لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات 2010 ترسيخ لبنية ذهن التهميش وآلياته ... بقلم: الفاضل الهاشمى
نشر في سودانيل يوم 28 - 12 - 2009

لم تتعلّم نُخب المؤتمر الوطنى الحاكمة شيئاً ولم تنس شيئاً
[email protected]
من المفيد ايراد هذاالمقتطف الطويل من مقاربة ا.إ ابوشوك والفاتح ع. عبد السلام عن الانتخابات "كآلية تستخدم فى النظم الديمقراطية والنظم الشمولية على حد سواء لتحقيق مقاصد وظيفية متباينة، تجمع بين الايجاب والسلب" اذ يعكس طرفها السالب الذى نحن بصدده "تزوير ارادة الشعب عن طريق انتخابات صورية، تفتقر الى مقومات الانتخابات التنافسية والنزيهة، الا انها تسهم فى شرعنة النظم الشمولية التى تحاول من خلالها ان تمتص ضغوط المعارضين المطالبة بالصلاح، والداعية لاحترام حقوق الانسان ومرجعية الشعب صاحب السلطة الحقيقية. وعند هذا المنعطف التلفيقى يسقط مبدأ المحاسبة وفق معايير ديمقراطية ومؤسسية، وتضحى العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة تبعية مستبدة، مطرقتها الخوف من جور السلطان، وسندانها الطمع فى عطائه المادى ودفعه المعنوى. بيد ان هذه المساحيق الانتخابية لا تزين عاهات النظم الشمولية الخلقية الدائمة لأنها لاتستند الى دستور اجازه ممثلون منتخبون عبر مؤسسات نيابية ومهنية، وتواضعوا على مرجعيته فى حل مشكلاتهم العامة." (الانتخابات البرلمانية فى السودان 1953-1986احمد ابراهيم ابوشوك والفاتح عبدالله عبدالسلام ،اغسطس 2008) أورد هذا المقتطف الطويل لأنه يسلّط الضوء على جوهر مساعى المؤتمر الوطنى لافراغ الانتخابات الحالية كآلية من آليات التدافع السياسي وتداول السلطة من محتواها المطلوب.
هذا على سبيل مشهد السياسة العام أما على مشهد السودان الذى يعيش تنمية شائهة مقلوبة السرج وسوء فى توزيع السلطة والثروة الممركزتين وتاريخ دموى مأساوى طويل ، فان الانتخابات الحالية التى نشهد نهاية التسجيل لها فى اوائل ديسمير 2009 والتى فرضت دستورها واتفاقياتها قوىً محلية واقليمية وعالمية بعصى غليظةٍ وشيئٍ من جَزَرة تلتهمها الآن سلطة بين يديها ومن خلفها مهارة بيوت خبرات إمبريالية قانونية ومالية ، سلطة تتكئ على أرائك بترودولار سودانى/صينى/خليجى/هندى ومصارف اسلامية وغير اسلامية عالمية وترسانة اسلحة صينية وسوفيتية ومشهد توازن قُوى عالمى نيولبرالى يسيل فيه لعاب بورصات الغرب الى ادخارات الصين فى الشرق المرشّحة لامتصاص الأزمة الراسمالية الخ...
فوق خشبة هذا المسرح العشوائى نتابع مشاهداً لا عقلانية محمومة تُخرج فى شكل "ظار" وجودى تجهّز حلقاته نخب المؤتمر الوطنى برأسمالهم المالى وتجّارهم وعقاريّوهم وشركائهم الأسيويين وجلاّبته الإنفصاليين العربسلاميين عُمييٌ كما الكلاب الرضيعة ساعة ولادتها تجوس كأنّ بها مسٌّ من جنون لاترى حتى مثقالَ ذرّةٍ حول أرنبة أنفها. ياله من حشَفٍ وسُوء كِيلة تعيد فيه النخب الحاكمة تشغيل طواحين اللاعقلانية لاشعال حريق قياموى لن يتسنى لها الحياة بعده حتى ولو كانت العنقاء.
