلى خطر آخر يتمثل في سيناريو بيع الماء الذي تروج له بعض الدول الأفريقية، فالجنوب ليس محتاجاً إلى المياه لأن أرضه مشبعة بها نتيجة تعدد الأنهار وكثرة هطول الأمطار وكثافتها لكن الخطر يأتي من فكرة بيع الماء في حال وافق عليها الجنوب لذا يهم السودان الشمالي أن يعرف إتجاه السياسة المائية للدولة الحديثة).
وأضاف (تعتبر مسألة مياه النيل قنبلة مؤقتة بين الخرطوم وجوبا يمكن أن تنفجر في أي وقت، وإذا ما استقرت أحوال الجنوب السياسية ستكون المطالبة بحصته من المياه أمراً طبيعياً. حالياً لا توجد أزمة مائية ظاهرة بين السودان وجنوب السودان، لكن من المتوقع أن يكون الماء عاملاً من عوامل الصراع في المرحلة المقبلة بين الدولتين وربما يواجهان معضلة اقتسام حصتهم من مياه النيل. في 17 ديسمبر 2011م عقد اجتماع استثنائي لوزراء مياه دول حوض النيل لمناقشة تداعيات اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل الأمر الذي سيفتح مستقبلاً مسألة الإنتفاع المنصف والمعقول للمياه بين دول الحوض جميعها، لذا فأن قضايا تقاسم الماء ليست عاجلة ومهمة بين الدولتين في المدى القريب لكن حتماً ستكون من أهم القضايا في المستقبل بسبب تزايد احتياجات الطرفين لها ).
السيناريوهات المتوقعة
كان الهدف من توقيع اتفاقية السلام الشامل وقف الحرب واستقرار الأوضاع بين طرفي النزاع، لكن بعد انقضاء (4) أعوام على الحدث لاتزال طبيعة العلاقة بين الدولتين يكتنفها الغموض.
تتحد مجموعة من العوامل لترسم سيناريو متشائم يتضمن استمرار النزاع على المدى الطويل بين الدولتين بحسب ما يقول المراقب السياسي مهدي آدم ( ألقى الرئيس الجنوبي سلفاكير في 9 يوليو2011م خطاباً تحدث فيه عن عدم نسيان مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان كمؤشر لبداية علاقات سيئة مع السودان وأظهر ارتباط فكري وعضوي مع قطاع الشمال المتمرد الذي يتكون من شعب النوبة الذين قاتلوا إلى جانب الحركة الشعبية ضد الحكومة ولرد الجميل لهم ظلت الفرقتين التاسعة والعاشرة متواجدة في الأراضي السودانية.
وساد اعتقاد لدى فئة من مثقفي جمهورية السودان أن حل جزء كبير من مشاكلهم الداخلية يكمن في انفصال الجنوب ومغادرة الشعب الجنوبي، بل ناصبهم البعض العداء لاختلاف الديانة والثقافة وعبرت صحف رسمية عن فرحها بمغادرة شعب الجنوب).
وأضاف ( لم تكن هنالك ترتيبات جيدة بعد الانفصال وكان لابد من وجود وثيقة للتعامل بين الدولتين بغرض العيش بسلام بين طرفي السودان، لكن ظلت القضايا العالقة توتر المشهد العام، وفي النصف الأول من العام 2012م تدهورت العلاقات بين جمهوريتي السودان وجنوب السودان و شهدت الساحة السياسية توتراً أمنياً خطيراً استدعى تدخل مجلس الأمن الدولي إضافة لمجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي ظل يتابع الأوضاع المتردية بين الدولتين. هنالك عوامل داخلية وخارجية تعمل على إفساد العلاقات بين الدولتين منها العقيدة القتالية للجيش الشعبي التي تستهدف جمهورية السودان باعتبارها العدو التاريخي والاستراتيجي لدولة الجنوب، و ظهرت صراعات بين صناع القرار السياسي الجنوبي حول التعامل مع الشمال خاصة جهاز الاستخبارات الذي يدعم ويشرف على الحركات المتمردة الدارفورية والجبهة الثورية. أهم الجوانب السلبية المؤثرة على طبيعة العلاقة تدخل دولة إسرائيل ودورها المعلن في القضية حيث عبر عدد من المسؤولين الإسرائليين عن سخطهم من التقارب بين جمهورية السودان وجنوب السودان ويلاحظ زيارتهم إلى جوبا بعد التوقيع على كل اتفاقية بين الجانبين).
