بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي رسوله الأمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته درج الكثير من الكتاب علي إستعمال الأمثال والمقارنات في كتاباتهم .. وضرب الأمثال يساعد علي الفهم وعقل الأشياء وإستخدام الأمثال هو منهج قرآني أصيل . راعني ما نحا إليه بعض الكتاب في صحف الخرطوم من وصف أغنية يقال لها " سنتر " الخرطوم بالهبوط والإسفاف ونعت صاحبها بإنعدام الذوق واللياقة في مخاطبة الموتي في شخص طبيب الأسنان المرحوم بإذن الله عوض دكام .. هذا الهجوم دفعني بل أقول شوقني وحفزني إلي السعي والإستماع لتلكم الأغنية ومن ثم إستمعت إليها مراراً وتكراراً وكم كانت دهشتي لمحتوي الأغنية ، لإنطباعي الأولي ولما قاله بعض الكتاب وبكثرة الإستماع لتلكم الأغنية إزددت إقتناعاً ويقيناً بعظمتها وبمجافاة أولئك الكتاب للحقيقة .. وحقيقة أن الأغنية حلوة ، لطيفة ، سهلة الكلام ، ذات جرس وكلماتها ومعناها يفهمه الداني والقاصي .. فالكلمات تدلف إلي صلب الموضوع دون مواربة أما موسيقها فهي جزلة ترغم الوجدان علي الطرب والجسد علي الحركة .. ووجدت نفسي أمام أغنية تأرخ لجتمع يقال له الخرطوم .. لقد أصاب صاحب الأغنية حينما خاطب عوض دكام دون سائر البشر فقد كان بإمكانه مخاطبة الحكام والمسئولين ولكن البشر في بلاد السودان وبفطرتهم يلجئون إلي من يظنون بهم خيراً حتي ولو كانوا موتي ولقد فعل صاحب الأغنية خيراً بإختياره لعوض دكام ذلك الإنسان المشهود له بأناقة الملبس والكلام والتعامل مع البشر والمهتم بالأمر العام والثقافة والرياضة والفن هذه الصفات والأشياء مما تقاس به المجموعات والأمم من جهات الرقي والتحضر وهي لمن أراد مدونة في القراطيس المعنية بالجمال والذوق والمدنية . هال صاحبنا ما رأي من تدهور في الشأن العام فلجأ إلي من يأنس فيهم خيراً فلجأ إلي عوض دكام يبثه همه وحزنه لعلمه بأن ذلك الإنسان الراقي كان مهتماً بالشأن والإنسان السوداني وكم أعمل علمه وخبرته ومهاراته جمالاً في أماكن العمل وتجويداً في الصنعة . الأغنية هي تأمل في الشأن العام السوداني وما طرأ عليه في الأوانة الأخيرة فيما يخص السياسة وما صار إليه الحال في بلاد السودان .. وإستهلال صاحب الأغنية بقوله كلام في كلام أظنه كان يعني قول الدارجة ( كلام ساكت ) كناية عن إحساسه بإنعدام المضمون في المجتمع .. ثم عرجت الأغنية إلي الصحة والطب فتحدثت عن طبٍ غابت عنه الإنسانية وتجارةٌ في الطب أرقامها خاسرة كاسرة .. ثم دلف إلي التعليم ومنهج الكم وإنعدام الكيف والنوع وسطو الشيك والدولار في عالم التعليم الخاص ولم ينسي الفنون والثقافة وضروبهما .. والمشروع الحضاري وأصداه لا تزال ترن في ساحاتنا فداءاً ومكاءاً وتصدية .. ولا زال الكثير من أهل الفن يخافون علي بضاعتهم من وصفها أو وصفهم بالكفر والفسوق والعصيان .. وأظن أن صاحب المشروع كان أمله في إصلاحٍ وإسعادٍ بعيد عن الفن وغير مفضي إلي النار .. وهاهي الشعوب الناهضة تولي إهتماماً وتعطي حقاً للإبداع وقد وعت أن ليس كل الإبداع ترفاً ماجناً أو فسوقاً أو خروجاً عن الملة . وأما عاداتنا الإجتماعية وما إعتراها من نصبٍ ورهقٍ فهي بلا شك مجسدة في "سنتر" الخرطوم .. و"سنتر" الخرطوم هي "سنتر" البلاد وهي الجامع لكل الأقوام والأجناس السودانية .. ونجوم مجتمع الخرطوم هم الساسة والحكام وذو الحظوة وأصحاب المال وكذلك عامة الناس والرعاع .. ولكن المعني هنا في "السنتر" هم علية القوم فالأغنية في مجملها تسأل هذا المجتمع عن صحته وتعامله الإجتماعي ولم أجد كلمة أصدق من فشخرة في وصف ما وصل إليه القوم وما أصاب مجتمع الخرطوم البوباري من تمسك بالقشور وفقدان للمضمون . وأخيراً لقد فات صاحب الأغنية أن يسجل للتاريخ أن السودان صار في صدارة الدول الفاسدة والراعية والمصدرة للفساد وأرجو من الذين لم يسمعوا هذه الأغنية أن يسمعوها ويعوها ولمن سمعها أن يسمعها مجدداً .. ولمن سمعها وكان رأيه سالباً أن يعيد السمع والإستماع هذه المرة من دون أن يكون في أذانه وقرا وأن يكون الإستماع من طرف جسده الأعلي وكذلك الفؤاد . د. فيصل محمد صالح بسمه إستشاري نساء وتوليد برستون إنجلترا Mr. Faisal M. S. Basama Consultant Obstetrician and Gynaecologist Royal Preston hospital Fulwood Preston PR2 9HT