شكرا لنقطة ضوء أفريقية تتلألأ فى نهاية الأفق من بعيد، تشرب من زيت لا ماء فيه، من مجلس أمن وسلم الاتحاد الأفريقى. وبالتحديد من الفريق رفيع المستوى بقيادة ثابو أمفوييلوا مبيكى. توصّل تقرير لجنة ثابو مبيكي الى رؤية فى غاية الأهمية الاستراتيجية حول مشكلة الحرب فى دارفور وهى "أن أهداف السلام والمصالحة والعدالة في دارفور هي أهداف مترابطة يتوقف بعضها على البعض الآخر ويتعين تحقيقها جميعا. وعليه، يتعين متابعتها على نحو يتسق مع الحاجة إلى تحقيق التحول الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي في السودان" ( من تقرير الفريق الرفيع المستوى للاتحاد الأفريقى بشأن دارفور 29 اكتوبر2009، ابوجا نيجيريا بعنوان دارفور: المساعي من أجل السلام والعدالة والمصالحة ، ص III)
وهى رؤية تعكس حكمة وألمعية افريقيتيْن تنظر الى الأمر فى شموليته كاشكال تنموى بعيد عن التهويم فى زوايا اثنوثقافية ضيقة. أقول الحكمة الأفريقية ليس بحكم البُعد الجيوبولوتيكى للقارة لأن التقرير قد استصحب واستشار واستنطق الجميع فى كافة خبرات العالم بمافيه رأى النازحين بخبرة فريق كوكبى وموارد رمزية ومادية كوكبية.
مايهمنا من احتفاءنا بتلك الرؤية هو نظرته الشاملة الى قضايا السلام والمصالحة والعدالة وربطها بالتحول الديمقراطى والاجتماعي والاقتصادي. ومن هنا أهمية الانتخابات كآلية للتحول الديمقراطى لأنها جزء من هذا الترابط والتفاعلات والتشابك. للأسف فان العملية الانتخابية منذ مراحلها الاولى الخاصة بالتعداد السكانى والتسجيل ليس لها علاقة بنظرة ثاقبة الى جوهر الأزمة السودانية ، وانما تستخدم العملية الانتخابية بنفس بنية ذهن السودان القديم التى أفرزت الأدواء والأزمة وضمنها إعادة تقسيم الكيكة وكأن أنهار دم دفّاق لم تمر تحت الجسر.
لقد توّصل تقرير ثابو مبيكى الى "أنه توجد بالفعل اتفاقات (يقصد اتفاق السلام الشامل واتفاق الشرق واتفاق درفور للسلام) يمكن أن تيسر الأمور شريطة أن يتم إشراك الشعب في السودان ككل فى تحديد مستقبل البلاد. إن تنفيذ مثل هذه العمليات الاستشارية الشعبية من شأنه أن يكفل استدامة الاتفاقات التي تم التوصل إليها وأن يسهم، على نحو حاسم، في الحفاظ على التماسك الوطني في السودان. (ص x) (التخطيط من عندى) تتم العملية الانتخابية وليس فى الخاطر اشراك الشعب وانما بالإنفراد برأى واحد. كل مساعى المؤتمرالوطنى الحالية لتزوير الانتخابات وضمان استمرار هيمنته لا تستهدف اشراك الشعب فى تحديد مستقبله ولا يهم المؤتمر التماسك الوطنى والوحدة. وبوضوح شديد يؤكد التقرير "أنه يتعين حشد جميع القوى السياسية والاجتماعية السودانية، دون استثناء، للمساهمة في المهمة التاريخية الأساسية المتمثلة في تجديد السودان" (ص x) و"أن السودان بحاجة إلي قيادة جماعية قوية ومتماسكة تتمتع بالثقة اللازمة من الدوائر الانتخابية التي تديرها، لضمان مشاركة جدية لهذه الدوائر كعامل للتغيير في عملية ولادة سودان جديد" (ص x و xi ) . يقر التقرير انه من "الحاسم جدا أن يتم الإتاحة للمواطنين السودانيين في دارفور المشاركة بشكل كامل في الانتخابات العامة الحرة والنزيهة المزمع تنظيمها" ( ص2) ثم يؤكّد التقرير "من المهم جدا أن تتاح لأهل دارفور فرصة المشاركة علي نحو كامل في الانتخابات المقرر تنظيمها وفي أية قرارات قد تنشأ عن الاستفتاء بشأن جنوب السودان." (ص 4)
