تعنت في وجهي الموظف بالسفارة السودانية بالرياض وتمنع عن أن يكمل إجراءات استخراج جوازات منفصلة لأبنائي ما لم أستحضر اسم قبيلتي وأثبته . والواقع أنني صعقت من هذا الطلب الذي حسبته غريباً ، فلم أكن أدري أنه من ضمن شروط إثبات سودانيتي وسودانية أبنائي أن يكون هناك مستنداً رسمياً غير شهادة الميلاد والجنسية وهو شهادة إثبات القبيلة. ولا أذكر عند استخراج جوازى فى وقت سابق أننى كنت قد انتحلت اسم قبيلة ما لأحصل عليه ، فمنذ مولدي لم يلقني والديّ أو عموم أهلي الممتدين من المسعودية مروراً برفاعة أرض الأجداد ثم ود مدني ، اسم قبيلة ما أرتكز عليها حتى إذا جاء يوم السؤال هذا في السفارة أجيب عليه ويفوز أبنائي بالجواز السوداني. ولما لم أكن أستحضر اسم أي قبيلة من القبائل فقد أوشكت أن أفقد انتمائي للسودان نفسه حسب وعيد الموظف وتعبيراته القاطعة. اجتهد الموظف في أن "ينجر" لي انتماء ما لقبيلة معينة ، فسألني عن اسم أي قبيلة يتردد في العائلة . فقلت له أن جدتي كانت تمدح الشكرية والبطاحين كثيراً ، فقال لي ولكن برفاعة أيضاً قبيلة العركيين . فنظرت إليه وكأني "وجدتها" وقلت له "متظارفة" : طيب خليها خلطة شكرية مع عركيين ، إلا أنه لم يبلع "فكاهتي" التي حسبتها مخرجاً وزاد تعنتاً . ولو لا لطف وتفهم الأستاذ أسامة محجوب المستشار الثقافي بالسفارة لهذا الأمر لما تحصل أبنائي على جوازات سودانية إلى الآن. هذا الحديث أثاره رد البروفيسور بدر الدين الهاشمي بمقاله "بنو جعل مغضوب عليهم حتى إشعار آخر"، رداً على مقالي " ثاقب الطبول تدحره الوحدة ". عتب علي فيه أنني تناولت قبيلة الجعليين دون سائر قبائل السودان وأخذتها كنموذج يجسد العنصرية، ولأن مساحة هذا المقال لا تحتمل الإتيان بكل النقاط محل الاختلاف من مقاله والرد عليها فإنني سأختصر الرد على أهمها.الواقع أنني اخترت النشيد الحماسي الإنقاذي "هاك من دار جعل" كنموذج ، و لسؤ حظ الجعليين فأن من نظم النشيد ولحنه وقام بأدائه بعض من أفراد هذه القبيلة عوضاً عن أنه يتحدث باسمهم . وبهذا فإن اختياري يأتي موضوعياً و ليس نابعاً عن أي موقف ضد هذه القبيلة أو أبنائها الذين أحترمهم كمواطنين سودانين وإخوة في الإنسانية وكفى. ولو كنت كما قال البروف فهذا يعني أنني أكرّس للعنصرية أكثر مما أدعو إلى محاربتها وهذا بالطبع يتعارض مع ما ناديت إليه في مقالي موضوع النقاش . كتب البروف في إشارة إلى نشيد فرقة الصحوة "هاك من دار جعل " الذي أوردته في مقالي :" ورغم عدم "مواكبتي" لمثل ما قالت، إلا أن العجب أخذ مني كل مأخذ حين كتبت: "أي صحوة هذه التي تنتن أجواء البلاد بفتنة طائفية مقيتة". هل تعني الكاتبة الفاضلة حقاً ما تقول؟ هل صارت "الجعلية" طائفة sectونحن عن ذلك من الغافلين؟ " لثقتي المفرطة في علم البروف الواسع (رغم تخصصه الضيق في مجال الأدوية والسموم) ، إلا أن هذا لا يمنع أن نتفاكر في أمر عام حسبت من رده أنه أخذه بمأخذ شخصي ، فكونه جعلياً هذا يجرح في شهادته التى تستبطن الدفاع عن شرف القبيلة وعدم المساس بها أو الاقتراب منها بالنقد .ولكن دعونا نبحر قليلاً في تعريف الطائفية السياسية كما جاء في بحث الدكتور طه جابر العلواني ، "الإنقسامات الطائفية وآثارها المستقبلية" وقد عرفها بأنها :" عبارة عن موقف انتهازي للحصول على "عصبية" كما يسميها ابن خلدون أو "شعبية" كما يطلق عليها في عصرنا هذا ليكون الانتهازي السياسي قادراًً على الوصول إلى السلطة". فنحن أمام تجربة محددة ولم أقل كما زعم البروف أن القبيلة هي التي تجسد الطائفية ، وإنما قصدت بشكل واضح وصريح "فرقة الصحوة" ومن ردّد معها، وهي كما نعلم تمثل جزءاً من شباب الجبهة الإسلامية وقتها وهو حزب عقائدي وفي نفس الوقت تمثل الانتماء القبلي لقبيلة معينة هي الجعليين ، وهو مما ساهم في أن يشكل ممارسة سياسية مرتكزة على القبيلة ، مما يعني وكنتيجة بديهية أنه تشكيل طائفي يرفض الآخر ويتعالى عليه ويتعصب ضده .والمثال أمامنا واضح في كلمات النشيد محل الخلاف "هاك من دار جعل" الموجهة للزعيم الراحل جون قرنق الذي يمثل الآخر المرفوض . عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]