للصراع المستمر بين الأطراف جوانبه السلبية ستحاول الدولتين تفاديه وهو ما يقود للسيناريو الآخر المتفائل بمسار العلاقة كما يقول مدير البرامج بمركز الراصد للدراسات الاستراتيجية والسياسية عبد الرحمن محمد أحمد (سيؤدي أي اضطراب في المنطقة الحدودية إلى التأثير سلباً في انسياب التجارة ومن الأمثلة على ذلك: تأثر التجار الشماليين بالأحداث في مختلف المدن الجنوبية. إذا ما قامت جمهورية السودان بدور إيجابي في حل الخلافات الداخلية الجنوبية سيقود ذلك إلى دعم العلاقة وبقاء الحكومة الجنوبية في إطار الحلف مع السودان الشمالي مما يساعد على حل القضايا العالقة، إذ يبدو أن موقف الرئاسة الجنوبية أصبح بعد أزمة الحرب الأخيرة أكثر ميولاً للواقعية والتفاهم مع الخرطوم. ونستند على دور المجتمع الدولي والإقليمي الذي يلعب دوراً بارزاً في تفادي نشوب حرب بين السودان وجنوب السودان من خلال بناء قدرات الجنوب وتسريع عجلة التنمية والعمل على عدم إثارة الصراعات العرقية والقبلية، ومساعدة جمهورية السودان للخروج من أزمة الانفصال التي لا تزال تعاني منها لأن ضعف الدولة الأم يعد مهدداً قوياً لاستقرار دولة الجنوب. يجب دراسة المقترحات التي تقدم من الجهات الإقليمية والدولية لحسم القضايا العالقة والعمل على تهدئة الانفعالات بين الطرفين).
يرسم عبد الرحمن سيناريو ثالث بحث فيه قضية حياد الدولتين وعدم تدخل أي طرف في قضايا الآخر تحت مسمى يبقى الوضع كما هو عليه في المستقبل القريب ويقول ( لاتزال كثير من القضايا الداخلية تشغل بال صناع القرار الجنوبيين بعيداً عن دولة السودان ومنها الحرب الأهلية الأخيرة، وبالرغم من توقيع معاهدة سلام بين الأطراف الجنوبية إلا أن الاتهامات بين طرفي المعاهدة مستمرة الأمر الذي ينذر بتجدد الصراع. وتعيش جمهورية السودان أوضاعاً مضطربة بعدد من الأقاليم مثل دارفور وجبال النوبة وجنوب كرفان، إضافة للضغط الدولي للإسراع بحل قضايا العنف المرتبطة بهذه الأقاليم وهو ما دعت له رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما وطالبت بضرورة تحسين أوضاع النازحين خاصة النساء والأطفال لأنهم الأكثر عرضة للمخاطر في الإقليم الغربي للسودان، وبعد انفصال الجنوب تعرض الحزب الحاكم في السودان للنقد من الأحزاب المعارضة واتهم بعدم المحافظة على وحدة البلاد و شهدت الخرطوم احتجاجات خلال الأعوام 2012م / 2013م الأمر الذي شغل الحكومة بمعالجة الأوضاع الداخلية ووضعها في المرتبة الأولى من الإهتمام، ودعا الرئيس عمر البشير عام 2014م في خطاب أمام (80) حزب سياسي بضرورة التركيز على قضايا السلام الداخلي والخروج من دائرة الفقر ومعالجة ضعف الاقتصاد وبحث مسألة الهوية السودانية).
التجارب العالمية
تصبح الكيانات دولاً مستقلة بطرق عديدة من أبرزها النضال ضد الاستعمار مثل الجزائر، المفاوضات مثل زمبابوي، الاستفتاء مثل تيمور الشرقية وأريتريا، التراضي مثل دولتي التشيك والسلوفاك، الانهيار مثل الاتحاد السوفيتي، الحرب مثل بنغلاديش، التمرد المسلح مثل جنوب السودان تحاول بعض الكيانات الانفصال ولكنها تفشل مثل إقليم بيافرا في نيجريا، الصحراء الغربية في المغرب، إقليم الباسك في إسبانيا، كويبك في كندا، أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.