ان التفاعلات التي تحدث في الساحة الداخلية السودانية وكان اخرها الاعلان عن تجمع جوبا الذي يجمع الحركة الشعبية والاحزاب الشمالية المعارضة لحكومة الانقاذ في الخرطوم، وما اعقبها من تعثر العلاقة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لا تنبي الا بازدياد احتمالات انفصال الجنوب السوداني. وقد تم ذلك وفق الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (الاتفاق الاطاري ماشاكوس 20يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الامنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26 مايو2004 وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الازرق 26 مايو 2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، و الاتفاق الشامل للسلام في 31 ديسمبر 2004 ) مما يثير تساولات حول موقف واشنطن من انفصال الجنوب السوداني. هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة الاول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية افريقية وهذا هو السيناريو الاسوا لواشنطن رغم انه السيناريو الافضل للسودان، لانه يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل ابناء السودان على اختلاف معتقداتهم واثنياتهم، ويحقق اجماعا وطنيا سودانيا، الا انه يصعب تحقيقه نظرا لعدم وجود تنظيم سياسي حديث يرفع اجندة وطنية يمكن ان تلتف حولها كل فيات المجتمع السوداني بصرف النظر عن المعتقد او العامل الاثني او الاقليمي، خصوصا وان كل المفاوضات التي دارت وتدور برعاية من الولاياتالمتحدة لم تناقش من قريب او بعيد مسالة هوية السودان. الثاني : انفصال جنوب السودان وهذا السيناريو وارد الحدوث بشدة في ظل الظروف التي حدثت وتحدث حاليا. نتيجة ادراك الحكومة السودانية ان زمام الامور تفلت من يدها، وهي ستبادر الى اعلان اعترافها بدولة جنوب السودان –فور اعلانه - حفاظا على ما تبقي تحت يدها من الشمال كي تطبق فيه الشريعة الاسلامية بدليل الاتفاق الاخير الذي تم بين الحكومة والحركة الشعبية في شهر ديسمبر /كانون الاول 2009 وكانه اقرار مبكر من حكومة الخرطوم بالتسليم بالانفصال. وتلك الروية يعتنقها العديد من انصار التيار الاسلامي الاصولي في السودان، ويساند هذه الروية سيطرة الحركة الشعبية على معظم اراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها الى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الافريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولاياتالمتحدة. وعلى اية حال فان خيار الانفصال تواجهه مصاعب للاسباب التالية : ان جنوب السودان لا يتمتع بالجدارة الاجتماعية، ذلك ان طبيعة الصراعات فيه بين الدنكا في جانب والنوير و الشيلوك في جانب اخر تبدو اعقد بكثير من الصراع بين الشمال والجنوب. وبهذا فان انفصاله قد يودي الى اندلاع صراع اجتماعي ممتد تشيع فيه حالة الفوضى والاضطراب في منطقة حوض النيل ككل. ان دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان لن تسلم بانفصاله واستقلاله لانها كلها تعاني من ذات المشكلة، ومن شان قيام دولة جنوبية معترف بها امتداد هذا الوضع وبمنطق العدوى الى كل دول الجوار، حيث تسعى الجماعات المعارضة هي الاخرى الى الانفصال. ان الشرعية الافريقية وعلى نحو ما ورد في القانون التاسيسي للاتحاد الافريقي ترفض عملية الانفصال مخافة تمزيق اوصال معظم الدول الافريقية حيث ينص هذا القانون على الحفاظ على الحدود التي ورثتها الدول الافريقية ساعة الاستقلال. ورغم ان ذلك السيناريو ليس المفضل للادارة الامريكية - لاسباب عدة نذكر منها : ان الادارة الامريكية تضع السودان ضمن ما اسمته القرن الافريقي الكبير، وهي بهذا تريد ان تنتزعه كلية من الحظيرة العربية. • ان مصالح الشركات البترولية الكبرى وعلى راسها الشركات الامريكية ليس من مصلحتها تقسيم السودان بالنظر الى اكتشاف النفط في الشمال بكميات واعدة، وامتداد حقول النفط بين الجنوب والشمال بشكل يودي الانفصال معه الى عرقلة نشاط هذه الشركات من جهة وسيادة حالة عدم الاستقرار من جهة اخرى. • ثم ان انفصال جنوب السودان وتشجيع دول الجوار الافريقي له قد يودي الى زيادة الصراع بين الدولة الجنوبية والدولة الشمالية، ويضع على الاخيرة ضغوطا قد تدفعها دفعا للوحدة مع مصر وليس من شك في ان وضعا كهذا لن يخدم المخطط الامريكي الذي يستهدف اضعاف مصر، بل وربما تمزيقها بحسبان كونها ركيزة لاي توجه وتجمع عربي. ومع ذلك فان الادارة الامريكية ستساند الحكومة الوليدة اذا ما اعلنت. الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية افريقية وهذا هو السيناريو المفضل الذي يلق تاييدا من قبل الادارة الامريكية، ودليلنا على ذلك هو ان قيادات الحركة الشعبية كثيرا ما اعلنت عن هذا البديل تحت مسمى السودان العلماني الموحد الجديد، وكثيرا ما اعلنت عن عدايها للعرب في السودان، ووصفتهم "بالجلادة"، واشارت الى ان نسبتهم لا تتجاوز 31% من شعب السودان، فاذا ما اضفنا الى ذلك وجود مابين مليون الى مليوني جنوبي يعيشون في معسكرات حول الخرطوم معظمهم من الشباب لادركنا مدى صدق مقولة جارانج في بداية التسعينيات " ساصل الى الخرطوم على قرع الطبول مثلما فعل اخي يوري موسيفيني عندما دخل كمبالا على قرع الطبول " ان دول جوار جنوب السودان (ارتيريا - اثيوبيا - اوغندا..الخ ) يمكنها ان تقمع اي دعاوي انفصالية فيها، وستستريح من توجهات نظم الحكم المتعاقبة على السودان والتي لم تنفك عن الدعوة الى اعتناق دستور اسلامي، او العمل على تصدير الاصولية الاسلامية اليها، وهنا يمكن للمخطط الامريكي ان يلحق الضرر كل الضرر بمصالح مصر الاستراتجية كلية، ويمكن ان يضر بمصالح مصر المايية ويمكن للسودان الافريقي في هذه الحالة بحكم ثروته البترولية ان يقيم مشروعات زراعية ضخمة بحيث يصبح "سلة الغذاء " ليس للعالم العربي وانما للعالم الغربي. هذا المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org. * مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات بالقاهرة.