لكن ماتم بشأن عملية التحوّل الديمقراطي حتى الآن هو سعى حثيث من المؤتمر لتفتيت السودان وانقسامه. كيف؟
أكثر من مليونين من النازحين فى دارفور هم الآن واقعياً خارج العملية الانتخابية كونهم/ن خارج مناطق سكنهم المحتلة الآن بغيرهم من السكان. قانون الإنتخابات يكرّس لذلك التهميش كونه يشترط على المواطن أن يكون قاطناً بالمنطقة لمدة ثلاثة أشهر حتى يتأهّل للتسجيل والمشاركة فى العملية الانتخابية. وطبقاً لهذا الواقع كان على عملية اعادة التوطين أن تبدأ فى أغسطس 2009 حتى يتمكّن النازحون من المشاركة فى التحوّل الديمقراطى (راجع تقرير السودان: منع الإنهيار من الداخل، تقرير مجموعة الأزمات ، 17 ديسمبر 2009) . تخوّف النازحون من عملية تسجيل اسماءهم للانتخابات فى المعسكرات التى ستفقدهم حقّهم فى التصويت حين عودتهم الى قراهم ، وتوجّسوا من أنهم ربما فقدوا أيضاً الحق فى استعادة ملكية أراضيهم عند العودة الى مناطقهم حسب نفس التقرير. وقد عبّروا صراحةً للجنة ثابو مبيكى أن التعداد السكانى لم يشملهم (تقرير الفريق الرفيع المستوى للاتحاد الأفريقى، ص 33). لقد عبّر كثير من النازحين فى معسكرات ابو شوك، زمزم وكلمة انهم لا يودّون الاشتراك فى عملية انتخابية تهدف الى حصول عدوّهم على شرعية دستورية. هكذا اصبح 2 مليون دارفورى خارج العملية السياسية الانتخابية فى حين أنهم علموا أن من احتل اراضيهم قد سجّلوا فيها. لاحظ أن معظم نازحى دارفور وكذلك الجنوبيين ليس بحوزتهم اوراق ثبوتية كونهم خرجوا فارين من ديار ودور محروقة. يحتج المؤتمر الوطنى بأن الانتخابات فى دارفور معقولة ومقبولة حيث 70% من سكان دارفور (فى جنوب دارفور) قد تمّ الوصول اليهم. واضح ان تلك المجموعات لو صدّقنا الاحصائية هم من استوطنوا فى جنوب دارفور وغربه ومعروف ولاءهم للمؤتمر (منع الإنهيار من الداخل). نسبة التسجيل فى الانتخابات فى شرق السودان وفى شمال وجنوب كردفان ودارفور وفى معظم ولايات الجنوب ضعيفة نسبياً (بيان أولى من مركز كارتر 30 نوفمبر 2009) . تابعنا جميعاً شكوى المواطنين بضعف الاعلان والترويج لمراكز التسجيل حتى فى مراكز الاستنارة فى العاصمة حيث اعلنت المراكز قبل يوم واحد من بداية التسجيل ، وفى منتصف عدد جريدة سودانية ، ثم ان بعض المراكز يصعب ايجادها والوصول اليها كما قالت صحف الخرطوم. زد على ذلك ان بعض المراكز فتحت لثلاثة او اربعة ايام فقط!! وفى ذلك خرق واضح لقانون الانتخابات الذى حدّد شهراً كاملاً للتسجيل. ولكننا فجأة علمنا أن نتائج التسجيل أصبحت عالية !! من ياترى سجّل هذه الأصوات؟ ومصلحة مَن مِن القوى؟
كثير من القصص الاستبعادية حول التسجيل مبذولة للجميع. هناك اناس ذهبوا لمكتب مفوضية الانتخابات التى لا تدرى بالتحديد عنوان مكان التسجيل فى بعض الأماكن. رصدت المعارضة حكاوى عن أعضاء اللجان الشعبية فى الاحياء سجّلت البيوتات التى ستصوّت للمؤتمر وانها ستدفع للأسر التى لم تحدّد بعد لمن ستصوّت مبلغ 10الف جنيه سودانى (تقرير السودان: منع الانهيارمن الداخل). وقد تمت زيارة محسوبى المؤتمر وحدد لهم زمان ومكان التسجيل. ومن أحد أمثلة تخويف ممثلى الأحزاب والمجتمع المدنى والتحرّش بهم مشهد معبّرعن ملهاة الانتخابات فى ولاية غرب دارفور حيث تمّت مشادة بين ابوالقاسم امام والى ولاية غرب دارفور الذى هدّد باعتقال رئيس لجنة الانتخابات أمام عشرات الأشخاص بالولاية حين رفض الأخير تدخّل الوالى فى اختصاصاته الانتخابية (الصحافة 4 نوفمبر 2009)
أما بالنسبة لنا فى الخارج لا نشك حول سعى المفوضية القومية للانتخابات الحثيث لحجب المعلومات عنا حول التسجيل للانتخابات ؛ أقول ذلك كونى عضو لجنة السودانيين الكنديين المنسقين بولاية اونتاريو وقد أرسلنا خطاباً بعد خطاب الى مولانا ابيل الير رئيس المفوضية الذى لم يكلّف نفسه عناء الرد على تساؤلاتنا بضرورة اتاحة اكثر من مركز واحد لتسجيل السودانيين فى كندا وهى بلد بحجم قارة ، لذلك ضاعت الاف الاصوات فى العملية الانتخابية بسبب تجاهله المقصود لطلباتنا وألاف تلك الاصوات لاخوة واخوات من الاقليم الجنوبى الذين واللواتى ليس بحوزتهم/ن اوراق ثبوتية بطبيعة ظروف التشريد الذى تم لهم/ن. وقد مارست سفارة السودان فى اتاوا خدعة عرفناها لاحقاً حين اجتمعنا بمدير مجموعة Sudan Task Force فى وزارة الخارجية الكندية السيد دوقلاس سكوت براودفوت فى 17 ديسمبر 2009 فى مركز الجالية السودانية بتورنتو حيث قال لنا بالحرف الواحد ان السفارة السودانية باتاوا لم تطلب من الحكومة الكندية السماح لها بتهيئة مراكز للتسجيل خارج العاصمة اتاوا. قال ذلك المسئول الرفيع فى وزارة الخارجية الكندية كوننا أكّدنا له أنه نما الى علمنا ان الكنديين من أصل افغانستانى وعراقى ومن تيمور الشرقية قد هُيئت لهم مراكز فى تورنتو للمشاركة فى العملية الانتخابية فى بلدانهم فلماذا لم تُتح لنا نفس الفرصة ، فما كان منه الا ان وضّح ان سفارة السودان بأتوا لم تطلب ذلك وانما استغلت Blanket regulation ، حسب تعبير مستر سكوت، صاغته كندا حفاظا للامن والسلامة ولكنها تمنحه حسب رغبة تلك السفارات. وفى بحر اسبوع 19 ديسمبر 2009 شارك السيريلانكيون الكنديون فى تورنتو فى عملية انتخابية مهمة فى بلدهم من ذلك المنطلق.
من الموثّق أن مفوضية الانتخابات قد خرقت قانون الانتخابات كونها سمحت لمجموعات من القوات المسلحة والشرطة والمليشيات بالتسجيل فى اماكن عملهم وليس فى اماكن السكن كما عبّرت عن ذلك شكاوى متعدّدة من منظمات المجتمع المدنى والأدهى والأمر انهم استعملوا اوراقهم الثبوتية العسكرية التى تصدرها تلك الوحدات عند التسجيل ولم يستعملوا الأوراق التى حدّدها مسجّل الانتخابات وبذلك يستحيل الطعن في تسجيلهم.
