مشهد أول: طفلة يتيمة في التاسعة ترعرعت في كنف خالتها التي كانت تطلب منها دائماً المساعدة في غسل الأواني المنزلية ، وكلما سقط منها صحن أو كوب زجاجي وانكسر ، كانت تتعرض للضرب والإهانة ، في نهاية المطاف هربت من المنزل والمدرسة وابتلعتها شوارع المدينة ، وهكذا أغتيلت براءة الطفلة وأدمنت التنقل من دار رعاية إلى آخر وبصحبتها سجل قانوني مليء بالجنح الصغيرة! مشهد ثاني: طفل في السادسة يضبطه والده متلبساً بتقطيع أحد كراسي الجلوس الفاخرة بموس فيضربه على رأسه ضربة تصيبه بنزيف داخلي يفضي إلى موته ، يحكم على الأب بالسجن ، وهكذا فقد الإبن حياته وفقد الوالد حريته! مشهد ثالث: رجل يشتري سيارة جديدة ، يكتشف أن طفله الذي يبلغ الخامسة قد خدشها بآلة حادة ، يغضب الأب ويضرب إبنه بمطرقة على أصابع يده فيؤدي ذلك إلى بترها ، يكتشف الأب فيما بعد أن العبارات التي كتبها إبنه على السيارة بحد السكين هي "أحبك يا أبي" يندم الأب ندماً شديداً ، يدان الأب بارتكاب جريمة الأذي الجسيم بحق طفله ويدخل السجن ثم ينتحر في زنزانته المنسية ، وهكذا فقد الإبن أصابعه وفقد الأب حياته ولم تجد السيارة من يستمتع بقيادتها أو باللعب في مقعدها الخلفي! من الملاحظ أن أغلب الناس يحبون الأشياء ويستعملون الأشخاص وكأنهم آلات ومن المؤكد أن ذلك هو أكبر تناقض في السلوك البشري فكيف ولماذا يحب أغلب الناس الأشياء ويستعملون الأشخاص؟! قد يقول قائل إن الإنسان يملك الأشياء، هذا صحيح ولكن حق الملكية ، الذي يحتوي على حق الاستعمال وحق الإستغلال وحق التصرف ، يجب أن يستخدم في حدود القانون وبالقدر الذي لا يُلحق أي ضرر بالآخرين وإلا أعتبر الاستعمال أو الاستغلال أو التصرف جريمة يعاقب عليها القانون! قد يقول قائل إن الأبناء ملك للآباء وهم أحرار في التصرف فيهم كما يشاؤون، هذا ليس صحيح فممارسة العنف اللفظي والعنف البدني على الأطفال جريمتان يعاقب عليهما القانون الجنائي ومن الممكن أن تقوم الدولة بنزع الأطفال من حضانة الآباء إذا ثبت أنهم يشكلون خطراً داهماً على سلامتهم البدنية والنفسية! فلماذا لا يستوعب أغلب الناس أعظم الدروس والعبر من الواقع ويتعلموا فن التعامل مع الحياة ؟! لماذا لا يغير أغلب الناس أفكارهم وأقوالهم وسلوكياتهم وأمزجتهم بحيث يتعلمون كيف يحبون الأشخاص ويستعملون الأشياء لأن الحس السليم والمنطق القويم يقولان بفصيح العبارة إن الأشخاص قد خًلقوا من أجل أن يُحبوا دون تجريح أو تحقير وأن الأشياء قد صُنعت من أجل أن تُستخدم دون إفراط ولا تفريط! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر