عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. مساهمة من د. المكاشفي عثمان دفع الله دكتوراه في استراتيجيات تطوير المناهج – مدرب معتمد لا يختلف اثنان حول أهمية تطوير المناهج الدراسية في العالم العربي بما يتماشى مع روح العصر وتطوراته المتسارعة، وقد شرعت بعض الدول العربية فعلياً في تقييم المناهج الدراسية ضمن خططها الرامية إلى تطوير العملية التعليمية برمتها. وبعد أن كانت الدعوة إلى تطوير المناهج الدراسية لا تتجاوز اهتمام التربويين والقيّمين على العملية التعليمية فقد أخذ الموضوع أبعاداً سياسية جديدة، وأصبح مطلباً تفرضه التطورات التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. فعلى خلفية الصلة التي ربطت هذه الأحداث بالجماعات الإرهابية المتطرفة كان الانتقاد الذي وجهته الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى المناهج الدراسية في البلاد العربية والإسلامية، والدعوة إلى تغييرها بحجة احتوائها فقرات تشجع العنف والإرهاب. وفي هذا السياق أجرى باحثان من المملكة العربية السعودية دراسة بعنوان "المقررات الدراسية الدينية .. أين الخلل؟" قدمت ضمن أبحاث "مؤتمر الحوار الوطني السعودي"، أقرّا من خلالها بوجود أخطاء تستدعي إعادة تقييمها وتطويرها فالمقررات السعودية الحالية، حسب ما يرون، "تعتمد على مصنفات جرى تدوينها في ظروف المجادلات الفكرية، والمعارك الدينية والسياسية، وقد أدى ذلك إلى وجود اضطراب هائل في تنظيم الأولويات، كما أدى إلى توريط الطالب في نيران معارك فكرية لا حاجة له بدراسة ظروفها وإجاباتها". كما أن المقررات "تورطت في سكوت واسع النطاق عن القضايا التي يثيرها الواقع المعاصر مثل الحقوق الأساسية للإنسان، والحريات الشرعية، وعرض الفروض الكفائية المتعلقة بمصالح الناس الضرورية والحاجية". وفي المقابل أوضحت هذه الدراسة أن "تحميل المناهج الدينية مسؤولية تحريك العنف المسلح ضد الغرب أمر مبالغ فيه؛ فنحن بحاجة للتصحيح؛ لمصلحتنا أكثر من حاجتنا لتحقيق ما يغضب مراكز القوى". وبعيداً عن التدقيق في صحة العلاقة بين المناهج الدراسية وانتشار الإرهاب والفكر المتطرف يبقى السؤال: هل نحن بحاجة فعلاً إلى تطوير مناهجنا التعليمية؟ وإلى أي مدى تلعب "الأيديولوجية التربوية" في مدارسنا دوراً في تغذية عقلية الإرهاب؟ وما هو دور وسائل التنشئة الأخرى في تغذية هذه العقلية؟ وعلى مدى اتساع الهوة التي تفصل المواقف المتباينة نتيجة الإجابة على هذه الأسئلة تظهر لدينا ثلاثة اتجاهات فكرية تعاملت مع هذا الموضوع من منطلقات عدة. فقد تصدت شريحة عريضة من المحافظين والسلفيين لهذه الدعوات، واتهمتها بالتبعية ومحاربة الدين الإسلامي وأنها غير بريئة من أهداف محو الهوية وإضعاف التمسك بأصول الدين، وشككوا في صدق نوايا الآخر في الرغبة في التطوير، لا سيما أن المتهم الأساسي هو التعليم الديني. بينما تبنت فئة أخرى هذه الدعوة على إطلاقها، باعتبار أن الإملاءات الخارجية أمر واقع يجب التعامل معه دون حرج. ولكن بعض المؤيدين تناولوا الموضوع بحذر بعد أن اختلطت فيه الحاجة الداخلية الملحة بالمطلب الخارجي، وأرادوا لعملية التطوير أن تكون ذاتية محضة، ولا تقتصر على التعليم الديني أو مناهج التربية الإسلامية فحسب. ومن هنا ظهر الاتجاه الثالث، اتجاه الاعتدال، ويمثله مجموعة من المفكرين والأكاديميين إلى جانب العاملين في الحقل التربوي ومصممي المناهج العارفين بمثالبه القديمة، وضرورة تطويرها وفق دراسات علمية، وحاجة النشء إلى مواكبة التطورات المتسارعة وإكسابهم مهارات تؤهلهم للتعامل مع متطلبات العصر وفهمه، وأن التغيير هو سنة كونية تطال جوانب الحياة جميعها بما فيها هذا الجانب الحيوي. وبعيدا عن التنظير والمساجلات حول توقيت هذه الدعوات وكيفيتها من ناحية التطوير أم التغيير، وعلاقتها بتغذية عقلية الإرهاب، اتخذت بعض الحكومات والمنظمات العربية إجراءات عملية بهذا الخصوص، حيث دعا مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمته الأخيرة التي استضافتها الكويت خلال ديسمبر الماضي إلى إصلاح التعليم. وتجدر الإشارة إلى تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة و"الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم 2020" التي شرعت بتطبيقها وزارة التربية والتعليم والشباب منذ عام 2000، والمتضمنة أربع خطط خمسية تستهدف تطوير وتحديث المنظومة التعليمية القائمة عبر محاور رئيسية منها تطوير المناهج لجميع المراحل الدراسية. وقد تم الانتهاء من الخطة الخمسية الأولى (2000-2005) وبدأ التحضير للمرحلة الثانية. وفي مصر كانت بدايات تعديل المناهج قبل نحو 24 عاماً للتوافق مع دعوى إشاعة ثقافة السلام. وتهتم وزارة التربية والتعليم حالياً بمجاراة المتغيرات العالمية ومحاولة إجراء تعديلات في المناهج لسد الفجوة بين الواقع الذي يعيشه هذا الجيل وما يتلقاه من معلومات. ويُدرس في مصر حالياً كتاب جديد حول "القيم الأخلاقية والوطنية"، حيث يتم تدريسه كجزء مكمل لمادة التربية الدينية منذ سبتمبر 2002. وفي الأردن صدرت "وثيقة السلام" في نهاية عام 2003، ووزعت على المدارس للبدء بتدريسها، وهي تدعو إلى نبذ العنف والتركيز على تدريس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الداعية للسلام في مختلف المراحل التعليمية. وهنا لا بد من التأكيد على نقاط عدة: أولاً: إن مناهجنا الدراسية مليئة بالاختلالات والنواقص والتناقضات التي تجعل من تغييرها ضرورة ملحة. ثانياً: إن الدعوة إلى تطوير المناهج الدراسية ليست طارئة، ولكنها اكتسبت زخماً مع أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وبغض النظر عن الدوافع سواء كانت إصلاحية أو نتيجة ضغوط سياسية فإنه لا بد من المضي في عملية التطوير ودعمها. ثالثاً: إن عملية تطوير المناهج يجب أن تتم في إطار شمولي لا يتجاهل بقية عناصر العملية التربوية من مدرسين، وبيئة مدرسية، وأسلوب تدريس يشجع على التفكير والإبداع بدلاً من التلقين والاتباع. رابعاً: بعيداً عن صحة العلاقة التي تربط الإرهاب بالمناهج الدراسية، فإنه لا بد من وضع خطط لتطوير مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى كالنادي والمسجد والأسرة، وكل ما له علاقة بصياغة الشخصية الإنسانية السوية. وأخيراً، وحتى يكون التغيير للأفضل ويتناسب مع حاجات العملية التربوية والتعليمية في العالم العربي، ولكسب كافة الأطراف، فإن هناك حاجة إلى استناد عملية تطوير المناهج إلى دراسات علمية دقيقة ومعمقة تبين مواقع الخلل والنقص. وعندما ننتهي من مهمة تطوير المناهج الدراسية يجدر بنا البدء بالتفكير في صياغة استراتيجية معرفية تأخذ بعين الاعتبار أهمية تعليم اللغات والحاسب ومهارات الاتصال، وتطوير البحث العلمي ومؤسساته، وتوطين العلوم والمعارف، والتوسع في حركة الترجمة والتعريب، وتطوير نوعية التعليم العالي، وأهم من ذلك كله بذل الجهود للقضاء على الأمية الأبجدية والأمية المعرفية والحفاظ على هوية أمتنا الإسلامية الأصيلة.