وامعاناً فى استبعاد اهل الهامش من جنوبيين ودارفوريين من العملية الانتخابية ؛ فقد اعلنت المفوضية فى 3 نوفمبر 2009 لستة من الدول يحق للسودانيين بالخارج فيها التسجيل والتصويت (الكويت، الامارات، السعودية، مصر، قطر، عمان، البحرين، ليبيا، بريطانيا وبلجيكا، وامريكا) لم تشمل الدول المجاورة التى يسكنها الجنوبيين والدارفوريين (طبعاً استثنت منها مصر) . لاحظ ان قانون الانتخابات قد همّش هؤلاء أصلاً فى صلب مطالبته بأن يبرز السودانى باسبورت سودانى فقط كونهم لا يحملون كهاربين من مناطق حرب وثائق ثبوتية اللهم الا من فصدٍ ووشم فى جباههم/ن وخدودهم/ن تحدّد هويتهم/ن .
ذكر تقرير منع الانهيار من الداخل العديد من الأمثلة التى هيمنت فيها مؤسسات المؤتمر الوطنى على صياغة القرارات القانونية التى تتدّعى فيها وجود عملية انتخابية وتحوّل ديموقراطى حر ونزيه حيث يطرح المؤتمر الوطنى المسودات النهائية فقط فى المجلس الوطنى (البرلمان) ثم يستخدم آلية الأغلبية الميكانيكية لاجازة تلك القوانين الجاهزة. لذلك اضطر نواب الحركة الشعبية الانسحاب من البرلمان فى 18 اكتوبر 2009 احتجاجا على عدم الشفافية التى يصوغ بها رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر أجندة البرلمان. وهكذا عطّلت اجازة عدة قوانين تتعلق بالحقوق الاساسية كحرية التعبير والتظاهر والتحرّك والرقابة على الخدمات الأمنية.
نأمل أن تتحرّر الأحزاب السودانية من تقصير لازمها منذ استيلاء "الانقاذيين" على السلطة وهو انتظار الضغط المستمر من المجتمع الدولى ومؤسساته دون أن تلتحم مع الجماهير باكراً وتملك زمام امرها الا مؤخراً عند قيادة الشارع السودانى فى 7 و14 ديسمبر 2009 للمطالبة بمزيد من الحريات السياسية والتى بدونها يستحيل قيام انتخابات نزيهة. ان مشاركة الحركة الشعبية وفصيل حركة مناوى (كشريكين فى السلطة والمعارضة) فى المسيرتين الشعبيتين السلميتين اللتين تعرضتا لبطش سافر ، ثم تململ الشريكين الدائم من مصير شراكتهما يفصحان عن ان قضايا الهامش لم تبرح مكانها ، وان تجنّب المؤتمر الدائم تطبيق اتفاقية نيفاشا يعكس مدى عدم جديّة والتزام السلطة العربسلامية بضرورة اعادة توزيع الثروة والسلطة. ملاحظة اخرى حول مشاركة حركة مناوى هى ان فعاليات دارفور تتمسّك مادياً ومعنوياً ونفسياً بتلابيب نجاحات الحركة الشعبية (او قل دعم العالم الخارجى) وان فشل نيفاشا سيسوقها الى نهاية النفق. يرى بعض الباحثين الرومانسيين ان اتفاقية نيفاشا صدرت من قلب المؤسسة العربسلامية وعقلها وبرضاها حول ضرورة قسمة العصيدة السودانية ، لكن المشهد السياسى ينم عن شر مستطير كون زمبلك المبادرة السياسية السودانية تتحكّم فيه الى حد بعيد قوى خارجية. شكرا لحراك الشارع السودانى الأخير (والذى هو جزء من صنيع العمل الحزبى طبعاً) الذى ربما حسم امر انتهازية الحزبين الكبيرين وانتظارهما المدد من حضْرة تتنزّل من خارج الحدود كونه يأتى دوماً متلبّساً بأجندة الخارج وشروطه المعولمة.
على القوى السياسية اليوم أن تراجع دروس باكِرْ (غداً) وهى إتخاذ موقف جماعي موحّد بسرعة من مهزلة إنتخابات قُدّ قميصها من دُبرٍ ومن صدْرٍ . أحد مفاتيح الصراع الملتهب انتخابات موثوق بها تقود الى حل مشكلة دارفور والشرق والشمال ، وربما يكون فى تأجيلها ريثما تنعدل القوانين وترتق الخروقات من مصلحة التأكد من نزاهة عملية التحوّل الديمقراطى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.